ترجمات

ماتيس .. 33 عاما من الضغينة ضد إيران

الكاتب: مارك بيري  |  ترجمة مركز الفرات

رابط المقال : MARK PERRY | politicomagazine

[mks_pullquote align=”right” width=”300″ size=”20″ bg_color=”#082a40″ txt_color=”#ffffff”]كان اختيار ترامب للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس – حتى بالنسبة لأولئك الذين رأوا في أنفسهم الكفاءة لهذا المنصب- يعني بقعة ضوء في الظلام، أو واحة في الصحراء، وعلى ما يبدو أننا جميعا تنفسنا الصعداء، فبعد كل تلك الأسابيع يبدو أن ثمة شخص بالغ في الجوار. كيف لا وماتيس ليس فقط محارباً، إنما أيضا مثقف وصاحب تلك المقولة الجميلة (كن مهذباً، كن محترفاً، لكن احتفظ دائماً بخطة
تستطيع بها قتل كل شخص تصادفه)، ومع مهاراته في القيام بشؤون العسكر في أفغانستان والعراق، استحق ماتيس لقب “الكلب نسخة من كتاب “التأملات” لماركوس أوريليوس، “المجنون”. إلى جانب ذلك فقد قرأ ماتيس كثيراً، وأينما يذهب يحمل معه كتباً، وهذه علامة أخرى على أنه ذكي. [/mks_pullquote]

على الرغم من كل ما كتب حول ماتيس من أنه مهندس اتفاقيات، وقائد حربي موهوب، واستراتيجي من الطراز الرفيع، ومحب للكتب، فإن الحقيقة الأهم حول ماتيس هي أنه ضابط مارينز، فالمارينز ليست شعبة عادية كما الشعب الأخرى داخل الجيش الأمريكي.

المارينز فئة عسكرية مترابطة من الجنود، لهم معتقداتهم الخاصة، لهم إيمانهم الخاص وفلسفتهم الخاصة، فهم يرون نفسهم كقوة من النخبة مختلفة عن باقي الفروع الأخرى، هم القوة الأكثر ترابطا التي يملكها جيشنا.

يقول الضباط الذي تحدثت معهم إن ماتيس “مارينز معتق”، فكل ما يفعله أو يقوله يخرج عن كونه مارينزا، بدءا بطريقة معاملته لجنوده إلى كيفية رؤيته للعالم حوله. والشيء الأكثر أهمية للولايات المتحدة ومستقبلها هو أن ماتيس يحمل في داخله الشعور الطويل بالضيم تجاه إيران، والذي يعود لثمانينات القرن الماضي.
كان عداء ماتيس لإيران شديداً لدرجة دفعت بالرئيس أوباما إلى استبداله في قيادة قائد الجيش الأوسط.

الأمر الذي أغضب معجبي ماتيس، مغذياً مزاعمهم أن الرئيس “أوباما” لا يحب الجنرالات المستقلين الصريحين مع قادتهم المدنيين. لكن عداء ماتيس ضد
إيران مثار قلق لبعض قادة البنتاغون البارزين أيضا، والذين لا يؤيدون تقديراته تجاه إيران، كما إنهم قلقون حول فيما إذا كانت تقديراته قائمة على تحليل متين، أم أنها مجرد انعكاس لحالة الكره الممتدة لأكثر من 30عاما التي عاشها ماتيس تجاه الجمهورية الإسلامية.

إنه وضع يمكن أن يؤدي إلى خلافات داخل البنتاغون خلال الأعوام الأربعة القادمة في ظل تخوف بعض قادة البنتاغون من الحرب.

في وقت مضى، تحديدا في عام 2008  كنت ضيفاً في جلسة عشاء في فندق سان فرانسيسكو المملوك من قبل جمعية تابعة للمارينز، لا أتذكر كثيراً حول العرض الذي قدم في تلك الليلة، ولكن التجمع الذي حصل بعد العشاء في قاعة ليذرنيك كان لا ينسى، فمن بين الحاضرين كان هناك بعض من أساطير المارينز، كجوزيف هور القائد السابق للجيش الأمريكي الأوسط، وكذلك الجنرال تيموثي جيراتي الذي شاهد241  جندياً أمريكيا – بينهم220  من المارينز- قتلوا في تفجير انتحاري من قبل انتحاري تم تدريبه على يد الإيرانيين في بيروت عام 1983.
هذا الاجتماع قد أكد لي ما كنت دائما متيقناً منه: إنهم يعرفون كيف يحتفظون بالضغينة في داخلهم.

تلك الضغينة ليست فقط بسبب ما حدث في بيروت، ولكن أيضا بسبب حادثة العلم في الخليج الفارسي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عندما تحرشت البحرية
الإيرانية بناقلة نفط كويتية كانت ترفع العلم الأمريكي كنوع من إضفاء الحماية الأمريكية عليها، وكذلك لدعم الإيرانيين للشيعة العراقيين الذين يقتلون الأمريكيين في العراق. “لطالما كنا في حالة حرب ولا حرب معهم منذ عام 1979 ولكن في الغالب في حالة حرب”، كما قال لي هو في تلك الليلة، والذي كان على رأس عملية العلم تلك. جيراتي الذي كانت مسيرته المهنية المزدهرة قد تأثرت بتفجير بيروت كان أكثر إيجازاً حيث قال “سنقتص منهم”.

تقع إيران في محور تركيز كل الموظفين الذين قابلتهم من المارينز، بمن فيهم ماتيس، كان ذلك في عام2012 ، عندما قابلت ماتيس وقد كان ما يزال في الخدمة العسكرية عندما قال ‘ن أكبر ثلاث تهديدات تواجه الولايات المتحدة هي: إيران، إيران، إيران، وعندما تقاعد من الخدمة في2013  أصبح أكثر صراحة، لقد ردد تعويذته) إيران – إيران- إيران (في نيسان الماضي خلال ظهور له في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مستطردا “التهديد الوحيد الأكثر ديمومة ضد السلام في الشرق الأوسط هي إيران، إنها ليست دولة، بل قضية ثورية مكرسة للأذى (.
ربط ماتيس إيران بصعود داعش قائلاً: إنني أعتبر داعش ليس سوى عذر لإيران لتواصل عبثها، هي ليست عدوة لداعش، لديها الكثير مما ستربحه من خلال الفوضى التي تخلقها داعش، وما قاله ماتيس لاحقاً يذكر بما قال جورج بوش الابن حول إنه طالما أن تنظيم القاعدة لا يهاجم صدام فهما إذا على صلة. يقول ماتيس: “ما هو البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي لم تهاجمه داعش؟ فقط واحد، إيران، الأمر أكثر من مجرد مصادفة، أنا متأكد من ذلك”.

ولكن الأمر ربما ليس على هذا النحو، فمزاعم ماتيس حول داعش وإيران تفتقد إلى دلائل، فالإيرانيون يزودون الحشد الشعبي العراقي الذين يقاتلون داعش في الموصل بالأسلحة، وإيران لا تخفي عداءها للمجموعة السنية الإرهابية “داعش” وبالعودة إلى تموز فقد قال التلفزيون الإيراني إن الحكومة قد كشفت مخططاً داعشياً لشن هجمات في طهران، وقد ألقت القبض على عشرة منهم..

قال مسؤول بارز في البنتاغون: لدينا الكثير من الخلافات مع إيران، ولكن ليس من ضمنها ما نفعله مع داعش، فكلانا متفقان على ضرورة هزيمة هذا التنظيم.
الربط بين إيران وداعش أمر مقلق لأسباب أخرى أيضاً، ذلك أنه يعيد طهران إلى دائرة اهتمامات الولايات المتحدة مرة أخرى كخطوة أولى لإحياء فكرة بوش حول “محور الشر” التي كانت تتألف من الدول والحكومات التي تعادي الولايات المتحدة على الرغم من الاختلافات بين تلك الدول والحكومات، “الأمر ليس بهذه السهولة وعلى ماتيس أن يعلم ذلك، صار له يحوم بدون خطة في هذه المنطقة منذ زمن ولكنه يعلم أن الأمر معقد” قال لي ذلك المسؤول في البنتاغون.

يقول مؤيدو ماتيس إنه من الخطأ وصمه بأنه شخص عقائدي فقط، فهو شخص ينتمي إلى فصيلة الأمريكيين القدماء الأوائل الذين يوازنون بين إيمانهم بقوة أمريكا العسكرية وبين التردد الرصين في استخدام تلك القوة. ولكن البعض الآخر متخوف من أنه متحمس للدخول في حرب، فبالعودة إلى الوقت الذي كان فيه قائدا للجيش الأوسط) كما قال مسؤول البنتاغون ذاك (كان تركيز جيم على إيران بالفعل وكان على دراية بأن أي مواجهة مع إيران قد تؤدي إلى خروج الموقف عن السيطرة، فقد درس الأمر، وقد نهر ضباط البحرية الذين قالوا إن القوة العسكرية الإيرانية لا تصل إلى قوة الولايات المتحدة، لذلك فقد وجدت تعليقه الأخير- حيث
بدا أنه يدفع باتجاه الحرب – غير مفهوم، ولكن إليك السبب: إنهما بيروت والعراق.
كان هوسه بإيران الذي دفع بأوباما إلى إجبار ماتيس للتقاعد في 2013، قبل أسابيع من إخباره بأنه سيستبدل بآخر كرئيس للجيش الأمريكي الأوسط، كان قد طلب بإضافة حاملة طائرات ثالثة إلى الموجودتين مسبقا في الخليج الفارسي ولكن طلبه قد رفض بسبب الحاجة إلى الحملة في الباسيفيك، إلا أن ماتيس لم يحجم، ليس فقط قد ناقش الأمر مع توم دونليون، لكنه أيضا اتخذ فعلا في الخليج
الفارسي اعتبرها البيت الأبيض استفزازية.

وقد كان الأمر على ذلك النحو، بعد أسابيع وبدون أي سابق إنذار وصل إلى ماتيس أنه قد تم استبداله، لم يكلف الرئيس نفسه عناء الاتصال به الأمر الذي أثار زوبعة في أروقة الإدارة، فمناصرو ماتيس قد صعدوا قائلين إن أوباما كان سيحسن صنعا لو أنه استجاب لنصيحة ضابط رفيع حول مغبة التهاون مع بلد مثل إيران. كما أن إقالة ماتيس قد غذت من استياء اليمين المتطرف حيث إن إقالة أوباما لضباط مثل بترايوس وستانلي ماكريستال قد بدت وكأنها تطهير. ففريق أوباما بدا أنه مهتم بالتصحيح السياسي أكثر من اهتمامه بمواجهة أعداء أمريكا. ولكن بطبيعة الحال هناك وجهة نظر معارضة تقول إن مصير بترايوس وماكريستال وماتيس كان بسبب أخطائهم وليس بسبب أوباما. فاستفالة بترايوس كانت نتيجة لقيامه بمشاركة معلومات سرية مع صديقته عندما كان مديرا لسي آي آي، كما تم طرد ماكريستال بسبب فشله في السيطرة على تصريحات موظفيه المخمورين. ومن جهة أخرى أجبر ماتيس على التمرد في وقت ادعى فيه ترامب بأن أوباما قد حول الجنرالات إلى أنقاض ولكن في الحقيقة هم من فعلوا ذلك بأنفسهم، أو ربما في حالة ماتيس على الأقل قد قرر أوباما القضاء عليه بسبب موقف هذا القائد تجاه طهران. يحبذ دونالد ترامب تشبيه ماتيس بالجنرال جورج باتون الجنرال الأكثر نجاحا في الحرب العالمية الثانية، قال ترامب في خطاب النصر في سينسناتي ليلة الجمعة عندما أعلن خبر تعيين ماتيس “إنه الأقرب إلى جورج باتون، الفرق فقط في المدة الزمنية بين الرجلين إنه كذلك؟ تعيين شخص كباتون على رأس البنتاغون سيكون آخر شيء يمكن لرئيس مثل ترومان أو إيزنهاور أن يفعلاه، ذلك أن الجنرالات الموهبين المشاكسين في أرض المعركة من الصعب تقبلهم في رأس المؤسسات، خاصة في العصر النووي، يجب أن يسود أصحاب العقول الباردة”. ولكن هذا الأمر ليس صحيحا في حالة باتون، الذي بعد أن ساهم في هزيمة الألمان كان متشوقا لمواجهة الروس.

لكن ربما يعتقد ترامب أن نظرة ماتيس حول العالم ينسجم مع نظرة باقي القادة تحت إمرته، الذين يريدون تشددا أكثر مع إيران. لكن ذلك لن يكون صحيحا في الواقع فعداء ماتيس المفرط لإيران يضعه في مواجهة عدد من المسؤولين في البنتاغون بالدرجة الأولى في مواجهة مع جوزيف دانفورد– رئيس هيئة الأركان المشتركة – والذي كان رئيسا لماتيس عندما كان ماتيس رئيسا لفرقة البحرية الاولى في عمليات تحرير العراق.

لآلية عمل سلسة في البنتاغون يحتاج دانفورد إلى أن يتأقلم مع الرجل الذي كان يؤدي له التحية وأن يحترم ماتيس دور دانفورد كمستشار عسكري للرئيس وإن لم يتفقا على القضيتين العسكريتين الأساسيتين. الشخصان ليسا فقط صديقين، بل إن كلاهما حارب جنبا إلى حنب في نفس الحرب، ولكن هذه المسالة أصبحت محل شك، وقد ثار هذا الشك في مسألة ما إذا كانت إيران تشكل تهديدا أم لا .
في مكان ما في مكتب دانفورد هناك مجلد باسم “الاستراتيجية العسكرية الوطنية” ومع أن هذه الوثيقة لم يتم بعد الانتهاء منها إلا أنها تتضمن ما يعتبره الجيش التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، وخطة الجيش للتصدي لها. الجزء الأهم في هذه الوثيقة هو الملاحق الخمسة التي تتضمن ما يعتقده الجيش ومعه دانفورد أعظم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، والتي لخصها لي بعض المسؤولين العسكريين بـ “1* 4”)روسيا- الصين- إيران- كوريا الشمالية- والتنظيمات المتشددة(، هذه الوثيقة تناقض رؤية ماتيس نحو العالم فالتهديد الأكبر حسب هذه الوثيقة الذي يواجه أمريكا ليس “إيران- إيران- إيران” حسب ما يراه ماتيس ولكن “روسيا- روسيا- روسيا” كما أكد عليه دانفورد في العلن، ولكن أيضا ليس بدون خلافات بين المسؤولين الأكثر بروزاً، الذين يرأسون هيئة الأركان المشتركة ويزودون الرئيس بالدراسات الاستراتيجية.

أخبرني مؤخرا مسؤول رفيع في إشارة إلى ما يراه دانفورد بشأن روسيا “بالرغم من أن روسيا هي التهديد الأكثر خطورة بسبب ترسانتها النووية إلا أنها ليست التهديد الأكثر إلحاحا، التهديد الأكثر إلحاحا اليوم يتمثل في التنظيمات الارهابية”. وثيقة الاستراتيجية العسكرية الوطنية على الأغلب كانت على رأس أولويات ماتيس عندما تسلم زمام البنتاغون في كانون الثاني وسيكون اختبارا لدانفورد فيما إذا سيبقيه مستقلا كما يسمح له القانون أو أن ماتيس سوف يدفع باتجاه أن يغير الأخير فحوى تلك الوثيقة لتعكس رؤيته الخاصة تجاه إيران. بينما تبقى هذه الوثيقة من اختصاص رئيس الأركان المشتركة، وضمن صلاحياته القانونية سيكون من الصعب على دانفورد وماتيس تزويد ترامب أو الكونغرس بوجهات نظر متعارضة، بالطبع ستبقى القضية تكمن فيمن سيحظى باهتمام الرئيس عندما يتعلق الأمر بالشأن العسكري: هل سيكون ماتيس، العسكري السابق، والذي يشغل اليوم منصبا مدنيا، أم سيكون رئيس هيئة الأركان المشتركة، والذي في عرف القانون الرتبة العسكرية الأعلى داخل الأمة، والمستشار العسكري الأساسي للرئيس ووزير الدفاع وكذلك مجلس الأمن القومي؟!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى