ترجمات

انتقال “خط الجبهة” من حدود إسرائيل إلى مياه الخليج العربي

إنّ اتفاقية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، التي تمّ توقيعها خلال المراسم التي أقيمت في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 15 أيلول/سبتمبر، بحضور بنيامين نتنياهو وعبد الله بن زايد؛ شقيق ولي عهد أبو ظبي، إضافةً إلى تمهيد الطريق أمام عدد من الدول الإسلامية الأخرى لاتباع مسارٍ مماثل، ستنقل “خط جبهة” المواجهة العسكرية المحتملة بين إسرائيل وإيران من حدود الأولى، إلى مياه الخليج العربي، وستغيّر العقيدة العسكرية لإيران بشكل كامل.

لقد تم تصميم العقيدة العسكرية الإيرانية فيما يتعلق بإسرائيل حتى الآن، عن طريق التركيز على إلهاء إسرائيل بعيداً عن الحدود الوطنية الإيرانية، من خلال اللجوء إلى عمليات عسكرية رادعة في المناطق الحدودية للدولة المستهدفة، إضافةً إلى بناء القدرات العسكرية الوقائية لأجل مواجهة أي هجوم محتمل.

إنّ القسم الأول من الأهداف التي تم تحديدها من قبل إيران، يتحقق من خلال تجييش الشيعة في جنوب لبنان؛ وإعداد الهجمات الضاربة من خلال حزب الله، واستقرار الأشخاص المرتبطين بفيلق القدس في سورية، ومساعدة حماس في قطاع غزة.

أمّا القسم الثاني من العقيدة العسكرية الإيرانية فيتمثل في بناء القدرات الصاروخية الباليستية، والسعي إلى امتلاك القدرة على صناعة القنبلة النووية.

إنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل وإحدى دول الخليج العربي، يعني التعاون في جميع المجالات، ومن ضمنها التعاون العسكري، وبالنظر إلى عضوية الإمارات في مجلس التعاون الخليجي، فإنّ الاتفاقية التي تم توقيعها، الثلاثاء، تربط عملياً، أمن إسرائيل بأمن الدول الأعضاء في مجلس التعاون، وهي ستستبدل حالة المواجهة والصراع التي كانت قائمة بينهم في الماضي، بالتعاون الدفاعي والأمني، وبالتالي فإنّ هذا التحوّل في موازين القوى في منطقة الخليج العربي سيكون على حساب إيران أكثر من ذي قبل.

الدلافين الإسرائيلية في مواجهة زوارق الحرس الثوري

قبل عامٍ من البدء رسمياً بتطبيع العلاقات الإسرائيلية-الإماراتية، وفي أوج الاضطرابات الناجمة عن الأعمال التخريبية في مياه الخليج العربي، التي طالت المنشآت النفطية للدول العربية وناقلات النفط التي تعبر مضيق هرمز، سافر “يسرائيل كاتس” وزير خارجية حكومة نتنياهو آنذاك، برفقة مسؤول دفاعي كبير، إلى أبو ظبي، ووافق على اتفاقية تقدم فيها إسرائيل، فضلاً عن توفير المعلومات الاستخباراتية، المساعدات اللازمة للدفاع عن الإمارات ومنظومة التحالف العسكري العربي على الشواطئ الجنوبية للخليج العربي.

أثار الكشف عن التعاون الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي مع أبو ظبي والتحالف العسكري الذي تم تشكيله ضد إيران، في ذلك والوقت انتقادات المعارضين لحكومة نتنياهو، لأنهم رأوا أنّ ذلك قد ينعكس سلباً على الأمن القومي الإسرائيلي. لكن مع الاعتراف بهذه العلاقات، يمكننا أن نستنتج أنّ الكشف عن التعاون العسكري-الاستخباراتي في العام الفائت كان يهدف- فضلاً عن توجيه رسالة تحذير إلى إيران- إلى التهيئة النفسية لتنمية التعاون الإسرائيلي مع العرب.

خلال العامين اللذين سبقا الاعتراف الرسمي لتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، أشارت تقارير غير رسمية إلى وجود تحركات لغواصات مجهّزة بصواريخ ذات رؤوس نووية في مياه الخليج العربي، ورغم أنّ الأعماق الضحلة لمياه الخليج العربي ليست مناسبة لحركة الغواصات، حتى بالنسبة لذوات الأحجام المتوسطة منها، إلّا أنّ هذه الحركة ممكنة؛ حيث اشترت إيران من روسيا، منذ زمن بعيد، ثلاث قطع من غواصات قديمة الطراز، مزوّدة بمحركات تعمل على الديزل، وهي تحتفظ بها إلى الآن في بندر عباس.

على الرغم من امتلاك إسرائيل قوة بحرية أصغر حجماً، مقارنةً بقوتها الجوية والبرية، إلّا أنّها تمتلك قوة غواصات كبيرة.

منذ عقدين من الزمن، وبمساعدة مباشرة من ألمانيا التي تتولى صناعة غواصات من نوع “دولفين” لإسرائيل، تلقت الأخيرة ست قطع من هذا النوع من الغواصات، وهي تترقب تسليم عددٍ أكبر منها، تتميز بقدرة أكبر على البقاء تحت الماء، إضافةً إلى امتلاكها محركات أقلّ صخباً من النماذج السابقة.

ويقال في هذا السياق، إنّه في حال وقوع هجوم عسكري مميت من الخارج على الأراضي الإسرائيلية، فإنّ قواتها البحرية-الغواصات على وجه التحديد- ستتولى مسؤولية الحفاظ على قدرة الضربة النووية لإسرائيل استعداداً لهجومٍ مضاد.

زعم “ديفيد بن شبت”، وهو قائد سابق في القوات البحرية الإسرائيلية، في العام الفائت، أنّ الغواصات الإسرائيلية تتحرك في مياه الخليج العربي، وأنّ “القوات البحرية الإسرائيلية، على جميع المستويات، لديها القدرة على القيام بعمليات بعيداً جداً عن مياه بلادها”.

أعقبت مزاعم “بن شبت”، إضافةً إلى التقارير المتعلقة بالتعاون الاستخباراتي الإسرائيلي مع دول الخليج العربي، ردود فعل غاضبة من قبل “أمير حاتمي”، وزير الدفاع الإيراني، الذي صرّح أنّ “هذا النوع من التدخلات سيؤدي إلى اندلاع الحرب”.

في ذلك الوقت، انتشرت تقارير عن محادثات بين مسؤولين عسكريين إيرانيين، بينهم أمير حاتمي، مع وزير الدفاع الكويتي ناصر صباح، ووزير الدفاع العماني بدر بن سعود، ووزير الدفاع القطري محّمد العطية،  بخصوص هذه المسألة.

قال “يسرائيل كارتس” خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست: “إنّه تعاون استراتيجي عظيم بالنسبة لإسرائيل، فإذا أصبحت الضربة العسكرية ضد إيران أمراً ضرورياً، فإننا نعرف حينها من أين يمكن للقوات الجوية الإسرائيلية أن تُطلق طائرات F35 الرائعة. لقد قامت هذه الطائرات بجولات تدريبية في سماء إيران من قبل، دون أن تلاحظ إيران ذلك”.

مع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، والمرور الرسمي لرحلة الركاب “إل عال 971”  فوق الأراضي السعودية، في طريقها إلى أبوظبي، إضافةً إلى احتمال إرسال غواصات الـ “دولفين” بشكل رسمي لزيارة موانئ “الدول الصديقة والحليفة”، بات واضحاً أيضاً مسير الطائرات الحربية الإسرائيلية للوصول إلى الأراضي الإيرانية.

استضافة إيران للقوات البحرية الروسية والصينية

تنظر الصين بحذر إلى الوجود الإسرائيلي في مياه الخليج العربي، ونظرتها هذه متأثرة بمصالحها الأوسع على نطاق المشهد العالمي.

إنّ مشروع “حزام واحد_ طريق واحد” الطموح، وتطوير “طريق الحرير”، وربط الأراضي الصينية، عبر آسيا الوسطى، بالمياه الساحلية لباكستان وإيران، كلّ ذلك لا يقل أهمية بالنسبة للصين، عن منع تركيا من اكتساب القوة في البحر المتوسط.

كما إنّ وجود إسرائيل في الشريط الجنوبي للخليج العربي، بإمكانه أن يلجم الطموحات التركية، ويحافظ على توازن القوى مع دول شمال إفريقيا.

في الوقت نفسه، تهدف رؤية الصين التجارية في صداقتها مع إيران إلى الحفاظ على أسواق التصدير في الدول العربية، والحيلولة دون وقوع الحرب في المنطقة.

وعليه، فإنّ وقوف الصين إلى جانب إيران ليس وقوفاً غير مشروط، بل هو خاضع لاعتباراتها التجارية الأكثر شمولاً، ونظرتها السياسية للأمن الإقليمي.

تعارض الصين مثل روسيا، أن تصبح إيران قوةً نووية، وفيما يتعلق بالاختيار بين الحفاظ على مجلس الأمن أو الدفاع عن موقف إيران بخصوص العقوبات، فإنّها تفضّل الحفاظ على مجلس الأمن.

أما بالنسبة للموقف الروسي من تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأبو ظبي، والوجود العسكري الإسرائيلي الحتمي في منطقة الخليج العربي، فهو يشبه إلى حدّ ما موقف الصين، رغم أنّ موسكو ترى في تعزيز وجودها العسكري في إيران تماشياً مع تطور مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

لقد شاركت كل من روسيا والصين، العام الفائت، في مناورات “حزام الأمن البحري” في تشابهار، ولو أنّ مشاركة قطعاتهما البحرية كانت مشاركةً رمزية، ولم تكن تهدف إلى استعراض القدرات البحرية أمام الولايات المتحدة، خلافاً لما روّجت له إيران.

أعادت الصين تكرار نوع من المناورات البحرية التي كانت قد أجرتها مع الوحدات الإيرانية عام 2017، لكنها أرسلت هذه المرة إلى المناورات، فرقاطة “شايننغ” القاذفة للصواريخ فقط، التي كانت ترافق السفن التجارية، مع باقي الوحدات البحرية الصينية، في خليج عدن وبالقرب من المياه الصومالية.

أما مشاركة روسيا الضئيلة في هذه المناورات، فقد جاءت أكبر بقليل من مشاركة الصين، وفي الوقت نفسه كان ثمة حرص من قبل روسيا على أن تتم هذه المناورات دون وجود أي نوع من الدعاية السياسية أو التحذير والتهديد.

في المحصّلة، لقد بدأت إيران لعبةً خطرة مدفوعةً باستعراض التعاون الاستراتيجي مع روسيا والصين؛ هذه اللعبة التي شجعت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على العمل بشكل أوثق مع إسرائيل، ونتيجةً لذلك، جعلت كفة القوة تميل لصالح إسرائيل والسعودية أكثر من ذي قبل، على حسابها.

_______________________________________

رضا تقي زاده: محلل سياسي متخصص في الشأن الإيراني.
ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى