تطبيع العلاقات الإسرائيلية-السعودية الفرصة الأخيرة لإنقاذ دبلوماسية بايدن
تمت الترجمة عن الإنجليزية
تشوك فريليتش: نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، وباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي((INSS.
صحيفة جيروزالم بوست
مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة
يبدو أن إدارة بايدن تتبع مسارين منفصلين، ولكن متكاملين في الشرق الأوسط: الجهود المستمرة للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية مع إيران، والتطبيع السعودي الإسرائيلي. وكلا المسارين من شأنهما تحقيق الاستقرار في المنطقة، بل ربما يؤديان إلى تحوّل استراتيجي.
في ظل خيبة الآمال في التوصل لاتفاق نووي جديد من قِبل إيران، تحاول إدارة بايدن التوصل لـ”تفاهمات غير رسمية”، حيث ستقوم إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم بحدود 60%، وهو مستوى خطير، إلا أنها غير كافية لصنع قنبلة نووية، وعدم استهداف المصالح الأمريكية في الخليج. وبدورها ستقوم الولايات المتحدة بإلغاء تجميد 6 مليار دولار من الأصول الإيرانية، ليتم صرفها لشراء المواد الغذائية والمواد الطبية، والسماح لعراق بدفع 4 مليار دولار لإيران مقابل شرائها الطاقة الكهربائية من الأخيرة.
فالمسار الإسرائيلي-السعودي لديه القدرة على إحداث تغييرات إقليمية بعيدة المدى، وفي الواقع، إنها صفقة متعددة الجوانب، من شأنها فرض مطالب كبيرة على كافة الأطراف، إلى جانب توفير مكاسب كبيرة أيضاً. وتعتبر الفرصة الأخيرة لإنقاذ الدبلوماسية.
ماذا يريد السعوديون من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
يطالب السعوديون، مقابل عملية التطبيع، بتنازلات كبيرة من طرف إسرائيل، بالرغم من عدم تحديدها بعد، بخصوص القضية الفلسطينية.
إلّا أن مطالب السعودية من أمريكا هي أكثر دقةً؛ تتمثل في معاهدة دفاعية، والوصول غير المحدود للأسلحة الأمريكية بشكل أساسي، والموافقة الأمريكية على البرنامج السعودي النووي السّلمي.
نظراً لمواقف الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود المتشددة إزاء القضية الفلسطينية، قد يفكر السعوديون في التطبيع بشكل جزئي في هذه المرحلة، في انتظار صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى العرش. إذا كانت الأمور هكذا، ستحد -بلا شك- من الرغبة الأمريكية والإسرائيلية للموافقة على المطالب بعيدة المدى للسعوديين.
التنازلات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ستكون كبيرة، إلا أنها ستشمل تجنب إجراءات من شأنها المخاطرة بفكرة حل الدولتين، وسيتعين على إسرائيل تأجيل ضم الضفة الغربية لأجل غير مسمى، وتأجيل إنشاء مستوطنات جديدة. بالإضافة إلى تأجيل إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية، وستقوم بنقل جزءاً من أراضي منطقة (ج) في الضفة الغربية، وهي تحت السيطرة الإسرائيلية، إلى سيطرة الفلسطينيين.
وعلى صعيد آخر، ستسعى إدارة بايدن لحصد موافقة إسرائيل حول المطالب السعودية، سيما الملف النووي، وحتى لممارسة ضغوطات فعّالة من قِبل إسرائيل واللجنة الأمريكية-الإسرائيلية للشؤون العامة (AIPAC) في الكونغرس، كوسائل لكسب التأييد لما ستكون عملية صعبة.
يتوقع من الفلسطينيون أن يبقوا جانباً مرة أخرى، بحسب الاعتقاد الأمريكي الأولي على الأقل، كما فعلوا خلال المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. وسيحصل الفلسطينيين على مساعدات كبيرة من السعودية، وسيستفيدون من التنازلات الإسرائيلية، مقابل الامتناع عن التدخل الفعّال في المفاوضات، أسلوب عمل الفلسطينيين المعتاد. لكن ما أثار دهشة الإدارة الأمريكية، هو أن الفلسطينيين قد يتبنون نهجاً مختلفاً هذه المرة، وقد يسعون للانخراط في هذه العملية.
ترغب الولايات المتحدة في وضع حل القضية النووية الإيرانية جانباً، على الأقل حتى ما بعد انتخابات 2024، وبالتالي تقليل المخاطر المتمثلة في أن تؤدي الأزمة مع إيران إلى صرف الانتباه الدولي عن الحرب في أوكرانيا والمنافسة العالمية مع الصين، بالإضافة إلى التطبيع الكامل للسعودية مع إسرائيل. ومن المرجح أن تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى إلزام السعودية بإنهاء الحرب في اليمن، وتقديم مساعدات سخيّة حقاً للفلسطينيين، وفرض قيود كبيرة على علاقات السعودية المتنامية بشكل متسارع مع بكين.
الرئيس جو بايدن صديق حقيقي لإسرائيل، الرئيس الوحيد الذي عرّف نفسه بأنه صهيوني ويصطحب أطفاله لزيارة معسكرات الاعتقال.
بالرغم من المصالح الاستراتيجية الأمريكية الحاسمة، يبدو أن الدافع الأساسي للزخم الأخير؛ هو قلق بايدن المتزايد من أن إسرائيل غير قادرة على التعامل مع نقطتي تحول وشكيتين. فنقطة التحول الأولى تتمثل في زوال حل الدولتين، وما يترتب على ذلك من تداعيات على طابعها اليهودي والديمقراطي، ونقطة التحول الثانية هي عملية الإصلاح القضائي، التي بدأتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة، والتي تهدد الطابع الديمقراطي لإسرائيل.
هناك شكوك -إلى حد كبير- في إمكانية تطبيق الصفقة المذكورة أعلاه، وهو أمر له ما يبرره. وسيتعين على جميع الأطراف أن تقدم تنازلات كبيرة، بل وحتى نسخة أقل حدة من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى انهيار الائتلاف الإسرائيلي، أو إلى تشكيل تحالف جديد وأكثر اعتدالاً، أو حتى إلى انتخابات مبكرة، والتي ستكون بمثابة استفتاء فعلي حول هذه الصفقة.
والنتيجتان ستكونان موضع ترحيب بالنسبة لإدارة بايدن، التي تسعى إلى مواجهة الأطراف، وخاصة إسرائيل، بضرورة اتخاذ قرارات تاريخية. ومع ذلك، من غير الواضح كيف سيساعد هذا الإنجاز نتنياهو على تحقيق هدفه الأهم في الإقرار بإنهاء محاكمة الفساد ضده، والتي قد ينتهي به المطاف في السجن، أو ما إذا كان لديه أيّة رغبة في تغليب مصالح الدولة على مصالحه الشخصية.
من جانبها، لم توقع الولايات المتحدة معاهدة دفاعية مع أي دولة منذ عام 1960 سوى مع اليابان. إن القيام بذلك مع المملكة العربية السعودية، الدولة المنبوذة اليوم من قِبل غالبية أعضاء الحزب الديمقراطي، أمر صعب للغاية.
يجب على الإدارة بايدن أن تأخذ بعين الاعتبار بأن قبول المطالب السعودية من المرجح أن يؤدي أيضاً إلى مطالبات لإسرائيل، وعدد من الحلفاء العرب، ودول أخرى حول العالم، بمعاهدات مماثلة. في حين أن الجانب المشرق لهذه الصفقة يتمثل في سلسلة من المعاهدات الثنائية مع دول الشرق الأوسط لتكون الأساس في تشكيل البنية الأمنية الإقليمية، والتي سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى إنشائها.
القرار الحاسم الثاني يتمثل في إمكانية الرضوخ لمطلب المملكة العربية السعودية في السماح لها باستخدام قدراتها المحلية لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يُعتبر عنصراً حاسماً في برنامج عسكري محتمل في المستقبل.
إن الإذعان من شأنه أن يثير السؤال الحرج حول سبب منع إيران من القدرة على التخصيب، إذا لم يتم منع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يشكل سابقة خطيرة لانتشار الأسلحة النووية في المستقبل.
يمكن تصور إمكانية التوصل لحل وسط، بحيث أن الولايات المتحدة تبدي بموجبه استعدادها لمنح السعوديين معاهدة دفاع مشروطةً باستعدادهم التخلي عن التخصيب. إذا ثبت أن مثل هذه المقايضة بعيدة المنال، وأن الصفقة بأكملها تعتمد عليها في النهاية، فإن نظام عمليات التفتيش الدقيقة الكافية من شأنه أن يوفر حلاً وسطًا معقولاً يمكن لإسرائيل أيضاً التعايش معه.
ثالثًا، إن استعداد الولايات المتحدة منح السعوديين حق اقتناء الأسلحة الأمريكية الأكثر تطوراً، مثل طائرات F-35، سيجعل من الصعب جداً الوفاء بالالتزام الذي كلفها الكونغرس بالحفاظ على الميّزة العسكرية النوعية لإسرائيل (QME). ومع ذلك، بناءاً على التجربة السابقة، من المحتمل أن يتم إيجاد حل من خلال بيع الأسلحة المتطورة بدرجة أقل للسعودية (بجيل أقدم) من تلك المقدمة إلى إسرائيل، أو تفتقد بعض القدرات المحددة، أو التي يكون انتشارها الجغرافي في المملكة العربية السعودية محدوداً.
في مواجهة إعادة تنشيط التحالف العسكري الذي يقوده الولايات المتحدة، ستكون إيران الخاسر الأكبر في هذا السيناريو. وإيران بدورها، من المرجح أن ترد على هذه النكسة الاستراتيجية من خلال ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس، في حين لا يمكن استبعاد اختلاق أزمة بهدف إعادة ضبط الأمور عن طريق زيادة التخصيب إلى مستوى 90٪.
سيشكل التطبيع مع المملكة العربية السعودية تحولاً تاريخياً في الظروف الاستراتيجية لإسرائيل، حيث سينهي الصراع مع الدول العربية بشكل أساسي، وعلى الأقل سيقوم باحتواء القوى المتبقية إلى حد ما (إيران وحزب الله وحماس). كما أنه سيفتح معظم العالم الإسلامي أمام إسرائيل، وربما يمكّنها من التطبيع مع إندونيسيا وماليزيا وحتى باكستان.
الانفتاح مع الفلسطينيين، حتى لو كان محدودًا، أفضل من حالة الجمود القائمة، الذي يؤدي حتماً إلى حل “دولة واحدة ثنائية القومية”. وأي شيء يؤدي لإنهاء الإصلاح القضائي، هو أكثر من موضع ترحيب. إن “التفاهمات غير الرسمية” مع إيران بشأن التخصيب بعيدة عن المثاليّة، ولكنها الأفضل ضمن الخيارات السيئة. وعليه، فإن افتراض وجود نظام تفتيش فعّال لعملية التخصيب في السعودية، سيعود بفوائد أكثر وضوحاً لإسرائيل.
في هذه المرحلة، لا يزال كل ما سبق بشكله المبدئي للغاية، وليس من الواضح ما إذا كان بايدن على استعداد لوضع ثقله وسلطاته الكاملة في خدمة هذه الصفقة. ومع ذلك، يبدو أن كبار المسؤولين الأمريكيين الذين التقوا مؤخراً بنظرائهم السعوديين قد خرجوا بتشجيع كافٍ للمضي قدماً في الخطوة التالية، والمتمثلة في الاجتماع القادم مع وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو والمقرب منه، رون ديرمر.
لا يزال الأمر بعيد المنال بالتأكيد، ولكن كما يقول ديفيد بن غوريون، (أحد مؤسسي دولة إسرائيل) في مقولته الشهيرة: “إن أي شخص في إسرائيل لا يؤمن بالمعجزات ليس شخصاً واقعياً”.