ترجمات

مهسا أميني.. تحوّل النظام الذكوري وانطلاق “ربيع جديد” في إيران والمنطقة

“لن تموتي يا ژینا، فاسمكِ سيصبح رمزاً”، هي جملةٌ أصبحت بدايةً لانطلاق احتجاجات شاملة في إيران. ووفقاً لتقارير مختلفة، فقد اندلعت مظاهرات شاملة في مختلف المدن الإيرانية، إضافةً إلى خروج الإيرانيين في الخارج، في مظاهرات ضد “الجمهورية الإسلامية”.

غزا الحَراك الذي تشكّل بعد مقتل مهسا أميني، حاملاً شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، بشكلٍ مثير للدهشة، الواقعين الحقيقي والافتراضي على حدٍّ سواء، ليتحول إلى حَراك عالمي.

إنّ قضية المرأة والنظام الذكوري في العالم الإسلامي، هي قضية مبهمة ذات عدة أوجه. فإذا نظرنا إلى هذه القضية من الناحية التاريخية، لوجدنا أنّ هناك ثلاث مواجهات واضحة اندلعت بين النساء والنظام الذكوري في التاريخ المعاصر للإسلام. ويُقصد بالنظام الذكوري، الحكومات الإسلامية أو الحكومات الاستبدادية التي تسعى إلى استمرار النظام التقليدي للمجتمع الإسلامي، الذي لا مكان فيه للمرأة. وباعتقادي، فإنّ الحكومات الإسلامية والجماعات الإسلامية الأصولية، هم الداعمون الرئيسيون لاستمرار النظام التقليدي والكلاسيكي، الذي يلعب الدور الرئيسي في إعادة إنتاج النظام الذكوري. سأتطرق هنا إلى ثلاث مراحل من مواجهة النساء وممثلي النظام الذكوري.

كان السؤال الأهم الذي طُرح بعد الحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط، ولاسيما بعد الربيع العربي، وتشكل أنظمة سياسية جديدة، هو ماذا سيكون دور المرأة في المجتمع، وهل ستکون المرأة حاضرة في الحياة العامة، جنباً إلى جنب مع الرجل أم لا؟

بعد وصول أنظمة ما بعد الربيع العربي إلى السلطة، اتضح أنّ النتيجة لم تكن عدم اعتبار النساء على أنهنّ نصف المجتمع وحسب، بل تم تعزيز النظام الذكوري أكثر، أيضاً، وتهيأت الأسباب لتهميش النساء بشكلٍ أكبر.

من جهةٍ أخرى، ظهر تنظيم داعش في العراق وسوريا، والذي كان باعتقادي، نوعاً آخر من ترسيخ النظام الذكوري والتقليدي في العالم الإسلامي، حيث تصدت المقاتلات الكرديات “وحدات حماية المرأة” في شمال وشرق سوريا، ووحدات البيشمرگـة في إقليم كردستان العراق، إلى جانب جهات إقليمية ودولية أخرى فاعلة، للإسلاميين، وألحقوا الهزيمة بداعش.

كان ظهور طالبان مرّة أخرى، نقطة عودة لأفغانستان إلى الوراء، حيث فرضت أحكامها المستمدة من الشريعة الإسلامية والفقه الديوبندي، من جديد قيوداً كثيرة على النساء والفتيات الأفغانيات، بما في ذلك عدم السماح بتجاوز تعليم الفتيات لأكثر من المرحلة الابتدائية.

نزلت النساء الأفغانيات للمرة الأولى إلى الشوارع، معترضاتٍ على نظام طالبان، الذي يحاول إعادة إنتاج النظام الذكوري، وأطلقن شعار “الخبز، العمل، الحرية”. واعتقلت طالبان عشرات النساء المحتجات، وأطلق سراح بعضهنّ بعد تعذيبهنّ، فيما لم يزل مصير البعض الآخر مجهولاً حتى الآن.

النساء في المركز.. النساء كطريق للحل

لقد دفع تزعزع العالم الإسلامي علماء المسلمين دائماً إلى إيجاد حلّ للخروج من الأزمة، ورأى الإخوان المسلمون أنّ الحلّ يكمن في العودة إلى الماضي والعصر الذهبي، لذلك اعتقدوا أنّ “الإسلام هو الحل”.

خلال فترة الربيع العربي، حيث كانت مختلف الدول في شمال أفريقيا تعاني من الفساد، والأزمات الاقتصادية والسياسية، اتبع المثقفون العرب نموذج الاحتجاج التونسي، وأطلقوا شعار “تونس هي الحل” بدلاً من شعار الإخوان المسلمين. إنّ روح شعار “تونس هي الحلّ” ينطوي، من ناحية، على تأكيد النهج الاحتجاجي الجديد، ومن ناحية أخرى يشير إلى فشل النظام التقليدي، الذي اعتقد الإخوان المسلمون أنّه الحلّ. ونظراً لفشل العالم العربي، بعد الربيع العربي، وظهور داعش، لم تتمكن تونس أيضاً من أن تصبح الحلّ.

لقد أتاح صعود طالبان فرصةً للمرأة الأفغانية للوقوف في وجه النظام الذكوري، وإحداث تغييرات في طبيعة الاحتجاجات. إنّ المشاهد التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لاحتجاجات النساء ضد حركة طالبان ووقوفهنّ في وجهها، كانت دلالةً على حدثٍ عميق.

كانت النساء الأفغانيات لوحدهنّ في هذه المظاهرات، ولم نشهد مرافقة الرجال لهنّ. وهذا يشيرُ-أكثر من أي شيء آخر- إلى خوف الرجال من تغيير النظام التقليدي والذكوري في أفغانستان.

وبالنظر إلى فشل كلا الحلّين، فإنني أعتقد أنّ “المرأة هي الحلّ” هذه المرة، وأنّ الحركات التي يكون محورها النساء، سيكون بإمكانها تغيير النظام الذكوري، الفاشل والعاجز.

أتاح مقتل ژینا أميني، مرةً أخرى، الفرصة لإحياء الانتفاضة النسوية، وهذه المرة خرجت النساء إلى الشوارع، جنباً إلى جنب مع الرجال، مرددين شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، ليس فقط ليصبح خروجهن أرضيةً لطلب القصاص، وإنما ليؤدي إلى تغيير النظام التقليدي والأصولي للمجتمع، وإعادة تعريف الكثير من المفاهيم. ووفقاً لتعبير سلافوي جيجك (الفيلسوف السلوفيني)، فإنّ “هذا الاحتجاج، هو احتجاج نسوي، شمل الرجال أيضاً منذ البداية.”

باختصار، وفي ظلّ الوضع المضطرب الذي يعيشه النظام الذكوري، هبّت النساء في كردستان لمحاربة تنظيم داعش والبنادق في أيديهنّ، ومضت النساء في أفغانستان لمحاربة طالبان وفي أيديهنّ الأقلام، وفي الانتفاضة الأخيرة في إيران، تحمل النساء أوشحتهنّ بأيديهنّ ويحاربن “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية.

انتفاضة شاملة

تتمتع الانتفاضة الحالية بأربع خصائص، وهي: الانتشار والتعدد المركزي، والتعدد القيادي. وتتميز أيضاً بالانتقال من مكان إلى آخر، نظراً لأنّ المفاهيم، وأنماط السلوك، والشعارات، وأسلوب التظاهر، تنتشر بشكل سريع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يدفع بأماكن أخرى إلى اتباع الأساليب ذاتها، التي انتشرت عن طريق المحادثات في الفضاء الإلكتروني، ونقل التجارب حول كيفية المواجهة، ودفع التظاهرات قدماً إلى الأمام. وعندما نقول عن هذه الانتفاضة إنها متعددة المركز وشاملة، فإننا نقصد منها أنّه لا يوجد مصدر واحد يتخذ القرار، يعطي التعليمات ويحدد الإجراءات التي ينبغي القيام بها، بل هي تمتلك العديد من مراكز اتخاذ القرار.

لا تقتصر مراكز هذه الحركة على داخل حدود البلاد، ولها أبعاد إقليمية ودولية، وهي تعمل بنشاطٍ دؤوب. إنها حركة متعددة القيادات، لأنه لا توجد قيادة على رأس الهرم التنظيمي للمتظاهرين. وبطبيعة الحال، لا ترتكز الحركات الجديدة على الهياكل التنظيمية التقليدية، وهي تعتمد هيكلاً تنظيمياً عمودياً، بمساعدة شبكات التواصل الاجتماعي، والتقدم التكنلوجي. هذا يعني أنّه خلال مسار احتجاج ونضال الحركة، يكون كل متظاهر قائداً يلعب دوراً بنّاءً في دفع الاحتجاجات نحو الأمام، من خلال طرح وجهات النظر، وأنماط الاحتجاج وأساليب النضال.

من جهةٍ أخرى، يشير اختيار هيكل القيادة العمودي أو الأفقي، إلى رفض المتظاهرين أسلوب القيادة التقليدي والكلاسيكي.

ثالوث الخوف والغضب والأمل

يجب أن تمرّ الحركات الاجتماعية الجديدة، عموماً، بثلاث مراحل من الخوف، والغضب، والأمل، حتى تتكلل بالنجاح. يعتقد مانويل كاستلزكي- وهو أحد منظّري الحركات الاجتماعية الجديدة، وله نظرة خاصة للشرق الأوسط- أنّ تونس تحررت عندما حوّل مشهد احتراق محمد البو عزيزي، خوف الناس من نظام بن علي، إلى غضب، ومن ثم تحوّل هذا الغضب إلى أمل في الحرية والانتصار.

وبالاستناد إلى مجريات الوقائع التي تُشاهد على الأرض في إيران، فقد تحوّل الخوف بشكلٍ تدريجي وهادف إلى غضب، وهذا الغضب بدوره يتحول إلى أمل، في عمليةٍ محسوبةٍ ودقيقة. تماشياً مع خط سير الواقع على الأرض، فإنّ المتظاهرين الإيرانيين داخل البلاد هم في مرحلة الغضب، ويبدون تعاوناً قوياً مع بعضهم البعض، كما يلجأون إلى استخدام أدوات وآليات مختلفة للتعبير عن غضبهم. تُظهر مقاطع الفيديو المختلفة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ الكثير من القوات الإيرانية المسلحة، غير قادرة أيضاً على مواجهة المتظاهرين، ويلوذون بالفرار، تاركين الميدان للمتظاهرين. كما أدى ضعف معنويات القوات المسلحة وترددها، إلى سيطرة الشعب على الكثير من مراكز المحافظات، وهذه هي مرحلة تحوّل الغضب إلى أمل، وهذا الأمل ينتقل بدوره إلى مراكز الاحتجاج الأخرى.

إنّ اللحظات التي يحقق فيها المتظاهرون النجاح، تؤدي إلى تشجيع وتحفيز بقية المتظاهرين في أماكن ونقاط أخرى، وهذا من شأنه أن ينشر الأمل على نطاقٍ واسع، ويمهّد الطريق أكثر لبلوغ الهدف.

في النتيجة، هذه الحركة التي تشكلت، تُعتبر حركة احتجاجية تهدف لإسقاط النظام الأبوي الذكوري، لأنه فشل في تحسين الأوضاع من جميع النواحي، والآن تعتبر النساء بديلاً عنه، لأنّ “النساء هنّ الحلّ”. على ما يبدو، فإنّ انتصار هذه العملية بات مسألةً حتمية، وفي حال تحقق هذا الانتصار، ستشهد الدول الإسلامية، التي يعمّها النظام الذكوري، مثل هذا الوضع، وستنتقل أنماط الاحتجاج وقيادة المواجهات، بمساعدة شبكات التواصل الاجتماعي، إلى نقاط أخرى من العالم الإسلامي، مثلما كان الربيع العربي، وأسلمة العالم العربي أمراً حتمياً.

…………………………..

حسين إحساني- باحث إيراني متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية الأصولية.

ترجمة: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال

زر الذهاب إلى الأعلى