دراسات

المشهد الإعلامي في مناطق الإدارة الذاتية

تحليل الواقع (الوظيفي، والتنظيمي، والمالي) لوسائل الإعلام المحلية

المقدمـــة

شَهَد الواقع الإعلامي في سوريا طيلة العقود الماضية تفاقماً للأزمات، والتحديات، سيّما المتعلقة بالتضييق على الحريات، وفرض القيود الرقابية على الصحفيين، والافتقاد للتعددية أو الانفتاح على الأصوات المعارضة، إذ ظل حبيساً لاحتكار السلطة الحاكمة للكلمة، والتدفق الحر للمعلومات، فكان مصير أي مشروع إعلامي يبحر “خارج النص الحكومي” التضييق، والإغلاق، والسجن، كما في تجربة “علي فرزات” مالك جريدة “الدومري”، التي تعرضت للإغلاق، جراء انتقادها اللاذع لتدني هامش الحريات في البلاد، وتحميلها السدة الحاكمة المسؤولية الكاملة إزاء ذلك.

فضلاً عن ذلك، فقد انحسرت أدوار وسائل الإعلام المحلية في التسويق لتيارات سياسية، وفكرية تخدم مصالح المنتفعين والسلطة الحاكمة، دون الأخذ في الاعتبار مراعاة واحترام التنوع والتعدد في الثقافات، والدور المنوط بجوهر تحقيق الإعلام للترابط والتماسك الاجتماعي، بل على العكس تماماً بقي إعلاماً مناسباتياً، يجنّد لأنماط من المفاهيم والقيم الغريبة عن التكوين الثقافي، والفكري للمجتمع السوري، فكانت النتيجة سيادة حالة من الاغتراب الإعلامي لدى الجمهور السوري، وفقدانه الثقة بنوافذ الإعلام المحلي، الأمر الذي دفع بكثيرين إلى تفضيل التنقل بين وسائل الإعلام الخارجية، ليس لكونها أفضل حالاً من الإعلام المحلي من حيث الاستقلالية أو المصداقية في نقل الحدث، بل لأنها تشبع حاجات معرفية آنية بالنسبة للجمهور المحلي لا يجدها في “إعلامه الوطني”.

كما أن ضعف الإطار القانوني، وتدنّي التكوين المهني، والأكاديمي الذي يسمح لها بالتطور، واتصاف وسائلها بمركزية الصدور من دمشق وحلب، مع إهمال بقية المحافظات السورية -بنسب متفاوتة- من ناحيتي التغطية الإعلامية، وتمركز وسائل الاعلام، تُعدّ من أسوء معالم الإعلام في سوريا.

هذا الواقع المشوه إعلامياً، والبعيد كل البعد عن هوية الإعلام السوي، ومسؤولياته القويمة في كشف الفساد وتصويب الأخطاء، أثّر سلباً على البنية الاجتماعية، والنفسية، والهوية الوطنية الجامعة لتكوين شخصية الفرد السوري، سيما مع افتقاد تلك الفترة لوسائل الاتصال المتطورة، كما الآن.

تباعاً، وفي خضم تسارع وتيرة التغيرات التي أججتها ثورات “الربيع العربي”، وما رافقها من طفرة نوعية في تقنيات الإعلام الجديد، سطعت الكثيرمن الحقائق، وتحطمت القوالب النمطية التي ظلت تعممها أجهزة الإعلام الحكومي لعقود، وبرز أكثرْ دور “المواطن الصحفي ” الذي بات يزاحم الإعلام التقليدي، كما انتهزت وسائل الإعلام البديلة فقدان الحكومة المركزية سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة، لتمارس عملها الميداني، وتبث الأحداث من الداخل السوري، وهذا ما جرى العمل عليه في مناطق الإدارة الذاتية، التي تدير ثلث المساحة السورية.

فقياساً مع باقي المناطق السورية، تعدّ هذه المنطقة اليوم الأكثر احتضاناً لوسائل الإعلام من حيث التوزع الجغرافي، (1) ويقدر عددها بـ115 وسيلة إعلام (محلية، وإقليمية، ودولية).

من هنا، ومن أهمية التحليل العلمي، والتقييم الدقيق للجوانب البنيوية لوسائل الإعلام المحلية في مناطق الإدارة الذاتية، سيتم تقسيم الدراسة الحالية إلى مرحلتين، تتمثل المرحلة الأولى بقياس اتجاهات الجمهور تجاه أداء الإعلام المحلي، وفي المرحلة الثانية سيتم تحليل الجانبين المالي والوظيفي، وتفسير البنية التنظيمية في وسائل الإعلام المحلية لاستنباط نتائج واقعية ذات دلالة.

تقسيمات الدراسة: تنقسم الدراسة – في ظل قراءة المشهد الإعلامي – إلى أربعة محاور رئيسية:

المحور الأول

سيتضمن الإجراءات المنهجية الخاصة بالدراسة.

المحور الثاني

 سيتم فيه قياس وتحليل اتجاهات الجمهور تجاه أداء الإعلام المحلي.

المحور الثالث

سيركز على تحليل وتقييم النواحي (الوظيفية، والتنظيمية، والمالية) في الإعلام المحلي.

المحور الرابع

تنتهي الدراسة بعرض النتائج والتوصيات، والمراجع والملاحق.

لتحميل الدراسة كاملة

زر الذهاب إلى الأعلى