
أفغانستان.. الوجهة المُعلّقة لتركيا ومرتزقتها “الأدوات والدوافع والتحديات”
تحت ذريعة حماية المصالح التركية، وضمن استراتيجية توسيع رقعة تدخلها في شؤون الدول الأخرى، تأتي أفغانستان كمحطة جديدة، لتنضم إلى قائمة الدول التي تدخّلت فيها تركيا.
ومع الأحداث الأخيرة التي تشهدها الساحة الأفغانية، نتيجة انسحاب الولايات المتحدة وشركاءها في الناتو، تحاول تركيا استثمار هذا الفراغ باستخدام كافة قواها الناعمة والصلبة لإيجاد موطئ قدم ثابت لها هناك، في خطوة يراها المسؤولون الأتراك أنها إحدى الملفات التي يمكن استخدامها لبسط المزيد من النفوذ؛ وتخدم سياساتها للهيمنة؛ عبر استراتيجية توسعية تقوم على التدخل العسكري والقوة الناعمة في دول آسيا الوسطى، وإضافة ورقة ضغط جديدة لرصيدها في المنطقة. ففي عام 2015 صرح الرئيس التركي، بإمكانية وجود تركي طويل الأمد في افغانستان، المجاورة للصين وايران وباكستان، وعدد من دول آسيا الوسطى.
أدوات التدخل
تراهن تركيا على عدة عوامل لتوظيفها كأدوات بشأن تواجدها في أفغانستان، وأهم هذه الأدوات هي:
1- تجهيز شحنة مرتزقة من الفصائل السورية للوجهة الجديدة
لا يخفى على أحد كيف أصبح المرتزقة السوريين جزءاً لا يتجزأ من طموحات السياسة الخارجية لتركيا، فقد خدموا الدولة التركية خدمة جيدة، وقدموا لها الدعم لتحقيق أهدافها الخارجية، دون أي تعبئة من القوات التركية، بحيث أصبح هؤلاء المرتزقة جزءاً من استراتيجية تركيا لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها. فمن شمال سوريا، إلى ليبيا، إلى أذربيجان، وهذه المرة الوجهة هي أفغانستان.
تتضمن الشحنة هنا، مزيجاً من مقاتلي المعارضة السوريين، ومسلحين، ولاجئين. اُستخدموا في حملات عسكرية ضد الكرد بشكل خاص، حتى أن بعضهم شاركوا في أعمال متطرفة وعنيفة، فالكثير منهم بحسب المرصد السوري كانوا من المقاتلين في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واندمجوا الآن في ألوية تحت حكم الدولة التركية.
وقد أفاد المرصد، بالوصول إلى اتفاق بين المخابرات التركية وهذه الفصائل في عفرين المحتلة ومناطق أخرى تحت سيطرتها في سوريا، لنقلهم إلى أفغانستان، كما فعلت في ليبيا وأذربيجان.
لكن العملية هنا تختلف عن سابقاتها، حيث تحاول تركيا تجنيدهم عبر شركات أمنية تركية خاصة، قريبة من الرئيس التركي أردوغان بعقود رسمية، وتنحصر المهمة بحماية مطار كابُل، كما تروج لها الرئاسة التركية الآن. الهدف من هذه الخطة، وتسجيلهم عبر شركات، هو التحايل على القانون الدولي، بما يحفظ صورتها، لكنهم في الحقيقة سيشكلون درعاً لحماية الجنود الأتراك في حال وقوع أي اشتباكات مستقبلية، إذا ما تم الاتفاق.
2- التفاهم مع الميليشيات المتطرفة في سوريا لنقلهم لأفغانستان (إدلب الافغانية)
في ظل استمرار رفض الروس فكرة وجود إرهابيين في سوريا، بدأت تركيا بإجراء إحصاء للجهاديين فيها، لنقلهم إلى أفغانستان، وتشكيل تنظيم محلّي مشابه لتنظيم جبهة النصرة في إدلب السورية، أو نقلهم إلى حدود طاجيكستان وقرغيزستان، لسهولة اندماجهم مع السكان المحليين.
وبالتوازي مع الإجراء التركي، بدأت جبهة النصرة مؤخراً بحملة لترسيخ هيمنتها، عبر خيار الجماعات الجهادية الصغيرة في إدلب؛ وذلك أما بالانضمام إليها أو الخروج، كما حصل بينها وبين زعيم تنظيم “جنود الشام” مسلم الشيشاني، و”انصار الإسلام”، وتنظيم “حراس الدين” وغيرهم من الجماعات المتطرفة.
ومع حالة الضعف والخلل التنظيمي لمعظم هذه الجماعات، لم يعد أمامهم خيار سوى التوجه إلى أفغانستان، وهي خطوة ليست بجديدة، فقد سبقتهم قبل ذلك مجموعات أخرى.
وهذه الخطة ستثمر عن نتائج جيدة بالنسبة لتركيا وجبهة النصرة معاً، فبالنسبة لتركيا ستساعد هذه الخطة في:
- تقليص عدد الجهاديين من الأجانب في إدلب السورية، إرضاءً للروس، وتأكيداً لالتزامها بالانتقال إلى تسوية.
- محاولة لتليين موقف روسيا الرافض لبقاء قوات تركيا في أفغانستان.
- السيطرة على المعابر الحدودية التي تمر من أفغانستان، من خلال انتشار هذه الفِرَق على نقاط حيوية.
- تشكيل جبهة جهادية في أفغانستان -كصيد ثمين- يمكنهم الالتفاف حول المعارضين الأفغان، وتعمل وفقاً للأوامر التركية، في حال لم يتم التوافق مع طالبان.
بالنسبة لجبهة النصرة:
- استنساخ تجربة طالبان، عبر إقصاء منافسيها، والتفرد بالقرار.
- منع أي تشكيلات أخرى من الظهور، وتقديم نفسها كحركة محلية لا صلة لها بالأجانب.
- مغازلة للروس، للحفاظ على وجودها، وتقديم نفسها كتيار سياسي سوري محلي، قابل للتفاوض.
3-كسب النفوذ عبر شخصيات وجماعات أفغانية مقرّبة
وهي استراتيجية تقوم على أساس علاقاتها مع أمراء الحرب الأفغان، وتسعى من خلالها إلى تنويع أدوات تحركها في الداخل الأفغاني، وعلاقات بعضها بالإخوان المسلمين، مثل “قلب الدين حكمتيار”، زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في أفغانستان، وارتباطه بالمخابرات الباكستانية؛ وتعمل أنقرة هنا على كسب النفوذ في الحكومة الأفغانية المقبلة من خلال دمج عناصر من هذه الجماعات فيها، وهذا ما أشار إليه “حكمتيار” في الحديث عن مباحثات تشكيل حكومة جديدة ستبدأ مع وصول قادة طالبان إلى أفغانستان، ومؤشرات برغبة طالبان في تشكيل حكومة شاملة.
ومن ناحية أخرى، تعزف تركيا على وتر البعد العرقي، حيث تستغل أنقرة علاقاتها التاريخية والعرقية بالأوزبك، الذين دعمتهم في الحرب الأهلية عام 1990، لتنويع خياراتها في فترة ما بعد الانسحاب الأمريكي، لأهمية هذه الورقة في تثبيت نفوذها في أفغانستان خاصة إذا ما فشلت مساعيها للتقارب مع طالبان.
4- الرهان على دور باكستان وقطر
وهي الأداة التي تعول عليها تركيا في تنفيذ مخططها، للتأثير والضغط على حركة طالبان، للموافقة على وجود دور للقوات التركية، حيث تراهن على “باكستان جارة أفغانستان كونها من الدول التي تتمتع بنفوذ كبير في أفغانستان، لا سيما وحدات المكاتب العسكرية والاستخباراتية الباكستانية، وتأثيرها الكبير على الحركة؛ كما ترى العديد من الأوساط الإقليمية والدولية أن أي حلّ لقضية أفغانستان، لا يمكن أن يتم دون باكستان، وهذا ما يزيد من أهمية باكستان لتركيا، والمحاولة في الاستفادة من علاقتها بباكستان والاستخبارات الباكستانية، لإقناع حركة طالبان على قبول الأتراك هناك، وكانت زيارة “خلوصي اكار” وزير الدفاع التركي إلى باكستان في 11 أغسطس، بهدف إقناع باكستان بالضغط على طالبان، وهو ما رفضته طالبان وقتها.
كما تأتي قطر في قائمة الدول التي تلعب دوراً رئيسياً في المجال السياسي الأفغاني، فقد استضافت مكتب حركة طالبان منذ عام 2013، وكانت أرضها مسرحاً لمحادثات السلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة، والحكومة الأفغانية، وتعتبر حركة طالبان قطر من الدول المقرّبة والجديرة بالثقة، فبالرغم من استضافتهم في دول أخرى للمفاوضات بينهم والولايات المتحدة كما حصلت في الإمارات، إلا أن الحركة طلبت تحويل المحادثات إلى قطر. وهنا تحاول تركيا استغلال علاقتها مع قطر، لتلعب دور الوسيط، وتضغط على الحركة وباقي الأطراف بقبول وجود تركيا على أراضيها، والسعي أيضا لتعزيز الاتصالات الدبلوماسية مع الجناح السياسي لطالبان عبر قطر.
دوافع التدخّل التركي
تحاول تركيا انتهاز فرصة الفراغ في أفغانستان لدوافع عدة، تعتبرها كصفقة تتوافق مع سياستها وسياسة حلفائها */على حساب أفغانستان، وتشكل نقطة ارتكاز تمهّد لمشروع تركي /*تحقق من خلاله:
1- تعزيز نفوذها في آسيا الوسطى
في رغبة منها لزيادة نفوذها في آسيا الوسطى، بدأت أنقرة بزيارات لدول عدة فيها، مثل طاجيكستان وقرغيزستان، لتعزيز التعاون العسكري معها، كما أنها لم تخفِ استعدادها للبقاء في أفغانستان، فهي تنظر في مقترحها بتأمين مطار كابُل استكمالاً لاستراتيجية تعزيز نفوذها في المنطقة، الهدف من ذلك إعادة الارتباط بالمكان، وتقديم تركيا كدولة إقليمية كبرى، وبديل عن روسيا، الشريك السياسي والاقتصادي التقليدي لبعض الدول في تلك المنطقة، التي سقطت في قبضتها منذ سقوط الخلافة العثمانية، وباتت حديقة خلفية كبرى لها، ومنطقة حيوية لمصالحها؛ كما تستغل أنقرة التقارب الاثني والديني، لتطوير علاقتها الاستراتيجية مع بعض دول آسيا الوسطى. وتثبيت قدمها في منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وهو نفوذ سيساهم في إيجاد ممر تجاري بديل عن روسيا وإيران، ويتيح لها السيطرة على ممرات تربطها بالصين، عبر أفغانستان، الأمر الذي سيقوي اتصالها مع العديد من الدول، خاصة تلك الناطقة بالتركية.
2- تحسين علاقتها مع الغرب
نتيجة تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة، والعديد من الدول الأوروبية، حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية، مثل حقوق التنقيب في المتوسط، والهجرة، وصفقة صواريخ S-400 ، وما ترتب عليها من عقوبات وحصار، أدى لتراجع إيرادات معظم قطاعاتها الحيوية. لذا تسعى تركيا لإعادة إدارة الخلاف مع الغرب بما يفضي إلى التهدئة وتحسين هذه العلاقات، من خلال استغلال عرضها المتضمن حماية مطار كابُل.
3- ورقة ضغط جديدة
على غرار استغلالها لملف اللاجئين السوريين، كورقة ضغط لمواجهة الاتحاد الأوروبي، فهي ورقة جديدة لمواجهة الأخير، كما تتطلع إلى القيام بتأمين مطار كابُل، بهدف مساومة واشنطن، والحصول على بعض التنازلات في أهم الملفات الخلافية، أهمها التراجع عن رفضها لصفقة صواريخ S-400، والعودة لبرنامج طائرات F 35، وإيقاف الدعم عن قوات سوريا الديمقراطية.
4- حل جزئي لمعضلة إدلب
إن مهمة نقل الجهاديين إلى أفغانستان، ستساعد على حل مشكلة إدلب ولو بشكل جزئي، كونها باتت تشكل أهم الأزمات التي تواجه أي عملية تسوية في سوريا، وبشكل خاص بين روسيا وتركيا، فالخزان الجهادي في إدلب، من ميليشيات ومتطرفين، ومقاتلين أجانب، جعل منها إشكالية كبيرة بالنسبة لتركيا، بسبب ارتباطها بها وظيفياً، فخطة نقلهم من إدلب لأفغانستان، يساعد على حل هذه المعضلة، كونها بديل لتمركز هذه الجماعات، عند الوصول لأي تسوية سياسية في سوريا، كما أن نقلهم سيفيد العديد من الدول التي ترفض استقبال مواطنيها من الجهاديين في إدلب.
التحديات
من خلال القراءة البسيطة للمشهد الحالي في أفغانستان، من تشابكات إقليمية ودولية، وتعقيدات ميدانية، يمكن ملاحظة تورط تركي، في ظل وجود تحديات تواجه طموحاتها في هذه القضية، أبرزها:
1- رفض حركة طالبان الوجود العسكري لتركيا
اعتقدت تركيا أنها الدولة الأكثر قبولاً في أفغانستان، وتراهن على طالبان وجماعات أخرى -التي ترفض وجود أي قوات أجنبية- أن تقبل بالوجود التركي كقوة حفظ سلام، إلا أن التحدي الأقوى لتركيا في أفغانستان، هو رفض حركة طالبان لوجودها العسكري.
فعلى الرغم من علاقاتها مع الجهات المحلية في أفغانستان، إلا أن طالبان تعارض أي مهمة لأنقرة في افغانستان، فبحسب متحدثها في قطر “سهيل شاهين“، تركيا كانت جزءاً من قوات الناتو، طوال العشرين سنة ماضية” ويتوجب عليها الانسحاب بموجب الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة في 29 فبراير 2020. وهذا ما أكد عليه أيضاً المتحدث العام لها “ذبيح الله مجاهد” حيث ذكر أن التعامل مع تركيا سيكون كقوة غازية كما كان مع الولايات المتحدة إذا بقيت، كونها عضو في الناتو ولن تختلف عنها. فوجودها يعني وجود الناتو. وأشار في مقابلة لقناة TRT عربي في يونيو 2021، إلى أن العلاقة مع تركيا لن تكون عن طريق الحرب والأسلحة، فموقفها كان غير مناسباً خلال العشرين عاماً الماضية، فهي كانت جزءاً من الناتو.
كل ذلك ينذر بتعرض القوات التركية -إن وجدت- لمواجهة عسكرية مع حركة طالبان أو جماعات أفغانية أخرى.
2- بؤرة صراع جديدة مع إيران
ترى إيران في أفغانستان منطقة ضمن مجال نفوذها الطبيعي، ووجود تركيا من شأنه تأجيج التنافس بينهما، بسبب مخاوفها من نقل المتطرفين في سوريا إلى أفغانستان، وسيكون لها تداعياتها السلبية، حيث سيعزز نفوذ أقلية “البلوش” ذات الأغلبية السنية في إيران.
كما أنها تخشى من حدوث توافق تركي-باكستاني، يؤدي لتحالف سني، ويزيد من تمددها، ويشكلون تهديداً حقيقياً لها ولأقلية الهزارة الشيعية، حتى لو تمكنت من بناء علاقات جيدة مع حركة طالبان.
وقد سبب المقترح التركي حالة إرباك للخطط الإيرانية، حيث صدرت تصريحات سابقة من مسؤولين إيرانيين، أوضحت مدى القلق الذي يمثله الوجود التركي في أفغانستان للمسؤولين الإيرانيين، وقد شدد روحاني في ابريل 2021 على ضرورة لعبت كل من إيران وباكستان -الجارتين الأهم، والأكثر فاعلية- دوراً في عملية السلام في أفغانستان.
3- احتكاك مع العمق الاستراتيجي لروسيا
روسيا من الدول التي تراقب تطورات الأحداث في أفغانستان، وهي أيضاً على تواصل مع حركة طالبان، فبالرغم من الإغراءات التركية بنقل الجهاديين من سوريأ، لكن روسيا لا ترغب بوجود تركيا في أفغانستان، فهي تراها امتداد لنفوذ الناتو، كما أنها تعتبر آسيا الوسطى العمق الاستراتيجي لروسيا، والوجود التركي سيؤدي إلى احتكاكٍ مباشرٍ معها، وتهديد لمصالحها الامنية والاقتصادية.
إذاً، فالدور التركي في أفغانستان وآسيا الوسطى هو تحدٍّ جديدٍ في علاقتها مع روسيا، التي تتعرض بالفعل لضغوط في ليبيا، وسوريا، والقوقاز. فأي تقدم تركي في آسيا الوسطى، يعتبر لعبةً صعبة فوق أرض روسية، ومع هذه التحركات التركية، باشرت موسكو في اتخاذ خطوات لتعزيز نفوذها، خاصة في كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، لتملك الغطاء السياسي اللازم لتقوية حضورها على حساب النفوذ التركي.
4- خصوم في الداخل التركي
أبدت المعارضة التركية رفضها أية مهام لقواتها في أفغانستان، فهي تراها لا تشكل أي ضرورة حيوية لأمنها القومي، كما أنها تورط تركيا لمواجهات عسكرية مع تنظيمات إرهابية في أفغانستان، وهو التحدي الذي سيؤثر على شعبية “أردوغان” في الداخل التركي، واتهامه بزج جنوده إلى المحرقة الأفغانية، لخدمة مصالحه ومصالح حلفائه الغربيين، وخوض حرب بالوكالة لمصلحتهم، ابتغاءً لمرضاتهم.
ومن الانتقادات التي وجهت للرئيس التركي من الداخل:
- رسالة من “كمال قليجدار اوغلو” رئيس حزب الشعب الجمهوري، على حسابه في “تويتر”، يرفض فيها بقاء قوات بلاده في أفغانستان، وتحويل تركيا إلى سجن للاجئين الأفغان.
- طالبت زعيمة حزب الخير المعارض في تركيا، ميرال أكشنار، الحكومة بسحب القوات التركية فوراً “من مستنقع أفغانستان”.وعبر تويتر، استنكرت أكشنار استمرار دفاع الحكومة التركية عن ضرورة بقاء الجنود الأتراك في أفغانستان. وقالت أكشنار إن الحكومة لا تزال تقول: “يجب أن يبقى الجنود الأتراك في أفغانستان”، متسائلة هل بقيت هناك دولة باسم أفغانستان حتى يظل جنودنا هناك؟
- رسالة من “فائق آوزتراك” المتحدث باسم الحزب إلى أردوغان بقوله “إذا كنتَ متحمساً بخصوص أفغانستان فلترسل إليها “الجيش السوري الحر” أو شركة “صادات” وهي شركة موالية للرئاسة التركية، تأسست بالتزامن مع فترة الاضطرابات، خلال فترة ما تسمى بالـ “الربيع العربي” لدعم جماعات متشددة بينها الإخوان في الدول العربية، التي شهدت اضطرابات بالسلاح، بالإضافة إلى اتهامها بإرسال شحنات أسلحة إلى الجماعات الإرهابية في سوريا كجبهة النصرة، ومرتزقتها في ليبيا وغيرها من الدول. مؤسسها “كامل تانري فيردي” وهو عميل للاستخبارات التركية، بحسب “المونيتور” ورئيسها الحالي “علي ابن كامل”.
- استنكر “علي بابا جان” رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض، رغبة “أردوغان” بقاء القوات التركية في أفغانستان، دون أي تفويض من الأمم المتحدة أو البرلمان التركي، متهماً اياه بتسخير مقدرات البلاد، والمقامرة بأرواح الجنود الاتراك.
- نشرت صحيفة “جمهورييت” المعارضة، مقالة الأربعاء 23 يونيو 2021 تحت عنوان: “عواقب اقتراح تركيا بشأن أفغانستان. جاء فيها “إن إرسال الجنود لأفغانستان في ظل هذه الظروف لا يعرض حياتهم للخطر فحسب، بل يقلل من الاحترام والمحبة التي كانت تحظى بها تركيا في أفغانستان”.
5- عدم الثقة والشك بالمصداقية التركية
حذّرت بعض الأوساط الأمريكية من استغلال الرئيس التركي لمأزق الإدارة الأمريكية، وتوسيع نهجه العدائي في المنطقة، وقد نشرت مجلة “نيوزويك / Newsweek الأمريكية” مقال بعنوان “على بايدن ان يكون حذراً من مناورة اردوغان في افغانستان” أشارت فيها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنه يريد مساعدة الولايات المتحدة في تأمين أفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية، لكن على المرء أن يشكك بمصداقية الرئيس التركي، حيث اعترف بأن تركيا ليس لها أي قضايا متضاربة مع معتقدات طالبان”. كما أن تاريخ الرئيس التركي في دعم التنظيمات المتطرفة كجبهة النصرة، التابع لتنظيم القاعدة، ومساندة إيران في التهرّب من العقوبات، وشراء أسلحة من روسيا، يقف عثرة أمام أي حكمة من تكليفه بتأمين المطار.
ومن ناحية أخرى، إن نشر تقارير بخطط تركيا لنشر حوالي 2000 مرتزق سوري في أفغانستان، كما فعلت في ليبيا وقره باغ، تثير غضب واشنطن، وغيرها من دول الناتو، نتيجة الاتهامات الموجهة لهذه المجموعات بارتكاب جرائم حرب، بما فيها احتجاز رهائن والمعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب في سوريا.
ختاماً.. من خلال ما سبق يمكن القول إن أولوية تركيا تتعدى حدود استقرار افغانستان، فهي تسعى لتثبيت قدمها في تلك المنطقة بشتى الوسائل. لكن واقع الحال يشير إلى أن حساباتها غير دقيقة، فالمشهد في كابُل لا يزال ضبابياً، فأي مهمة أمنية لتركيا في أفغانستان، يهدد بأن تتحول الأخيرة إلى مستنقع للقوات التركية الموجودة فيها، خاصة أنها لا تزال غير واردة ضمن قائمة الأولويات لطالبان كقوات حفظ سلام، والنظر إليها كقوات غازية، كما أن التعقيدات الميدانية في المنطقة، نتيجة تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتداخل الحسابات، ستشكل تهديداً لوجودها في أفغانستان ونجاح مهمتها، حيث يُقابَل هذا المقترح بحساسية روسية وإيرانية، مما سيشعل نار التنافس بينها في الساحة الأفغانية، وإن حصل أي اتفاق بين الجانبين، ربما لن يتعدى حدود إعادة الإعمار، وما يتعلق بقطاعات الصحة والتعليم، دون التطرق لأية مسائل أمنية أو عسكرية، وكعضو في الناتو.