دراسات

ظاهرة الدولرة في مناطق شمال وشرق سوريا

مقدمة

شكل التهاوي السريع لسعر صرف الليرة السورية خلال الأشهر القليلة الماضية هاجساً كبيراً داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على حد سواء، ذلك لما تركه فقدان الليرة لنسب عالية في قيمتها من آثار خطيرة على الشارعين الاقتصادي والاجتماعي، وبدرجة متزايدة. فتأثرت مختلف أسواق السلع والخدمات؛ التي بلغت الأسعار فيها ارتفاعات شاهقة، لتتزايد معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، لم يعد معها بإمكان الأفراد تحمل نتائجها المالية. حيث أصابت الاختلالات جسد الاقتصاد، ولم تَعد الضوابط القانونية أو الروادع الأخلاقية كافية لضبط خط سيره. فلا المستهلك قادرٌ على دفع أثمان احتياجاته في ظل ارتفاعاتها غير الطبيعية، ولا البائع أو المورّد أو مقدم الخدمة قادر على تخفيض أسعار منتجاتهم؛ لعدم قدرتهم على تمويلها لاحقاً لذات السبب. حيث لم يترك التضخم سلعة أو خدمة أو مَورِداً إلا وأصابه، لترتفع أسعارها قرابة المئة ضعف اليوم. وباتت – مع التضخم الحاصل – مدخرات الأفراد وموارد الدولة تتآكل معاً وبسرعة كما النار في الهشيم، مما ينذر بأيام قادمات قد تكون صعبة على الجميع، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن.

وفي ظل هذه الظروف، نشطت القطاعات الريعية على حساب توقف القطاعات الإنتاجية مما قلل وسيقلل من فرص العمل، ويخفض من المعروض السلعي في الأسواق لتزداد نسب البطالة وترتفع الأثمان أكثر. الأمر الذي ينبئ بكوارث اجتماعية كتزايد الجريمة وتجارة الممنوعات وزعزعة البنى الأسرية وانتشار الفساد وتحور المجتمع نحو حالة من الاستقطاب الاجتماعي، قد تتزايد أعداد من هم في الطبقة الدنيا بتواتر سريع مقابل تركز الموارد ورؤوس الأموال الناجمة عن تزايد معدلات الريع بأيدي القلة القليلة من أفراد المجتمع. وهذا لا شك ينذر بأخطار جسيمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي؛ والتي لا بد أنها ستطال الحالة السياسية والأمنية لاحقاً.

وما يحدث اليوم داخل الاقتصاد عموماً، وفي الأسواق خصوصاً من تراجعات قياسية وتزعزع وعدم استقرار، لا بد وأن يصيبه بتشوهات بنيوية قد يطول مداها، ما لم تباشر السلطات الاقتصادية والسياسية في البحث عن حلول إسعافية، ورسم خطى سريعة نحو سبل وخطط بديلة مستقبلية قد تنقذ ما تبقى من الموارد الاقتصادية، وتعمل على استثمارها، بهدف إحداث نوع من الاستقرار في أسواق الاقتصاد الوطني وقطاعاته الرئيسية، وبداية لخطط تنموية ولتحافظ ولو في الحدود الدنيا على كرامة الناس، وتؤمن لهم خبز كفاف يومهم.

ونتيجة لما ذكر آنفاً؛ وبسبب الآثار المالية والاقتصادية لفقدان الليرة لقيمتها، وتزعزع الثقة بها، سواءً في جهة الاستثمار أو في جهة الصفقات الاستهلاكية، فقد انتشرت ظاهرة الدولرة، وباتت العديد من القطاعات الاقتصادية تتعامل بالدولار إلى جانب الليرة السورية، لما يتمتع به الدولار من قوة واستقرار مع استمرار تهاوي قيمة الليرة.

وفي الصفحات التالية سنقف بشيء من التفصيل عند هذه الظاهرة الحديثة على مجتمعنا واقتصادنا -ظاهرة الدولرة- والعمل على تحليلها، وتبيان الآثار الايجابية والسلبية لها على المنطقة واقتصادها عموماً، وعلى الأفراد ومستويات معيشتهم خصوصاً.

أهداف الدراسة

لعل الحالة الاقتصادية هي الواقع الأهم داخل أي مجتمع كان، وحيث يشكل النقد عصب الاقتصاد وأداة تمويله، فإن استقراره وقوته الشرائية، تنعكس استقراراً داخل الاقتصاد بشكل عام، ويشكل حافزاً على الاستثمار، ويدفع باتجاه تحسن المستويات المعيشية للأفراد.

من هنا، فإن الهدف الأساسي لهذه الدراسة، يتلخص في الوصول إلى التأكد من مدى نجاعة ظاهرة الدولرة، التي تغزو الاقتصاد المحلي في المنطقة بقوة من عدمها. وهل سيكون لاعتماد الدولار الأمريكي كعملة أخرى إلى جانب الليرة السورية في المنطقة دور في دعم الاستقرار الاقتصادي فيها أم لا ؟ وهل تستطيع سلطات الإدارة الذاتية حينها التحكم بسوق النقد؟ وخاصة في جهة تأمين الكميات اللازمة منه لتمويل العمليات والصفقات التجارية ولزوم التداول اليومي؟

    محاور الدراسة

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور وهي:

المحور الأول – التعريف بظاهرة الدولرة وتجارب عدد من البلدان الأخرى.

المحور الثاني – الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة الدولرة في مناطق شمال وشرق سوريا.

المحور الثالث – تداعيات الدولرة الاقتصادية والاجتماعية بين المنافع والتكاليف.

النتائج والتوصيات.  

لتحميل الدراسة كاملة بصيغة PDF انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى