دراسات

عقود النفط مع الشركات الأجنبية …… مبرراتها وسلبياتها

مقدمة

ليس خافياً بأن النفط ومنذ اكتشافه بات يشكل العنصر الأكثر أهمية في التداول العالمي وأصبحت مناطق إنتاجه عرضة للصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول الكبرى من جهة، وبينها وبين الدول المنتجة من جهة ثانية.

كما أصبحت مصادر الطاقة وأشكالها وأماكن تواجدها في العالم، المجال الأهم الذي تبنى عليها الاستراتيجيات الدولية السياسية والاقتصادية. ذلك لما يشكله الأمن والاستقرار الطاقي في البلدان المختلفة أساساً تبنى عليه إمكانيات تطوير وتحديث البنى الاقتصادية وقطاعاتها المختلفة التقليدية وغير التقليدية داخل الاقتصاد الوطني.

ويعد النفط السلعة الأكثر أهمية في مختلف الاقتصادات العالمية المنتجة أو المستهلكة الفقيرة أو الغنية لما يلعب من دور محوري داخل الاقتصادات الوطنية لمختلف تلك البلدان لجهة تأمين حركية قطاعاته الاقتصادية الرئيسية وتطويرها إضافة إلى تحديث البنى التحتية فيها من خلال توفير الأموال اللازمة لذلك من الإيرادات النفطية التي عادة ما تكون عالية وتشكل نسباً كبيرة من موازنات الدول المنتجة تصل  لأكثر من 90% في الدول النفطية.

من هنا كانت الضرورة لوضع استراتيجيات حقيقية للاستفادة من العامل النفطي وإيراداته والطاقة التي يوفرها لجهة بناء استراتيجيات تنموية حقيقية تهدف إلى تغيير البنية الهيكلية الاقتصادية وتطويرها بما يحقق مستويات نمو عالية ويدفع باتجاه تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي وتقويته والرفع من مستويات المعيشة للأفراد.

أولاً – أشكال العقود النفطية

تعكس مسألة العقود النفطية تلك العلاقة بين الدول المنتجة للنفط وبين الشركات العالمية التي تعمل في مجال الاستكشاف والتنقيب وإنتاج النفط. ويحدث ذلك عادة عندما لا تستطيع الدولة المنتجة للنفط توفير الأموال اللازمة للقيام بالاستثمارات النفطية اللازمة وتطويرها بسبب ضعف قدراتها المالية أو بسبب ضخامة الأموال اللازمة للاستثمار في النفط أو عندما لا تملك هذه الدول القدرات الكافية للسير بالصناعة النفطية نحو التطوير سواء من جهة البحث والتنقيب أو الاستكشاف أو من جهة الإنتاج والتكرير والتصدير.

وفي هذه الورقة سنركز على أكثر أنواع عقود النفط المبرمة الآن دون الخوض في مسألة الأشكال التاريخية لعقود النفط التي كان يتزعمها بداية عقود الامتياز التي ظهرت في بداية القرن العشرين واستمرت تتصدر علاقات استثمار النفط في الشرق الأوسط بنسبة وصلت إلى 93% حتى عام 1970 إضافة إلى إندونيسيا وفنزويلا[1]

  • عقود المشاركة في الإنتاج Production Sharing Contracts

ينتشر هذا النوع من العقود بشكل واسع في العالم. وكانت مصر وإيران إلى جانب إندونيسيا من أوائل الدول التي وقعت هذا النوع من العقود مع الشركات النفطية العالمية. ومع تفضيل معظم الدول المضيفة لمثل هذا النوع من العقود إلا أنه لا توجد نماذج واحدة لبنود الاتفاق في هذه العقود. وما يميزها بالدرجة الأولى عن عقود الامتياز أنها تسمح للدول المضيفة بإدارة صناعتها النفطية والمشاركة في الأرباح إن تحققت وفق نسب متفق عليها مسبقاً.

ولتلمُّس ملامح هذه العقود يمكننا الوقوف على تجارب العديد من الدول السباقة في إطار هذه العقود ومنها عقود إندونيسيا مع الشركات الأجنبية. وتتلخص فيما يلي[2]:

  • تتولى الشركة الأجنبية كافة النفقات اللازمة لأعمال البحث والتنمية والإنتاج. كما تتولى تقديم الخبرة الفنية وتحضير وتنفيذ البرامج اللازمة لسير العمل. إضافة لتحملها كافة مخاطر البحث بمعنى أن الشركة الأجنبية تتحمل كافة نفقات البحث والتنقيب والاستكشاف ما لم يتم التوصل إلى النفط التجاري.
  • تتولى الشركة الوطنية إدارة العمليات بينما تقوم الشركة الأجنبية بتنفيذها وتعتبر مسؤولة أمام الشركة الوطنية عن هذا التنفيذ.
  • تسترد الشركة الأجنبية نفقات التشغيل بنسبة 40% من الإنتاج السنوي الإجمالي، ثم يوزع باقي الإنتاج بنسبة 65% للشركة الوطنية و 35% للشركة الأجنبية ولا تخضع حصتها في ذلك للضرائب أو أي قيود سوى حق الدولة في الشراء منها لأغراض الاستهلاك المحلي بمقدار 25% فقط من إجمالي حصتها وبسعر التكلفة الأصلي للبرميل مضافاً إليه 20 سنت أمريكي، كما تتحمل الشركة الوطنية عن الشركة الأجنبية دفع جميع الضرائب المستحقة عليها لحكومة إندونيسيا.
  • إذا لم تأخذ الشركة الوطنية حصتها عيناً، تلتزم الشركة الأجنبية بتسويق هذه الحصة، باستثناء نسبة مئوية تعادل نسبة ما أخذ من حصة الشركة الأجنبية لمواجهة الاستهلاك المحلي.
  • ‌السعر المستخدم لتقييم النفط الذي تحصل عليه الشركة الأجنبية سداداً لنفقات التشغيل هو المتوسط المرجح للأسعار المحققة من مبيعات كل من الشركة الوطنية والشركة الأجنبية خلال العام الذي ينتج فيه النفط ويباع. أما في حالة حصول الشركة الوطنية على عقد بيع مدته تتراوح بين عام أو أكثر بسعر بيع أعلى من السعر الذي حصلت عليه الشركة الأجنبية، فإنه يتم منح الشركة الأجنبية الخيار بين قبولها لتقييم النفط المأخوذ سداداً لنفقات التشغيل على أساس هذا السعر الأعلى، أو أن تقوم بتسليمه للشركة الوطنية في مقابل حصولها على قيمته نقداً.

وبشكل عام وبعد الاطلاع على تجارب الدول الأخرى وخاصة مصر وقطر وسلطنة عمان في مجال هذا النوع من العقود يمكننا إدراج السمات الرئيسية لها في ما يلي[3]:

  • تتحمل الشركة الأجنبية جميع النفقات الناجمة عن عمليات البحث والتنقيب عن النفط وإنتاجه وتطويره
  • تتعهد الشركة الأجنبية بصرف حد أدنى من القطع الأجنبي على هذه العمليات ويتم توزيع هذا الإنفاق على فترات متلاحقة وبنسب محددة. وبذلك يتم ضخ أموال داخل اقتصاد الدولة المضيفة يؤدي إلى توليد الدخول فيها وباتجاهات مختلفة.
  • لا يحق للشركة الأجنبية استرجاع أي من المبالغ التي صرفتها في فترة البحث والتنقيب ما لم يتم التوصل إلى النفط التجاري.
  • في حال التوصل للنفط التجاري يحق للشركة الأجنبية استرجاع جميع نفقاتها السابقة وفق نسب معينة من الإنتاج يتم الاتفاق وتورد ضمن بنود العقد المبرم. كما تدفع للدولة المضيفة مبلغاً يسمى بهبة العقد.
  • تحدد نسبة استرجاع نفقات البحث والتنقيب ما بين 30% وحتى 40% بحسب الاتفاق كما ورد في العقود التي اطلعنا عليها[4].
  • النسبة الباقية من النفط المنتج يتم تقاسمها بين كل من الشركة الأجنبية والدولة المضيفة بحسب النسبة المتفق عليها في العقد وتتفاوت من عقد لآخر وتتغير وفق مستويات الإنتاج وقد تصر الدولة المضيفة على نسبة محددة إذا ما كان موقفها التفاوضي قوياً وتحوي أراضيها كميات مؤكدة من الاحتياطي النفطي[5].
  • تزداد حصة الدولة المضيفة من النفط المتبقي مع الزيادة في الإنتاج مقابل تراجع حصة الشركة الأجنبية. مثلاً، عن كل 100 ألف برميل يومياً تتوزع حصص النفط المتبقي 75% للدولة المضيفة و25% للشركة الأجنبية . من 100 إلى 200ألف برميل تصبح النسب 77.5% مقابل 22.5% للشركة الأجنبية من 200 إلى 300ألف برميل تصبح النسب موزعة 80% مقابل 20% لكل من الدولة المضيفة والشركة الأجنبية على التوالي.
  • تتولى الشركة الأجنبية إدارة عمليات البحث والتنقيب وإعداد البرامج والميزانيات وجميع الأعمال المتعلقة بالمرحلة الأولى من العمل.
  • تتأسس شركة مشتركة بين الطرفين بعد التوصل إلى النفط التجاري عادة ما يكون منصب المدير العام للشركة الأجنبية فيها مع تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين للإشراف على أعمال الشركة
  • تتميز هذه العقود بتحديد المساحات المخصصة لعمل الشركة الأجنبية وصغرها وبقصر مددها الزمنية تتراوح بين 2 إلى 8 سنوات في المرحلة الأولى وبين 25 إلى 30 عاماً في المرحلة الثانية
  • لا تدفع الشركة الأجنبية أية عوائد أو تعويضات أو ضرائب ورسوم للدولة المضيفة خلال فترة عملها.
  • قد تشترط الدولة المضيفة على الشركة الأجنبية تدريب كوادرها الوطنية وتوظيف نسبة من العمالة المحلية.

ومن الأمثلة المباشرة على هذه العقود، تلك المبرمة بين حكومة اقليم كوردستان العراق والشركات العالمية النفطية كالعقد المبرم مع شركة DNO النرويجية في حقل طاوكي بزاخو والعقد المبرم مع شركة إكسن موبيل في حقل شيخان.

وبذلك فقد تميزت هذه العقود عن عقود الامتياز بأنها أصبحت في صالح الدولة المضيفة أكثر من الشركات الأجنبية التي فرضت شروطها على الدول المنتجة للنفط وكانت هي المهيمنة والمسيطرة على صناعة النفط في جميع مراحلها بداية عشرينيات القرن الماضي.

  • عقود المشاركة Joint Venture Contracts

جاءت هذه العقود بناء على وجود شركات نفطية وطنية تتعاقد مع شركات نفطية أجنبية ضخمة تتمتع بإمكانيات تقنية ومتطورة هائلة. وتأخذ هذه العقود أحد أشكال ثلاث[6]:

  • قد تبرم هذه العقود بين ثلاثة أطراف الدولة المنتجة للنفط من طرف والشركة الوطنية والشركة الأجنبية من طرف ثاني. كالعقد الذي أبرم بين الحكومة المصرية والهيئة المصرية العامة للبترول وشركتي بان أمريكان وفيلبس .
  • قد تبرم هذه العقود بين الدولة المنتجة والشركة الأجنبية على أن يتم تأسيس شركة تساهم فيها الدولة أو إحدى مؤسساتها الوطنية بحصة في رأسمالها بعد اكتشاف النفط التجاري. كالعقد الذي أبرم بين الحكومة السعودية وشركة أوكسيراب وأيضاً بينها وبين الشركات اليابانية.
  • قد تبرم هذه العقود بين شركة وطنية مخولة من قبل الدولة المنتجة بالتعاقد وبين الشركة الأجنبية. كالعقود التي أبرمتها الشركة الوطنية الإيرانية للنفط بموجب تخويلها بالقانون الإيراني للقيام بذلك. كالعقود المبرمة مع الشركات الإيطالية وسواها. والمؤسسة العامة للبترول والمعادن السعودية (بترومين) ثم توالت في الجزائر والعراق لاحقاً.

ويقتضي واقع هذه العقود بشكل عام السمات الرئيسية التالية[7]:

  • تقاسم النفقات والإيرادات بحسب حصة كل طرف في ملكية المشروع المشترك في حال اكتشاف النفط التجاري.
  • يأتي في غالبية هذا النوع من العقود أن تمول الشركة الأجنبية جميع نفقات البحث والتنقيب وما قبلها فإن لم تثمر هذه العمليات عن اكتشاف النفط التجاري فليس لها الحق في استرجاع أي شيء منها. أما إذا أفضت هذه الاستكشافات والأبحاث إلى الوصول للنفط التجاري فإن الشركة الوطنية والأجنبية تتحملان النفقات وتمولانها كل بحسب حصته في شركة المشاركة التي تم تأسيسها وفق بنود العقد المبرم.
  • تحتوي عقود المشاركة على أحكام تتعلق بتسويق حصة الجانب الوطني من النفط من قبل الشركة الأجنبية بسعر السوق ناقصاً مصاريف التسويق بين 1 – 2% من السعر.
  • تحصل الدولة المضيفة على نسبة 12.5% من السعر المعلن كإتاوة وتحدد الضريبة على أساس 50% من الدخل الخاضع للضريبة[8]
  • عقود الخدمات Services Contracts

وهي الشكل الأكثر تطوراً وتحقيقاً للتوازن بين المصلحة الوطنية ومصالح الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط. ويتلخص هذا النوع من العقود بأن تبقى السيادة للدولة المنتجة كاملة على ثروتها الباطنية من النفط ولا تخضع لأي تنازل.

وهنا تعمل الشركة الأجنبية كمقاول لدى الدولة المضيفة تتحمل كامل المخاطر وحدها وتتلقى أجراً لا تحصل عليه إلا من الإنتاج المسوق وتقدم خدمات مختلفة تقنية ومالية وتجارية للشركة الوطنية[9].  وتتلخص أهم سمات عقود الخدمات في ما يلي[10]:

  • تعمل الشركة الأجنبية مع الشركة الوطنية كمقاول لتنفيذ خدمات معينة مقابل أجر معين يتمثل في بيع كمية من النفط المنتج لها بسعر خاص، وبالتالي فإن أرباح الشركة الأجنبية أو أجرها هو مقابل ما تقدمه من خدمات فقط على سبيل تنفيذ المقاولة الموكلة إليها.
  • تظل ملكية النفط للدولة المضيفة ولا تحصل الشركة الأجنبية على أي حصة مباشرة في احتياطي النفط
  • تتمثل الخدمات التي تقدمها الشركة الأجنبية فيما يلي:
  • خدمات تقنية: حيث تتولى الشركة الأجنبية إدارة وتنفيذ عمليات التنقيب والتنمية واستغلال النفط في مساحة الاستكشاف التي يحددها العقد بصفتها مقاول موكل إليه تنفيذ هذه الأعمال.
  • خدمات مالية: يجب على الشركة الأجنبية باعتبارها مقاولاً وبموجب عقد الخدمات التمويلية أن تلتزم بتوفير الأموال اللازمة لتمويل عمليات البحث وحفر وتطوير الآبار، وتعتبر الأموال المقدمة لأنشطة البحث والدراسات المبدئية والتعاقد قروضاً بدون فوائد لا يكون على الشركة الوطنية سدادها إلا في حالة العثور على النفط، أما الأموال المخصصة لعمليات التنمية وتطوير الآبار واستغلالها تعتبر قروضاً واجبة السداد من قبل الشركة الوطنية مضافاً إليها معدلات فائدة يتم تحديدها في شروط العقد.

ج) خدمات تجارية: قد تتعهد الشركة الأجنبية بموجب عقد الخدمة بتسويق وبيع جزء من الإنتاج لصالح الشركة الوطنية في مقابل حصولها على عمولة بيع بمعدل يتم الاتفاق عليها في عقد الخدمة. كما قد يتم الاتفاق أيضاً في عقد الخدمة على التزام الشركة الوطنية ببيع جزء من الإنتاج للشركة الأجنبية بأسعار مخفضة، وتتصرف الشركة الوطنية بمتبقي الإنتاج بالطريقة والأسعار التي ترى أنها في صالحها. ويمثل الجزء من الإنتاج الذي تحصل عليه الشركة الأجنبية من الشركة الوطنية بأسعار مخفضة مبيعات ذات ضمان عالي. بالإضافة إلى ذلك قد يتم الاتفاق في عقد الخدمة على تخصيص جزء من الاحتياطي النفطي المتواجد في الحقل كاحتياطي وطني يخص الشركة الوطنية، أما الاحتياطي المتبقي فيتم التصرف فيه طبقاً لما ينص عليه عقد الخدمة.

وتجدر الاشارة إلى أن العقد المبرم عام 1966 بين شركة النفط الإيرانية (نيوك) وشركة النفط الفرنسية (إيراب) كان أول عقد خدمات في الشرق الأوسط . وهذا الشكل أيضاً تعمل به الحكومة الاتحادية في العراق.

 

ثانياً – أسباب سعي شركات النفط العالمية للاستثمارات الخارجية

تهتم شركات النفط العالمية بثلاثة أمور عندما تستثمر في بلد ما وهي:

  • الحق في استخراج النفط

ترغب شركات النفط العالمية في إبرام عقود تضمن لها حقوقاً في استخراج الاحتياطي لمدة طويلة حنى تستطيع أن تحقق ارباحاً هائلة فضلاً عن أنها تريد عقود يسمح لها بحجز تلك الاحتياطيات وادخالها في أجندتها وحساباتها، مما يزيد من مقدرة الشركة [11] ويرفع من القيمة السوقية لأسهمها ويزيد  مستوى الثقة بها. كم يسمح برفع قدراتها الائتمانية وإمكانيات حصولها على التسهيلات والكفالات المصرفية من البنوك والمصارف العالمية.

  • تحقيق أرباح ضخمة

تحقق شركات النفط العالمية أرباحاً هائلة من استثماراتها الكبيرة في قطاع استخراج النفط، وفي بعض الأحيان تجازف في استثمار أموالها في استخراج النفط بسبب احتمال عدم وجود النفط عند حفر الآبار فتخسر رأسمالها، لكنها في أحيان كثيرة تعثر على حقول ومربحة كما هي حال الحقول العراقية مثلاً والتي تبلغ نسبة العثور على النفط عند الحفر نحو 70% [12].

  • امكانية التنبؤ بالضرائب والقواعد التنظيمية

لا تتحمل الشركات النفطية مخاطر التنقيب أو مخاطر السعر حينما ينخفض سعر النفط، فضلاً عن سيطرة الشركات النفطية على المخاطر السياسية التي تتمثل في زيادة الضرائب أو المطالب التنظيمية من خلال تقييد الحكومات بشروط معينة مثبتة في العقد، وبهذا الصدد يقول مدير التنقيب والانتاج في شركة شل الهولندية ( من أجل تأمين الاستثمارات نحتاج إلى بعض التأكيدات لضمان دخل مستقبلي وخاصة إطار تعاقدي داعم لنا(.[13]

ثالثاً – إيجابيات وسلبيات التعاقد مع شركات النفط العالمية

  • مبررات العقود النفطية مع الشركات الأجنبية

أمام الصعوبات العديدة التي تواجهها الدول المنتجة للنفط وخاصة تلك التي لا تملك الإمكانيات المالية والخبرات الفنية والتقنية المتطورة للقيام بعمليات البحث والتنقيب وإنتاج النفط وتطويره وباقي عمليات الصناعة النفطية؛ يقدم العديد من الخبراء في مجال النفط وأنصار التعاقد مع الشركات الأجنبية للاستفادة من مزاياها المختلفة يقدمون المبررات العديدة للقيام بمثل هذه الخطوة نذكر منها:

  • تحتاج الاستثمارات النفطية إلى مبالغ ضخمة وتكاليف كبيرة ناجمة عن عمليات البحث والتنقيب والإنتاج قد لا تملك الجهات الوطنية المضيفة القدرات المالية الكافية للقيام بذلك. إضافة إلى أن تلك الأموال تشكل تدفقات مالية تشكل تكويناً رأسمالياً داخل الاقتصاد الوطني والتي كان لا بد من أن تقتطع من موازنة الدولة الاستثمارية وبالتالي توفير تلك الأموال لتوجيهها نحو مجالات استثمارية قصيرة المدى وسريعة الاسترداد.
  • السماح للشركات النفطية العالمية بالاستثمار في قطاع النفط المحلي في الدول المنتجة يخلق فرصة مناسبة لاحتكاك الكادر البشري الوطني العامل في مجال النفط مع الخبرات العالمية العاملة في نفس المجال مما سيساعد على تطويره وزيادة خبراته العملية في مجال البحث والتنقيب والإنتاج وذلك من خلال فرصة استخدام التقنيات والتكنولوجيا المتطورة في مجال العلوم النفطية والجيولوجية الموجودة لدى الشركات الأجنبية مما يعود بالنفع على الشركة الوطنية وعلى كوادرها الفنية والإدارية بشكل خاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
  • إن الاستثمار في مجال النفط في العصر الحالي وبغية تحقيق مردود اقتصادي عالي لا بد من أن يتم بكفاءة وأداء اقتصاديين عاليين حيث لا بد من توفر الخبرات الكافية والمعدات والآلات والتجهيزات التقنية الحديثة وتوفير مراكز أبحاث متطورة في مجال الصناعة النفطية بجميع مراحلها كل ذلك يحتاج إلى امكانات مالية ضخمة جداً لا تتوفر لدى الشركات الوطنية مما يشكل دافعاً للاستعانة بالشركات الأجنبية النفطية المتطورة.
  • إن الاستثمار في المجال النفطي يحتاج إلى فترات زمنية قد تكون طويلة نسبياً تتحمل خلالها الشركات العاملة نفقات وتكاليف ضخمة وإن إسناد هذه العمليات للشركات الأجنبية لا تحمل الدولة المضيفة أية التزامات أو نفقات في حال فشل الشركة الأجنبية في التوصل إلى النفط التجاري.
  • جميع الأموال التي كانت من المقرر أن تذهب من المخصصات الاستثمارية في الموازنة العامة إلى الاستثمار النفطي سيتم ضخها في حال توفرها إلى باقي القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة والبناء والتشييد والطاقة الكهربائية وسواها مما سيقود إلى تنويع القاعدة الإنتاجية والاقتصادية في البلاد وخلق تركيبة بنيوية متكاملة بين الفروع الاقتصادية المختلفة.
  • يحق للدولة المضيفة وبحسب الاتفاق على شروط العقد بينها وبين الشركات الأجنبية إلزام تلك الشركات بتحويل ما لا يقل عن نسبة 25% من رواتب المستخدمين والعاملين لديها إلى العملة المحلية وهذا يعتبر مورداً مالياً للقطع الأجنبي يمكن استخدامه في مجالات متعددة[14].
  • تحصل الحكومات الوطنية من الشركة الأجنبية على الدراسات الفنية والاقتصادية في حال اكتشاف النفط التجاري تتضمن كميات الإنتاج الممكنة والاحتياطي قبل الإعلان عن النفط التجاري المكتشف والسماح ببدء عمليات الإنتاج والتطوير.
  • نتيجة امتلاك الشركات العالمية للتكنولوجيا والتقانة المتطورة في مجال الصناعة النفطية فإنها ستعمل على تطوير البنية الهيكلية للصناعة النفطية داخل البلد المضيف وتساهم في تطويره وإمكانية إنتاج مشتقات نفطية بمعايير جودة عالمية يمكن أن تساهم في التخفيف من التلوث البيئي الناجم عن احتراق الوقود الرديء.
  • إن تطوير مشاريع القطاع النفطي لها ترابطاتها الأمامية والخلفية وبالتالي ستكون كفيلة بتحريك القطاعات الأخرى الخدمية والإنتاجية في مجالات متعددة ستساهم في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي وتكوين دخول جديدة داخل الاقتصاد الوطني يمكنها أن تتزايد وفق قانون مضاعف الدخل وبالتالي تحسن من المستوى المعيشي وتزيد من الرفاهية الاقتصادية للسكان. خاصة أنه يمكن تضمين هذه العقود بمسألة إعطاء الأفضلية في استهلاك الشركات الأجنبية للسلع والمواد المصنعة محلياً ما لم تتجاوز أسعارها أسعار السلع الأجنبية المماثلة بنسب يتم الاتفاق عليها قد تصل إلى 10%.
  • في العديد من المناطق وخاصة في الدول الفقيرة أو في المناطق التي يوجد فيها عدم استقرار عادة ما تكون مستويات الإنتاج متدنية مقارنة بحجم الاحتياطيات المؤكدة في حقولها الأمر المرتبط بمستوى التقنيات المستخدمة في الإنتاج وبالتالي يشكل دافعاً لجلب الاستثمارات الأجنبية إلى هذا القطاع بهدف الرفع من حجم الإنتاج وتطويره.
  • سلبيات الاستثمار الأجنبي في القطاع النفطي

قبل التعاقد مع أي شركة أجنبية لا بد من التأكد من الملاءة المالية للشركة المَنْوي التعاقد معها. ومعرفة طبيعتها القانونية والمصارف التي تتعامل معها والاعتمادات الممنوحة لها والكفالات المصرفية لديها. وذلك لضمان حسن تنفيذها للالتزامات التي تترتب على توقيعها لأي عقد. وفوق ذلك فإن القيام بالتعاقد مع الشركات الأجنبية مسألة لا تخلو من العديد من السلبيات يمكن أن نذكر بعضها:

  • خسارة خزينة الدولة لموارد الرسوم الجمركية التي تعفى منها السلع والمعدات والأجهزة المستوردة اللازمة للاستثمار النفطي من قبل الشركة الأجنبية أو الشركة العاملة.
  • معظم الشركات الأجنبية تصر على عدم تضمين العقود برنامج زمني محدد لجهة استبدال وتعويض الموظفين المستخدمين من الأجانب بآخرين محليين. وبالتالي تقلل من فرص اكتساب العمالة الوطنية للخبرات والمهارات وتعلم تقنيات العمل في مجال الصناعة النفطية وتطويرها.
  • إذا كان الموقف التفاوضي للجهة الوطنية ضعيفاً لأسباب مختلفة قد يعطي ذلك الفرصة للشركة الأجنبية لفرض العديد من الشروط والالتزامات المجحفة بحق الجهة الوطنية كرفع نسبتها من النفط التجاري وتقليل زمن استرداد التكاليف والنفقات.
  • قد تتنصل الشركة الأجنبية إذا ما كان موقفها التفاوضي قوياً من بعض الالتزامات في مجال الخدمات التجارية وتسويق حصة الجهة الوطنية من النفط إذا ما أرادت ذلك أو فرض عمولة عالية في حال رضيت بتسويقها. كما يمكن أن تتنصل من الخدمات المالية كاعتبار الأموال التي تنفقها بمثابة قروض بفوائد عالية تلزم الجهة الوطنية بدفعها من حصتها من النفط التجاري وخلال مدد زمنية قصيرة.
  • ارتباط معظم الشركات الأجنبية بسياسات بلدانها وعدم الفصل بين الجانب الاقتصادي والجانب السياسي. وبالتالي فمن حيث المبدأ يمكن أن تتوقف تلك الشركات عن العمل تحت ذرائع واهية إذا ما ارتأت حكومات بلدانها ضرورة سياسية في ذلك.
  • في حال التعاقد مع الشركات الأجنبية بشأن تطوير حقول قائمة ومعروفة الاحتياطيات المؤكدة قد يكون العقد وسيلة لوقوع حقول النفط الوطنية تحت سيطرة الشركات الأجنبية وبتكاليف متدنية وبأقل النفقات وهذا ما يعطيها فرصة كبيرة لتحقيق أرباح عالية على حساب انخفاض الفائدة المحققة للجهة الوطنية من هذه العقود.
  • كلما كان نفط الكلفة مرتفعاً هبطت إيرادات الجهة الوطنية خلال فترة استرجاع رأس المال المخصص للنفقات والتكاليف الأولية[15] وأمام ضعف الخبرات والكفاءات المالية الوطنية نسبة للموجودة لدى تلك الشركات فقد تتم المبالغة بحجم تلك النفقات وبالتالي يخصص جزء كبير من النفط التجاري لتعويض واسترداد رأس المال وهو ما يسمى بنفط الكلفة.
  • تعد جميع الأجور والرواتب ومخصصات العمالة الأجنبية عالية جداً، فضلاً عن اتباعها أسلوب إخفاء المعلومات الحسابية؛ واللجوء الى مفاهيم حسابية غير مفهومة للكوادر الوطنية العاملة معها مما قد يؤدي الى المغالاة في منح أجور ورواتب الكوادر العاملة في الشركات الأجنبية والتي تصل في بعض الأحيان الى ما يقارب (60) الف دولار شهرياً[16] .

خاتمة

حيث يشكل النفط السلعة الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم فقد شكلت مناطق إنتاجه رقعاً جغرافية محورية للصراع الدولي من أجل السيطرة عليها من قبل الدول العظمى بهدف تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لها وشفط ما يمكن شفطه من تلك الثروات بطرق مختلفة.

لذلك لزام علينا القول بضرورة إخضاع الدول المنتجة أية اتفاقيات نفطية مع الشركات العالمية للدراسة والتحميص الدقيقين والاستعانة بالخبراء والفنيين العاملين في مجال النفط لتدقيق بنود الاتفاقيات وتضمينها بالدرجة الأولى مسألة السيادة الوطنية على الثروة النفطية وإعطاء مجال زمني واسع للتفاوض حول شروط العقود بما يضمن المصلحة الوطنية أولاً ومصلحة أصحاب هذه الثروة الحقيقيين أي الشعب ثانياً. فوفقاً لهذه العقود ستذهب حصة نفطية بدون أدنى شك للشركات الأجنبية لذلك وبالمقابل لا بد من تحقيق أقصى المنافع المالية والاقتصادية والفنية منها بهدف تطوير إمكانات وقدرات الكوادر المحلية والشركات الوطنية لتصبح قادرة لاحقاً على إحداث التطور المنشود في هذا القطاع الحيوي والاقتصادي الأكثر من الهام داخل الاقتصاد الوطني.

[1] د. حسين عبدالله – مستقبل النفط العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – لبنان 2006 – ص64

[2] د. فياض حمزة رملي – عقود الامتيازات النفطية بين حقوق الشركة صاحبة الامتياز والدولة المضيفة – وكالة أنباء المال والأعمال Fna24 2017 – https://fna24.com/

[3] للمزيد يمكن مراجعة د. سعد علام – موسوعة التشريعات البترولية للدول العربية – منظمة الخليج العربي – ط1 الدوحة قطر 1987.  وأيضاً د. حافظ برجس – الصراع الدولي على النفط العربي – بيسان للنشر والتوزيع – بيروت 2000

[4] أحكام عقد الحكومة المصرية والهيئة المصرية للبترول مع شركة توتال الفرنسية وشركة كونوكو الأمريكية عام 1982 – الجريدة الرسمية – العدد 8 – تابع (أ) – 25 شباط 1982.

[5] العقود التي أبرمتها سلطنة عمان كانت قد حددت حصة 80% لها مقابل 20% للشركة المستثمرة كنسب محددة بغض النظر عن كميات ومستويات الإنتاج. المرجع: د. سعد علام – موسوعة التشريعات البترولية للدول العربية – منظمة الخليج العربي – ط1 الدوحة قطر 1987.

[6] سيراج حسين أبو زيد – التحكيم في عقود البترول – أطروحة دكتوراه – كلية الحقوق بجامعة عين شمس – مصر 1998.

[7] محمد شوقي محمد – الصناعة النفطية وأثرها في البنية الاقتصادية في سورية – أطروحة دكتوراه – كلية الاقتصاد بجامعة دمشق – سورية 2006 – ص129

[8] د. حسين القاضي – محاسبة النفط في ظل العقود السائدة – عدن – 1992 ص12.

[9] محمد شوقي محمد – الصناعة النفطية وأثرها في بنية الاقتصاد الوطني في سورية – مرجع سبق ذكره ص 130

[10] د. فياض حمزة رملي – عقود الامتيازات النفطية ……. – مرجع سبق ذكره

[11]نبيل جعفر عبد الرضا – التراخيص النفطية عقود خدمة أم عقود مشاركة – الحوار المتمدن – العدد 4996 – محور الإدارة والاقتصاد 2015 http://www.ahewar.org/

[12] المرجع السابق

[13] المرجع السابق.

[14] محمد شوقي محمد – الصناعة النفطية وأثرها ……. مرجع سبق ذكره.

[15] تأثير عقود مشاركة الإنتاج على إيرادات العراق – الجزيرة 2007 – https://www.aljazeera.net/

[16]نبيل جعفر عبد الرضا – التراخيص النفطية عقود خدمة أم عقود مشاركة …. مرجع سبق ذكره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى