ترجمات

تواجه سوريا مستقبلاً هشاً تهيمن عليه إيران وروسيا  

تهدد تركيا باجتياح سوريا للقضاء على المقاتلين الكرد. تتجه القوات السورية نحو المناطق التي سيخليها الأمريكيون قريباً. اسرائيل تقصف ميليشيات مدعومة من إيران في عمق سوريا. وقد تتحرك روسيا قريباً لاجتثاث بقايا المعارضة السورية. 

إن سوريا التي يخليها الجيش الأمريكي بناء على أوامر الرئيس ترامب هي نسخة بلقانية من بلد دخلتها حرب أهلية كارثية قبل نحو ثماني سنوات.

الآن، ومع انسحاب القوات الأمريكية والقضاء على المعارضة، ستتحرك كل من إيران وروسيا بحرية أكثر، وستقومان باستعراض قوتهما في سوريا.

قال ريتشارد هاس الدبلوماسي السابق ورئيس مركز مجلس العلاقات الخارجية في تغريدة له على التويتر: “مرحباً بك في الشرق الأوسط ما بعد أمريكا.”

كيف يمكن أن تبدو سوريا بعد الحرب؟

بعد سنوات من إراقة الدماء جراء اندلاع احتجاجات الربيع العربي التي أعطت الأمل بالتغيير الديمقراطي، يبدو أن المستقبل السوري الأكثر احتمالاً عبارة عن نسخة أكثر هشاشة بكثير مما كان عليه قبل الحرب: حيث أن الأسد يدير حكومة أكثر قمعية ترعاها روسيا وإيران.

البَلَدَان حليفا نظام الأسد منذ فترة طويلة. ومن خلال الدعم الجوي الروسي والدعم البري الإيراني، دخل البلدان في أزمة صعبة.

لقد أرسلت إيران الشيعية، التي تنافس القوى السنية بقيادة المملكة العربية السعودية على إرساء النفوذ في المنطقة، عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين إلى سوريا. وها هي تبني أضرحة شيعية وتدعم الميليشيات الشيعية التي تأمل أن تستخدمها كورقة ضغط ضد إسرائيل.

ولروسيا – التي لها نفوذاً سياسياً فعلياً كبيراً في سوريا- هيمنةً على سياستها الخارجية وأجهزتها العسكرية والأمنية. وهذا جزء من الثمن الذي فرضته موسكو من أجل حماية الأسد الذي يصفه القادة الغربيون بالمستبد وبأن عصره قد انتهى.

ما الذي تحصل عليه روسيا وإيران في المقابل؟

على الرغم من أن بقاءهما في سوريا مكلف ومثير للإحباط ومنبوذين فيها، إلا أن كل من روسيا وإيران حققتا نفوذاً إقليمياً أكبر مما حققته الولايات المتحدة.  

يقول دانييل بينايم، زميل مركز التقدم الأمريكي والمختص بالشرق الأوسط إن هذا هو “سيناريو الحلم بالنسبة لكلا البلدين. لقد تمكنا من رواية القصة لكل العناصر المتواجدة على الأرض – أصدقاء أمريكا وأعداء أميركا على حد سواء – بأن أمريكا لم تعد شريكاً موثوقاً به في الشرق الأوسط”.

لماذا كان الجنود الأمريكيون في سوريا؟

تم نشر ألفي جندي أميركي في شمال شرقي سوريا بالتعاون مع القوات التي يقودها الكرد للقضاء على الدولة الإسلامية في المنطقة. لكن تلك الشراكة أغضبت تركيا الجارة التي ترى الكرد الذين يحملون في فكرهم حكماً ذاتياً، على أنه عدو خطير.

إن كيفية مواصلة القتال ضد الدولة الإسلامية في سوريا باتت غير واضحة المعالم، ويُعتقد أن ما يقدر بحوالي 30،000 من أتباع الدولة الإسلامية لا زالوا منتشرين في أنحاء البلاد.

يتوقع العديد من الخبراء أن يؤدي الانسحاب الأمريكي السريع إلى نشوب معركة كبرى أخرى، إما مع تحرك تركيا للقضاء على أعدائها من الكرد، أو مع تحرك قوات الأسد لاستعادة المنطقة الشمالية الشرقية، أو حتى كليهما.

من المحتمل أن يتمكن الكرد ونظام الأسد من التوصل إلى اتفاق أولاً. وإذا لم يكن ذلك، فإن جولة جديدة من القتال بإمكانه أن ترسل موجات جديدة من اللاجئين – كرداً وآخرين – نحو العراق وظهور حالة جديدة من الفوضى من شأنه أن تساعد أيضاً في إحياء الدولة الإسلامية.

يقول آرون لوند، المحلل والزميل في مؤسسة سنشري (Century Foundation) إن “خطر اندلاع فوضى شاملة أمر محتمل تماماً مع اختفاء الأمر الذي كان يحافظ على استقرار الوضع، سواء كان جيداً أو سيئاً.”

من سيحتل الأراضي التي سيخليها الأمريكان؟

وفقاً لمعهد دراسة الحرب، فإن الميليشيات المدعومة من روسيا وإيران بما فيها حزب الله اللبناني تمركزت وبشكل جيد في المناطق التي تخلت عنها الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا. حيث تتمركز هذه القوات في حوالي 29 نقطة تقريباً، بالإضافة إلى سبع نقاط أخرى على الحدود السورية العراقية.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يأخذ من بريطانيا مقراً له والذي يرصد الحرب السورية وآخر تطوراتها عبر شبكة من الموظفين، أن الحكومة السورية أرسلت آلاف المقاتلين نحو مناطق في شمال شرقي البلاد.

ماذا تبقى من المعارضة المناوئة للأسد؟

تجمع كافة المعارضين للأسد في المعقل الأخير لهم في محافظة ادلب شمال غربي سوريا. قد تساعد روسيا قوات الأسد في استعادة السيطرة على المحافظة في نهاية المطاف، لكن من المتوقع أن تتفاوض روسيا أولاً مع تركيا التي تدعم الجماعات المعارضة للأسد والتي لديها مصلحة راسخة في ما يحدث على طول حدودها مع سوريا.

كيف كان وقع التغييرات على إسرائيل؟

يفيد المحللون أنه بإمكان إيران الآن حشد حلفاءها الشيعة في العراق وسوريا ولبنان في جبهة موحدة ضد اسرائيل. تهدف كل من إيران وحزب الله من خلال تواجدهما في سوريا إلى تعزيز وجود عسكري بالقرب من مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967.

وقد صرحت اسرائيل أنها لن تتسامح مع التهديد المتزايد من سوريا والذي ترجمه الإسرائيليون على الأرض قبل أيام بالغارات الجوية التي استهدفت أطراف دمشق.

وقد سمح الروس الذين لديهم علاقات جيدة مع اسرائيل وبشكل ضمني، بالقيام بمثل هذه العمليات في الماضي. ومع ذلك، احتج الكرملين على ما أسماه “الانتهاك الاسرائيلي الجسيم” للسيادة السورية.  

كيف تغير إيران سوريا؟

تواجه الشراكة الشيعية بقيادة إيران في سوريا ضعفاً شديداً، حيث أن عددهم قليل ضمن دولة ذات أغلبية سنية. ومع ذلك، فقد امتد نفوذ إيران ضمن المقاتلين والمدنيين السوريين.

وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان قامت إيران في بعض الأجزاء من سوريا بتوزيع الأموال لتغطية تكاليف السكن لأولئك الذين شردتهم الحرب، كما وأقامت في مناطق أخرى مراقد شيعية استقطبت الزوار من إيران والعراق وسوريا.

وفي تحد للعلمانية التاريخية للحكومة السورية، غمرت إيران وحزب الله أجزاء من البلاد برموز دينية ملفتة للنظر. حيث كان من النادر في الماضي رؤية احتفالات عاشوراء على سبيل المثال، بينما باتت مسيرات وطقوس عاشوراء الآن في المناطق غير الشيعية في دمشق أكثر رواجاً.

لقد أصبح بعض الجنود في الجيش السوري العلماني أكثر تديناً بعد انضمامهم إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. وقد تحول آخرون إلى مثل هذه المليشيات لأسباب غير دينية، حيث يحصل المقاتلون في الجماعات المدعومة من إيران على رواتب أفضل وأيام عطل أكثر من التي يقدمها الجيش، ولا يعني الانضمام إلى الميليشيا الشيعية بالضرورة التحول إلى المذهب الشيعي، لكنه تحول ملحوظ عن الطريقة القديمة.

هل الروس مرحب بهم في سوريا؟

عززت روسيا العلاقات مع الزعماء السوريين، ووطدت علاقاتها مع تركيا وفرضت سيطرتها على الولايات المتحدة كقوة لمواجهتها في الشرق الأوسط.

كما أبدى الروس تفهماً حذراً للحساسيات السورية – بإرسال رجال الشرطة العسكرية من منطقة الشيشان ذات الأغلبية السنية في روسيا، للتفاوض بشأن انسحاب المتمردين والحفاظ على السلام في المناطق السنية التي استعادها نظام الأسد.

وفي زيارة إلى الضواحي الجنوبية لدمشق في أكتوبر/تشرين الأول والتي كان يسيطر عليها المتمردون سابقاً، كان هناك ثلاثة من رجال الشرطة العسكرية الروسية يقومون بدورية بواسطة مدرعة خضراء اللون تحمل العلم الروسي. استقبلهم السوريون باللغة العربية، وفي بعض الأحيان يستقبلونهم بكلمة “privyet” أي “مرحبا” باللغة الروسية.

وقد رحب الكثيرون بالروس مفضلين إياهم على مسؤولي الحكومة الأمنيين أو الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.  حيث قال أولئك الذين لا يزالون يعارضون الحكومة في المنطقة إنهم يشعرون بالاطمئنان، خاصة عندما أظهر مقطع فيديو على اليوتيوب يظهر فيها رجال الشرطة العسكرية الروسية وهم يلقون القبض على جنود سوريين متهمين بالنهب. بعد ذلك في شهر يونيو/حزيران، ألقت ميليشيات شيعية القبض على اثنين من المدنيين السنة، بادر الروس حينها بالضغط على الميليشيات لإطلاق سراحهم، على حد قول السكان المحليين.

وقد ساعدت مثل هذه الحوادث في إقناع السكان بأنه ليس لروسيا مصلحة في تأجيج الاحتكاكات السنية الشيعية، ويمكن أن تعارض أي تحركات تقوم بها قوات الأسد للانتقام من المعارضة أيضاً.

هل يمكن أن يحدث تباعد بين روسيا وإيران حول مستقبل سوريا؟

يقول المحللون أنه هناك تنافس بين إيران وروسيا حول سوريا، حيث ترغب روسيا في تشكيل حكومة سورية تدعم نفسها بنفسها وتنفطم من المساعدة العسكرية والمالية الروسية، بينما تفضل إيران شيئاً أضعف. وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان إن البلدين بدأتا بالفعل بتعيين مستشارين لها في الأجهزة الأمنية السورية.

لكن كلاهما يواجهان تحديات للبقاء في سوريا. حيث لا يمكن لأي منهما تحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا التي قد تتجاوز وفق بعض التقديرات 200 مليار دولار.

يقول هيلترمان أن “الروس يريدون إيجاد مخرج من سوريا، وبشكل أساسي عسكرياً، تاركين قواعدهم وعناصرهم داخل الأجهزة الأمنية والشركات الروسية للمساعدة في إعادة الإعمار. إنهم لا يريدون تورطاً عسكرياً.”

لقد واجهت الحكومة الإيرانية معارضة داخلية لمغامراتها العسكرية في سوريا، حيث تأثر اقتصادها بسبب العقوبات الأمريكية.

وقالت دانييل بليتكا، نائبة رئيس قسم دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميركان إنتربرايز”، وهي مجموعة بحثية محافظة في واشنطن، إن الإيرانيين استخدموا حتى الآن القوة في سوريا “لكن سيكون من الصعب عليهم القيام بذلك طويلاً نظراً للضيق الاقتصادي الذي هم فيه “.

ويقول المحللون أنه قد يجد كلا المستفيدين (إيران وروسيا) صعوبة في إرساء استقرار سوريا في ظل الأسد، فقد انطلقت ضده فعلياً احتجاجات سلمية في مناطق استعادة السيطرة.

وقال ألكساندر بيك المحاضر والباحث في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة الذي أشرف على القضايا السورية في مجلس الأمن القومي في عهد إدارة أوباما: “سيرافق وقت السلم تحديات ستكون السبب في اندلاع الحرب”.

وقال: “إن الروس يدركون تمام الإدراك أن وضع الأسد هش، وأن الاقتصاد مدمر تماماً، وأن السياسة مضطربة”.

ترجمة عن الانكليزية: جوان شكاكي.

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى