قضايا راهنة

صِدام أم تفاهم… قامشلو ودمشق إلى أين؟

“كلّ ذرّة من تراب سوريا واجب علينا تطهيرها من عصابات الغدر, جيش سوريا قادم إلى كلّ بقعة جغرافية بسوريا، والقامشلي تنتظر قدوم بواسل جيشنا إلى هذه الأرض الطيبة” هذه مقتطفات من الرسالة التي وجهها عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي ياسر الشوفي قبل أيام للإدارة الذاتية الديمقراطية، من داخل المربّع الأمني بمدينة قامشلو، التي تسيطر وحدات حماية الشعب على غالبيتها, وذلك إثر زيارة قام بها للكنائس، وتشجيعهم على زيادة جرعة معارضتهم للإدارة الذاتية.

تهديد أو اعتراف الأمين السابق لحزب البعث في مدينة السويداء، برغبة النظام في العودة إلى مناطق الشمال السوري ليس إلا مثالا بسيطا على نيّة النظام الذي فقد سيطرته على هذه المناطق منذ بداية الأزمة السورية, لكن اليوم وبعد عودته لمناطق كثيرة كان قد فقدها قبل الآن سواء في الجنوب أو الجنوب الغربي، جعلته يرفع سقف أهدافه، وبات يفكّر جدياً في توجيه بنادقه إلى الشمال، الذي بات يتمتع بتجربة إدارة ذاتية تقترب من دخول عامها الخامس.

النظام السوري وطيلة أيام حكمه لسوريا كان ينتهج سياسية خاصة تجاه المناطق الكردية، وهدفه الأول كان دائماً صهر الكرد، وما سياسات التعريب إلا تأكيدٌ على ذلك, ومن هذه السياسات والتي اتبعت في سنوات ما قبل الأزمة، أنّ الكردي كان يُمنع من تسمية ابنه باسم كردي، لذلك كثيراً ماكنّا نرى الكردي يحمل اسمين أحدهما في السجلات الرسمية للنظام السوري، والاسم الآخر هو الذي يذكّره بأنّه مواطن من الدرجة الثانية.

دعوة النظام الأخيرة لمجلس سوريا الديمقراطية, والتي كثرت التحليلات حولها وكثر المأمول عنها، والآن باتت تنكشف نتائجها للعلن, فالنظام الذي يخطّط لتنظيم انتخابات إدارة محلية في منتصف هذا الشهر، كان يطمح لإجراء تلك الانتخابات في مناطق الإدارة الذاتية أيضاً، لذلك رأيناه يستعجل في تلك اللقاءات, لكن ردّ الإدارة برفض إجراء تلك الانتخابات في مناطقها، دفعته إلى تحريك الجبهة الداخلية، وما مسألة المدارس المسيحية، إلا محاولة أخرى منه لخلق البلبلة بين مكونات الإدارة، والتي يعتبر أساس قوة المشروع الذي يحمله الشمال.
الاشتباكات الأخيرة في مدينة قامشلو والتي جاءت نتيجة رغبة النظام في اعتقال الشبان، وسوقهم إلى خدمته الإلزامية، كانت آخر فصول – حتى الوقت الراهن – المسلسل، والذي هو محاولات النظام لجرّ الإدارة إلى شروطه وجعلها أحد شخصيات مسلسل “المصالحة الوطنية” والتي كثرت حلقاته, كومبارسه وكذلك مشاهدوه.

“إذا ما كنّا جاهزين للحوار مرة, فإنّنا جاهزون للحرب مئة مرة” جملة قالها قبل مدّة القيادي الكردي والرئيس المشترك السابق لحركة المجتمع الديمقراطي آلدار خليل، في إشارة منه إلى مسلسل العلاقة بين قامشلو ودمشق, الجملة التي تحمل في طياتها رغبة الإدارة في الحوار، وهي التي لم تفوّت فرصة ولم تؤكد فيه على ذلك, وتعبّر في نفس الوقت عن مدى جاهزية قوات الشمال- التي لعبت دوراً أساسياً في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي – للمعركة التي ربما تكون مصيرية، وتحدّد مستقبل العلاقة ما بين قامشلو ودمشق.

النظام الذي ربما يكون اليوم في أفضل أيامه وحالاته، وربما لم يكن رأسه يحلم بالاستمرار في الحكم إلى هذا اليوم، لم يتمكّن فقط من إعادة أغلب مناطق سيطرة المجموعات المسلحة المعارضة له إلى سيطرته, بل استطاع أن يُظهر للعالم بأنّ معارضته لا تملك أيّ مشاريع بديلة له، ويريد الاستمرار في ذاك النهج لحين إعادة البلاد كاملة لحكمه.

ولكن الطرف الآخر والذي ينازعه في القوة, فقوته العسكرية والتي لا تحتاج للتذكير بها، كان دائماً ما ينقصه الدعم السياسيّ، وعدم الاعتراف بمشروعه حتى من قبل شركائه في التحالف الدولي، لكن يبدو أنّ السياسة الجديدة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي والتغيّرات التي أحدثها في إدارته ,كذلك تأكيد بلاده على بقائها في سوريا، وجملة التوصيات التي قدّمها مبعوث ترامب الجديد في سوريا، والتي يأتي في مقدّمتها إقامة منطقة حظر جوي فوق مناطق سيطرة قسد ربما تسدّ ذاك النقص.

قد يبدو مستقبل علاقة قامشلو ودمشق معقّدة ويصعب التكهّن بتفاصيلها، لكن وبكلّ تأكيد يبقى الحوار هو الخيار الأفضل من الحرب، التي ستتعب الطرفين، وهم اللذان مازالا يمتلكان مشاريع عسكرية ضدّ أطراف أخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى