قضايا راهنة

الانتخابات المبكرة في تركيا والسلطنة العثمانية القادمة

إعلان دولت بخجلي زعيم الحركة القومية خلال اجتماع كتلته البرلمانية لحزبه رغبة الحزب في إجراء انتخابات مبكرة، والتي كان من المقرّر إجراءها في  تشرين الثاني ٢٠١٩، جاء بالاتفاق مع رجب طيب أردوغان وإن بدت في الظاهر غير ذلك، إذ سرعان ما وافق الأخير على تقديم موعد الانتخابات، وتقرّر إجراؤها في ٢٤ حزيران من هذا العام.

ويكاد يتفق معظم المحلّلين والمراقبين السياسيين على الأسباب الداخلية والخارجية التي دعت أردوغان للانتخابات المبكرة التي طالما عارض في تقديم موعدها سابقا، بالرغم من المطالبة المتكرّرة من قبل حزب الشعب الجمهوري المعارض، والأسباب التي دعته أن يقدِم على هذه الخطوة – وكلّه ثقة بأنّ نتائجها ستأتي في صالحه هي :

١-   وجد أردوغان نفسه منتصرا، وظهر بمظهر البطل القومي التركي لدى القوميين الأتراك والإسلاميين بعد عدوانه على عفرين واحتلال المدينة بالاتفاق مع الروس والإيرانيين والنظام السوري، وأعاد للذاكرة الجمعية المحطّات التاريخية للسلاطين العثمانيين، الذين سيطروا على المنطقة بعد انتصارهم على المماليك في معركة مرج دابق ١٥١٦ ولم يأتي بالصدفة تزامن تاريخ عملية درع الفرات  ٢٤ آب ٢٠١٦ واحتلال الجيش التركي  جرابلس والباب ومن ضمنها منطقة مرج دابق، مع الذكرى الخمسمائة على هذه المعركة التي انتصر فيها العثمانيون على المماليك، ومهدت الطريق لسيطرتهم على البلاد العربية وشمال أفريقيا ومساحات واسعة من أوربا والقسم الأكبر من أراضي كردستان وأرمينيا لمدة تزيد على أربعة قرون، ولازال العثمانيون الأتراك يحتلون الأناضول  ووطن الكرد والأرمن والسريان الآشوريين .

٢- استغلال وضع المعارضة المشتت، فأردوغان استغلّ الانقلاب الفاشل في تموز ٢٠١٦ لضرب خصومه السياسيين والزجّ بالآلاف من السياسيين والعسكريين في المعتقلات من كلّ التيارات السياسية بمن فيهم جماعة فتح الله غولن الداعية الاسلامي حليف اردوغان سابقاً، فحزب الشعب الجمهوري المعارض وريث الكمالية فقد رصيده الشعبي نتيجة أخطاء قياداته والموقف السلبي من القضية الكردية، كما أنّ حزب الخير الجديد بقيادة ميرال أكشينر المنشقّ من  الحركة القومية حزب قومي فاشي، كما لم يقف بعد على قدميه، ولن يسعفه تلقّيه الدعم واستقالة ١٥ من برلمانيي حزب الشعب الجمهوري وانضمامهم للحزب الوليد حتى يتمكن من المشاركة في الانتخابات المبكرة، كما أنّ حزب السعادة الاسلامي ليس بالقوة التي تؤهله ليكون منافسا لحزب العدالة والتنمية، أما حزب الشعوب الديمقراطية الذي ينظر إليه على أنّه الجناح السياسيّ لحزب العمال الكردستاني فقد تعرّض لضربة قاسية بعد اعتقال رئيس الحزب السيد صلاح الدين ديمرتاش والزجّ بأكثر من عشرة آلاف من أعضاء الحزب ورؤساء البلديات والبرلمانيين المنتخبين في السجون والمعتقلات.

إذاً فالمعارضة تعيش حالة من الضعف تجعلها عاجزة، لكي تشكّل البديل القادر على إلحاق الهزيمة بحزب العدالة في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها .

٣-  الوضع الاقتصادي والذي يشكل هاجسا لدى العدالة والتنمية، فالأزمة الاقتصادية التي قد تتفاقم في ظلّ تدهور الليرة التركية وتراجعها أمام الدولار، في الوقت الذي تشهد فيها أيضا العلاقات التركية الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والموقف الأوربي المناهض لتركيا، الذي قد تتبعه عقوبات اقتصادية مما ينبئ بتدهور الحالة المعاشية للمواطنين، لذلك فتأجيل الانتخابات ليس في صالح أردوغان الذي يجب عليه أن يجد حلولا اقتصادية تقوّي العملة التركية أمام الدولار، وتعيد الثقة للمستثمرين، ووضع حدّ لهروب رؤوس الأموال وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في تركيا نتيجة غياب الاستقرار السياسيّ .

٤-  الإسراع في الانتقال للنظام الرئاسي، فالمرحلة التي تعيشها تركيا الآن انتقالية ما بين النظام البرلماني والرئاسي، ووضع كلّ الصلاحيات بيد الرئيس ستمكّن أردوغان خلال الخمس سنوات القادمة من اتخاذ قرارات حاسمة على كلّ الصعد، وذلك  قبل أن تفلت الأمور وينهار الوضع الاقتصادي وتعيد المعارضة لملمة صفوفها .

كلّ ما يخشاه أردوغان من اتفاق المعارضة على مرشح قويّ يستطيع منافسته والمرشّح الذي يتم تداول اسمه في وسائل الاعلام ولدى الشارع التركي هو عبدالله غول الذي يحظى بشعبية في الوسط الإسلامي في الوقت الذي يزداد فيه  الاستياء من أردوغان من قبل الكثير من رفاقه المبعدين والمهمّشين، منهم شخصيات بارزة كأحمد داوود أوغلو وبولاند أريج وعبداللطيف سينير وآخرين.

المراقبون السياسيون يؤكدون على أنّ  الكرد هم بيضة القبان في هذه الانتخابات، وموقف الكرد من  حزب العدالة والتنمية سيكون له التأثير المباشر على نتيجة الانتخابات ونجاحه مرهون بكسب أصوات الكرد، كلّ النجاحات التي حقّقها أردوغان في السابق استندت على أصوات الناخبين الكرد المخدوعين بخطابات أردوغان واستغلاله لمشاعر الكرد الإسلامية، إلا أنّ تحالفه مع  الحركة القومية التركية العنصري، والعدوان التركي على عفرين مع التشكيلات العسكرية الإسلامية “الجهادية” تحت رايات “الله أكبر” و”سورة الفتح” أثار استياء لدى الشارع الكردي، وقسم كبير من الكرد الإسلاميين من أنصار أردوغان، إذ كشف الأخير عن قناعه، وبات الكرديّ  متيقّنا بأنّ أردوغان بعدوانه على عفرين لا يستهدف طرفاً سياسياً كردياً بعينه وإنّما يستهدف الشعب الكردي عامة، وهو كذلك رأي المؤيدين للبارزاني في شمال كردستان.

فقد استهزأ أردوغان بالكرد عندما أعلنوا الاستفتاء على استقلال الإقليم ووقف موقفاً معاديا وداعما لحكومة بغداد في حربها ضدّ الشعب الكردي، مما أدى إلى فتور العلاقة بين أردوغان ومسعود البرزاني، الذي ساند بطريقة ما أردوغان قبيل حملته الانتخابية .

حزب العدالة والتنمية والذي تأسّس في ١٤ آب  ٢٠٠١ من قِبل رجب طيب أردوغان وعبدالله غول وبولند أريج المنشقّين عن حزب الفضيلة الإسلامي الذي تم حلّه بقرار من المحكمة الدستورية التركية في ٢٢حزيران ٢٠٠١ والذي  سرعان ما حقّق فوزا كاسحا بانتخابات عام ٢٠٠٢ ليشكل الحكومة بمفرده في البرلمان، ثم تتالي النجاحات التي حقّقها الحزب في الانتخابات التشريعية والتنفيذية، حتى بات يسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان البالغة ٥٥٠ مقعدا، ونجح أردوغان في تعديل بعض مواد الدستور التركي، والفوز بالانتخابات الرئاسية وتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسيّ، هذا الحزب يضع اليوم علمانية تركيا على المحك، ويعمل قادة العدالة والتنمية على نسف الأسس والقواعد التي بنى أتاتورك وحزب الشعب الجمهوري الدولة التركية الحديثة على أساسها، واستفاد من أخطاء من سبقه من قادة الأحزاب الإسلامية، ممن تم الإطاحة بهم من قبل المؤسّسة العسكرية لا سيّما معلمه نجم الدين أربكان، واستغلّ الانقلاب العسكري الفاشل في تموز في إزاحة المئات من الضباط والقادة الكماليين، وأحلّ بدلا عنهم ضباط موالين للنهج الإسلامي، ويجد الإخوان المسلمون في العالم نهضة تركيا بقيادة أردوغان نهضة للأمة الإسلامية، ويراهنون عليه في إعادة الخلافة الإسلامية، وأصبحت اسطنبول اليوم  قبلة لكبار قادة الإخوان في العالم، وبقية التيارات الإسلامية بما فيها السلفية الجهادية الأكثر تطرفاً .

مصطفى كمال أتاتورك مؤسّس الدولة التركية الحديثة كرس قيادته لتركيا باعتراف دولي في معاهدة لوزان ١٩٢٣ وأعلن ولادة الجمهورية التركية على أنقاض السلطنة التي خسرت الحرب العالمية الأولى، وألغى الخلافة وجعل من أنقرة عاصمة الدولة الجديدة بدلا من اسطنبول.

حكومة العدالة والتنمية وفي ظلّ حالة الطوارئ المفروضة منذ الانقلاب العسكري الفاشل، وسيطرت أردوغان  على كلّ مفاصل الدولة والمؤسّسات الأمنية والعسكرية، بما فيها وسائل الاعلام التي تعمل في إطار المشروع الإسلامي، وحالة الاٍرهاب المعمّمة وسياسة كمّ الأفواه وخنق الأصوات الحرة، وغياب المنافس القوي في انتخابات الرئاسة، إذ أعلن عبدالله غول بأنّه لن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة، مما يفتح الباب أمام أردوغان ليحقّق الفوز بسهولة، وبالتالي تمرير مشاريعه التي يعمل عليها منذ أن قاد مسيرة العدالة والتنمية وتغيير وجه تركيا العلمانية، ووجهتها باتجاه أسلمة المجتمع والجيش، وإدخال مناهج الشريعة الإسلامية في المدارس والجامعات، مما يمكّنه إعادة الخلافة الإسلامية لتركيا، والتمدّد باتجاه العالم العربي من خلال دعم جماعات الإسلام السياسيّ.

تركيا من صفر مشاكل في الداخل ومع الأسرة الدولية في الحقبة الأولى من عمر حكومة العدالة والتنمية إلى الغرق في المشاكل مع الجوار والحلفاء، وفي الداخل بعد نسف مبادرة السلام التي طرحها القائد الكردستاني عبدالله أوجلان وإعلان أردوغان الحرب على الشعب الكردي، وإذا فاز أردوغان بالانتخابات وهو المتوقّع فلن يكون بمقدور أيّ حزب سياسيّ معارض في تركيا استلام السلطة عن طريق صناديق الانتخابات بعد ٢٤ حزيران ٢٠١٨ ولمدة طويلة، إلا إذا حدث انقلاب عسكري من حيث لا يحتسب أردوغان، وليس من المستبعد حدوث ذلك، فالتاريخ التركي حافل بالانقلابات العسكرية .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى