دراسات

الطفولة المهمّشة ومزامنة الرصاص

الطفولة هي الأساس المتين لحياة الإنسان، والمرحلة الأكثر تأثيراً في تشكيل معالم شخصيته، وبلورة ملامحها الأساسية، وإبراز ميولها وقيمها واتجاهاتها.. حقائقٌ انتظرت عقوداً لترى النور، وأوصلت -تباعاً- إلى اكتشاف طبيعة (الشخصية الطفلية) وبالوقت نفسه شجّعت على الاهتمام بتربيتها من الجوانب كافة، لقد نالت الطفولة كمرحلة تمتدّ من الولادة حتى بداية المراهقة، اهتمام المجتمعات الإنسانية ورعايتها على مرِّ العصور، لكن بالقدر الذي يؤهّل الطفل ليكون قادراً على الأعمال التي توكل إليه وفقاً لنظرة كلِّ مجتمع، لكنّها أصبحت اليوم تحتلّ أهمية كبيرة لدى المعنيين بشؤون التربية، وتنال وافر الاهتمام من قبل العلماء باختصاصاتهم، وأصبحت رعاية الطفل مسألة على قدرٍ عالٍ من الأهمية لدى المجتمعات المتقدّمة، بل قاعدة أساسية لكلّ عملية تنموية تقوم بها، ولعل أسوأ جريمة تقترفها البشرية على الإطلاق، هي التخلّي عن مطالب إنماء الطفولة، وغضّ الطرف عن احتياجاتها البيولوجية والسيكولوجية المختلفة.

الأطفال في القوانين والمواثيق الدولية:

لقد حظيت مرحلة الطفولة بمواثيق دولية، كان أهمّها: (اتفاقية حقوق الطفل) التي مرّت بمراحل عدّة، نستعرضها بإيجاز، فقد تبنّت عصبة الأمم في 26 أيلول/ سبتمبر عام 1924 ما سمّي بإعلان جنيف الخاص بحقوق الطفل، المكوّن من خمسة مبادئ أساسيّة، وكان هذا الإعلان أوّل وثيقة دولية تربـط بين المسؤولية الوطنية لكلّ دولة عن حماية أطفالها وضمان حقوقهم، ثم أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة نسخةً أكثر تفصيلاً لهذا الإعلان، مكوّنةً من عشرة مبادئ لتحلّ محلّ المبادئ الخمسة الأصلية، دعا الأفراد والمنظمات والحكومات إلى الاعتراف بهذه الحقوق، والسعي لتطبيقها من خلال التشريعات التي تُتّخذ تدريجياً وفقاً للمبادئ العشرة، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 قد أشار إلى حقّ الأطفال في الرعاية الخاصة.

بيد أنّ وثيقة (إعلان حقوق الطفل) المعدّلة كانت غير ملزمة، لكن بعد حوالي 30 عاماً من قبول الإعلان عام 1959 تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة (اتفاقية حقوق الطفل) عام 1989 التي تضمّنت /54/ مادّة، واعُتمدت لتصبح أول اتفاقية دولية ملزمة قانوناً في هذا المجال، ووفقاً للإعلان يتمتّع كلّ أطفال العالم بجميع الحقوق المقرّرة فيه، وأهمّها: حياة آمنة وكريمة، وحصولهم على حقوقهم الاجتماعية والقانونية والفكرية، وحمايتهم من أيِّ استغلال نفسي أو جسدي.

وأكدت النصوص الـ /54/ حقّ الطفل في أن يتمتّع بطفولة سعيدة، وأن يترعرع في بيئة عائلية مفعمة بالمحبّة والتقدير والتفهُّم، كما جاء فيها بأن تحترم الدول الأطراف جميع الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية، وأن تضمّنها لكلّ طفل يخضع لولايتها، وتعامله دون أيِّ نوع من أنواع التمييز، بغضِّ النظر عن لونه، أو جنسه، أو لغته، أو دينه، أو أصله القومي، أو الإثني أو الاجتماعي، وأن تتعهّد باحترام حقِّ الطفل في الحفاظ على هويته.

وكان لتوصية الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم دولي لحماية الأطفال، يوافق الأول من حزيران/ يونيو، ويوم عالمي للطفل، تحتفل به معظم دول العالم وتعدّه عيداً للطفولة، يوافق 20 تشرين الثّاني/ نوفمبر. وهو تاريخ التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، عام 1989، كان لذلك أثرٌ كبير في لفت الأنظار إلى عالم الطفولة، وتماشياً مع مهمّتها لحماية حقوق أطفال العالـم، أخـذت اليونيسف المنظمة العالمية الخاصة برعاية الطفولة، على عاتقها مسؤولية إحداث تغيير فعلي لمصلحة الأطفال في العالم، لذا عُدّ القرن العشرين شاهداً على اهتمام واسع بالطفل، وأصبحت الطفولة فيه محوراً لاهتمام شامل، حتى وُصف بعصر الطفل.

الطفولة في الحروب والنراعات المسلحة:

على الرغم من كلّ الامتيازات التي حظي بها الأطفال، والأشواط التي تحققّت في ميادين تربيتهم، إلا أنّ الطفولة لا تزال تعاني من مشكلات عدّة، ولم تَرقَ إليها النظرة إلى المستويات التي تستحقها.. إذ يحصد الفقر والجوع والأمراض والحروب يومياً، أرواح مئات الآلاف من هذه الكائنات اليانعة، فبنظرة سريعة إلى تقارير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) نجد أنّ ما يزيد على مليار طفل في العالم يواجهون ظروفاً صعبة، تحرمهم من طفولتهم وتمنعهم من التمتّع بها كما يجب، تقول كارول بيلامي، التي شغلت منصب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة نحو عقد من الزمن، خلال إعلان تقرير سنوي عن عملها: (عندما يكبر نصف أطفال العالم في ظلِّ ظروف الجوع والمرض، وعندما تصبح المدارس أهدافاً عسكرية، وعندما تخلو قرى بأكملها من السكان بسبب المرض، نكون قد فشلنا في تنفيذ الوعد الذي قطعناه على أنفسنا للطفولة).

تفيد تقارير موثّقة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة، بأنّ نحو 3 مليون طفل قتلوا خلال العقد الأخير في نزاعات مسلحة، وأنّ 7 مليون طفل تعرّضوا للإعاقة الجسدية، وأنّ أكثر من 16 مليون أصيبوا بأمراض نفسية وعصبية، ناهيكم عن ملايين الأطفال الذين تم تشريدهم وحرمانهم من التعليم، وتفيد إحصائيات أخرى للمنظمة نفسها أنّ هناك حوالي مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ما يقارب الـ 300 مليون منهم دون سنِّ الخامسة، كما أفادت منظمة (اليونيسكو) أنّ حوالي 28.5 مليون طفل كانوا خارج المدارس في عام 2013، للأسباب الآنفة الذكر.

إنّ مرحلة الطفولة التي ظلّت لعقود زمنية علامة على القهر والدونية، ما زالت تئنّ تحت وطأة الظلم والتعسف والإهمال، فما أكثر الأطفال الذين يعانون من الحرمان بأشكاله، أو من عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي، وما أكثر الأيتام منهم، والمشرّدون النازحون، والممزّقون عائلياً، والأطفال غير الشرعيين، والمضطـرِّين للنزول إلى سوق العمل، وغيرهم.

في أحدث تقاريرها تقول (اليونيسف) أنّ الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع بالعالم، يتعرّضون لهجمات على نطاق صادم، ويتمّ استهدافهم، وتعريضهم للهجمات وأعمال العنف في منازلهم ومدارسهم وملاعبهم، ويضيف مانويل فونتاين، مدير برامج الطوارئ بالمنظمة قائلاً: “لا يمكن أن تصبح مثل هذه الوحشية أمراً اعتياديا”. كما أشار التقرير إلى أنّ الأطفال أصبحوا أهدافاً أمامية في الصراعات حول العالم، وأنّ الاغتصاب والزواج القسري والاختطاف والاستعباد أصبحت أساليب اعتيادية أثناء الصراعات المسلحة، وأوضح التقرير أنّ الملايين من الأطفال أصبحوا ضحايا غير مباشرين لمثل هذه الصراعات، حيث يعانون من سوء التغذية والمرض والصدمة، كما يتمّ حرمانهم من الخدمات الأساسية، مثل الطعام والمياه والخدمات الصحية والصرف الصحي.

يتضح مما سبق: إنّ الأطفال، وبحكم ارتباطهم بظروف البيئة الاجتماعية والاقتصادية والواقع السياسي عموماً، هم الفئة الأكثر تأثُّراً وتضرّراً جراء الحروب والنزاعات المسلحة، سواء بطريقة أو بأخرى، فتجد منهم من فقد الحياة مبكراً، ومن تعرّض للتعسيف والتعذيب والاستغلال، أو أمضى أيامه القصيرة في ويلات التشرّد واللجوء والشتات، كما وتجد منهم من تجنَّد وحمل السلاح، أو استُخدم كدروع بشرية، أو في برامج تسويق لأفكار بعض الجماعات المتنازعة.

لا نزال للأسف، ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، نقرأ ونسمع ونرى أوضاعاً مأساوية يعيشُها الملايين من الأطفال في بقاع شتى من العالم بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، نرى كيف تُنتهك براءتهم وعفويتهم وصفاء نفوسهم، سواءٌ الأطفال الذين عايشوا الحرب فعلاً وكانوا أهدافاً مباشرة لها، أو الذين يخضعون لتأثيراتها بشكل غير مباشر، يحدث كلّ ذلك، ويصيب الأطفال ما يصيبهم من الظلم والقسوة والتعسُّف، بالرغم من أنّ جميع دول العالم وحكوماتها موقّعة على (اتفاقية حقوق الطفل) والقوانين الدولية الخاصة به، وهنا تكمن المفارقة العجيبة أو المخزية بالتعبير الأصح، ويحدث أنّ بعضاً من تلك الدول تتباهى بدرجة اهتمامها بالطفولة، وتعتمده معياراً أساسيّاً للتطوّر الذي تسعى لتحقيقه في المستقبل.

من الآثار المأساوية للحروب والنزاعات المسلحة على الأطفال:

إن من أهم الآثار المأساوية لحروب البشر التي تلقي بظلالها على الأطفال:

  • فقدان الكثير من الأطفال لحياتهم، وإصابة الكثير منهم لإعاقات وجروح كبيرة، وتعرّض آخرين للتعذيب والاغتصاب والاستغلال، وما لذلك من تأثيرات كارثيّة على حياتهم، حيث تشير التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية ذات الصلة، إلى الأعداد المهولة للضحايا الأطفال نتيجة الحروب.
  • تعرّضهم لاضطرابات نفسية وسلوكية، فالأطفال -كما بات معروفاَ- هم الأكثر تأثُّراً في ظروف الحروب والنزاعات المسلحة، تأثيراً يمتدّ غالباً إلى المستقبل، فأخطر آثار الحروب على الأطفال تظهر ما بعد أوقاتها، في الجيل الناجي من الحرب، إذ يحملون معهم مشكلات نفسية قد تفوق -أحياناً- قدرة الأهل على المساعدة.
  • النقص الكبير الذي قد يحصل في مجالات التغذية والرعاية الصحية والصرف الصحي، ما يؤدي إلى تفاقم معاناة مئات الألاف من الأطفال حول العالم، مثل انتشار الأمراض السارية والمعدية على سبيل المثال.
  • تبعات عمليات النزوح للكثير من الأسر عن مناطقها، وما تخلقها من التداعيات السلبية، كبقائهم دون مأوى، وضعف فرص الحصول على مقوّمات الحياة الإنسانية الكريمة، وفقدان توافر ظروف الحياة الطبيعية.
  • تجنيد الأطفال، وهي من أبشع الآثار السلبيّة للحروب النزاعات المسلحة على الأطفال، حيث يُجبر المئات منهم على حمل السلاح والإنخراظ في الأعمال العسكرية، إما بدافع عاطفي لفقدانهم أحد ذويهم في المعارك الدائرة، أو لأنّ الأطراف المسلحة تجد فيهم أهدافاً سهلة المنال، أو لعدم حصولهم على أبسط الحقوق التي تكفلها لهم المواثيق الدولية. وأنا برأيي أجد في الأخير السبب الأساسي لهذا التوجُّه.
  • عدم تمكّن الكثيرين منهم الحصول على التعليم الكافي، بسبب عدم توافر المؤسسات التعليمية القريبة، أو عجز الأهل عن تأمين مستلزمات الدراسة لأطفالهم، ففي إحدى تقاريرها أكدت (اليونيسف) أنّ الأزمة السورية مثلاً كان لها تأثير مدمر على الوضع التعليمي في البلد، لافتةً إلى أنّ من بين كل خمس مدارس في سوريا هناك مدرسة قد دمِّرت أو تضرَّرت أو استخدمت لأغراض أخرى.
  • الاضطرار للنزول إلى سوق العمل، بهدف الحصول على قوتهم، ومساعدة أسرهم في ظروف غلاء المعيشة، أو حتى امتهان أعمال تكون شاقة بالنسبة لهم، ومتدنية الأجر في أغلب الأحيان.

الحرب في سوريا وتأثيراتها على الأطفال:

لم يعد الطفل في سوريا، بسبب ظروف الأزمة القاسية التي لا تزال قائمة، لم يعد يرسم عصفوراً، أو شجرة، أو صحن فواكه إذا طُلب منه أن يرسم، بل أصبح يرسم جندياً أو مدفعاً أو بندقية، كما لم تعد غايتنا كمربين وآباء إلا الحفاظ على حياتهم، مستبذلين كلَّ ما خططناه لهم مقابل هذه الغاية، لم يعد مهماً زيارة حديقة أو ممارسة نشاط ثقافي أو فني أو رياضي، وأصبح الشغل الشاغل تأمين الخبر وكأس الحليب، وشمعة يشعرون على ضوئها بقليل من الطمأنينة، باختصار أصبحنا نبحث في مفردات إنسانيتهم.. هكذا يمضي بنا الوقت دون أن نشعر ببهجته، لا يسعنا إلا أن نحصي الأيام والأسابيع على أصابع الانتظار والترقُّب.. ترقّب ما يحمله مستقبل مجهول يتربص بنا وبأطفالنا.

لقد أصدرت العديد من المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون الطفل، ومنها منظمة: سِيف ذي شيلدرن/ أنقذوا الأطفال، عشرات التقارير عن الضريبة الباهظة التي تدفعها الطفولة في سورية، والواقع الذي يعيشه أطفالها منذ سنة 2011 وحتى اليوم، وهو واقع بائس، لا يمكن لكائنات بريئة كالأطفال أن تتحمَّل تبعاته. ولعل صورة الطفل (آلان) التي تناقلتها وسائل الإعلام في مختلف أرجاء العالم، غريقاً على شواطىء البحر، وقد أدار للعالم ظهره سخطاً واحتجاجاً، في أيلول/ سبتمبر 2015 وبعدها صورة الطفل (عمران) الذي ظهر يتلمَّس الدماء والأتربة على وجهه وسط الصمت والذهول، في آب/ أغسطس 2016 تعدُّ من أجلّ الأمثلة على ذلك الواقع المرير، كما حذرت إحدى تلك المنظمات من ضياع جيل كامل من الأطفال السوريين، بسبب حرمانهم من الحصول على التعليم ومهارات النجاح، ومن جانب آخر بسبب الصدمات التي قد يعانون منها بفعل آثار الحرب وتأثيراتها، بل أنها ذهبت بتحذيراتها إلى أن واقع الحال في سورية سيشكِّل خطراً حقيقياً على الأمن العالمي برمته.

ولعلي أفلح في استشهادي على هذا الواقع في سورية بالعدوان الهمجي الذي شنته الدولة التركية والمسلحون الذين يدورون في فلكها على مدينة عفرين الآمنة، من مرآى ومسمع العالم، وما نجم عنه من آثار خطيرة على الطفولة والأطفال فيها، فمن يرصد حجم الإجرام المتعمَّد تجاه المدينة وأطفالها، يتخيَّل نفسه في عصور لم تعد إلا ذكرى سوداء من التاريخ الإنساني، وفي الوقت نفسه تتضح له الصورة كاملة عن حجم المعاناة التي يعيشُها الأطفال في الحروب النزاعات المسلحة. أكدت (اليونيسف) إنها تلقت تقارير مفزعة حول عدد الضحايا من الأطفال جراء القصف التركي على عفرين، ففي تاريخ 27 كانون الثاني/ يناير 2018، أي بعد أسبوع واحد من العملية العسكرية، التي سمِّيت زوراً وبهتاناً بـ (غضن الزيتون) وثّقت المنظمة فقدان 11 طفلاً لحياتهم، وإصابة عدد كبير منهم نتيجة أعمال العنف المستمرة التي تقوم بها تركيا في المنطقة، كما اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تركيا بشكل واضح استهداف المدنيين في حربها على المدينة، وأوضحت أن خلال ثلاث هجمات شنَّتها قواتها المسلحة في النصف الثاني من شهر شباط/ فبراير 2018 أسفرت عن مقتل 26 مدنياً، بينهم 17 طفلاً.

لقد أصبح الأطفال في عفرين ونواحيها ضحية الحرب البشعة التي فجَّرتها الأحقاد والأطماع الاحتلالية في صدور المتسلِّطين على الحكم في تركيا، بل يمكن القول بأنّهم على راس أهدافها، فمن لم يصب منهم بمكروه جسدي، كان عرضة لمشكلات وتداعيات نفسية لا يقلّ تأثيرها عن التأثير الجسدي، لقد استيقظوا يومياً على أصوات قصف المدافع وأزيز الرصاص وهدير الطائرات، وعايشوا وقع الحدث بكلّ أشكال الخوف والفزع والقلق، وهذه مصادر أساسية  للاضطراب النفسي لدى الأطفال، ناهيكم عن الاثار المترتبة على هذه الحرب المفتوحة من النقص في الغذاء والماء وتعطيل الدراسة والحياة الطبيعية الآمنة، ورغم كل ما سبق لا تزال الجهود الدولية الخجولة إزاء مأساة الأطفال في عفرين عاجزة عن توفير وتأمين ظروف الحياة الصحية لهم.

كيف نقدّم المساعدة للأطفال في ظروف الحرب والنزاعات المسلحة:

  • إنّ الأسرة هي الجهة الأكثر قدرة وفعالية على مساعدة الأطفال في هذه الظروف، من خلال محاولات تهدئتهم، وتخفيف مخاوفهم، وخلق الشعور بالسكينة والاطمئنان لديهم، كذلك مساعدتهم على سرعة استيعابهم وامتصاصهم للصدمة، وللأحداث التي تجري من حولهم، إلى جانب ضرورة توفيرها للموادّ الضرورية للإنسان، كالغذاء والشراب والدواء.
  • تضافر جهود الأسرة مع جهود الأطراف الأخرى، بهدف توفير الدعم النفسي الاجتماعي للطفل أثناء الحروب والنزاعات، إذ أنّ هناك العديد من المؤسسات المجتمعية غير الأسرة؛ يمكنها أن تقدِّم المساعدة والدعم النفسي في هكذا ظروف، كمجموعة الأصدقاء، ووسائل الإعلام، والمدرسة إن كانت لا تزال تقدّم خدماتها.
  • فعالية جهود العاملين في ميدان العمل الإنساني على نطاق موقع الحدث، وسرعة اتخاذ خطوات إيجابية؛ تضمن حماية الأطفال من العنف والاستغلال وتقديم الدعم في زمن الحرب، إلى جانب ضرورة توفير قاعدة معلومات كافية تسهم في مساعدة هؤلاء العاملين على توفير الحماية للأطفال.
  • حثِّ المنظمات والوكالات الإنسانية المتخصصة على مواصلة جهودها، بهدف الوصول إلى الأطفال، وحمايتهم من جميع أشكال سوء المعاملة، وتقديم الخدمات الإنسانية الضرورية لهم أثناء الحروب والنزاعات المسلحة.
  • مساعدة الناجين منهم في اكتساب أفكار ذات آفاق متسعة، ومحاولات صرف تفكيرهم عن أجواء الحرب التي عايشوها، وتجاوز مشاهدها وأحداثها المرعبة، ناهيكم عن إعدادهم لمواجهة الظروف الطارئة، لتزداد قدراتهم وتنضج أساليبهم في التعامل معها.

أخيراً يمكن القول: إنّ المأساة التي يعيشُها أطفال الحروب في البقع الساخنة من العالم هي أكبر مأساة يمكن أن تشهدها الإنسانية، ذلك لأنّها تغتال فيهم لحظات الفرح بالحياة، وتغتصب الآمال والأحلام والبراءة، وكلَّ حقوقهم المشروعة، وأنّه من العار على الإنسانية أن تسمح بانتهاك معاني الطفولة بهذه الأشكال السافرة، وأن تتغاضى عن هؤلاء المجرمين الذين يغيِّبون الابتسامة عن شفاه الأطفال، ويقتلون البهجة في قلوبهم، ويملؤون ذاكرتهم الصغيرة بمشاهد الخوف والرعب والريبة، ومظاهر البؤس والتشرّد والشقاء، وهم في عمر الزهور.

لعلّه سؤال يبحث عن إجابات شافية: أيّة ذنوبٍ اقترفتها هذه الكائنات الملائكية حتى يحرموا من حقوقهم في الحياة، ويلاقوا مصيراً لا وجود للرحمة فيه، ولا أنامل للمرح تلامس شغاف قلوبهم، ولا أمن واستقرار يليق بطفولتهم، للأسف هي الطفولة في زمن الحروب، الزمن الذي لا يسوده سوى الأشلاء والركام والدخان، ولا يطغى عليه غير أحلام طحنتها آلة الحرب، وزرعت بديلاً عنها الحزن والجراح والتشرّد.

إنّ مرحلة الطفولة هي أهمّ مراحل حياة الإنسان، وذات التأثير الأعمق في تكوين شخصيته بكافة جوانبها الانفعالية والقيمية والاجتماعية كما سبق وأن مرّ معنا، وهي كمرحلة أساسية ومستقلة لها قيمها ورغباتها واحتياجاتها، مثلما للأطفال حقّ تأمين الوسط الآمن، وإشاعة أجواء الصحة والعافية والسعادة، الأمر الذي يسهم في تنمية شخصياتهم وانطلاقها نحو آفاق الحياة، ويسهم بالوقت نفسه في تحقيق أمنياتنا لهم، التي تتمثَّل بطفولة سعيدة، يملؤها السكينة والأمان، والمستقبل المشرق الزاهي الوضّاء.

 


تم الاستفادة من المراجع التالية:

  • اتفاقية حقوق الطفل- اعتُمدت للتوقيع والتصديق والانضمام؛ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 وبدأ نفاذها في 2 أيلول/ سبتمبر 1990 بموجب المادَّة
  • الإنسانيّ، مجلة فصلية تصدر باللغة العربية عن المركز الإقليمي للإعلام باللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC. وهي منظمة مستقلة محايدة، أنشئت عام 1863 تتمثَّل مهمتها في حماية أرواح ضحايا الحرب وكرامتهم وتقديم المساعدة لهم. صدر العدد الأول من المجلة عام 1998 وهي تتناول القضايا السياسية والاجتماعية للمنطقة من منظور إنساني. العدد (51) شتاء 2011 ملف العدد: (أبناء الحروب) شارك فيه نخبة من الكتّاب.
  • الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال خلال الحروب والنزاعات- بحث للأستاذ أحمد شيخاني، دمشق 2012
  • حماية الأطفال ضدَّ الإستغلال والإنتهاكات الجنسية في ظلِّ أوضاع الكوارث والأحداث الطارئة- تجميع وصياغة: Stephanie Delaney تاريخ النشر آذار/ مارس، عام 2006منظمة: ECPAT International/ إيكبات إنترناشيونال.
  • موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). تأسَّست في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1946 نيويورك- الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تصويت بالإجماع في الدورة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة.
  • موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تأسَّست في 16 تشرين الثّاني/ نوفمبر 1945، لندن- المملكة المتحدة، مقرَّها الرئيسي: باريس- فرنسا.
  • موقع منظمة: /save the childrenأنقذوا الأطفال، بريطانية غير حكومية، تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم، تُعتبر أول حركة مستقلة تدافع عن الأطفال، تأسَّست في 15 نيسان/ أبريل 1919، لندن- المملكة المتحدة، وهي مقرّها الرئيسي.
  • موقع منظمة: (هيومن رايتس مونيتور/ HUMAN RIGHTS MONITOR) تعرف اختصاراً HRM وهي غير حكومية، تُعنى بالقضايا الحقوقية، مقرّها الرئيسي: لندن- المملكة المتحدة. البحث: عنوان في يوم الطفولة العالمي.. أطفال العالم العربي بين شتات الحروب والمأساة الإقتصادية.
  • موقع منظمة: هيومن رايتس ووتش، غير حكومية، تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، تأسست سنة 1978 ومقرها الرئيسي: مدينة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية- تقارير.
  • موقع شبكة BBC البريطانية، عنوان البحث: الأطفال يدفعون الثمن: شهادة محمَّد الذي غيَّرت الحرب في سوريا حياته- جويل نعيم، بيروت- نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى