قضايا راهنة

لماذا أوقفت الكويت المشاريع “الاستيطانية” لجمعياتها في سوريا؟

أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتية، الاثنين 12 ديسمبر 2022، تعميماً، لرؤساء مجالس إدارات الجمعيات الخيرية في البلاد، يقضي بوقف منح الموافقات لتنفيذ المشروعات الخيرية الإنشائية في سوريا، بحسب ما نشرته صحيفة “الجريدة” الكويتية عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، وأكدت أن التعميم جاء بناءً على “توجيهات” من وزارة الخارجية الكويتية، ممثلة بإدارة شؤون التنمية والتعاون الدولي. وأن هذه التعليمات تم توجيهها لـ 64 جمعية.

وفي وقت لم توضح المصادر سبب اتخاذ الحكومة الكويتية هذا القرار، إلا أن صدوره في هذا التوقيت، الذي يشهد فيه الملف السوري العديد من المتغيرات، كمساعي تركيا إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، وإسرائيل، ومحاولة التطبيع مع مصر، وتهميش تركيا – نتيجة ذلك – للإخوان المسلمين، وسط خلافات وانشقاقات ضربت تيارات التنظيم مؤخراً، مع ازدياد التقارير الدولية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية، التي تتحدث عن جرائم حرب، وانتهاكات، وتغيير ديمغرافي، ارتكبتها تركيا والجمعيات الخيرية القطرية والكويتية في شمال سوريا. كلها مجتمعة قد تكشف عن بعض أسباب وأهداف توقيف الكويت لتلك المنظمات في هذا التوقيت؟

وهذا ما يستدعي البحث عن أهداف وخلفيات تلك الجمعيات، التي جرى توقيفها في سوريا، وأبرز المشاريع التي نفذتها ومخاطرها، والنظر في دوافع الكويت من إيقاف أو تجميد مشاريع تلك الجمعيات حالياً، وسنحاول عبر ما سبق، البحث عن المعطيات التي قد تجيب عن تلك التساؤلات.

أبرز الجمعيات الكويتية العاملة في سوريا وأهدافها

اتبعت تركيا، والفصائل السورية الموالية لها، بعد السيطرة على مدينة عفرين الكردية، عام 2018، سياسة التغيير الديمغرافي للمدينة ومحيطها، وقد ساعدها – منذ ذلك الوقت – العديد من الجمعيات المرخصة من قبلها، بحجة إيواء نازحين لتمويل هذه المشاريع، واللافت في الأمر، أن الجمعيات الخيرية في الكويت، ساهمت بشكل كبير في تشجيع الاستيطان في مناطق الكرد، ويمكن أن نذكر من هذه الجمعيات، التي عملت على إنشاء مشاريع سكنية واستيطانية في سوريا كل من:

-جمعية شام الخير، ساهمت بشكل أساسي في دعم مشاريع استيطانية في عفرين، من أبرزها (مجمع كويت الرحمة)، ومدينة (صباح الأحمد الخيرية).

-الجمعية الخيرية العالمية للتنمية والتطوير: وهي جمعية ساهمت بتمويل بناء مستوطنة سكنية بريف عفرين، مثل “قرية بسمة السكنية“ في قرية شاديره جنوبي عفرين. ويتضمن المشروع بناء مستوطنة من ثلاثة مراحل، تتضمن ما يقارب 500 شقة سكنية. فيما استقدمت الفصائل الموالية لتركيا عوائلهم إليها.

-جمعية الشيخ عبد الله النوري الخيرية، وفرعها التنفيذي “الإيادي البيضاء”: ومن أبرز مشاريعها افتتاح مدرسة، حملت اسم “مدرسة الإمام والخطيب”، وتمّ إنشاء المدرسة على أنقاض مبنى كان “مقر اتحاد الأيزيديين الثقافي فرع مقاطعة عفرين”. ومن المشاريع الأخرى لجمعية “الأيادي البيضاء”، بناء “مجمع بافلون / مخيم التعاون”: وهو “مشروع استيطاني، أشرفت عليه الحكومة التركية عام 2020، وبدعم من منظمات كويتية وقطرية.” بحسب منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.

واتضحت أهداف تلك الجمعيات، حين كشفت صحيفة صباح Sabah التركية، في مايو 2022، عن تفاصيل الخطة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة ألقاها عبر الفيديو، في مراسم افتتاح مشروع لمنازل الطوب في الشمال السوري، تحت اسم “مشروع “العودة الطوعية”، أشارت الصحيفة إلى المشروع المتضمن بناء تجمعات سكنية جديدة، تستوعب مليون إلى مليون ونصف لاجئ سوري؛ سيتم تنفيذه على 8 مراحل، وهي: تبدأ العودة الطوعية للاجئين السوريين من المدن الكبرى، التي تشهد اكتظاظ باللاجئين، مثل إسطنبول، وأنقرة، وقونية، وغازي عنتاب، وأضنة.

وهذا يعني، أن أعمال الجمعيات الكويتية والقطرية وغيرها، التابعة للإخوان المسلمين، كانت تمهيداً لتحقيق المخططات التركية في شمال سوريا، والهادف إلى جعل المناطق السورية الواقعة على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، والخاضعة لسيطرة تركيا والإخوان وتنظيم القاعدة، “إمارة إسلامية سنية”، تكون مكتظة – عبر تلك التجمعات والمستوطنات – بالعرب السنة، والتركمان، وكافة عوائل الفصائل والجماعات الموالية لتركيا، ومن ينتمون لفكر الإخوان، أو الجماعات الإسلامية الأخرى، وبمعنى آخر أن هذه الجمعيات “الخيرة” كان عملها يقوم على تكريس تقسيم سوريا، وتشكيل قاعدة شعبية للإخوان وتركيا، لتحمي من جهة الأمن القومي التركي، عبر ترسيخ التغيير الديمغرافي في المناطق الكردية، والتمهيد مستقبلا لاقتطاع ذاك الجزء من سوريا وضمه لتركيا.

وبما أن كل تلك الجمعيات القطرية والكويتية تابعة “للإخوان المسلمين”، ومن المعروف أن مشروع الإخوان هو توسعي وسلطوي ولا حدود له. لذا، ولتحقيق أهدافهم تلك، يسعون لتشكيل بؤر لتفريخ المتطرفين، وعليه باتت تجتمع أهداف كل من “تركيا وقطر والكويت والإخوان” لتحويل شمال سوريا عامة، وعفرين بشكل خاص، إلى مفرخة للإخوانيين والمتطرفين، وذلك عبر جعل هذه المستوطنات والجوامع التي يبنى في كل منها إلى مراكز لنشر الفكر الإخواني، وتكون قاعدة لمد الإخوان حول العالم بالطاقات البشرية، التي تمرر مصالح كل من تركيا والكويت وقطر.

دوافع إيقاف الكويت مشاريعها “الاستيطانية” في هذا التوقيت

بالنظر إلى الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، وتطورات الملف السوري، وأوضاع تركيا وعلاقاتها الخارجية، بالإضافة إلى أوضاع تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يعاني من التشظّي، وفقدانه التدريجي لشعبيته في الدول العربية وأوروبا، يمكننا من خلال هذه المعطيات، استنتاج عدة أسباب محتملة لإقدام الكويت – في هذا التوقيت – على إيقاف مشاريع جمعياتها الخيرية في سوريا، ومنها:

أولاً- التوجه التركي إلى التطبيع مع النظام السوري

سعي تركيا إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، بات يتطلب من الكويت – الممول الرئيسي لتلك الجمعيات – تغيير استراتيجيتها، بما يتلاءم مع التوجه التركي للتصالح والتطبيع مع دمشق، وبالتالي إيقاف تلك المشاريع، لحين اتضاح نتائج هذا التقارب التركي مع دمشق، خاصة أن تلك الجمعيات مرتبطة بالإخوان المسلمين، والتي هي جزءٌ من أهداف المخطط التركي في تغيير ديمغرافية شمال سوريا.

وهذا يقود إلى احتمالية أن الكويت – هي الأخرى – باتت تفكر بتطبيع علاقاتها مع دمشق، في المرحلة القادمة، في حال تصالحت تركيا مع الأسد، لذا فإن إيقافها لعمل جمعياتها سيكون خطوة تمهيدية على طريق التصالح مع دمشق، وخاصة أن العديد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، كانت قد أعادت فتح أبواب التطبيع مع دمشق، لذا وجدت الكويت، أنها لتكون مستعدة لهذه الخطوة، عليها إيقاف دعم وتمويل تلك الجمعيات الإخوانية العاملة في سوريا، أو بالأحرى تجميد مشاريعها في الوقت الراهن، حتى تظهر نتائج تطبيع تركيا والدول الخليجية مع دمشق، وفي حال فشل التطبيع قد تعيد استئناف عمل تلك الجمعيات.

ثانياً- توجه تركيا للتطبيع مع إسرائيل ومصر والخليج وسط تشظي تيارات الإخوان

يمكن أن يكون من أسباب إيقاف الكويت تلك الجمعيات الخيرية في سوريا، في الوقت الراهن، هو محاولة التبرؤ من العلاقة مع الإخوان المسلمين، وهناك عدة معطيات قد تكون دفعت الكويت لاتخاذ هذا القرار، كالضعف والتشتت الذي أصاب تنظيم الإخوان المسلمين، داخلياً وخارجياً، خاصة بعد وفاة “إبراهيم منير” القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في نوفمبر الماضي، وما تبعه من انشقاقات – جراء الخلافات بين تياراته المختلفة – في قيادة التنظيم، والسيطرة على موارده المالية، بالإضافة إلى فقدان الإخوان لقاعدتهم الشعبية في العديد من البلدان وعلى رأسها مصر، بالإضافة إلى المتغيرات والتقاربات الجديدة بين دول المنطقة، كمساعي تركيا إلى التطبيع مع إسرائيل، ومصر، والدول الخليجية، والتي سيكون لها تداعيات سلبية على الإخوان، والبلدان الداعمة لها، لذا أرادت الكويت استباق ذلك عبر قطع بعض الخيوط الواضحة، التي تربطها بالإخوان، عبر إيقاف عمل تلك الجمعيات كخطوة أولى، لتواكب هي الأخرى مشاريع التقرب والتطبيع مع مصر، والخليج، وحتى إسرائيل.

ثالثاً- بروز تقارب جديد بين الإمارات وقطر

من أحد الأسباب المحتملة لإيقاف الجمعيات، هو توجس الكويت من الزيارة التي قام بها رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى قطر، في الخامس من ديسمبر 2022، وسط غمرة الأضواء المسلّطة على مونديال كأس العالم، الذي تستضيفه قطر، في زيارة قصيرة، وصفها مستشار رئيس الإمارات بأنها “خطوة أخرى نحو تقوية التضامن بين دول الخليج وتعزيز العمل المشترك”. لذا، يبدو أن الكويت بدأت تستعجل ترتيب أمورها – هي الأخرى – لتكون جاهزة للتقرب أكثر من الدول الخليجية، كالإمارات، والسعودية وغيرهما، لأنها تدرك أنه في حال أعادت قطر العلاقات مع دول الخليج، فإن ذلك يعني أنها ستهمل الإخوان وقد تطردهم من البلاد، ولهذا وجدت الكويت أنه يجب عليها هي الأخرى التخفيف من دعم الإخوان والجمعيات التي تمولها في الوقت الراهن، حتى تتضح الرؤية في العلاقات بين قطر والإمارات.

رابعاً- ضغوطات المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية وفضحها مخططات تركيا وجمعيات الإخوان

كان لنشاط وتكاتف العديد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، وكشفها وتوثيقها لأهداف ومشاريع الجمعيات الكويتية والإخوانية في التغيير الديمغرافي، وفضحها في المحافل الدولية، وعلى وسائل الإعلام، كلها شكلت ضغوطات وإحراجاً للدول الداعمة لتلك الجمعيات، ومن بينها الكويت، أمام الرأي العام والعالمي، ما دفعها للتراجع عن هذا الدعم، لخشيتها من الملاحقة القانونية والدولية، في حال توجهت الأزمة السورية نحو الحل السياسي.

الرؤية

يبدو أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، وضعف أداء الإخوان، وسياسات الرئيس التركي البراغماتية، كلها عوامل تجعل كافة مشاريع الجمعيات الخيرية في سوريا صعبة التحقيق.

يضاف إلى ذلك، مواجهة المحاولات التركية، الكثير من العراقيل، في إتمام مخطط “المنطقة الآمنة”، وتوظيف بناء المجمعات السكنية في دعايتها الانتخابية، أقل هذه العراقيل هي أن هذا المخطط لا يحظى بدعم واعتراف أممي ودولي حتى الآن، ولا تملك الحكومة التركية مزيداً من الوقت، لتنفيذ المخطط قبل موعد الانتخابات المقررة في يونيو 2023. كما أن حديث تركيا عن العودة “الطوعية” بات مستحيلاً، وغير واقعي، قبل إيجاد حل سياسي شامل لعموم سوريا، وتحسين البنية التحتية، والأوضاع الاقتصادية.

لذلك، فضلت الكويت تجميد نشاط تلك الجمعيات في الوقت الراهن، لحين اتضاح الرؤية من المتغيرات الأخيرة، التي يشهدها الملف السوري، والعلاقات بين الدول الإقليمية، وهذا يعني أنها قد تقوم باستئناف عمل الجمعيات مستقبلاً، متى ما وجدت الفرصة سانحة لنجاح أهدافها من تلك المشاريع. وذلك في حال فشلت مساعي التطبيع بين تركيا ودمشق، وفي حال تكرست فكرة تقسيم سوريا، وتحول شمال غرب سوريا إلى ما هو أشبه بدويلة سنية، حينها ستزيد الكويت من نشاطها، عبر أذرعها المتمثلة في الجمعيات الخيرية، لتدير تلك المنطقة بشكل خفي.

من الواضح، أن من بين أهداف الكويت الاستراتيجية من إنشاء المشاريع الإنشائية عن طريق الجمعيات الخيرية، التي يديرها ويشرف عليها جماعة الإخوان، هو تشكيل أذرع لها في سوريا، تكون مرتبطة بشبكة الإخوان في الدول العربية والخليجية، ليكونوا على شكل لوبي، تستخدمهم الكويت لتمرير مصالحها، أو تهدد بهم أمن الدول التي تراها مهددة للمصالح الكويتية، وذلك على غرار ما تفعل كل من تركيا وقطر، بالإضافة إلى أن منطقة شمال غرب سوريا، التي تبنى فيها المستوطنات، ستكون بؤرة تمد الكويت بالمرتزقة والعمالة الرخيصة متى ما احتاجت لهم.

يجب أن تزيد منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، والمسؤولة عن توثيق الانتهاكات في سوريا، من نشاطها في توثيق، وفضح كافة المخططات والمشاريع، التي من شأنها إحداث تغيير ديمغرافي، أو ارتكاب انتهاكات، ترتقي لمستوى جرائم حرب، في بلد يعاني من الأزمات كسوريا، ومشاركة تلك التقارير والنتائج مع المنظمات الدولية والأممية، لتشكل كلها ضغطاً على القوى الدولية، وخاصة المتدخلة في الملف السوري، لتجبرها على تحمل مسؤولياتها في إيقاف تلك المخططات والمشاريع الاستيطانية، والحد من تبعاتها على المجتمعات المحلية.

زر الذهاب إلى الأعلى