دراسات

الإعلام المرئي الكردي الموجّه للأطفال ومتطلباته

مقدّمة:

تتعدّد المؤسّسات الاجتماعية التي تقوم على تربية الأطفال وتثقيفهم، ابتداءً بالأسرة، مروراً بدور الحضانة ورياض الأطفال والمدرسة، وجماعة الرفاق، ووصولاً إلى وسائل الإعلام، وما ترتبط بها من المخترعات الحديثة.. إلا أنّ الأخيرة بتأثيراتها الهائلة في حياة الأفراد والجماعات، تتفرّد بدور هام وخطير، يفوق – أحياناً – دور المؤسسات الأخرى، ويتخطّى ما تنجزه من المهام التربوية، وقد تطوّرت هذه الوسائل بأنواعها في العقود الأخيرة تطوراً مذهلاً، بحيث استطاعت أن تدخل إلى كلّ بيت، وتخاطب كلّ فرد من أفراد المجتمع، وتحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم، حيث التلفاز، والإذاعة، والهاتف المحمول، والحاسبات الشخصية، وشبكات المعلومات المتطوّرة، ذلك نتيجةً لما أحرزه الإنسان من التقدّم العلمي والتقني، خصوصاً في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

إذاً، بات من الواضح أنّ وسائل الإعلام المرئي بالأخص؛ تؤدّي دوراً كبيراً في تربية الأطفال وبنائهم الثقافيّ والقيميّ والسلوكيّ، إذ أنها تشكِّل أهم مصادر اكتسابهم للمعرفة، ووسائل تنمية قدراتهم الشخصية، وترسيخ قيم إنسانية مثلى لديهم، ذلك نظراً لمقدرتها على اجتذاب الأطفال، واستغلال ميولهم للاكتشاف والتخيّل والمغامرة، ولكن السؤال.. هل ندرك -ككرد- هذه الأهمية الكبيرة؟ وهل نسعى – في إطار قدراتنا – لتحقيق الاستفادة منها لصالح أطفالنا بالشكل المطلوب؟. لعلّنا نجد جزءاً من الإجابة في هذه القراءة لواقع الإعلام المرئي الكردي الموجّه للأطفال، ولكن ليس قبل أن نتعرَّف على أهمية وسائل الإعلام وأنواعها، وعلى الخصائص العامة للمادّة الإعلامية الموجّهة للأطفال.

عن أهمية وسائل الإعلام، وأنواعها:

إنّ أهمّ مزايا وسائل الإعلام أنّها: تجمع بين المادّة المسموعة والمرئية والمقروءة، وما يحمله هذا الجمع من الموسيقا واللون والحركة المتواترة، ولهذا فهي تستأثر بمكانة كبيرة في نفس الطفل، وتحظى بجاذبية لا نظير لها. فهي تزوّده بخبرات تربوية متنوِّعة، وتلبّي الكثير من احتياجاته الفكرية والنفسية والوجدانية، وتساعده في عملية التكيُّف مع البيئة الاجتماعية المحيطة به، إذا ما وظِّفت – هذه الوسائل- بشكل سليم.

ويمكن لوسائل الإعلام كمنظومة واسعة التأثير، أن تؤدي دوراً كبيراً في عمليتي التعليم والتثقيف، وتعزيز المفاهيم الايجابية حولهما، ناهيكم عن تنمية القيم الثقافية الحديثة وتكريسها في حياته، بما يحقِّق ثقافة طفلية جديرة بأهمية مرحلة الطفولة. وتقسّم وسائل الإعلام إلى أنواع عدّة، هي كالتالي:

أولاً) الوسائل السمعية البصرية، أو المرئية المسموعة: وهي الأكثر جذباً وتأثيراً بالنسبة للطفل، لأنها تتوجّه إلى أهمّ حاسّتين من حواس الإنسان هما السمع والبصر، وتعتمد الصوت والصورة المتحرّكة الملوّنة.

ويأتي التلفاز في مقدّمة هذا النوع من الوسائل، إذ يتبوأ أهمية استثنائية في حياة الأسرة والطفل على حدّ سواء. ثم تأتي السينما، وما لها من دور في نشر الثقافة والمعرفة، وهي تعدُّ من أكثر أشكال وسائل الإعلام جذباً وتأثيراً في الأطفال بعد التلفاز، فهي تشدُّ انتباههم، وتجعلهم أكثر انسجاماً وتفاعلاً من المادَّة المقدَّمة. ثم يأتي الفيديو، وميزته في استخدام التسجيلات والبرامج التعليمية على نطاق واسع، مع إمكانية الاحتفاظ بها وعرضها في الأوقات المرغوبة.

في أهمية دور التلفزيون كأهم وسائل الإعلام المرئية المسموعة، يتحدّث الكاتب السّوري (نزار نجار) في بحثه المعنون بـ: الآفاق الثقافية للطفل العربي، والمنشور في إحدى أعداد مجلة الموقف الأدبي، بقوله : “لقد حلّت وسائل الإعلام محلّ الوالدين، بل حلّت محلّ المدرسة والمعلمين، صارت تنقل العلوم والمعارف إلى الأطفال، وصار التعليم خارج المدرسة، معلومات ومعلومات تصبّ، ومحطّات التلفزة لا تتوقّف والقنوات الفضائية تتسارع وتتصارع لتقدِّم الأبهى والأروع، وصار هذا الجهاز -التلفاز- الوالد الثالث لكل طفل، صارت له رتبة مهمة في الأسرة، لم يعد ضيفاً؛ بل مشاركاً في مسؤولية إعداد الطفل وتثقيفه.. وهو العامل الرئيسيُّ والمنافس الأول لدور الأهل والمدرسة”.

ثانياً) الوسائل السمعية: وأهمّ أشكالها الإذاعة، وهي وسيلة فعّالة، تسهم في رفع مستوى الطفل الثقافي، عبر برامجها التي تتنوّع بين القصصية والغنائية والموسيقية، وبرامج المهارات والتواصل والترفيه. كما أنها تكسبه جملة من المهارات الضرورية في الحياة. إلا أنّ الإذاعة لم تعد تأدّي دورها كما ينبغي، بسبب قلة استخدامها والاهتمام بها، بالرغم من أهميتها التعليمية والتثقيفية. يُضاف إلى ذلك أشكال أخرى، مثل : الكاسيت والاسطوانة.

ثالثاً) الوسائل البصرية (المقروءة): يستخدم هذا النوع القراءة كوسيلة اتصال وتأثير، ميزته أن الرسالة فيه تبقى ثابتة يمكن الرجوع إليها في أيّ وقت، وأهم وسائط هذا النوع: الكتاب والمجلة.

رابعاً) الوسائل التفاعلية: وتمثّل ألعاب الكمبيوتر أولى وأهمّ أشكالها.

أما العوامل التي تقيس مدى تأثير وسائل الإعلام على الطفل، فيذكرها د. (مالك الأحمد) في بحثه المعنون بـ (دور الإعلام في تربية الأطفال) ويتحدّث عنها كما يلي:

– نوعية الوسيلة وقوّتها ومدى انجذاب الطفل إليها، وهي مرتبة بحسب نسبة تأثيرها كالآتي: الوسائل السمعية البصرية: تمثل أعلى ثقل (60-70%). الوسائل التفاعلية: وهي ذات ثقل متوسط (20-30%). الوسائل السمعية، والوسائل المقروءة ولهما ثقل متوسط (10-20%).

– عمر الطفل وخلفيّته الثقافية وبيئته الاجتماعية، هل لديه حصانة ثقافية؟ هل البيئة مشجعة؟ وهل الوسيلة منتشرة؟

– نوعية الرسالة للطفل من خلال المادّة الإعلامية المقدّمة، وتُعتبر -هذه- أهم قضية، فالطفل مستقبل جيد لكلّ ما يُرسل له، خصوصاً إذا صاحب المادّة تشويق وإثارة.

– الوقت الذي يقضيه الطفل مع وسائل الإعلام.

عن خصائص المادّة الإعلامية للأطفال:

لكي تؤدي وسائل الإعلام دورها التربوي بالشكل المطلوب، وتحقِّق الأهداف الخاصة بتنمية الطفل، يجب أن تمتاز بجملة خصائص، أهمّها: القيمة التربوية أولاً، والبساطة والسهولة والوضوح، شكلاً ومضموناً وإخراجاً ثانياً، والتنويع في الأساليب والطرائق بهذه الوسائل، لتتمكَّن المادّة الإعلامية الموجَّهة من الولوج إلى نفس الطفل ثالثاً، ولا ننسى أهمية تنويع هذه الوسائط نفسها، فلا تقتصر على وسيلة وحيدة، إلى جانب تنوّع مادَّتها وأساليبها كما سبق، بما يجعلها مهوىً لقلوب الأطفال، ومصدراً لإثارة تفاعلهم، ولا بدّ – أيضاً – من الحاجة المستمرة لتطويرها، وربطها بأحدث المعطيات العلمية، وإحاطتها بكلّ أسباب الجاذبية.

ولعل من أهمّ الموادّ التلفزيونية المناسبة للطفل: برامج التعليم المتنوِّعة وموضوعات الحيوان والطبيعة، وأفلام المغامرات الشائقة، والقصص العلمية المناسبة. إضافة لبرامج الخيال والموادّ الأدبية والفنية، وعالم الأحياء والفضاء والرسوم المتحرِّكة.

يصنّف د. (عيسى شماس) في إحدى أبحاثه، برامج الأطفال بحسب مراحل نموّهم، فيقول: “الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يفضّلون في الغالب برامج الحيوان والرسوم المتحرّكة ومسرح العرائس، ومع مرحلة الدراسة الأولى تشمل اهتماماتهم موضوعات المغامرات والقصص العلمية، وفي المراحل التالية يتفاعل الطفل مع البرامج الثقافية والاجتماعية والعلمية.”

الإعلام المرئي الكردي الموجّه للأطفال ومتطلباته:

إن المتتبع لمعطيات الواقع الكردي، بالنسبة إلى الموادّ الموجّهة للأطفال، بمضامينها وآليات عملها، سواءٌ خلال الفترات المخصّصة لبرامجهم في “التلفزيونات” المحدودة أصلاً، أو في العدد الذي لا يتجاور عدد أصابع اليد الواحدة في أحسن الأحوال من المحطّات الخاصة بهم، يلاحظ الحقائق الآتية:

أولاً – الاعتماد بشكل أساسيّ على المادّة الإعلامية المستوردة، التي تحمل الكثير من المساوئ من النواحي الجسمية والتربوية والاجتماعية.

ثانياً – ندرة الموادّ الثقافيّة والفنيّة ذات السويّة الجيدة، التي تسهم في تطوير مهاراتهم وتنمية الإبداع لديهم. وغلبة المواد العشوائية التي تعتمد الإثارة المتكلّفة، على حساب الموادّ الأدبية والمنوّعات الثقافية المناسبة.

ثالثاً – تدنّي المستوى الفنيّ للكثير من المواد المقدّمة للأطفال، مما يدفعهم إلى مشاهدة برامج الكبار، بما تحتويها من العنف والمشاكل الاجتماعية.

رابعاً – إشغال الأطفال بالهمّ القوميّ، والمظلومية التاريخية التي لحقت بالكرد، عبر أناشيد وأغانٍ تتكرّر في اليوم مرّات عدّة.

خامساً – قلّة الدراسات والبحوث الخاصة بإعلام الطفل الكردي، وضعف القدرة على إنتاج برامج تتناسب التطوّر التكنولوجي الحاصل في العالم.

تجدر الإشارة إلى مسألة هامة، يجب أخذها بعين الاعتبار, تتمثل في بثِّ وسائل الإعلام الكردية – التلفاز على وجه التحديد – مشاهد مؤلمة من المآسي التي تعرّض لها الكرد عبر تاريخهم، حلبجة نموذجاً، وبخاصة في الأيام التي تصادف ذكرى تلك المآسي.

إن المطلوب هو الحذر الشديد من بثّ مثل تلك المشاهد، وتكرارها على الشاشات، أو الإشارة إليها في الأعمال الفنيّة الإعلامية الموجَّهة لأطفالنا، لأنها تثير لديهم أحساسيس الخوف والقلق، وقد تسبِّب لهم مشاكل نفسية معقَّدة، وتكوّن لديهم خبرات سلبية مؤلمة، تترسّخ في أذهانهم، وتلاحقهم حتى في نومهم. وقد ظهرت مشاكل من هذا النوع عند الأطفال في أرمينيا، تجسدت في أعمالهم الأدبية والفنية: كالرسومات، والمنحوتات، والقصائد، وكان السبب في ذلك تأثُّرهم بما شاهدوه على التلفاز، أو سمعوه من الكبار، عن مشاهد المجازر التي ارتكبت بحقّ الأرمن في بدايات القرن الماضي.

إنّ (التلفزيون الكردي) بفتراته الموجّهة للطفل، يمكن أن يحقّق مجموعة الأهداف التثقيفية والترفيهية وغيرها من الأهداف الإيجابية التي تتبنّاها النخبة التربوية التي تفكر لصالح أطفالنا، من خلال التركيز على:

أولاً – الاهتمام بالتربية الثقافية للأطفال باختلاف مجالاتها وتخصّصاتها وفنونها، والتركيز على إطلاعهم على ثقافة الشعب الكردي، وتعريفهم بتراثه وأدبائه ومفكّريه.

ثانياً – إنتاج البرامج الثقافية والفنية والترفيهيّة، وفق الخصوصية الثقافية للشعب الكردي، وألا تكون جميعها مستوردة، وبالتالي بعيدة – إلى حدٍّ ما – عن المجتمع الكردي وخصائصه الثقافية.

ثالثاً – التركيز على تعليمهم لغتهم الأم، والاهتمام بنشرها وتداولها، من خلال التنويع في البرامج التي تسعى لتحقيق أهداف هذا التعليم.

رابعاً – الاهتمام بكتابات الأطفال ومدوّناتهم، وتشجيعهم عليها بالكردية.

خامساً – الاعتماد على التخصّص في صناعة وإعداد وتقديم المادّة الإعلامية.

سادساً – التعاطي الإيجابي مع القيم العلمية والثقافية الحديثة، التي تفرضها ثورة المعلومات وتطوّر تكنولوجيا الاتصالات، واستغلال (الإنترنت) في خدمة النهوض بالثقافة واللغة الكردية.

سابعاً – السعي لإنشاء قناة فضائية كرديّة خاصة بالأطفال، تخدم المصالح الثقافية لهم، وتحاول التقريب بين لهجاتهم.

يقول الإعلامي الكردي (حسين جمو)، في مقاله: “لماذا فضائية كردية للأطفال أهمّ من فضائية إخبارية؟” : “تكون الكارثة الثقافية أنّ الكثير من الكلمات التي يسمعها -طفلنا- للمرة الأولى باللغة العربية لا يعرف مرادفها باللغة الكردية، فيبدأ باستخدامها وكأنها من لغته الخاصة، وهنا لا بدّ للمعنيين بإصلاح هذا الخلل، والتمهيد لإطلاق قناة كردية خاصّة بالأطفال، تكون فيها اللغة المستخدمة بسيطة وغير أكاديمية، مع تنوّع في اللهجات المستخدمة”.

إجمال :

يحتاج العمل الإعلامي الموجّه إلى الطفل الكردي – فعلاً – إلى استراتيجيات وخطط عمل متوازنة تمكِّن الاستفادة من التلفاز خصوصاً بشكلٍ جيد، وتأخذ بعين الاعتبار احتياجاته المختلفة. كما يحتاج إلى جهود حثيثة تنهض بهذا النوع من الإعلام، وتسعى إلى حماية أطفالنا من آثاره السلبية، التي تحرمهم من طفولتهم كما نريدُ لها أن تكون، لأنهم كما كانوا حلم الماضي، فإنهم فرح الحاضر وأمل المستقبل, وهذا الأمل مرهونٌ بأيدينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى