ترجمات

لماذا لا تستجيب تركيا للضغوطات الأمريكية في مسألة شراء منظومة الصواريخ S 400 ؟

قال مولود شاويش أوغلو، وزير الخارجية التركية: “إن اقتناء تركيا لمنظومة الصواريخ S 400 الروسية مسألة محسومة”، وذلك في سياق الرد على محاولة أمريكا إجهاض الصفقة الروسية- التركية. وكانت واشنطن قد علّقت مشاركة تركيا في برنامج شراء المقاتلات الأمريكية F-35, ولم تستبعد فرض عقوبات عليها.

تدافع تركيا عن حقها في اتّباع سياسة مستقلة، وهي في الوقت نفسه تسعى لتحسين العلاقات مع أمريكا, لكن البيت الأبيض لا يرغب في تقديم أية تنازلات. فقد صرّح شاويش أوغلو في مركز الفكر الأمريكي “مجلس الأطلسي” بأن صفقة S400 غير قابلة للنقاش، ولا للإلغاء. وأكد الوزير التركي ذلك عبر وكالة انترفاكس أيضاً بالقول: “بأن الصفقة عملية منتهية وهي مسألة قد تم حسمها ولن نتراجع عنها”. كما نوّه شاويش أوغلو: “بأن أمريكا خلال فترة رئاسة أوباما كانت لديها فرصة بأن تقترح على تركيا نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي باتريوت المماثل لـ S400 الروسي، ولكنها أضاعت هذه الفرصة”. وكذلك قال رئيس الوزراء التركي: “إنه لا يمكن لأحد إجبار تركيا على الاختيار ما بين روسيا والغرب”.

يرى المحلل السياسي في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية فلاديمير فيتين بأن “تركيا لا تريد أن تتأقلم مع الإملاءات الأمريكية؛ كونها ترى نفسها القوة الثانية في الناتو، ومن حقها أن تنتهج سياسية مستقلة في الحلف، تتماشى مع مصالحها كدولة، وليس السير خلف السياسة الأمريكية بشكل أعمى، وهذا الشيء بالتأكيد يزعج واشنطن”، ويضيف: “بأن صفقة S 400 خير دليل عملي على ذلك”.

وكتب مايك بينس، نائب الرئيس الأمريكي، في صفحته على التويتر, بأن “أمريكا لا تنوي أن تبقى متفرجة على حليفها في الناتو حتى تحصل على الأسلحة من المنافِس الذي يهدد تماسك ووحدة الحلف”، وتابع بينس بالقول: “على تركيا أن تختار، هل تريد أن تظل شريكاً أساسياً في أنجح تحالف عسكري في التاريخ؟ أم أنها تريد المجازفة بهذه الشراكة من خلال اتخاذ مثل هذه القرارات المتهورة التي تقوّض تحالفنا؟”.

ورداً على هذا، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي: “اقترح على أمريكا أن تختار الصداقة مع تركيا أو التحالف مع أعداء أنقرة”. فقد كتب أوكتاي حرفياً على صفحته في التويتر: “أمريكا يجب أن تختار، هل تريد أن تظل حليفة لتركيا أو أنها ستخاطر بصداقتنا من خلال توحيد صفوفها مع الإرهابيين, وتقويض أمن حليفهم في الناتو مع الأعداء”، وهنا يقصد أوكتاي الدعم الأمريكي لكرد سوريا.

مآلات القضية

رفض شاويش أوغلو- خلال حديثه في “مجلس الأطلسي “- حجج معارضي الصفقة، الذين يدّعون بأن أنظمة الصواريخ S 400 لن تتوافق مع معايير الأسلحة المعتمدة في الناتو. وكذلك أشار بأن الأمين العام لحلف الناتو قد قال: “بأن أي عضو في الناتو يمكنه شراء أي معدات عسكرية من أي بلد”.

نذكر هنا بأنه في الثاني من أبريل/ نيسان 2018, قال الأمين العام للتحالف ستولتنبرغ- في مقابلة مع القناة التركية NTV عن صفقةS400 – بأنها حق سيادي لتركيا، ولكن نوّه أيضاً بأن دمج الأسلحة الروسية في نظام الدفاع الجوي للناتو أمر مهم للغاية.

ولكن شاويش أوغلو لفت الانتباه بأن منظومةS400  المزمع شراؤها هي ليست من أجل استخدامها مشاركة مع الآخرين, هي فقط من أجل الدفاع عن أرض تركيا. وكذلك قال أوغلو بأن: “صفقة S400 الروسية لا تدخل في إطار رفض تركيا الحصول على المقاتلة الأمريكيةF35 ، نحن موافقون على متابعة العمل على هذا الموضوع”. وأيضاً أبدى رغبته بأن لا تكون صفقة شراء S400 سبباً في فرض عقوبات أمريكية على تركيا.

والجدير بالذكر بأن أمريكا في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي علّقت مشاركة تركيا في برنامج شراء F35؛ بسبب رغبة تركيا شراء منظومة الصواريخ الروسية S400، وأكد الناطق الصحفي للبنتاغون شارلز ساميرسا هذا الإجراء بالقول” :اذا حصلت تركيا علىS400  سوف تكون مشاركتها في برنامج شراءF35 في خطر”.

وهناك ما هو أبعد من ذلك، فقد نشرت وكالة TAS نقلاً عن بيان مكتوب صادر عن أويس ميتشال، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون أوربا وآسيا، “بأن الأمريكان لا يستبعدون تطبيق عقوباتCAATSA  ضد تركيا، وهو قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، اُتّخذ في يوليو/ تموز 2017”. كان البيان معداً لجلسة الاستماع في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي حول التعاون العسكري مع تركيا.

يقول يوري مافاشيف، رئيس مركز الدراسات التركية الحديثة: “بأن أمريكا غير راضية أبداً عن التعاون التركي الروسي”، وتابع مافاشيف: “ستتم خدمة مجموعة S400 من قبل خبراء ومختصين روس، ويخشى الأمريكيون أن تتلقى روسيا بيانات مهمة عن الدفاع الجوي لحلف الناتو”.

الانتخابات، الكرد، وغولن

إن تعليق مشاركة تركيا في برنامج شراءF35  ليس الضغط الوحيد الذي تمارسه أمريكا- في الفترة الأخيرة- على تركيا، فقد قال المحلل الروسي يوري مافاشيف في الثالث من أبريل/ نيسان بأن روبرت بالادينو، رئيس الدائرة الصحفية بوزارة الخارجية الأمريكية صرّح أن “الولايات المتحدة تنتظر من انقرة اعتماد نتائج الانتخابات الشرعية للإدارات المحلية في تركيا، والتي جرت في 31 أذار”.

ورد هامي أكسي، الممثل الرسمي لوزارة الخارجية التركية, بحدة على هذا التصريح، فقد نقلت تاس عن أكسي يوم الأربعاء 3 نيسان قوله: “ليس لأي دولة الحق في تجاوز الديمقراطية والتدخل في العمليات الانتخابية في البلدان الأخرى، وجعل نفسها كمصدر قانوني لشرعية نتائج التصويت”. وكذلك طالب ممثل الخارجية التركي الإدارة الأمريكية ﺒ “التخلي عن التقييمات المعادية للديمقراطية، والقوالب النمطية المرتبطة ببلده”.

ستُعلَن النتائج الرسمية للانتخابات المحلية في تركيا في نيسان، وحسب النتائج الأولية للجنة الانتخابات التركية، فقد فاز حزب العدالة والتنمية، الذي يقوده الرئيس أردوغان. علماً بأن المعارضة فازت بأغلبية المقاعد في المدن الكبرى في تركيا متل أنقرة وإسطنبول وأزمير، وهي تبدي مخاوفها من قيام الرئيس التركي بإلغاء نتائج التصويت في المدن الرئيسة, التي فازت فيها.

والمحللون يعتقدون بأن الأمريكان يحاولون استخدام هذه المخاوف ضد أردوغان، ووفقا للخبراء, فإن الشكوك حول استعداد السلطات التركية احترام الإجراءات الديمقراطية التي عبرت عنها الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى بث عدم الثقة في القيادة الحالية لتركيا، واجبارها على تقديم تنازلات, بما في ذلك شراء الأسلحة.   

قال فلاديمير فيتين، المحلل في معهد روسيا للدراسات الاستراتيجية: “بطبيعة الحال, السلطات التركية غاضبة من هذا الضغط، ولا تريد أن ترضخ لها”. كما نوه المحلل نفسه بأن “صفقة S400  هي إحدى أسباب تدهور العلاقات بين البلدين بعد محاولة الانقلاب الذي حصل في 2016”.

يذكر فيتين “بأن أردوغان يطالب السلطات الأمريكية تسليم الداعية فتح الله غولن، ووقف كل أشكال التعاون معه؛ لأن السلطات التركية تتهم الداعية بتنظيم محاولة الانقلاب. ومن المعلوم أن غولن يقيم في سيلوسبورغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وتتجاهل السلطات الأمريكية الطلبات المتكررة في أنقرة فيما تتعلق بتسليمه؛ يضاف الى ذلك, تضارب المصالح الامريكية والتركية في سوريا, حيث تدعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية”.

يقول فيتين: “تعد وحدات حماية الشعب قوة إرهابية بالنسبة لتركيا، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع حزب العمال الكردستاني الذي تخوض تركيا معه حرباً لا هوادة فيها منذ أكثر من عشرين عاماً. أما أمريكا فتعدّ قوات وحدات حماية الشعب حليفاً قيّماً لها”.

مستقبل العلاقات

يقول المحلل مافاشيف: “إن الولايات المتحدة الأمريكية غير راضية عن السياسة التركية المتعددة الأطراف، كما أنه أوضح بأن تركيا قد فتحت مئات المكاتب للبعثات الدبلوماسية في إفريقيا, وبدأت المنظمات الانسانية التركية في العمل بنشاط أكبر, واكتسبت السياسة التركية بعض الشعبية في العالم”، وفي بعض القضايا السياسية الخارجية يقول مافاشيف: “إن مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا متباينة تماماً، فعلى سبيل المثال, تدعم أنقرة فنزويلا؛ ورئيسها نيكولاس مادورو. وتركيا ليست مُزعِجة لأمريكا من خلال استقلاليتها فقط، ولكن أيضاً من خلال إظهارها مثالاً سيئاً للدول الأخرى”. كما أشار مافاشيف “إنه في الوقت نفسه، لا يجب أن نقدم استنتاجات بعيدة المدى بأن تركيا سوف تخرج من مدار النفوذ الأمريكي”. وأضاف بأن “أردوغان راغب في تطبيع العلاقات مع واشنطن، لأن تركيا مرتبطة مالياً بالولايات المتحدة، وكان ذلك واضحاً عندما ذكّرت أمريكا أردوغان بآخر انهيار لليرة التركية بنسبة 30%”. وكذلك يعتقد فلاديمير فيتين، الخبير في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، بأن “تركيا تريد علاقات جيدة مع أمريكا، ومع ذلك فإن تصرفات الولايات المتحدة لا توحي بذلك, لأنها حتى الآن لم تقدم أية تنازلات عن أية قضية خلافية بينهما”.

فيكتور ميرو نوف، وألونا ميد فيدوفا

ترجمة عن الروسية: د. سليمان إلياس – مركز الفرات للدراسات.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى