
هل ستنفذ إسرائيل تهديداتها بشن حرب ضد حزب الله؟
تتعالى أصوات طبول الحرب بين إسرائيل وحزب الله، هذه الأيام، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023م. فعلى الرغم من أنّ حزب الله دخل على خط الصراع مع إسرائيل -كسائر الفصائل المسلحة الموالية لإيران- للتخفيف عن حماس في حربها مع إسرائيل، فإنّ هذا التدخل كان محدوداً ومضبوطاً من قبل حزب الله وإسرائيل كليهما، ولم تكن توجد رغبة لدى الطرفين في توسيع نطاق هذا الصراع، لتجنب جرّ المنطقة إلى حرب شاملة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. ومن أسباب عدم اتساع نطاق الصراع، الإيعازات الإيرانية لحزب الله بضرورة ضبط إيقاع هجماته على إسرائيل وتناغمها مع الاستراتيجية الإيرانية التي تسعى بدورها أيضاً إلى تشكيل قوة ضغط مستدامة ومتوازنة على إسرائيل، في سبيل إيقاف الحرب في غزة، وأيضاً الضغوطات الغربية والأمريكية على إسرائيل لتجنّب إشعال الجبهة الشمالية مع حزب الله، مخافة خروج الأوضاع عن السيطرة، في ظل التوترات والتعقيدات الإقليمية والدولية.
أدّت الاشتباكات المندلعة بشكل يومي منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، عن مقتل (479) شخصاً في لبنان بينهم (313) مقاتلاً من حزب الله و(93) مدنياً، إلى جانب مقتل (15) جندي إسرائيلي و(11) مدنياً([1]). لكنّ الأيام الأخيرة شهدت تطورات خطيرة وتصعيداً من الجانبين. فهل ستنجح المساعي الدولية لنزع فتيل الأزمة دبلوماسياً أم أنّ أسرائيل قد حسمت قرار الحرب على حزب الله؟ وهل ستدخل إيران والولايات المتحدة على خط المواجهة إذا اندلعت هذه الحرب؟
تزايد وتيرة التصعيد في الأشهر الأخيرة
منذ شهر أيار/مايو من العام الجاري، زاد حزب الله من هجماته ضد المواقع الإسرائيلية، حيث نفذ (325) هجوماً خلال هذا الشهر، وبلغ متوسطها (10) هجمات في اليوم الواحد. وقد شهدت هجمات حزب الله تغيّراً واضحاً في تكتيكاتها، حيث لجأ إلى استخدام الصواريخ المضادة للدبابات واستخدام الطائرات المسيرة([2]). وكان أبرز تطور لاستخدام حزب الله للطائرات المسيرة هو اختراق طائرة “هدهد3” للمجال الجوي الإسرائيلي والتقاطها صوراً عالية الدقة لمساحات واسعة داخل الأراضي الإسرائيلية تتضمن منطقة صناعية عسكرية ومنظومات الدفاع الجوي ومصافي النفط والقبة الحديدية، وغيرها من المواقع والمنشآت بالغة الحساسية، ما أثار قلقاً كبيراً داخل الأوساط الإسرائيلية([3]) ودفعها للتوعد بالرد على حزب الله.
تأتي هذه التطورات أيضاً بعد تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي على مواقع حزب الله في جنوب لبنان، وقتل عدد من قادته، من بينهم سامي عبد الله الذي وصفته إسرائيل بأنّه أكبر قادة حزب الله في جنوب لبنان، والذي كانت تعتبره المسؤول عن الكثير من الهجمات على إسرائيل على مدى سنوات([4]).
مساعي نزع فتيل الأزمة دبلوماسياً
بعد تزايد حدة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، دعت أطرافٌ دوليةٌ عديدة الجانبين إلى التهدئة، وحذرت من مغبة اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق، في حال عدم تغليب الدبلوماسية على المواجهات العسكرية، وتبذل كل من الولايات المتحدة وفرنسا جهوداً مشتركة لنزع فتيل الأزمة القائمة بين الجانبين، وتسعيان إلى الاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم (1701) وتنفيذ ما يمكن تنفيذه من هذا القرار، وقد تمّ اعتماد هذا القرار للمرة الأولى بعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. وتطالب فرنسا وأمريكا الجانبين بالالتزام بعدة نقاط وهي[5]:
- انسحاب مسلّحي حزب الله وبعض قدراته العسكرية بعيداً عن الحدود مع إسرائيل.
- انتشار الجيش اللبناني في الجنوب مدعوماً من قوات الأمم المتحدة المتواجدة في لبنان (اليونيفيل).
- وقف الطلعات العسكرية الجوية فوق الأراضي اللبنانية.
- البدء بمفاوضات جديدة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم حدودهما البرية.
وكثفت الولايات المتحدة الأمريكية من جهودها الدبلوماسية لاحتواء الأزمة بين حزب الله وإسرائيل، حيث تكررت زيارات المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين إلى إسرائيل ولبنان عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، وفي زيارته الأخير إلى بيروت في 28 حزيران/يونيو الجاري، أعلم الجانب اللبناني أنّ الولايات المتحدة لا تريد اندلاع “حرب أكبر” على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، كما شدّد على ضرورة حلّ النزاع بين إسرائيل وحزب الله بالطرق الدبلوماسية.
ويسعى هوكشتاين إلى خلق توافق بين الجانبين المتنازعين حول ترسيم الحدود البرية بينهما، وهو الذي تمّ بوساطته توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر 2022م. على رسم الحدود البحرية بين الجانبين.
لكن وبرغم هذه المساعي الدبلوماسية، لم يقبل الطرفان هذه المبادرات، حيث يرفض حزب الله الانسحاب من الحدود مع إسرائيل، ويشترط إيقاف الحرب على غزة أولاً لقبول أيّة مبادرة، كما يرى الحزب أنّ إسرائيل تتواجد في 13 نقطة حدودية خلافاً لما تمّ الاتفاق عليه عام 2006م.
في المقابل تصرّ إسرائيل على انسحاب “قوة الرضوان” التابعة لحزب الله إلى مسافة 10 كم عن حدودها الشمالية، وتُعتبر هذه القوة أكثر وحدات حزب الله تدريباً، وتتمثل مهمتها الأساسية في التسلل إلى إسرائيل، وتنفيذ عمليات داخل الأراضي الإسرائيلية.
ودفع تواجد “قوة الرضوان” على الحدود الإسرائيلية، حكومة نتنياهو إلى إخلاء القرى والمدن الشمالية، خوفاً من تسلّل هذه الوحدات إلى إسرائيل، وتكرار ما فعلته حماس في 7 أكتوبر، ويصل عدد المهجّرين إلى حوالي 80 ألف شخص([6])، وهم يقيمون الآن في فنادق في المناطق الجنوبية لإسرائيل، على نفقة الحكومة الإسرائيلية، وباتوا يشكلون ضغطاً على حكومة نتنياهو لإعادتهم إلى مدنهم وقراهم.
قد يبدو هذا السبب المباشر لدفع إسرائيل إلى التخطيط لشنّ عملية عسكرية ضد حزب الله، لكن السبب الرئيسي يكمن في حاجة إسرائيل الملحة إلى لإيجاد قوة ردع جديدة مع حزب الله تكون أكثر فعالية، بعد انتهاء فعالية قوة الردع النسبية التي تشكلت بين الطرفين عام 2006م. وهذا ما أثبتته الأشهر التي تلت حرب غزة، بعد زيادة هجمات حزب الله على إسرائيل.
هل حسمت إسرائيل قرار الحرب؟
على الرغم من مصادقة قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أوري غوردين ورئيس شعبة العمليات عوديد بسيوك، على خطط لشن هجوم على حزب الله، والموافقة على الخطط التشغيلية للهجوم في لبنان([7]).
لكن يبدو أنّ الجيش الإسرائيلي لم يحدّد بعدُ ساعة الصفر لشن هذه العملية العسكرية، ومازال ينتظر بصيص أمل بحدوث تحول في موقف حزب الله، وإذعانه للضغوطات الدولية والأمريكية، التي حذّرت الحزبَ من مغبة الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل.
وهذا ما تؤكده التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، حيث قال في ختام زيارته لواشنطن، أنّ إسرائيل لا تسعى لحرب مع حزب الله، لكنها مستعدة لإلحقاق أضرار جسيمة بلبنان وإعادته إلى العصر الحجري، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية([8]).
وبحسب المعطيات والتصريحات الإسرائيلية والدولية، يبدو أنّ إسرائيل ستكون مرغمة على تنفيذ تهديدها لحزب الله، وستشن عملية عسكرية كبيرة ومحدود في الآن ذاته على جنوب لبنان، لإجبار قوات الحزب على الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، في حال حسم الأخير أمره، وقرر عدم الانسحاب، وهو ما يبدو مرجحاً نظراً للندية الكبيرة التي يظهرها حزب الله ضد إسرائيل منذ نشأته.
هل ستدخل إيران والولايات المتحدة على خط المواجهة إذا اندلعت هذه الحرب؟
مما لا شكّ فيه، أنّ جميع الأطراف، بما فيهم حزب الله وإسرائيل، لا يريدون اندلاع حرب شاملة في المنطقة، لأنّها ستكون حرباً لها تداعيات كبيرة على جميع المشاركين فيها. وبالتالي فإنّ إسرائيل ستعمد إلى توجيه ضربات مكثفة ومحدودة ضد قواعد حزب الله على حدودها، ومن المرجح أنّ قرار تدخل الولايات الأمريكية إلى جانب إسرائيل سيكون مرهوناً بحجم رد فعل حزب الله المتمتع بقوة عسكرية كبيرة أيضاً، وأسلحة بإمكانها إلحاق ضرر بالغ بإسرائيل، كما هو مرهون أيضاً بتدخل إيران في الحرب بشكل مباشر إلى جانب حزب الله.
أما بالنسبة لإيران، فمن المستبعد أن تقوم بشنّ هجمات على إسرائيل من داخل الأراضي الإيرانية، بسبب أوضاعها المتدهورة اقتصادياً وداخلياً، كما أنّ النظام الإيراني يدرك جيداً أنّ تورطه في هذه الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، سيشكل تحالفاً كبيراً ضده سيؤدي إلى تقويضه في نهاية المطاف، لذا فإنّ إيران تجيد قراءة قواعد اللعبة بشكل جيد، وستلجأ إلى استراتيجيتها المعهودة المتمثلة بـ “حلقة النار”، من خلال تحريك الحوثيين وفصائلها المسلحة في العراق بشكل رئيسي، فيما قد يكون من المستبعد شن هجمات من داخل الأراضي السورية، نظراً للتهديدات الإسرائيلية السابقة بضرب دمشق وتعريض الرئيس السوري للخطر في حال مشاركته في الحرب.
وفي الختام، فإنّ احتمال اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل بات وارداً بشكلٍ كبير، ما لم تطرأ أية مستجدات تحول دون وقوعها، وإذا اندلعت فسيكون من المنطقي أن تكون حرباً ضمن السيطرة من قبل حزب الله وإسرائيل على حدٍّ سواء، وفي حال استمرارها سيكون من المرجح أن يكون هناك تدخل دولي للسيطرة على النار التي ستشعل الشرق الأوسط برمته إذا لم يتم إخمادها بشكلٍ عاجل.
[1] – وسط مخاوف من الحرب في لبنان..ماهي رسالة واشنطن لحزب الله؟- الحرة- نشر بتاريخ 25 حزيران/يونيو 2024- استرجع بتاريخ 26 حزيران/يونيو 2024 https://2u.pw/CDyccjXp
[2] – بالأرقام والتفاصيل..تغيير في استراتيجية حزب الله ضد إسرائيل- سكاي نيوز- نشر بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2024- استرجع بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2024 https://2u.pw/P0tbKQqQ
[3] – ما هي الرسائل التي حملها فيديو حزب الله لإسرائيل؟ بي بي سي- نشر بتاريخ 18 حزيران/يونيو- استرجع بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2024 https://2u.pw/4UDpMHjt
[4] – إسرائيل تعلن مقتل “أكبر قادة حزب الله في جنوب لبنان” والحزب يرد- CNN- نشر بتاريخ 12 حزيران يونيو 2024- استرجع بتاريخ 26حزيران/يونيو 2024 https://2u.pw/ubGOyi6x
[5] – التعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا لمنع اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله- سيلين أويسال- معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى- نشر بتاريخ26 نيسان/أبريل 2024- استرجع بتاريخ 26 حزيران/يونيو 2024 https://2u.pw/kFDbvcmk
[6] – طبول الحرب تدق..إسرائيل ولبنان على شفا حرب شاملة! مقابلة مع د. أحمد فؤاد أنور- نعرف- نشر بتاريخ 24حزيران/يونيو 2024- استرجع في 27 حزيران/يونيو 2024 https://2u.pw/M83PYrlr
[7] – الجيش الإسرائيلي يصادق على الخطط القتالية للهجوم في لبنان- RT- نشر بتاريخ 18حزيران/يونيو 2024- استرجع بتاريخ 27حزيران/يونيو 2024 https://2u.pw/bMN7bs2i
[8] – غالانت يحذر حزب الله “لا نسعى للحرب ولكننا مستعدون لإلحاق أضرار جسيمة بلبنان”- فرانس24- نشر بتاريخ 27حزيران/يونيو 2024- استرجع بنفس التاريخ https://2u.pw/EZOrZROt