قضايا راهنة

في ظلّ خلافاتٍ متجذّرة.. دوافع الاتفاق السّعودي الإيراني

في خطوةٍ مفاجئة جداً، للكثير من المراقبين وللأوساط السياسية، أُعلن يوم الجمعة الماضي، 10 آذار/مارس الجاري، في بكين العاصمة الصينية، خلال بيان ثلاثي مشترك بين الصين وإيران والسعودية، عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الأخيريتين، برعاية صينية.

حيث اتفق رئيس الأمن القومي الإيراني علي رضا شمخاني ونظيره السعودي، مستشار الأمن الوطني، مساعد بن محمد العيبان، ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، على عودة العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح سفارات الدولتين في غضون شهرين من بدء الإعلان عن الاتفاق، إلى جانب احترام سيادة كل دولة من قبل الأخرى، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين عام 2001، واتفاقية التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياض والشباب، الموقعة عام 1998، بحسب الإعلان المشترك.

جذور الخلافات السعودية- الإيرانية

إن هذا الاتفاق المبدئي جاء بعد قطيعة استمرت سبعة أعوام بين البلدين، حيث بلغ فيها التوتر والنزاع أوجه، بعد انقطاع العلاقات بينهما منذ عام 2016 عقب هجوم متشددين موالين للنظام الإيراني على السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، على خلفية إعدام السعودية أحد أبرز رجال الدين الشيعة؛ وهو “نمر النمر” الذي اعتقل في 2012 في خضم اندلاع ثورات الربيع العربي في المنطقة، واتهمته السعودية بالإرهاب والتشجيع على المظاهرات ضد الحكم في المملكة وحمل السلاح، ونفذت السعودية حكم الإعدام على الرغم من التحذيرات الإيرانية من مغبة إعدامه.

لا شكّ أنّ جذور الخلاف بين البلدين عميقة، وهي خلافات سياسية ومذهبية وعرقية على مر التاريخ، وتعود إلى القرن السابع الميلادي بعد هزيمة الجيوش الإسلامية للفرس، ونشر الإسلام في بلاد فارس، كما تعود أيضاً -كما هو معروف- إلى الخلاف حول أحقية الخلافة لعلي بن أبي طالب وأبي بكر.

أما حديثاً، وبعد نشوء المملكة السعودية، فقد اتسمت العلاقات بين إيران والسعودية بالتوتر، وتعود أبرز أسباب الخلاف بين البلدين إلى:

  • إعدام السعودية أحد الحجاج الإيرانيين، بعد أن اتهمته “برمي القاذورات داخل الحرم المكي وشتم النبي والصحابة”، فيما برّرت إيران إصابته “بدوّار وتقيّؤه أثناء الطواف”، وأدت هذه الحادثة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1943 لتعود مجدداً عام 1946.[1]
  • توتر العلاقات بين البلدين نتيجة اعتراف الشاه بإسرائيل عام 1950.
  • سقوط الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية المبنية على أسس وركائز شيعية، تهدف إلى السيطرة على العالم الإسلامي وقيادته، وإسقاط الأنظمة الملكية العربية، وتصدير نموذج “الثورة الإسلامية” إلى البلدان المجاورة.
  • الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988) ودعم السعودية للعراق ضد إيران.
  • مقتل أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون عام 1988، وذلك نتيجة صدامات بين الشرطة السعودية وحُجّاج إيرانيين تسببت بأعمال تخريبية، بعد خروج الحُجّاج في تظاهرات مؤيدة للجمهورية الإسلامية، تنادي بالموت لأمريكا وترفع صور للخميني، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1990.

بعد هذه التوترات الطويلة وحالات القطيعة المتكررة، تحسنت العلاقات مع بروز نجم الإصلاحيين في إيران، في عهد رفسنجاني، ومحمد خاتمي الذي كان يسعى إلى إقامة علاقة حسن جوار مع دول المنطقة في عام 1997، ليسود التوتر من جديد العلاقات بين الطرفين مع تولي الرئيس المتشدد أحمدي نجاد الحكم عام 2005. وكانت أبرز الأحداث التي حدثت في عهده؛ ما سمي بـ “مؤامرة الاغتيال الإيرانية” الفاشلة التي استهدفت السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة عادل الجبير من قبل مواطنين إيرانيين في واشنطن.

كان إطلاق الولايات المتحدة يد الجماعات الشيعية الموالية لإيران في العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين 2003، سبباً في تخوف السعودية من وجود مخطط إيراني يستهدف المنطقة العربية، وما عزز المخاوف السعودية وأدى إلى زيادة حدة التوتر بين طهران والرياض، هو التدخل الإيراني لصالح قوات النظام السوري إبّان اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، وبالتالي اندلاع حرب بالوكالة بين الطرفين على الأرض السورية، وكذلك اندلاع المظاهرات في البحرين في العام نفسه، واتهام السعودية إيران بتأجيج الاحتجاجات. أما حدة التوتر والصراع بين الطرفين، فبلغت أوجها خلال الحرب اليمنية ودخول إيران على خط الصراع ودعم الحوثيين بشكل كبير، ما دفع دول الخليج إلى تشكيل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، وخوض حرب استنزاف في اليمن ضد الحوثيين الموالين لإيران.

كان توقيع الاتفاق النووي، بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية عام 2015، أحد أكبر المخاوف السعودية من تنامي القوة الإيرانية وتشكيلها تهديداً لأمن السعودية، وقد مارست السعودية مع أطراف أخرى، مثل إسرائيل، ضغوطات كبيرة على إدارة ترامب لإفشال هذا الاتفاق، وبالفعل تم تعطيل الاتفاق عام 2018.

تلا ذلك تأجج لحدة الخلاف بين البلدين بعد الاستهدافات المتكررة من قِبل إيران لمنشآت حيوية في الخليج العربي، وكان أبرزها الهجوم على “منشأة أرامكو” السعودية التي تضم أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، عام 2019.

دوافع الاتفاق السعودي-الإيراني في المرحلة الراهنة

لا شكّ أنّ الاتفاق حول إعادة العلاقات السعودية-الإيرانية في ظل تأزم الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، يصبّ في مصلحة البلدين، كما يصبّ في الوقت نفسه في مصلحة الصين، راعية الاتفاق أيضاً، فعلى الرغم من أنّ محاولة إعادة العلاقات بين البلدين ليست جديدة، وهي كانت مستمرة على مدى العامين الأخيرين بوساطة عراقيّة وعُمانيّة، وعقدت السعودية وإيران خلالهما خمس جولات من المفاوضات، لكنها لم تفلح بالتوصل إلى نتيجة. وكان سبب توقفها اندلاع الحراك الشعبي في إيران في أيلول/سبتمر من العام الفائت، حيث هددت إيران بعدم خوض الجولة السادسة بسبب اتهامها السعودية بالوقوف وراء المظاهرات وتأجيجها من خلال تغطية وسائلها الإعلامية وتركيزها عليها.

ويمكن قراءة أسباب عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، بالنسبة لكل طرف من الأطراف كالتالي:

أولاً- بالنسبة للصين

– الاتفاق فرصة للصين لإبراز دورها كقوة دولية قادرة على حل المشاكل والتوترات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وهي ترسل بذلك رسالة للولايات المتحدة بأنها قوة سياسية منافسة أيضاً لا يستهان بها، وأنّ بإمكانها أن تتبوأ دوراً قيادياً في منطقة الخليج العربي التي تعتبر منطقة نفوذ أمريكية.

– الاتفاق جاء كردّ فعل على تسليح أمريكا لتايوان، حيث أعلن البنتاغون في مطلع شهر آذار/مارس الجاري المصادقة على بيع تايوان ذخائر تبلغ قيمتها 619 مليون دولار لطائراتها من طراز F16، وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية فإنّ “هذه الصفقة ستعزز قدرة تايوان على الدفاع عن مجالها الجوي والأمن الإقليمي والتوافق العملياتي مع الولايات المتحدة”[2].

-تريد الصين إحلال الاستقرار والتهدئة في منطقة الخليج العربي؛ لخلق بيئة آمنة لاستثماراتها الكبيرة التي تطمح إليها، حيث كان النزاع السعودي-الإيراني من أكبر التحديات أمام إتمام الصين لصفقاتها في دول جنوب الخليج وإيران، وهي تريد أن تبدأ بتنفيذ اتفاقية الـ 25 عاماً مع إيران التي من المقرّر أن تستثمر فيها الصين 400 مليار دولار في مختلف القطاعات الحيوية والبنى التحتية في إيران.

الحال هي ذاتها فيما يتعلق بالسعودية بالنسبة للصين، التي تولي أهمية كبيرة للأولى وباقي دول الخليج العربي في مشروع “طريق الحرير” و”الحزام والطريق”، وتنوي إقامة استثمارات كبرى، ولا سيما في مشروع “السعودية 2030”. وبالتالي، فإنّ الصين لا تريد أن يؤدي التوتر بين السعودية وإيران إلى زعزعة استقرار منطقة الخليج العربي بشكل يضر بمصالحها الاقتصادية، سيما وأنّ لإيران سوابق في استهداف البنية التحتية في هذه المنطقة.

  • تعزيز علاقاتها مع إيران، وإعاقة مساعي الولايات المتحدة والغرب من التوصل إلى أي اتفاق مع إيران من شأنه إحداث أي تقارب بينهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تسعى الصين إلى جذب السعودية -التي تُعتبر حليفاً للولايات المتحدة- أكثر إلى الحلف المناهض للحلف الغربي، مستغلةً بذلك الفتور في العلاقات الأمريكية-السعودية.

ثانياً: بالنسبة لإيران

ينطوي هذا الاتفاق على أهمية كبيرة بالنسبة لإيران، بسبب:

– اشتداد الضغوطات الداخلية والخارجية عليها، في ظل حركة الاحتجاجات الداخلية المطالبة بتغيير النظام الإسلامي، وفي ظل حالة العزلة الدبلوماسية الإقليمية، والضغوطات الدولية عليها من كل صوب وحدب، وعلى وجه الخصوص بسبب تقديم الدعم العسكري لروسيا في الحرب الأوكرانية، وأيضاً ملفها النووي، وانسداد أفق التوصل إلى أي اتفاق. فبعد أن أصبح تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول اكتشاف ذرات يورانيوم مخصبة بنسبة 84%، وهي نسبة قريبة جداً من صنع القنبلة النووية التي تبلغ 90%، محل اهتمام وتركيز الدول الغربية، تلمّست إيران توجهاً دولياً لإدانتها عبر مجلس حكام الوكالة، ونية المجتمع الدولي على فرض حصار شامل على إيران من خلال إعادة العقوبات الأممية عليها ما قبل اتفاق 2015، ولهذا السبب فإنّ إطلاق مفاجأة من هذا النوع ستخلط الأوراق قليلاً، وسترغم خصومها على مراجعة حساباتهم، للبدء بخطط جديدة تكون ذات فاعلية أكبر تجاه إيران. وهذا بدوره يستغرق وقتاً لا بأس به، وهو ما يحتاجه النظام الإيراني في الوقت الراهن؛ أي المزيد من الوقت وتخفيف الضغوطات الخانقة عليه، ليبتكر هو أيضاً سبلاً جديدة للمناورة.

  • كسب الصين إلى جانبها، بعد أن استشعرت نوايا الصين بصرف النظر عن تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين البلدين، وذلك بسبب التوترات الإقليمية والدولية التي خلقتها السياسة الخارجية الإيرانية، ولعل هذا التوجه انكشف لإيران خلال زيارة الرئيس الصيني “شي جين” الأخيرة إلى السعودية، والتصريحات التي أدلى بها تجاه إيران بضرورة عدم تدخل إيران في شؤون دول المنطقة واحترام سيادة الإمارات على الجزر الثلاث.
  • استشعار إيران بخطورة احتمال توجه الولايات المتحدة نحو الخطة البديلة، وهي الخيار العسكري ضدها، وهذا الخيار على الرغم من خطورته وصعوبة تنفيذه في الوقت الراهن، لكنه يبقى خياراً محتملاً في ظل عدم حدوث أي تهدئة وانفراج للأوضاع المتأزمة بينها وبين المجتمع الدولي، فجاء هذا التقارب مع السعودية لضرب مشروع التحالف الإقليمي الذي يدأب الأمريكيون والإسرائيليون على تشكيله لمواجهة إيران. وهذا ما صرّح به أيضاً نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، حيث اعتبر أنّ إعادة العلاقات بين السعودية وإيران هي “ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران.”[3]

أضف إلى ذلك، المناورات منقطعة النظير التي أجراها الأمريكيون في الآونة الأخيرة مع إسرائيل، والتي كانت تحاكي استهداف المواقع النووية الإيرانية. كذلك التدريبات العسكرية مع دول عديدة في المنطقة بينها السعودية ومصر والإمارات في الخليج العربي والبحر الأحمر، لضمان أمن الملاحة البحرية، ومواجهة التهديدات الإيرانية بإغلاق “مضيق هرمز”.

  • محاولة السيطرة على الحراك الداخلي، سيما وأنّ إيران كانت تتهم السعودية بتأجيج حركة الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، وكانت المملكة سبّاقة في تغطية هذا الاحتجاجات وتعرية ممارسات النظام الإيراني ضد المتظاهرين وقمعهم.

ثالثاً: بالنسبة للسعودية

هذا الاتفاق مهم للسعودية أيضاً، التي تنظر إلى نفسها كلاعب سياسي واقتصادي إقليمي مهم في الشرق الأوسط، نظراً للمكانة التي تتمتع بها بين الدول العربية والإسلامية، ولكونها محط أنظار القوى الكبرى، التي تسعى إلى كسبها إلى جانبها في صراعها على النفوذ في هذه المنطقة. ويمكن تلخيص أهمية هذا الاتفاق بالنسبة للسعودية في النقاط التالية:

  • تهدئة التوتر المزمن مع إيران، بعد وصولها إلى قناعة بعدم جدوى وسائل الحرب بالوكالة ضد إيران، ولا سيما في اليمن، التي وضعتها مع دول التحالف العربي في موقع تصعيدي خطير مع إيران.
  • طمأنة إيران بأنها لن تكون طرفاً في حال شنّت إسرائيل هجوماً ضدّ مواقعها، لضمان عدم تعرضها للخطر الإيراني في حال نفذت إسرائيل تهديداتها، سيما وأنّ الاندفاع الإسرائيلي لتنفيذ ضربات ضد مواقع وأهداف إيرانية في العمق، بلغ مرحلة متقدمة جداً، حيث أفادت تقارير فرنسية مطلع شباط/فبراير الفائت بأنّ إسرائيل حددت 3 آلاف هدف في الداخل الإيراني، لكنها بحاجة إلى حلفاء يساندونها في الحملة، ومن بينهم الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية التي تشكل إيران تهديداً لها أيضاً. [4]
  • إبعاد القلاقل الأمنية التي يتسبب بها صراعها مع إيران، والتركيز على المشاريع التنموية والنهضوية التي تخطط لها، وإبطال مفعول التهديدات الإيرانية التي تؤثر سلباً على هذه المشاريع.
  • عدم ثقة السعودية بالولايات المتحدة، وتشكل قناعة لديها بأنّ الأخيرة لن تدافع عنها في حال تعرضها للهجوم من قِبل إيران، وهذا الدرس استخلصته السعودية من الهجمات المتكررة التي تعرضت لها من قبل إيران ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً.
  • الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للرضوخ إلى المطالب السعودية، المتمثلة بإعطاء الضمانات الأمنية اللازمة لها في مواجهة التهديدات والتحديات التي تواجهها، ولا سيما درء الخطر الإيراني عنها، ودفع واشنطن إلى اتخاذ سياسة صارمة ضد إيران، في ظل ما أحدثته من فوضى واضطرابات أمنية في عدة دول عربية، وسعيها لتعزيز وتقوية نفوذها في المنطقة على حساب السعودية وباقي الدول العربية، من خلال “الهلال الشيعي”، الذي بات اليوم بمثابة قواعد عسكرية إيرانية مسلحة بأسلحة دقيقة مؤثرة وغير تقليدية يصعب مواجهتها، وعملها الدؤوب على تطوير برنامجها النووي وبلوغها العتبة النووية، وترسانة صواريخها البالستية وطائراتها المسيّرة التي لم يعد يقتصر تهديدها على أمن السعودية والمنطقة فقط، بل تجاوز إلى تهديد الغرب، بعد إمداد الجيش الروسي بهذه المسيّرات في حربه على أوكرانيا. إضافةً إلى ذلك، تطلب السعودية من الولايات المتحدة دعمها في تطوير برنامجها النووي السلمي، وهذا الشرط يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن؛ لأنّ إسرائيل لا تقبل بوجود قوة نووية منافسة لها في الشرق الأوسط، كما أنّ الولايات المتحدة اتخذت عبرةً من الدرس الإيراني، ذلك أنّ البرنامج النووي الإيراني ربما لم يكن ليوجد الآن لولا مساعدة الولايات المتحدة في إنشائه وتقديم الدعم اللازم له عام 1954 خلال فترة رئاسة إيزنهاور.

بالتالي، لا تريد إسرائيل وأمريكا “إيران جديدة” في المنطقة، تدخلهم في المتاهة التي أوضعتهم فيها إيران في الوقت الراهن.[5]

هل سيحقق الاتفاق تطبيعاً مستداماً بين الطرفين؟

ربما يكون من المبكر الجزم بمدى نجاح هذا الاتفاق، سيما وأنّ تنفيذه سيبدأ بعد شهرين من تاريخ الإعلان عنه، وهذا يتعلق بمدى جديّة والتزام إيران المعروفة بالتنصل من التزاماتها متى ما ارتأى الساسة الإيرانيون ذلك، وأيضاً يتعلق نجاح الاتفاق بالمتغيرات الدولية التي قد تطرأ خلال هذه الفترة. لكن حتى لو نجح الاتفاق وعاد التمثيل الدبلوماسي بين طهران والرياض، فإنّ استمرار هذه العودة سيكون إلى حين، وهذا الأمر يعرفه الخصمان التاريخيان حق المعرفة، نظراً لعدم اقتصار الخلاف السعودي- الإيراني على الصراع الدائر على حدود الأولى في اليمن وحسب، بل يتعدى ذلك إلى:

-الموقف من الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، والصغرى، وأبو موسى)، التي تعتبرها إيران جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، بينما ترى دول “مجلس التعاون الخليجي” وبينها السعودية أنها جزر عربية، وهي جزء من الأراضي الإماراتية، وهذا الخلاف سيبقى حجر عثرة أمام التطبيع الكامل بين الطرفين.

– الصراع على النفوذ الأيديولوجي في البحرين التي تسود فيها التوترات الطائفية، حيث تبلغ نسبة الشيعة فيها قرابة 70%، في حين أنّ الأسرة الحاكمة فيها تنتمي للمذهب السني، ويسعى كل طرف إلى بسط هيمنته عليها.

– السياسة الخارجية للبلدين تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل؛ فالموقف الإيراني واضح تجاه هذه القضية، والنظام الإيراني لا يقبل بأي تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وموقفه واضح تجاه إسرائيل، حيث تعتبره كياناً غير شرعيّ وتدعو إلى زواله جهاراً نهاراً. في حين أنّ السعودية تؤيد التسوية السلمية بين العرب وإسرائيل، ولديها مبادرات لحل القضية الفلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل.

– الخلاف السعودي-الإيراني حول لبنان وسوريا: ففي لبنان تدعم إيران حزب الله الشيعي، بينما تدعم السعودية القوى السنية المعارضة له، وتعتبر الأراضي اللبنانية ساحة صراع باردة بين الطرفين لفرض نفوذهما الإقليمي. وفي سوريا وطدت إيران علاقاتها مع نظام حافظ الأسد، بسبب التقارب المذهبي بينهما، وشكل هذا التقارب تحالفاً ضد أي رفض عربي للدور الإيراني في المنطقة، سيّما بعد تشكيل “محور المقاومة” لمواجهة إسرائيل.

– الحرب الباردة بين الطرفين في العراق: بعد سقوط نظام صدام حسين، استشعرت إيران خطر المصير الذي واجهه العراق، فعمدت على تقوية نفوذها في العراق من خلال دعم الشيعة وإيصالهم إلى السلطة، ما شكّل تحدياً للسعودية التي تدرك أنّ المدّ الإيراني لن يتوقف عند العراق وحسب، لذلك دأبت على دعم السنة مادياً ولوجستياً في مواجهة الشيعة للحد من نفوذ إيران.

– الموقف من النفوذ الأمريكي في المنطقة: فالنظام الإيراني يقوم على عقيدة أساسية وهي إخراج أمريكا من الشرق الأوسط، بينما تستضيف السعودية قواعد أمريكية على أراضيها، وتسعى لتكون حليفاً قوياً لها.  [6]

 خاتمة

مما سبق نستنتج أنّ الخلافات بين السعودية وإيران متجذرة، وهي في الجوهر صراع على النفوذ في المنطقة، وأنّ تاريخ العلاقات بين الطرفين حافلٌ بانقطاع العلاقات وعودتها، نظراً لتعدد أسباب الخلاف ومستوياته. ولذلك، فإنه ليس من المستبعد أن يعود الصراع من جديد بين الطرفين، ما إن تتوفر الأسباب لذلك، وهي كثيرة. وعليه، قد تتنازل إيران مبدئياً عن “ورقة الحوثيين”، وتوقف تهديداتها المباشرة للسعودية، لكنها لن تغيّر استراتيجيتها في سوريا ولبنان والعراق-المتعارضة مع الاستراتيجية السعودية- وستبقي على تهديداتها لإسرائيل من خلال ميليشياتها، ما دامت أزمة إيران قائمة مع المجتمع الدولي. وبالتالي، قد نكون أمام تصعيد ضد إيران من قبل الغرب والولايات المتحدة، والمضي قدماً في رصد انتهاكات إيران النووية وفرض عقوبات رادعة لها، ودعم الحراك الشعبي في الداخل، وكذلك المعاضة الإيرانية في الخارج. وعلى الصعيد العسكري، قد نشهد دعماً أمريكياً أكبر لإسرائيل، من خلال تزويدها بأسلحة نوعية، من شأنها تغيير قواعد اللعبة، ومنها “القنبلة الخارقة للتحصينات” من نوع GBU-57 والتي ستشكل ردعاً قوياً لإيران، بسبب قدرة هذا السلاح على تدمير المنشآت النووية الإيرانية المتحصنة تحت الأرض. كما قد نشهد تصعيداً في الهجمات الإسرائيلية ضد المواقع والمنشآت الحيوية داخل الأراضي الإيرانية والسورية، ولعلّ الهجمات الأخيرة على مدينة مصياف بريف حماة في وضح النهار، بعد توقيع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بيومين، يشير إلى هذا التوجه، كما ستتوقف مدى ديمومة واستمرار هذا الاتفاق على ما يمكن للأمريكيين والإسرائيليين تقديمه للسعودية ولدول الخليج في المرحلة القادمة.

……………………………………………..

المراجع:

[1] أحمد جمعة- اليوم السابع- 5 أسباب تسببت في القطيعة بين الرياض وطهران- نشر بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2016- استرجع بتاريخ 13 آذار/مارس 2023 https://cutt.us/GgprI

[2] Euronews- البنتاغون: واشنطن تبيع تايوان ذخائر بقيمة 619 مليون دولار– نشر بتاريخ 2 آذار/مارس 2023- استرجع بتاريخ 13 آذار/مارس 2023 https://cutt.us/YMF2x

[3] كيف تؤثر عودة العلاقات بين السعودية وإيران على المنطقة العربية- بي بي سي-نشر بتاريخ 12 آذار/مارس 2023- استرجع بتاريخ 13 آذار/مارس 2023- https://www.bbc.com/arabic/64933458

[4] تل أبيب تسعى لتشكيل تحالف ضد إيران.. وضعت استراتيجية لمهاجمتها وحددت 3 آلاف هدف- عربي بوست- نشر بتاريخ 5 شباط/فبراير 2023- استرجع بتاريخ 14 آذار/مارس 2023 https://cutt.us/FyiHk

[5] سيد جبيل- نعرف- الأسباب الثلاث التي دفعت السعودية للتطبيع مع إيران الآن؟- نشر بتاريخ  13 آذار/مارس 2023- استرجع بتاريخ 15 آذار/مارس 2023 https://cutt.us/Ag5oE

[6] (فداء يوسف أبو جزر)، “العلاقات الإيرانية السعودية وانعكاساها على دول الجوار العربي (1979-2005)”، أطروحة ما ماجستير- جامعة الأزهر- اريخ المناقشة /2014/ ص59-70

زر الذهاب إلى الأعلى