قضايا راهنة

ملامح نهاية اللعبة الروسيّة في سوريا

يعتبر الشرق الأوسط، من المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية لدى العديد من الدول الكبرى، مما جعله من أكثر الأماكن اضطراباً، نتيجة الاستقطاب الدولي الذي شهدته المنطقة أثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمكّنت فيه الأخيرة من بسط نفوذها وتسوية قضاياها بما يتناسب مع مصالحها وحلفائها خاصة إسرائيل.

وجاءت ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، لتشهد المنطقة تغييرات لبعض أنظمتها الحاكمة وتلغي فكرة استمرارها الدائم، وتبلورت لدى روسيا فكرة الدعم الأمريكي لهذا التحرك، لتغيير الأنظمة القائمة، والخريطة الإقليمية، وصياغة هيمنة جديدة؛ وكانت سورية من الدول التي ارتبطت بصيرورة الربيع العربي، إلا إنها تحولت إلى صراع نفوذ بين الدول، وارتبطت بمستوى تنافسي عالٍ، فكانت موسكو أسرع استجابة وحسماً في موقفها تجاه الحالة السورية، كون سوريا حليفة تقليدية لروسيا، ولها مصالح حقيقية فيها، وحتماً ستتأثر بمرحلة عدم الاستقرار التي تجتاح المنطقة؛ وتتضرر كلياً بتغيير النظام الحاكم؛ وفق مصادر روسيّة عن جلسة لمجلس الأمن الروسيّ بأن وجودها في سوريا باتَ متّصِلاً بسياستها في شرق المتوسط، ونقلتْ عن بوتين أن روسيا تُعطي اهتماماً كبيراً لهذه المنطقة وفيها مصالح”؛ كما أنها ترى بهذا التدخل بداية لعودة قوية إلى منطقة الشرق الأوسط، وتوسيع نفوذها الإقليمي والدولي فيها، محاولةً إزاحة الهيمنة الأحادية لواشنطن، فوفق إحدى مبادئ عقيدة “بريماكوف” الروسيّة، “السعي نحو عالم متعدِّد الأقطاب”، فالعالم أحاديّ القطب الذي تُهيمِن عليه الولايات المتحدة، أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا”، فأصبحت تبحث عن شركاء، لتكوين تحالف مضاد؛ له ثقل موازن للهيمنة الأمريكية؛ وفي تحرّك متّصِل بالاستراتيجيّة الروسيّة، وكخطوة مفاجئة للجميع منذ نهاية حَرْبها الباردة، باشرتْ روسيا بالانخراط في عمل عسكريّ خارج محيطها، وأسستْ تحالفاً خاصاً يضم إيران والنظام السوريّ بعد فشلها في تأسيس تحالف إقليميّ مع دول الجوار لمحاربة الإرهاب في سورية. كَرَدّ فِعْل لتشكيل التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلاميّة” في سوريا والعراق.

لكن مع مرور الوقت أصبحَ تدخّلها في سوريا مُعقَّداً، من محاولتها لفرض هيمنة روسية؛ عبر تدخلها في الأزمة السورية، وفرض حلول تناسبها؛ إلى الانغماس أكثر مما كانت تُخطِّط له، حيث ذهبتْ في خطوات أبعد من حملات القصف الجويّ التي ادعت أنها تستهدف الإرهاب، فاستهدفتْ المعارضة السّوريّة “المعتدلة منها والمتطرفة والمدعومة أمريكيّاً، مما صعّب عليها الموقف على خلاف ما توقعت، فالحماس الروسي انعكس عليها سلباً، لأن الواقع باتَ يفرض عليها بعض التراجع للخروج بمظهر الناجح؛ وكي لا تبدو أمام العالم ضعيفة في التحكّم بإدارة شركائها؛ ومؤخَّراً بدأتْ تظهر ملامح توحي نهاية لُعْبَتها في سوريا يمكن قراءتها كالتالي:

منع سقوط الحليف

سيناريو تغيير النظام في أي بلد مضطرب يُرعِب النخبة الحاكمة في روسيا، خاصة مع ظهور أية ملامح لجهود أمريكيّة تهدف إلى تغييره، فبِنَظَرها الهدف من التغيير هي روسيا نفسها.  

لذلك ترى أن دعم الولايات المتحدة للحركات الاحتجاجية والثورات في دول الربيع العربي ما هو إلا سياسة لتغيير الأنظمة القائمة فيها، خاصة القريبة من إيران، فتغييرها سيؤدي حتماً لتغيير الخارطة الإقليمية والتحالفات الروسية مع هذه الدول، وهذا يعني إغلاق المجال المتبقي لها في جنوبها الغربي بعد محاصرتها غرباً بحلف الناتو. الأمر الذي شكل واحداً من أهم أسباب التدخل الروسي في سوريا، كونها إحدى نقاطها الضعيفة التي يمكن لخصومها استغلالها بمنطقة الشرق الأوسط، مما سيؤثر على مكانتها السياسية، فمن الطبيعي أن تعمل على بناء تكتل يضم سوريا وإيران كآلية للإنذار المبكر لأي خطر محتمل، فعندما بدأت واشنطن بناء تحالف لمحاربة الإرهاب؛ وإدارة من يرغبون بمحاربة النظام السّوريّ من دول، تداركت موسكو خطورة الموقف، خشية تكرار ما حصل في ليبيا بفرض حظر طيران من الناتو، على سوريا؛ واستبداله بحكومة سنّيّة متطرفة أو موالية للولايات المتحدة. فجاء الردّ الروسيّ بمواجهة من يقف ضد النظام السّوريّ لمَنْع سقوطه، واستخدامها للفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين حليفه.

لذا ترى روسيا في مَنْعِها سقوط النظام السّوريّ إحدى المهام التي حققتها بنجاح في اللعبة السّوريّة، فهي ترى في هذه الخطوة، الضمان الأمثل لتحقيق مصالحها، عبر تعزيز قَبْضَته على السّلطة، وضمان استمراره لولاية جديدة، وبهذه الخطوة ترى روسيا أنها أثبتتْ نفسها كلاعب رئيسيّ في الشرق الأوسط، وحليف مستعدّ لاستخدام القوة العسكريّة لدعم أصدقائها. فباعتقادها أنّ حملتها العسكريّة في سوريا، هي محاولة وبديل عن النهج الغربيّ الفاشل تجاه نزاعات الشرق الأوسط، وسعي لإثبات مقاربتها لهذه الصراعات، عبرَ تسويق قصة نجاحها في سوريا كحليف ووسيط فعّال، لمَنْع سقوط حكومة صديقة، واستبعاد الفكرة لدى المنافسين.

نهج مجالات النفوذ

يتعيّن على صُنّاع القرار أحياناً، التخلّي عن تطلّعات لا يمكن تحقيقها، أو كانوا يحلمون بها، وهنا يتعيّن عليهم قبول حقيقة “مناطق أو مجالات النفوذ” كفرصة لإعادة التفكير في صياغة نهج يلقى تفاعلاً لدى أطراف الصراع، وهو نهج يقوم على حقيقة واحدة، أنّ جميع المناطق لا تتبع لقوّة واحدة فقط.

وفي سوريا بدا هذا المسار يلقى تفاعله بين جميع أطراف الصراع الدوليّة، خاصة من كانت تبني لنفسها أوهام الانتصار الفرديّ، والسيطرة الكاملة لها ولحلفائها، وهذا ما أدركَتْه روسيا بضرورة الاعتراف بمجالات النفوذ؛ وقدرة القوى الأخرى لفَرْض حُكْم الأمر الواقع.

فبعد سنوات من تدخّل روسيا في سوريا، باتت استراتيجيّتها تتّجه نحو تقسيم سوريا إلى مناطق سيطرة القوى الخارجية المتنافسة؛ وخاصة الولايات المتحدة وتركيا وحتى إيران، لصعوبة تحويل مكاسبها العسكريّة في سوريا إلى مكاسب سياسيّة؛ وتوفير بعض الاستقرار ضمن صراع متقلِّب، في ظلّ استمرار وجود مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري على الأرض ترعاها قوى إقليمية ودوليّة؛ كتركيا في الشمال السوريّ، والولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف في الشرق والشمال الشرقيّ؛ ومن ناحية أخرى يأتي تراجع الدور الروسي نتيجة عدم قدرتها في تحمل تبعات الأعمال العسكرية في سوريا ونفقاتها، وغياب أي جهة أخرى تتحمل تكاليف فاتورة تدخلها في سوريا، وعدم قدرة حليفها (النظام السوري) على التسديد وتحمل المشاكل الاقتصادية؛ لذا فالضرورة باتت تُحتِّم عليها عَقْد صفقات مع القِوى المنافسة الأخرى وإبقاء البلاد مقسمة بحُكْم الأمر الواقع؛ مما يخفف عليها من تحمل أعباء تحركها الفردي، وما ينعكس عنه من نتائج سلبية، فاصبح الاتجاه نحو التقارب مع المتنافسين؛ وما يدعم هذا القول تردد التقارير عن نية روسيا طرح مشروع “هدنة دائمة”، وفتح المعابر التجارية بين مناطق سيطرة أطراف النزاع، كخطة بديلة، بعد فشل موسكو حسم اللعبة عسكرياً ويخفف من تبعات الأزمة الاقتصادية.

اضطراب وجمود للصراع

الاستراتيجية الروسية لإنهاء الصراع عسكرياً في سوريا بحربها الهجينة؛ وتحريك أدواتها لخلق حروب طائفية بدائية في مناطق خارجة عن سيطرتها وسيطرة حليفها، أظهر فشلها؛ فهي ليست قادرة على ردِع القوى الكبرى المنافسة، ولا حتى الفصائل المحاربة. فبدأت باستخدام المسار الدبلوماسي لفرض سلام بما يتناسب مع مصالحها؛ وإبراز دورها كضامن رئيسي بين الأطراف المتحاربة؛ إلا إنها استراتيجية لم تختلف عن سابقاتها فرغبة روسيا في الظهور بدور المفاوض الرئيسيّ والضامن في سوريا، أبرزَ فشلها وضعفها خاصّة في عدم قدرتها على تقديم أيّ ضمانات طويلة الأمد، فتعهداتها عبر صفقات تسوية أو مفاوضات هي قصيرة الأجل، لعدم استقرار الظروف السياسيّة، وتعتبر عودة الاحتجاجات في درعا والسويداء عام 2020، بعد الهدوء النسبيّ، والتجاوزات التركيّة، وتكرار المناوشات بين النظام السّوريّ أو ميليشيا الدفاع الوطنيّ وقوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية المعروفة محلياً بـ (الآسايش)، وكان آخرها في حيّ طيّ بالقامشلي، هي أمثلة حيّة على قدرة موسكو على التدخّل السريع لإخماد الخلاف، لكنها تبقى قدرة مؤقَّتة، فمفاوضاتها ليست سوى تأخير لمواجهات مستقبليّة ولا تمنعها أو تنهيها.

وحتى على الصعيد الدوليّ لم تتمكّن روسيا من تأكيد دورها كوسيط، مثل عدم قدرتها على تأمين الحدود من الجهة الجنوبيّة بين سوريا والأردن، لمنع التهريب أو الفوضى، وتأكيدها بإبعاد الجماعات الإيرانية عن هذه الحدود إلا أنها لم تقدّم أي نتائج ملموسة؛ كما إنها لم تستطع تأمين الحدود الشماليّة والشماليّة الشرقيّة من التجاوزات التركيّة على مناطق الإدارة الذاتيّة رغم إدراج نفسها كضامن لمَنْعِها.

كل ما سبق يؤكد حالة الارباك الذي تواجهه موسكو في سوريا، وبوادر تلمح لنهاية اللعبة، حيث أصبحت تتجه نحو تعليقها للأهداف الاستراتيجيّة الرئيسيّة، والسيطرة الكاملة، والتنازل عن النفوذ خارج مناطق سيطرتها، وبما يتوافق مع مصالحها هي. فباتت استراتيجيّتها في سوريا تتجه نحو تقبل فكرة مناطق سيطرة الأمر الواقع؛ وتوازن القوى على الأرض على أساس روسيا في الغرب وتركيا في الشمال والولايات المتحدة في الشرق والشمال الشرقيّ. فمنذ بداية العام الحالي، بدأ الصراع يدخل مرحلة الجمود، حيث باتت خطوط المواجهة ثابتة وواضحة نوعاً ما، ولم تَعُد هناك مواجهات واسعة. كونها لم تَعُد تقتصر على المتمرّدين، بل باتت ضد القوّى الدوليّة، مما يؤكد أن الصراع سيستمر ويتصاعد كونها ستتحوّل من مواجهة الفصائل إلى مواجهة الدول، فالمقاربة الروسيّة للخروج من هذا الموقف، عبر البحث عن مسار سياسيّ، يُنهي لعبتها في سوريا.

إدانة من الداخل الروسيّ

رغم أن التدخل الروسيّ في سوريا انطلقَ ظاهريّاً لمحاربة الإرهاب ومَنْع أيّ هجمات إرهابية ضد المواطنين الروس، الا أن فعاليتها أثّرت سلباً عليها، فجرّاء تدخلها بدأتْ ردود الفعل الانتقاميّة تنعكس على المواطنين الروس، مثل قصف طائرة روسيّة في تشرين الأول/أكتوبر 2015 فوق شبه جزيرة سيناء، وأسفر عن مقتل 219 مواطناً روسياً، حيث ادعى تنظيم “الدولة” أنه انتقام على التدخّل الروسيّ في سوريا، الذي بدأ قبل شهر، تلاها تفجير نيسان/أبريل 2017، في مترو “سانت بطرسبرغ” وأسفرَ عن مقتل 16 شخص، رداً لدَعْمِها للنظام السّوري، وقضية قَتْل السفير الروسيّ في أنقرة، حيث صرخ المسلّح قائلاً “لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا”.

وفي ابريل 2021 ولأول مرة أطلقت منظمّات حقوقيّة رائدة في روسيّا تقريراً يسلط الضوء على الانتهاكات الروسيّة في سوريا وتورطها بجرائم حرب، ومشاركتها المباشرة بالقصف العشوائيّ للمدنيين، وفقاً لصحيفة الغارديان، لفتَ مُعَدّو التقرير أنّ وسائل الإعلام الحكوميّة لا تتحدث عن ضحايا القصف والتهجير القسريّ للمدنيين نتيجة الأعمال العسكريّة الروسيّة في سوريا.

وبحسب التقرير، فالجمهور الروسيّ ليس لديه المعرفة الكافية للحُكْم على من وماذا ندعم في سوريا، وكم تكلّفنا هذه الحرب، ومقدار المعاناة التي الحَقَتْها الحرب بالمدنيين ممّن لم يحملوا السلاح مُطلَقاً”، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في الحرب السوريّة.

لذا يعتبر هذا التقرير أول ادانة للحكومة الروسية من داخل روسيا نفسها، جراء تدخلها في سورية، مما قد يخلق حالة من التوتر في الداخل الروسي.

عودة أمريكيّة للّعبة

إحدى خيبات الأمل لدى الروس، هي تراجع التغييرات التي كانت تتأملها، عند إعلان الولايات المتحدة في فترة “ترامب” بسَحْب قوّاتها من سوريا، فالفرحة الروسيّة بهذا الإعلان سُرعان ما تحوّلَت إلى قلق نتيجة عدم اكتمالها، وهذا ما يؤكد أهميّة السياسة الأمريكيّة في المنطقة، ورغبة موسكو الشديدة برحيلها، مما يترتّب عليها من رَفْع شأنها في المنطقة، وقد حاولتْ قدر الإمكان افتعال تحدّيات لخَلْق حقائق جديدة على الأرض، لجَعْل الوجود الأمريكيّ أكثر هشاشة.

لكن على النقيض يبدو أنّ الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة اختارت تحشيد سريع في سوريا، عسكريّاً واقتصاديّاً، وإعادة التحالفات التي مزَّقْتَها الإدارة السابقة ومحاولة استجرار الغرب لمواجهة روسيا، ضمن خطّة تتوزع مراحلها بين السياسة والعسكرة، ففي أول تصريح لها، أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” أن الإدارة الجديدة ستُجدِّد المساعي لتحقيق تسوية سياسيّة لإنهاء الحرب في سوريا بالمشاورة مع حلفائها وشركائها في الأمم المتحدة. وإعلانها في 17 شباط/فبراير 2021 بعَدَم المشاركة بمسار أستانا التي ترعاها روسيا وتركيا وإيران بشأن سوريا، ولن تعود بصفة مُراقِب أيضاً. بالإضافة إلى استخدام آلية الضغط على مجلس الأمن بفَتْح معابر إنسانيّة خارج سيطرة النظام. بعد استخدام روسيا للـ”فيتو” لفتح كافة المعابر باستثناء المفتوحة مع النظام السّوريّ، ففي أول موقف لإدارتها الجديدة، دعا وزير الخارجيّة الأمريكيّ “أنتوني بلينكين” خلال اجتماع افتراضيّ لمجلس الأمن الدوليّ بشأن سوريا 29 آذار/مارس 2021، المجلس لإعادة فتح معبرين حدوديين تمّ إغلاقهما العام الماضي بسبب اعتراض روسيا والصين” كما أردف أنّ النهج الحالي غير مُبرَّر أو فعّال، ويؤدي إلى معاناة الشعب السوريّ. وفي تحرُّك آخر لزيادة الضغط على الرّوس، طالب رئيس الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في نيسان/أبريل 2021 بفَتْح المزيد من المعابر وإنّ بوّابة واحدة لا تكفي.

كما أقدمتْ الإدارة الأمريكيّة الجديدة على تعزيز قواعدها العسكريّة في سوريا، وعزمها على تزويد هذه القواعد بأنظمة دفاع جويّ؛ وقد جاءت الضربة الأمريكيّة الأخيرة في سوريا، لتؤكّد على عدم تجاوز خطوطها الحمر في المنطقة، وتحذر أيّ طرف يمكن أن يشكل تهديداً لمصالحها وأفرادها، مما يجعل الحلّ مستعصياً على روسيا.

لذا إحدى ملامح نهاية اللعبة الروسيّة في سوريا، باتتْ تتضح من خلال؛ التحدي الصعب على أساس عودة أمريكيّة للعبة، وقبولها بمجالات نفوذها فقط، والعمل على إيجاد نوع من التوازن لنفوذها الضعيف في المنطقة بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة على الأرض (الكُرد) عبر إشراكهم في ملفات التسوية. فهي باتت تُدرِك إنّ انسحاب الولايات المتحدة باتَ مرهوناً بحلفائها المحليين، عبر دَمْجهم في العملية السياسيّة، يمكنها من التحرك سياسياً على المستوى الدوليّ، الذي افتقدته مؤخراً، والخروج من مساراتها الشكليّة السابقة، ويحقق لها جزءاً من هذا التوازن، وإثبات نفسها كقوة فاعلة إلى جانب واشنطن، وكلاعب رئيسيّ لحلّ المشكلة في سوريا.

في الختام…يبدو أن روسيا باتت تلاحظ هشاشة التوازنات التي تعمل على إدارتها في سوريا، الأمر الذي يتطلّب منها مرونة في التعامل مع باقي اللاعبين.

فالاستراتيجيّة الروسيّة أصبحتْ تتمثّل بالسَّيْر بشكل غير مستقر على حبل مشدود مبني على تحالفات الضرورة، فباتت تحتاج إلى الولايات المتحدة وتركيا وإيران. كونها أدركتْ أن هذه الجهات ستستمر في سيطرتها على مساحات من سوريا، وبدلاً من تحمل مخاطر طردها، أصبحتْ تميل إلى الشراكة، فهي أعلنتْ تكراراً استعدادها للحوار مع الولايات المتحدة من أجل سوريا. أي باتت ترسم نهاية اللعبة في سوريا على أساس المصلحة المشتركة مع القوى الأخرى؛ لفشلها في فَرْض استراتيجيّتها الأحادية نتيجة:

  • عدم قدرتها على تطوير رؤية متماسكة ومستدامة.
  • عدم قدرتها على ترجمة مكاسبها العسكرية إلى تسوية شاملة تصبّ في مصلحتها وحليفها “النظام السّوريّ”
  • المعارضة الدوليّة القويّة لحليفها، النظام السّوريّ.
  • تعقد الصراع في سوريا، والقيود التي تمنعها كقوة رئيسيّة لتشكيل ديناميكيّاته في سوريا.
  • عدم تمكّنها من فرض حلولها المنفردة في سوريا، فأدرجت نفسها كطرف يجب أن تؤخذ مصالحه بعين الاعتبار.
  • ضعف إمكاناتها الاقتصادية وعدم قدرتها على الاستمرار بتحمل النفقات العسكرية الناجمة عن هذا التدخل والاستمرار فيه.
  • تراجع مصداقيتها كضامن دوليّ في سوريا، الأمر الذي يبعدها من دائرة التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية.
زر الذهاب إلى الأعلى