مقالات رأي

سوريا وعقدة غورديوس

مرّت أكثر من سبع سنوات على الأزمة السورية المعقّدة والتي بقيت دونما حلّ، وحقيقة عقدة غورديوس هي جوهر مشهد اللاحل السوري الذي لا يزال مستمرا وعالقا، ويتعمّق أكثر فأكثر، ويتعقّد داخليا وخارجيا.

غوردياس (أو غورديوس) كان ملكا أسطوريا في أساطير فريجيا القديمة، وذلك بحسب الأسطورة، حيث وجد الفريجيون أنفسهم بلا ملك، فقاموا باستشارة العرّافة التي أخبرتهم بتمليك أول من يدخل مدينتهم راكبا عربة في طريقه إلى المعبد، كان ذلك الشخص هو الفلاح غوردياس راكبا عربة يجرّها ثور، فقام غوردياس لاحقا بتأسيس مدينة غورديوم، التي أصبحت عاصمة فريجيا، وعربة غوردياس حفظت وربطت خشبتها بعقدة لا طرف لها، العقدة الغوردية التي قام الإسكندر الأكبر ببترها بسيفه عام 333 ق.م.

فأطراف الصراع في الحرب السورية أغلبها لا تريد فكّ عقدة الحلّ للأزمة السورية، لا بل تنتظر من خلال الاجتماعات المتكرّرة وفي أماكن عديدة بأن يأتي من يبتر العقدة  السورية بسيف الإسكندر الأكبر، والنفخ في نار فوضى استمرارية الأزمة في سوريا إلى درجة الهلاك, حتى بات المشهد شبيها بحرب عالمية، وذلك من حلال مشهد الحرب الذي باتت  أكثر من 62 دولة تشارك فيه وتخوض الحرب بجنودها وأسلحتها, وذلك بعد نفاذ مخطّطات الحرب بالوكالة المعتمدة على فصائل رديفة ومدعومة.

منذ بدء الأزمة السورية ودور الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي واضح؛ وهو اللاحل وتأزيم الفوضى أكثر فاكثر, وإدارته بمفهوم إدارة الأزمة بالأزمة، وهذا الدور كان واضحا من خلال ترك المبادرة بيد السعودية وقطر وتركيا، بالمقابل فتح المجال أمام الروس للدخول إلى المشهد السوري عسكريا، ودخول إيران وحزب الله بميليشياته لعدم إسقاط النظام الذي كان على أبواب السقوط، ونتيجة كلّ ذلك خلقت صراعا وحربا مفتوحة على الأرض السورية والخاسر والضحية خلال كلّ تلك السنوات هو الشعب السوري.

داخل هذا المشهد الفوضوي وعقدة اللاحل للأزمة السورية ظهر مشروع  فيدرالي في مناطق الشمال السوري مجهّز بقوة عسكرية منظّمة ومدربة, حرّرت الآلاف من الكيلومترات، واستطاعت كسب ودّ التحالف الدولي ضدّ تمدّد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”, وبالرغم من كلّ ما فعلته تركيا لعرقلة هذا التحالف ما بين الفصيل العسكري المدرب والذي يسمى الآن بقوات سوريا الديمقراطية، وما بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ومحاربتها سياسيا في كافة المحافل الدولية, ومحاربة المشروع عسكريا – وعفرين كانت شاهدة أخيرة على ذلك – لكن محاولات الدولة التركية في تحقيق مآربها بائت بالفشل حتى الآن.

 فتركيا كجغرافيا يستحيل أن تكون إلا تحت الهيمنة الغربية, ولكنّها بحسب المراقبين سوف تبقى وسيلة لديهم لتغيير ما يريدون تغييره ضمن مشروعهم الكبير, وبحسب المشهد السوري المعقد والمتداخل لا يزال شكل حلّ الأزمة بعيدا في سوريا، ولا تزال أمام سوريا الكثير من التغييرات التي ستحدث مستقبلا، مما يزيد من صعوبة فكّ العقدة السورية.

كلّ الأحداث التي تجري في الحرب السورية، هي في إطار شكل الحرب الجديدة وتصفية الحسابات بالقوة ما بين جميع القوة المتصارعة، وفي هذا المشهد كلّه لا وجود لحقيقة اسمها  الدولة السورية وسيادتها، ولا حتى شكل نظامها, وبالمقابل لا شيء اسمه معارضة، لذلك شبّهتها “بعقدة غورديوس “.

ومن خلال ذلك كلّه نستنتج أن لا حلّ للأزمة السورية إن لم يعي ويدرك المجتمع السوري حقائقه التاريخية, ويعود للبحث عنها ويقيمها بشكلها الصحيح، وإذا ما أخذنا بالفيدرالية الديمقراطية كواقع ملموس ومعاش عمليا في الشمال السوري، فنستنتج بأنّ الحلّ السوري موجود بداخل كلّ سوري أيا كان جنسه، عرقه، دينه، مذهبه وفكره، ومن يرجع إلى التاريخ يدرك تلك الحقائق، وهي بديهية جدا لمن يعي ويبحث عنها بعيدا ومتجاوزا ذهنية المتسلطين ومنطق الحكام والمستبدين .

بكلّ تأكيد “عقدة غورديوس” لم تأتي اعتباطا أو من تلقاء ذاتها مع العلم بأنّ غورديوس كان فلاحا فقيرا، وهو كان يعلم أكثر من الجميع كيف يفكّك عقدته, وإن بتره الإسكندر بسيفه، فما هي إلا خيبة لحقيقة فشل الإسكندر في غزو الشرق ثقافيا, ورمزية هذه القصة التاريخية تتكرّر في العقدة السورية, وكما لتاريخ بتره عام  333 ق.م “أي العدد” حقيقة علمية فيه من النسبية أكثر بكثير من حتمية النتيجة والحلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى