مقالات رأي

أنقرة وواشنطن…وفاق أم طلاق؟

بعد احتلال الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلّحة الموالية له لمدينة عفرين منتصف شهر آذار/مارس الحالي، ينوي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوجّه صوب محطته الثانية بعد عفرين، وهي مدينة منبج بريف حلب الشرقي، حيث يتواجد جنود من الجيش الأمريكي بينهم مستشارون عسكريون رفيعو المستوى، إلى جانب حلفائهم من قوات سوريا الديمقراطية، الخطوة التي تستوجب على تركيا أولاً إنهاء التواجد الأمريكي في المدينة.

حيث وجّهت الحكومة التركية تحذيراً للولايات المتحدة الأمريكية فيما يخصّ بانتشارها العسكري في منبج، مطالبةً بذلك انسحاب الأخيرة لجنودها من المدينة، الطلب الذي ردّ عليه الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية خلال تصريح لـ CNN : بأنّ “بلاده لا تفكّر بسحب قواتها من منبج”، بعد تبادل هذه التصريحات يعتقد مراقبون بأنّ المؤشّرات أخذت تتزايد حول مواجهة الدولتين الذين يمتد تحالفهما منذ سبعة عقود.

تعتبر زيارة الوفد الأمريكي لمدينة منبج والاجتماع بمسؤولين عسكريين وسياسيين للمدينة الأسبوع الفائت، رسالة واضحة لتركيا بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية باقية في المدينة، وبحسب مصادر مطلعة فإنّ المستشار ويليام روبوك الذي كان ضمن الوفد تحدّث عن واجب أمريكا والتحالف الدولي في حماية منبج، ومساندة حلفائهم في قوات سوريا الديمقراطية ومجلس منبج العسكري.

تركيا وبنيّتها التقدم نحو منبج برفقة فصائل مسلحة من المعارضة السورية ومواجهة قوات سوريا الديمقراطية، تقبل على الانتحار، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك عدّة أوراق ضغط من شأنها الوقوف في وجه المخطّطات التركية، من بينها إمكانية نقل قاعدة إنجرليك الجوية في أضنة إلى مدينة طبقة، وهذا ما يعتقد المراقبون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعمل عليه، حيث تحدّثت تقارير حول بحث القوات الأمريكية عن إمكانية تقليص عدد جنودها المتواجدين في القاعدة، بالإضافة إلى توسيع مطار الطبقة العسكري، الذي ربما يصبح بديلاً عن إنجرليك.

فهل ستتخلى أمريكا بهذه السهولة عن حليفتها الأهمّ في الشرق الأوسط، مقابل استمرار تحالفها مع الكُرد في سوريا، أم ستفعل عكس ذلك؟!

للإجابة عن هذا السؤال علينا الولوج إلى تفاصيل العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالحليفين.

تتبع أمريكا سياسة الاحتواء المزدوج، حيث تحاول التوازي بين كفتي الميزان في العلاقات مع تركيا من جهة والعلاقات مع الكُرد من جهة أخرى، وهذا ما ترفضه تركيا رفضاً قاطعاً، فلم تتوقّف عن مطالبة الولايات المتحدة بوقف الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية وقطع العلاقات مع كُرد سوريا، وهذا ما وضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام معضلة، فإن سحبت يدها من يد الحليف الكردي يفشل مشروعها في التموضع الاستراتيجي البعيد الأمد في سوريا، وتكون بذلك فسحت المجال أمام النفوذ الروسي في التمدّد نحو شرق الفرات، وكسب القوة الكردية حليف له.

أما في حال صعّدت وتيرة الخلافات والاشتباكات الدبلوماسية مع الحليف الاستراتيجي التركي، فحتماً ستلجأ الأخيرة إلى وضع كامل ثقلها السياسيّ في السلّة الروسية، وهو ما يعتبَر خسارة لها ولأوروبا ومكسب لروسيا، وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة كثيراً، لا سيّما بعد عقد تركيا صفقة شراء منظومة إس 400 المضادة للطائرات مع روسيا، وبذلك أصبحت أولى دول حلف الناتو تقتني المنظومة.

ولكن كلّنا يعلم بأنّ روسيا المتمثّلة بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا ينوي إقامة علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع تركيا، فالحليف الإيراني أهمّ بالنسبة له وإيران لن تقبل أبداً بأن تصبح تركيا التي هي “راعية الإخوان المسلمين” قوة إقليمية، كما أنّ تهنئة ترامب لبوتين رغم معارضة داخلية توحي بإمكانية التقارب الروسي – الأمريكي يوماً، ما يجعل تركيا في أضعف حالاتها، وكأنّ علاقة روسيا بتركيا أشبه بعلاقة مؤقتة.

على عكس ما يراه المراقبون، أعتقد بأنّ المواجهة العسكرية بين تركيا وأمريكا في منبج مستبعدة، وذلك لعدم رغبة أمريكا في خسارة حجر زاوية سياستها في الشرق الأوسط، لكن ليس على حساب خسارة الحليف الآخر – قوات سوريا الديمقراطية –  الذي حارب معها أشرس التنظيمات الإسلامية المتطرفة (داعش)  في شمال سوريا. فالطرفان التركي والأمريكي سيلجآن إلى وضع تفاهمات وسيناريوهات سياسية بديلاً للخيار العسكريّ الذي لا يخدم مصلحتهما على حدّ سواء.

وعلى كلّ حال فإنّ السياسة الأمريكية بمسك العصى من الوسط ما عادت مقنعة، والأتراك على ما يبدو ما عادوا يرضون بأنصاف الحلول، أو حلولاً رمادية في الأفق فإما (أبيضاً ناصعاً أو سواداً قاتماً) وضمن هذه المعادلة يريد الأتراك أن تتحدّد طبيعة علاقتهم بالحليف الأمريكي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى