قضايا راهنة

قراءة في تداعيات أبرز أحداث وتطورات عام 2022 على الأزمة السورية

مقدمة

مع استمرار الأزمة السورية بدون حل يلوح في الأفق، شهد الملف السوري خلال عام 2022، العديد من الأحداث والمتغيرات، على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ نتيجة تأثرها بالأحداث الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية-الروسية، والاحتجاجات الإيرانية، وقرب الانتخابات الرئاسية التركية؛ والتي كان لها تداعيات –مباشرة، وغير مباشرة- على الجغرافيا السورية، المنقسمة فعلياً إلى ثلاثة مناطق سيطرة رئيسية.

كل تلك الأحداث – مجتمعةً – كان لها بشكل عام تأثيرات سلبية، عمقت الأزمة السورية، وزادت من تعقيدها، بالإضافة إلى انهيار غير مسبوق لليرة السورية. ولكن في الوقت نفسه كشفت التطورات في عام 2022 بعض استراتيجيات سياسات القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري بشكل أكثر وضوحاً من الأعوام السابقة، وخاصة الموقف الأمريكي الذي يبدو أنه عازم على البقاء لأمد طويل في سوريا والمنطقة.

وفي هذا الملف سنحاول تسليط الضوء على أبرز تلك الأحداث والمتغيرات التي شهدتها سوريا خلال عام 2022، ومدى تأثيرها على الأوضاع الداخلية السورية من كافة النواحي.

أولاً- الحرب الأوكرانية وتأثيراتها على الملف السوري

بعد شن روسيا الحرب على أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، أعرب مسؤولو النظام السوري عن تأييدهم للعملية العسكرية الروسية، معتبرين أنها بمنزلة “تصحيح للتاريخ”، وسهّلوا سفر مقاتلين للقتال إلى جانب الجيش الروسي، بوصفه “رد جميل” للجيش الذي ساعدهم في هزيمة المعارضة. وعلى الرغم من حماسة النظام لحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سواءً على الصعيد السياسي أم الإعلامي، فإن ذلك لم يمنع حكومة النظام من التحسب لآثارها السلبية على الاقتصاد السوري، المنكمش أصلًا، في حين كان رئيس النظام بشار الأسد يأمل في أن تسهم الحرب في أوكرانيا في توسيع هامش مناوراته السياسية والإقليمية، وتتيح له زيادة خياراته تجاه القوى الدولية والإقليمية، فضلًا عن أن موسكو ستكون مضطرة إلى زيادة اعتمادها عليه، كي تتمكن من الاحتفاظ بنفوذها في منطقة حيوية، وسط المواجهة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

وبعد أكثر من 10 أشهر على اندلاع القتال، لا تزال تتضح جملة من التداعيات الأوسع للحرب في أوكرانيا على سوريا، مثل: تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالحل السياسي للأزمة السورية، وتصاعد حدة حرب الظل الإيرانية – الإسرائيلية على الأرض السورية، وسط “غضب” موسكو من الموقف الإسرائيلي حيال أوكرانيا و”إدانتها” المستجدة للغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية والسورية، وتباطؤ زخم الاندفاعة العربية لتطبيع العلاقات مع النظام، ريثما تتبلور ملامح المواجهة الروسية – الأميركية في أوروبا، واحتمال انتقال شراراتها إلى سوريا، وتقلّص احتمالات تمديد الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية عبر الحدود بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2585 (2021). وأخيراً، مسارعة الأوروبيين إلى إجراء مراجعة عميقة لخيارهم في الانفتاح المتدرّج على النظام، الذي بات يُنظر إليه -أوروبياً- على أنه “امتداد لروسيا”.

من جهة أخرى، إن التحرك السريع والموحد لأوروبا وحلف الناتو، شكّل ضغطاً للحيلولة دون التمدد الروسي في أوكرانيا، من خلال فرض العقوبات على روسيا والإجراءات العديدة الأخرى، التي من شأنها إضعاف النفوذ الروسي في أماكن تواجده، ومنها سوريا. حيث بدأ الروس بشكل فعلي بالانسحاب من بعض المواقع في سوريا، مثل سحبهم لعشر طائرات حربية من “قاعدة حميميم”، وأيضاً عناصر من قواتهم المتمركزة في مناطق أخرى من سوريا، الأمر الذي سينعكس أيضاً على إضعاف النظام السوري، في غياب وانشغال حليفه الرئيسي عنه، لا بل وسيتيح  التمدد الإيراني في الأراضي السورية أكثر من ذي قبل.

ومما لا شك فيه، أن الملف السوري ما زال رهيناً للنزاعات الدولية والإقليمية، وأن الحل السياسي سيبقى معلقاً تبعاً لمصالح هذه الدول، التي تتأرجح وفقاً لحالة التفاهمات والتوافقات بين الدول الفاعلة في الملف السوري، وأيضاً ستظل رهنًا لمآلات الصراع الروسي-الأوكراني، ومدى قدرة الولايات المتحدة وروسيا على فصل مسارات تفاعلاتهما عن بعضها البعض، سواءً في أوروبا أو في الشرق الأوسط.

ثانياً- تركيا ترفع مستوى خطاب التقارب مع دمشق خلال 2022

أطلقت تركيا، خلال عام 2022، إشارات جديدة على توجهها للمصالحة مع دمشق، والذي تطور مؤخراً لعقد اجتماع لوزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، والتركي خلوصي أكار، بجانب القيادات الأمنية لتركيا وسوريا في العاصمة الروسية موسكو، بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، والذي جاء بالتزامن مع زيادة تركيا لتهديداتها وهجماتها لشمال شرق سوريا. إلا أنه لم تصل تركيا حتى الآن إلى تحقيق ما تطمح إليه من هذه السياسات، بسبب تضاربها مع سياسات واستراتيجيات القوى الفاعلة في الملف السوري، كأميركا وروسيا وإيران، وبسبب عدم ثقة النظام السوري بالحكومة التركية، التي تتجاهل شروط دمشق الأساسية في التطبيع، والتي تتمحور حول ضرورة الانسحاب التركي من الأراضي السورية، والتخلي عن الفصائل والتنظيمات التي تعتبرها دمشق جماعات إرهابية.

الاستدارة التركية الأخيرة تجاه الملف السوري، ورفع مستوى التصريحات حول التطبيع مع دمشق، جعلت هيئات المعارضة السورية في حالة تخبط فيما بينها بشكل كبير، إلى جانب أن تصريحات تركيا بشأن إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، وإعلان الرئيس التركي صراحة أن هدف تركيا ليس إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم في سوريا، شكّل نقطة فارقة بين تركيا وكيانات المعارضة السورية، التي لم تخفِ مخاوفها من تخلي تركيا عنها، على غرار ما فعلت مع جماعة الإخوان، بعد إعادة علاقاتها مع دول الخليج، والتقارب مع مصر، فكل المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها المناطق السورية المحتلة، التي خرجت رفضاً للمصالحة، التي دعت لها تركيا، كانت بشكل أو بآخر بتحريض من قبل قيادات المعارضة والفصائل، التي باتت تخشى على مصيرها، بعد الاستدارة التركية صوب دمشق، ولخشيتها من أن تبيعهم تركيا ضمن إحدى صفقاتها مع روسيا والنظام السوري، خاصة أن أردوغان بات يستشعر بدنو أجله مع حلول انتخابات 2023، نتيجة تكتل المعارضة الداخلية ضده، وسخط أميركا والدول الغربية من سياساته، وبما أن الأولوية لديه باتت بقاؤه في السلطة بأي شكل كان، لذا فإنه لن يتوانى عن تقديم كل ما يملك من أوراق للبقاء في السلطة لدورة جديدة، ويبدو أنه سحب ورقة “المعارضة السورية” وسيرمي بها على طاولة روسيا والنظام السوري، مقابل تعهد النظام باستعادة كافة اللاجئين السوريين من تركيا، وعدم الاعتراف بأي حقوق للكرد، والتعاون مع الاستخبارات التركية لمحاربة الإدارة الذاتية، وإعادة سيطرة النظام على شمال شرق سوريا.

وبالنظر إلى آخر التطورات الميدانية، يمكن ملاحظة عدة مؤشرات بأن تركيا تحاول بالفعل رفع علاقاتها إلى المستوى الدبلوماسي مع دمشق لتحقيق الأهداف المذكورة سابقا، ومن بين تلك المعطيات:

1- إعادة هيكلة وتوحيد الفصائل: اتخذت تركيا إجراءات جديدة في مناطق سيطرتها شمال سوريا، وأبرزها الضغط على فصائل “الجيش الوطني” التي كانت رافضة للمصالحة والتطبيع مع دمشق. الأمر الذي دفع تركيا وعبر عصا “هيئة تحرير الشام” إلى إجبار تلك الفصائل على الرضوخ للمطالب التركية، حيث سمحت تركيا خلال شهر أكتوبر 2022 لـ”هيئة تحرير الشام” الدخول إلى مدينة عفرين وطرد فصائل الفيلق الثالث منها، والتهديد بالسيطرة على عموم مناطق سيطرة الفصائل. لتتدخل بعدها تركيا وتوقف “الهيئة” عن التقدم، وهذا يشير إلى أن تلك الأحداث كانت بمثابة سيناريو من قبل تركيا، لترتيب وتهيئة الظروف للعودة إلى الحديث عن المصالحة. والذي يؤكد ذلك، هو ما تمخّض عن الاجتماع الأخير الذي عقده المسؤولون الأتراك لقادة الفصائل في غازي عنتاب التركية.  فقد طلب الأتراك في الاجتماع “إنهاء جميع التشكيلات العسكرية الموجودة حالياً، وحل الفصائل الصغيرة، والالتزام بالعمل فقط ضمن الفيالق العسكرية الثلاثة، والتي هي قوام الجيش الوطني السوري.

2- الحديث التركي عن العودة الطوعية للاجئين السوريين: لا يخفى أن من أهم أهداف تركيا من التصالح مع دمشق، هو حل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، ويبدو أن هناك تطورات على المستوى الاستخباراتي بين البلدين لإعادة اللاجئين السوريين، ولكن يبدو أن هذا المخطط التركي لا يسير نحو التحقيق؛ لأن الدول الأوروبية لم تدعم تركيا في مخطط توطين اللاجئين في المستوطنات التي أنشأتها في شمال سوريا، بالإضافة إلى ضغوطات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، التي وصفت المخطط التركي بأنه يهدف للتغيير الديمغرافي، وهذا ما أجبرت الجهات الممولة لتلك المشاريع ومن بينها الكويت لإيقاف مشاريع الإنشاء للمنظمات والجمعيات التي كانت تمول وتشرف على بناء المستوطنات.

3- ازدياد استهداف المسيّرات التركية للقيادات الكردية: في تطور آخر، يشير إلى دخول اتفاقية “أضنة”، التي جرى تعديلها من قبل روسيا بين أنقرة ودمشق حيز التنفيذ، والتي تسمح للمسيرات التركية بالتوغل داخل الأراضي السوري لمسافة تزيد عن 30 كيلو متر، وضرب مناطق شمال شرق سوريا، والشخصيات القيادية والإدارية في المنطقة، وهذا يؤكد أن التعاون الاستخباراتي بين البلدين وصل إلى مستويات متقدمة، باعتبار أن كل من تركيا والنظام السوري يتقاطع مصالحهما في موضوع محاربة قسد والإدارة الذاتية، ولكن إمكانية رفع الاتصالات إلى المستوى الدبلوماسي لازال متعثراً، بدليل رفض الرئيس السوري بشار الأسد اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردغان رغم الوساطة الروسية، لإدراكه أن أردوغان يهدف إلى استخدام هذا اللقاء ضمن دعايته الانتخابية، ولا يملك جدية في إنهاء احتلاله للأراضي السورية.

أبرز العراقيل أمام التطبيع بين أنقرة ودمشق

رغم كل تلك العوامل والمعطيات التي تشير إلى توجه العلاقات بين تركيا ودمشق إلى التطبيع، إلا أن هذا المسار لا يخلو من التعقيدات. لا سيما أن تركيا تحتل أجزاء واسعة من شمال سوريا، وهي المناطق التي تنتشر فيها فصائل موالية لها وأخرى إسلامية متطرفة ترتبط أيضا بعلاقات مع تركيا، وهذا يتعارض مع أول شرط للنظام السوري الداعي إلى الانسحاب التركي من سوريا لقبول تطبيع العلاقات بشكل كامل.

لأنه لا يمكن أن يكون هناك حوار على مستوى قادة البلدين على المدى القريب، إذا لم تنسحب القوات التركية من سوريا، لأن دمشق لا يمكنها فتح حوار مباشر مع تركيا، والتعهد بحماية الحدود مع تركيا، أو إعادة اللاجئين السوريين، فيما غالبية الحدود بين البلدين هي بالأساس محتلة من قِبل تركيا، فإذا كان المطلوب من دمشق تسلم مسؤولية الحدود مع تركيا، كواجب أي حكومة تجاه جيرانها، فإن هذا الالتزام لا يكون مجزئاً، فالحدود مع تركيا تبدأ من محافظة اللاذقية وحتى محافظة الحسكة، وعلى أنقرة تسليم كامل الحدود التي تحتلها للحكومة السورية.

بالإضافة إلى تعقيدات ملف تواجد “هيئة تحرير الشام” المصنفة كتنظيم إرهابي في إدلب، وهذا قد يفرض على تركيا إما ترحيل “الهيئة” من إدلب لمناطق أخرى شمال سوريا، ودمجها مع الهيكلية الجديدة التي تنوي تشكيلها للفصائل، وتكون “الهيئة” هي المتحكمة فيها بشكل ضمني، أو التخلي عن إدلب والسماح لروسيا والنظام باجتياحها.

ومن المعوقات الأخرى في مسار التطبيع؛ هو المواقف الدولية، وخاصة الأميركية والغربية التي تعارض أي تطبيع بين تركيا ودمشق، وقد تفرض عقوبات على تركيا في حال أصرت على التطبيع، قبل إيجاد حل سياسي أممي للملف السوري.

النتيجة

بموجب تلك المعطيات، من المستبعد أن يكون هناك تطبيع بين دمشق وأنقرة، قبل إقرار جدول زمني وآلية محددة لسحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، وايقاف دعمها للمعارضة المسلحة والجماعات الجهادية على أقل تقدير. فالانسحاب سيكون ضمانة لالتزام تركيا بالاتفاقيات الجديدة مع دمشق إن حصلت، ولكن المؤشرات تشير إلى أن تركيا لا تبدي أي نية للانسحاب، وهي ترغب في إبقاء توزيع السيطرة على الوضع الحالي، والاتفاق مع دمشق حول ملفين رئيسيين، هما محاربة الكرد، وإعادة اللاجئين إلى سوريا، عبر العلاقات الاستخباراتية بين الدولتين، بدون الوصول إلى إجراء لقاءات مباشرة بين قادة البلدين في الوقت الراهن، ولكن مخططات أردوغان هذه باتت مفضوحة، بسبب سياساته الالتوائية والبراغماتية المفرطة، وتحولاتها الجذرية، لذا لا يمكن لدمشق الوثوق بسياسات أردوغان، لإدراك دمشق أنه بدون تحقيق تركيا لهذين الشرطين، لا يمكن قطع يدها عن سوريا، والنظر إلى تركيا كدولة جارة.

إذا ما نظرنا للظروف الموضوعية، فهناك الكثير من المعطيات التي تؤكد أن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق في الوقت الراهن لن يصل لمرحلة القضاء على الإدارة الذاتية، ولن يغير كثيراً من المعادلة في شمال شرق سوريا، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: إن قرار القضاء على الإدارة الذاتية، وإعادة دمشق السيطرة على شمال وشرق سوريا ليس بيد دمشق، حتى تتعهد لتركيا – في حال التطبيع – بذلك. فلو كانت دمشق قادرة على فعل ذلك لفعلته حتى بدون التصالح مع تركيا، ثم أن الطرفان بدون التطبيع لم يتوقفا يوماً عن التعاون غير المباشر لمحاربة الإدارة الذاتية، وبالتالي فالتطبيع لن يغيّر شيئاً من المعادلة، خاصة مع استمرار وجود التحالف والولايات المتحدة في المنطقة.

ثانياً: إن مصير حكومة الأسد لا زال معلقاً، ولم يجرِ الاعتراف الرسمي بها، لا عربياً ولا غربياً، وكل محاولات بعض الدول الخليجية والعربية لانتشالها من حضن إيران، وإعادتها لمحيطها العربي، مقابل إعادة تعويم الأسد، باءت بالفشل، لأن الأسد لم يجرِ أي تغيير في علاقاته مع إيران. ما يعني أنه حتى وإن تمكنت تركيا من التطبيع الكامل مع دمشق، فهذا لا يعني أن النظام السوري تجاوز خطر رحيله. وعلى عكس ذلك، قد يزيد تصالح تركيا مع النظام عودة الضغوطات العربية والغربية على حكومة الأسد، والمطالبة برحيله.

ثالثاً- الهجمات والانتهاكات التركية في شمال شرق سوريا خلال 2022

خلال عام 2022، ارتكب الاحتلال التركي وفصائله الآلاف من الانتهاكات بحقّ مناطق شمال وشرق سوريا وسكانها، حيث يعتبر هذا العام الأكثر دموية وضرراً من الناحية المادية والجسدية على السكان، بعد الغزو التركي لمنطقتي تل أبيض وسريه كانيه \ رأس العين عام 2019. حيث بلغ عدد الهجمات والانتهاكات التركية خلال عام 2022:  ١٧,٥٩٦ انتهاكاً بحسب إحصائيات المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، واستخدم الاحتلال التركي في هذه الهجمات إلى جانب الطائرات الحربية، الطائرات المسيرة والمدفعية والدبابات، وألحقت أضراراً كبيرة بالبنية التحتية، والمناطق السكنية وكذلك الطرقات والمزارع، مهدداً وبشكل صريح وواضح بإحداث كارثة إنسانية، ولا سيما في ظلّ التدمير الواسع والقصف المستمر للآلة الحربية للاحتلال.

رابعاً- عمليات قوات سوريا الديمقراطية والتحالف ضد داعش في 2022

شهد العام 2022، تصاعد التعاون بين التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية لملاحقة خلايا داعش، بالإضافة إلى استمرار ضخ المساعدات اللوجستية والعسكرية واستقدام التعزيزات من قبل التحالف لشمال شرق سوريا. وفي هذا الإطار أطلق الطرفان 67 عملية أمنية، أسفرت عن اعتقال ومقتل 318 من خلايا داعش، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

أما في عمليّة “مطرقة الشعوب” التي أطلقتها قسد في سجن الصناعة في يناير/كانون الثاني 2022 على خلفية شن داعش هجوماً واسعاً على السجن في محاولة تهريب الآلاف من المعتقلين فيها، أعلنت قسد أنه تَمَّ اعتقال /3500/ معتقلاً من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابيّ، وعلى دفعاتٍ، من الذين حاولوا الفرار من السجن، حيث تمّ فرض الاستسلام عليهم والسَّيطرة على البناء الذي كانوا يتحصَّنون فيه. فيما قُتِلَ /386/ إرهابيّاً من المهاجمين على السجن من الخارج في اشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية.

إن ارتفاع وتيرة التعاون بين التحالف الدولي وقسد، خلال 2022، وإلحاق ضربات موجعة بخلايا داعش، دفع الأخير لشن عدة هجمات على مقرات قوات سوريا الديمقراطية، ومحاولات استهداف السجون، ومخيم الهول، لتهريب عناصر داعش المعتقلين وعوائل داعش في مخيم الهول، وكان آخرها شن خلايا داعش بتاريخ 26 ديسبمر/كانون الثاني 2022، هجوماً على مقرات لقسد، وسجن يضم المئات من عناصر التنظيم في مدينة الرقة. وجاء نشاط داعش الأخير على وقع ارتفاع وتيرة التهديدات التركية على شمال وشرق سوريا وانشغال قسد في التحضيرات لمواجهة أي عملية عسكرية تركية محتملة.

 وبهدف الحد من نشاط داعش، الذي ازداد مؤخراً، مستفيداً من التهديدات التركية على المنطقة، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية 29 ديسمبر/كانون الثاني 2022، إطلاق عملية باسم “صاعقة الجزيرة” بدعم من التحالف الدولي لملاحقة خلايا داعش في منطقتي الهول وتل حميس.

كما عمد التحالف الدولي إلى ملاحقة قيادات وعناصر تنظيم داعش والجهاديين المتواجدين ضمن إدلب ومناطق الاحتلال التركي بريفي حلب والرقة، وذلك عبر استهدافهم من الجو بالطيران، وتنفيذ عمليات إنزال، حيث تمكن نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق 7 عمليات للتحالف الدولي في المناطق آنفة الذكر خلال العام 2022، اثنان منها في إدلب، و3 بمناطق “درع الفرات” و1 في مناطق “غصن الزيتون” و1 في مناطق “نبع السلام”، وأسفرت تلك العمليات عن مقتل 19 شخص واعتقال 3 آخرين على الأقل.

خامساً- احتجاجات إيران وتداعياتها على الملف السوري

شهد النظام الإيراني، خلال عام 2022، أحد أبرز التحديات التي تواجهه منذ نشوء الجمهورية الإسلامية، فالمظاهرات الشعبية التي خرجت بعد مقتل الفتاة الكردية (مهسا أميني) على يد الشرطة الإيرانية، والتي تعمّ جميع المحافظات الإيرانية، منذ نحو أربعة أشهر، جاءت في وقت تشهد فيه السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية انسداداً لم تشهده منذ أربعة عقود.

فهذه الاحتجاجات الغاضبة والداعية إلى إحداث تغيير جذري لنظام الحكم في إيران، تختلف عن سابقاتها، التي كانت فئوية، وذات مطالب محددة، وتفتقد إلى التضامن الشعبي بين جميع مكونات الشعب الإيراني، على خلاف ما هي عليه الآن، وهي تعتبر أطول انتفاضة شهدتها الجمهورية الإسلامية منذ نشوئها عام 1979.

اللافت في هذا الحراك الشعبي، هو تصدّر الجيل الجديد والنساء لقيادة الاحتجاجات، والإصرار على المضي قُدماً في هدم أركان النظام الإسلامي، وإحداث تغييرات بنيوية وتحولات اجتماعية لا تقبل العودة إلى الوراء، وخلق ثقافة وحالة جديدة من الوعي، تُعتبر الحرية عمادها الأساسي.

بداية التغيير

على الرغم من تصدي النظام الإيراني للمظاهرات، ولجوئه إلى القمع الشديد، في سعيه لإخمادها، إلّا أنّه بات من الواضح أنّ هذا النظام يعيش حالةً من الارتباك، وعدم امتلاك أية استراتيجية للسيطرة على الحراك، الذي فاجأ النظام باستمراريته، وأدواته المبتكرة التي تستنزف طاقته بشكلٍ مركزٍ ومدروس.

وبالنظر إلى مجريات الواقع على الأرض في إيران، نجد أنّ التغيير قد حدث بالفعل، ويتضح ذلك في الشوارع والمدارس والأماكن العامة وحتى في الدوائر الرسمية، حيث نجد الكثير من النساء والفتيات لا يرتدين الحجاب، الذي يعتبر الخندق الأول للنظام الإيراني للدفاع عن مبادئ وقيم الثورة الإسلامية.

إنّ هذا التغيير الحاصل، لا يقبل العودة إلى الوراء بأي شكل من الأشكال، ويتطلب تغيير هذا الواقع الجديد المزيد من العنف من قبل النظام، الذي من شأنه أن يتسبب في تزكية نار الاحتجاجات، سيّما وأنّ مؤشرات هذا التوجه الذي سلكه النظام بالفعل، من خلال قتل المتظاهرين والبدء بإعدام المتظاهرين الذين تم اعتقالهم، باتت تؤكد إصرار المتظاهرين على المواجهة والسير نحو تحقيق مطالبهم في التغيير.

مأزق النظام الإيراني

إنّ استمرار الاحتجاجات الإيرانية على هذا المنوال، بالتوازي مع حركة العصيان المدني، وعدم قدرة النظام الإيراني على حسمها، سيساهم بمرور الوقت في انضمام شرائح أوسع للحراك، وذلك بعد خلق حالة من اليقين لهذه الفئة الصامتة التي ما زالت متخوفة من بطش النظام إلى الآن، وهذا من شأنه أن يضع النظام الإيراني في مأزق حقيقي، وقد نشهد تصدّعاً في بنية النظام، وفي مؤسساته الأمنية والعسكرية، التي يرجّح الكثير من المراقبين وجود صراع بين أجنحتها، وقد يتضح ذلك من الخطبة الأخيرة للمرشد “علي خامنئي” الذي توجه لمخاطبة ميليشيا “البسيج”، ذات الولاء المطلق له ولنظامه، وشحذ همم عناصره، وحثهم على عدم الضعف أمام الحراك الشعبي والاستمرار في القمع، دون أن يتوجه إلى مخاطبة الجيش النظامي أو “الحرس الثوري”، وعدم إشراكهم على نطاق واسع في قمع الاحتجاجات، للحيلولة دون حدوث انشقاقات كبيرة، قد تنتهي بالإطاحة بنظامه سريعاً.

ما يؤكد ارتباك النظام الإيراني أيضاً هو التسريبات الصوتية لبعض الجهات الأمنية التي تتحدث عن مدى اختلاف هذه المظاهرات عن سابقاتها، وأنّ المتظاهرين مصممون على خوض ثورة طويلة الأمد ضد النظام.

في هذا السياق أيضاً، يمكننا قراءة مدى عمق التهديد الذي يواجه النظام الإيراني، من التصريحات الأخيرة لقائد “الحرس الثوري”، حسين سلامي، الذي أكّد أنّ الأوضاع التي تشهدها إيران هي أوضاع خطيرة ومصيرية.

  الضغوطات الدولية

مما لا شك فيه أنّ انفجار الأوضاع الداخلية في إيران بهذا الشكل، جاء كما تشتهيه الكثير من الدول، التي كانت تخوض صراعاً بارداً شبه عقيم مع إيران، ولا سيما الولايات المتحدة.

فانسداد أفق التوصل إلى صيغة توافقية لإحياء الاتفاق النووي، والتزمت الإيراني في عدم تقديم أية تنازلات، ولا سيما فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي، وتدخلاتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار في دول الجوار، وعدم إذعانها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقديمها ضمانات بأنّ إيران أوفت بالتزاماتها بموجب معاهدة “حظر انتشار الأسلحة النووية”، وتوضيحات حول آثار اليورانيوم المخصب المكتشف في ثلاث مواقع سرّية، كل ذلك من شأنه دفع الغرب والولايات المتحدة، إلى انتهاج سياسية تصعيدية ضد إيران، والتوجه إلى دعم الحراك الشعبي بشكلٍ فعلي، وهذا ما لم نشاهده في الاحتجاجات الشعبية السابقة، على الرغم من مواجهتها من قبل النظام الإيراني بقمع أشد، وكان آخرها انتفاضة عام 2019 التي قُتل فيها قرابة 1500 متظاهر في غضون ثلاثة أيام، بحسب ما أفادت به تقارير دولية، في حين أنّ عدد قتلى الاحتجاجات الحالية بلغ قرابة 500 شخصاً منذ اندلاعها قبل أربعة أشهر.

المسألة الأخرى التي ستعزز موقف هذه الدول ضد النظام الإيراني هو اصطفاف الأخير إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وإمداده الروس بالطائرات المسيّرة، ونيته حول تقديم صواريخ باليستية، وتقديم تسهيلات للروس في نقل المعدات والعناصر من سوريا عبر شركات الطيران الإيرانية، إلى ساحات القتال.

تتالت العقوبات الأمريكية والأوربية على المسؤولين عن قمع الاحتجاجات الشعبية في إيران، وكان أبرزها طرد إيران من لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة، والذي يعتبر بداية جدية لتغير الموقف الغربي من النظام الإيراني، أو ربما بداية فرض عزلة دولية على إيران.

ما نلاحظه أيضاً، فيما يتعلق بصدى بالحراك الشعبي الإيراني في الخارج، هو خلق حالة تضامن عالمية منقطعة النظير مع هذا الحراك، وذلك بالتوازي مع تشكل قوة ضغط إيرانية للجالية الإيرانية المعارضة للنظام في الخارج، والتي تعمل بشكلٍ دؤوب على تعزيز التضامن العالمي مع الحراك في الداخل، وذلك في مواجهة لوبي الجمهورية الإسلامية “ناياك” الذي يعمل على الدوام على تلميع صورتها أمام الرأي العام ومراكز اتخاذ القرار العالميين.

مما لا شكّ فيه، أنّ الشعب الإيراني في الداخل هو الذي سيحدد مسار هذه الانتفاضة، وذلك من خلال استمراريته، وتفكيك قوة النظام من الداخل، وهذا بدوره يحتاج إلى الوقت، وإذا سارت الأحداث على هذا النحو، فمن المحتمل أن نشهد تخلخل النظام وحدوث انشقاقات عسكرية وسياسية ومؤسساتية، وهذا من شأنه حينها أن يدفع الولايات المتحدة والغرب إلى الاصطفاف بشكل علني لدعم الجبهة المعارضة المتشكلة ضد النظام، بشكل أكثر فاعلية.

كما لا نستبعد توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية، بعد الوصول إلى قناعة بضعف فاعلية رد النظام الإيراني، وهذا ما لوّح به أيضاً المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي قبل أيام، حين قال إنّه في حال انسداد الطرق الدبلوماسية مع إيران فإنّ إدارة بايدن ستتجه إلى الخيار العسكري. وقد تعكس هذه النية المناورات الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، نهاية تشرين الثاني الفائت/ أكتوبر، التي اعتبرت الأضخم بين الدولتين، حيث حاكت هذه المناورات استخدام الطائرات في قصف المنشآت النووية الإيرانية.

تأثير الأزمة الإيرانية على الملف السوري

تعتبر إيران أحد الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، منذ انطلاق الأزمة السورية في 2011، ولم تتوانَ عن دعمه بالمال والسلاح والخبرات العسكرية، كما أنّ ناقلات النفط الإيرانية كانت ترسي مراراً في الموانئ السورية لتزويد الحكومة السورية بما يلزم من المحروقات، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، ولا سيما قانون قيصر.

مع اندلاع الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، واتساع رقعتها، انشغل النظام الإيراني بمحاولة إخماد هذه الاحتجاجات، وحماية نفسه من خطر الانهيار، وبالتالي يكون من الطبيعي أن يتأثر دعمه للنظام السوري، كلما تعمّقت الأزمة الداخلية الإيرانية، وما تشهده مدن الداخل السوري من أزمة الطاقة، وارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، قد تكون انعكاساً لتراجع مستوى هذا الدعم.

من جهةٍ أخرى، قد تتأثر بعض الجوانب السياسية في الداخل السوري، مع اشتداد أزمة الداخل الإيراني، ولا سيما في التقارب بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق، حيث كان من المرجّح أنّ إيران كانت تقف في وجه هذا التقارب، على الرغم من المساعي الروسية لدفعه إلى الأمام، وذلك لما يشكّل أي اعتراف دستوري بحقوق الشعب الكردي في سوريا من تأثير على تحريك القضية الكردية في الداخل الإيراني أيضاً. وعليه؛ ومع تعمق الأزمة الاقتصادية في سوريا، وزيادة انشغال إيران بوضعها الداخلي، وروسيا بحربها مع أوكرانيا، قد نشهد مرونةً من قبل دمشق تجاه الإدارة الذاتية في المرحلة القادمة، وقد تكون محاولات التقارب التركية-السورية هي استشراف للمسافة التي ستتسع مع مرور الوقت بين النظامين السوري والإيراني في المستقبل، لتكون بمثابة خطوة استباقية تعرقل أي استحقاق دستوري للإدارة الذاتية.

سادساً- انهيار الليرة السورية وتوقعات أن تكون 2023 هي الأصعب اقتصادياً

رجحت أوساط اقتصادية أن يكون العام 2023 هو الأصعب اقتصادياً على السوريين، في مناطق سيطرة النظام السوري، مستندةً بتوقعاتها على أرقام مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة التي وافق عليها “المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي”.

(وكان المجلس التابع للنظام قد وافق على الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 بمبلغ 16 تريليوناً و550 مليار ليرة سورية، بزيادة قدرها 24.2 في المئة مقارنة بموازنة العام 2022).

وتعادل قيمة الموازنة الجديدة 5 مليارات و881 مليون دولار، وفق سعر صرف دولار الحوالات المحدد عند 2814، أما بحساب سعر الدولار في السوق السوداء (5250 ليرة سورية)، فتبلغ 3 مليارات و152 مليون دولار، في حين أن قيمة موازنة 2022 كانت عند حدود 3 مليارات و90 مليون دولار بحساب سعر صرف الدولار في السوق السوداء عند اعتماد مشروع الموازنة آنذاك (3470 ليرة).

لكن حساب مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة، قد تم وفق تسعيرة 3000 ليرة سورية للدولار، حيث تعادل اعتمادات الموازنة 5 مليارات و516 مليون دولار.

وبالعموم، تبدو قيمة الاعتمادات الأولية متقاربة إلى حد ما مع قيمة الموازنة السابقة، ما يعني أن الأعباء الاقتصادية ستزيد على السوريين؛ نظراً لأن الاعتمادات الجديدة لم تأخذ بالحسبان ارتفاع معدل التضخم على المستويين المحلي والدولي، فضلاً عن التداعيات المحتملة لسياسة تمويل العجز بنسبة مرتفعة ومتراكمة تُقدر عند حدود 5 تريليون ليرة سورية.

وبذلك، يرجح أن يواصل النظام طرح سندات الخزينة في العام 2023، إلى جانب طباعة كتل نقدية جديدة، أو ما يسمى “التمويل بالعجز”، رغم أن ذلك سيؤدي إلى استفحال التضخم، وانخفاض سعر صرف الليرة السورية أكثر فأكثر.

ويمهّد النظام الطريق أمام إصدار فئات نقدية كبيرة، من خلال زيادة الصلاحيات الممنوحة لمصرف سوريا المركزي لطبع عملات جديدة من فئات تصل قيمتها إلى حدود 50 ألف ليرة سورية، في حين أن التفويض القديم يجيز طباعة العملات حتى سقف 5000 ليرة سورية.

سابعاً- إسرائيل تقصف سوريا 32 مرة خلال 2022

استمرت هجمات إسرائيل خلال عام 2022 على الأراضي السورية ضد مواقع النظام السوري والميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، لتصل عدد الضربات إلى  32 مرة قامت خلالها إسرائيل باستهداف الأراضي السورية، سواءً عبر ضربات صاروخية أو جوية، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 91 هدفًا ما بين مبانٍ ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات.

وتسببت تلك الضربات بمقتل 89 من العسكريين بالإضافة لإصابة 121 آخرين منهم بجراح متفاوتة. بحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ثامناً- السياسة الأمريكية في عهد بايدن وتداعياتها على الملف السوري

لا يخفى على أحد قيام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بترجمة شعاره “عودة أمريكا” على الأرض، والتي ظهرت جلياً في مناطق الصراع المختلفة للحد من تصاعد وتمدد النفوذ الصيني والروسي والإيراني، وعودة أمريكا لمكانتها على الساحة الدولية، والعمل على تقوية وتعزيز علاقاتها مع حلفائها في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط وشرق أوروبا بشكل خاص، هادفةً إلى حماية المصالح الأمريكية الاستراتيجية، ومناطق نفوذها بالمقام الأول.

واستمرت أمريكا في المضي قدماً بدعمها لقوات سوريا الديمقراطية، ضمن إطار التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، ومنع ظهوره مجدداً. في وقتٍ تزداد هجمات الخلايا النائمة التابعة للتنظيم ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.

فكما يعرف الجميع بأن أمريكا تتبع سياسة غامضة -بعض الشيء- في سوريا بشكل عام، ومناطق شمال وشرق سوريا بشكل الخاص، باستثناء دعمها لقرار مجلس الأمن 2254، وعقوبات قيصر التي فرضتها على النظام السوري، ناهيك عن إعلانها أسباب بقائها في سوريا؛ والتي تتجلى في مكافحة الإرهاب (داعش)، ووقف التمدد الإيراني في سوريا، والتوصل لحل سياسي للأزمة السورية.

وفي ظل احتدام الصراع الروسي والأمريكي في أوكرانيا، فأننا نتوقع موقفاً أكثر صرامة تجاه النفوذ الروسي في سوريا؛ عبر زيادة دعم وتمكين قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية والاستمرار بمواجهة التمدد الروسي والإيراني، وحتى التركي. حيث عارضت أمريكا -أكثر من مرة- خلال هذا العام، أي غزو تركي جديد ضد مناطق شمال وشرق سوريا، وأجبرت أردوغان على التراجع عن تهديداته.

زر الذهاب إلى الأعلى