دراسات

الكراهية العرقية ضد الكرد السوريين في الخطابين (الإعلامي والسياسي) المعارض

مقدمة:

أحدثت التحولات النوعية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتقنية ثورة رقمية في بنية الإعلام؛ من حيث الأداء والوظيفة والوسيلة، إذ تحررت من قوالب التقليد والجمود، إلى التعددية والفاعلية الحيّة، وذلك بناء على ركيزتين أساسيتين، الأولى: التحرر من القيود القانونية التي حصرت العمل الإعلامي ضمن نطاقات محدودة؛ تخدم أصحاب القرار السياسي، والثانية: تحول الجمهور إلى عنصر فعّال، ومشارك في العملية الاتصالية، بعد أن كان الاتصال أحادي الاتجاه، ينظر فيها المرسل إلى المتلقي نظرة سلبية وسطحية.

وبالنتيجة؛ أصبحت وسائل الإعلام تمارس دوراً مهماً في حياة المجتمعات، وصناعة الفكر والرأي العام، وازداد هذا الدور أهمية مع كل تطور تشهده التقنية الإعلامية، تحديداً في ظرف التحول التقليدي لآلية الطرح والمعالجة الإعلامية إلى استحداث الظاهرة ذاتها من حيث الأداة والتغطية والتداول الإخباري للأحداث والوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لكن هذا التطور الإعلامي، ورغم آثاره الإيجابية على المستوى العام، وإحداثه ثورة اتصالية في بنية المعلومات والتواصل البصري، وسده –إلى حد ما- للفجوة المعرفية بين طبقات المجتمع؛ من خلال إشباع حاجات الفرد؛ للأخبار والتعليم والتسلية، إلا إنها ترافقت بأساليب إعلامية مستحدثة، لتضليل الرأي العام، وإخراج المحتوى من سياقه الطبيعي؛ بناءً على أجندات القوى والتكتلات، التي توظف النافذة الإعلامية للنيل من كل رأي يعارض توجهاتها (فرداً كان أو جماعة)، ليصوره بنمطية سلبية، تلحق به الضرر على الصعيدين المادي والمعنوي، وقد تسفر أحياناً؛ كما في تجارب (تنظيم الدولة الإسلامية، والجماعات الدينية المتطرفة حول العالم) إلى حملات إبادة وتهجير ممنهجة بحق أعراق وطوائف ومناطق معينة، بعد تأطير الصورة والخبر،  وأدلجة محتواها بالتأويل المحفز على بث العنف والكراهية المفرطة.

إذ تجردت الخدمات الإخبارية من منظومة الضوابط الأخلاقية والمهنية؛ جرّاء غرس المعتقدات والقيم الدخيلة، لتحل موضع الآراء المختزنة مسبقاً، حيث تتبلور شخصية المتلقي بما ينسجم مع أجندة القائمين على الاتصال الإعلامي، وتُصبح الصور والألفاظ المعممة عبر شاشات التلفزة أساساً للقيم والصور الذهنية عن العالم الحقيقي.

أي بمعنى أكثر دلالة، تُكسب الشريحة المستهدفة ثقافة جماهيرية مبنية على الأثر التراكمي لكثافة مشاهدتها للمادة المرئية، وهذا ما نسميه في الإعلام بنظرية (الغرس الثقافي Cultivation theory)، حيث التأثير الكمي بعيد المدى للمادة المرئية على الفئة الاجتماعية، والتي تخضع لثلاث مراحل رئيسة (التعلم، البناء، التعميم)، لتتم من خلالها إذابة ادراكات ومفاهيم المجتمع بصورة تنسجم مع ميول وتوجهات المرسل.

يظهر ذلك بجلاء حينما تتصاعد أحداث العنف والصراع الدموي؛ وتطفو على السطح الوقائع السياسية بالغة الأثر والأهمية، حيث توظف الجهات المتصارعة الفضاء الإعلامي كمتنفس وملجأ لضرب السلم الأهلي والمجتمعي بين أفراد المجتمع الواحد.

وعليه؛ يمكن القول إن أزمة الإعلام تجاوزت مفهوم الاستقطاب السياسي، والتخندق، والانفلات من معايير حقوق الإنسان، والتحول في كثير من الأحيان لبندقية للإيجار، والكارثة أن وسائل الإعلام أصبحت تحشد ضد الآخر، وتُحل دمه، وتبرر الاعتداء عليه وحتى ذبحه (1).

لتحميل الدراسة كاملةً

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى