قضايا راهنة

وضع إيران في الداخل والمنطقة.. تأزّم متزايد ولا حلول في الأفق

تواجه إيران مجموعةً هائلة من التحديات، والتي ربّما لم تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ نشوئها عام 1979، حيث تتعرض إلى ضغوطاتٍ داخلية وخارجية شديدة، تعود إلى سلوكها في المنطقة، وعملها الدؤوب على مشروعها التوسعي المتمثّل في تصدير مفاهيم الثورة الإسلامية إلى الخارج، وأيضاً دخولها معترك سباق التسلّح مع الدول الكبرى، من خلال برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي.

أزمة داخلية متعمقّة

على الصعيد الداخلي تتمثل هذه التحديات – وهي تحديات كانت قائمة من قبل، لكن زادت من حدّتها الضغوط الأمريكية الأخيرة – في تدهور الاقتصاد، وازدياد الفقر، حيث أنّ حوالي ثلثي الشعب الإيراني بات تحت خط الفقر[1] خلال السنوات الأخيرة، وذلك بحسب ما قاله عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام “غلام رضا مصباحي مقدّم”، قبل أيّام. كذلك حالة اليأس الخطيرة التي وصل إليها الشباب الإيراني، وفشل الحكومة في إدارة الأزمات التي تعصف بالبلاد، بالإضافة إلى التحدّي الأبرز المتمثل في الشرخ الهائل الذي حدث بين نظام الجمهورية الإسلامية ككلّ، وبين الشعب الإيراني ذي الميراث الحضاري العريق، المتعطّش للحرية.

وحدث هذا الشرخ نتيجة تراكم أعوامٍ من القمع، لكل صوت يطالب بإحداث تغيير في بنية النظام القائم، الذي ربّما يُعتبر من أعتى الأنظمة الدكتاتورية في وقتنا الراهن.

إنّ الجراح التي أثخنت جسد الشعب الإيراني على إثر انتفاضة البنزين في أكتوبر 2019، التي شملت معظم المحافظات الإيرانية، لم تندمل بعد، فحتى اليوم هناك ضحايا يلتحقون بالضحايا الذين سبقوهم أثناء الاحتجاجات.

فقد أصدر رئيس القضاء الإيراني، قبل أيام، حكم “الإفساد في الأرض” على ثمانية متظاهرين، كانوا سجنوا على خلفية المظاهرات، وبحسب المادة /286/ من قانون العقوبات الإسلامي في إيران، فإنّ هذه الحكم يعني الإعدام.

وللسبب ذاته أيضاً، تمّ إعدام العديد من الطلاب الإيرانيين، وكان آخرهم طالب درجة الدكتوراه في كلية الطب بمدينة كرمانشاه الكردية “خليل مرادي”، والذي اشترطت السلطات الإيرانية على ذويه تسليم جثمانه إليهم مقابل كتابتهم تعهّداً يقولون فيه بأنّه قضى في حادثٍ، ويبرّئون فيه ذمة المخابرات الإيرانية.

كما أنّ إسقاط الطائرة الأوكرانية في مطلع كانون الثاني/يناير من هذا العام، بصواريخ الحرس الثوري، زاد من الاحتقان الشعبي ضد منظومة الحكم في إيران، لا سيّما أن جلّ الضحايا كانوا من الطلاب الإيرانيين.

كثيرةٌ هي الأحداث التي تشكلّ في اجتماعها تحدياً رهيباً لنظام الجمهورية الإسلامية، الذي بات يُدرك عمق وصلابة هذا التحدّي، وبات يترجم مخاوفه إلى أفعال، ويتجلّى ذلك في ميلها إلى عسكرة الدولة، وإنهاء الزركشة الديمقراطية التي كان يتمتّع بها البرلمان الإيراني، وما انتخاب “محمّد باقر قاليباف” المتشدد، والضابط السابق في الحرس الثوري، إلا خطوةً في هذا الاتجاه.

بإمكاننا اعتبار فشل الحكومة الإيرانية في احتواء أزمة كورونا أيضاً ضمن هذا التوجه، فالحكومة تعمّدت انتشار الوباء الفتاك بين الشعب الإيراني، ولم تتخذ خطوات جدية في سبيل الوقاية من الوباء ومنع انتشاره، ومن المرجّح أن تسعى الحكومة الإيرانية وراء موجة ثانية وثالثة من هذا الوباء، كلّ ذلك لإلهاء الشعب عن الوضع الذي بلغ أوج التعقيد بينه وبين السلطة، ويحول دون نزوله إلى الشوارع واستئناف التظاهر الذي يزداد حدّةٍ في كلّ مرّة يتمّ قمعه فيها، لا سيّما بعد أن اتخذت التظاهرات الأخيرة، سابقة الذكر، منحىً جديداً وخطيراً، في بعض الأماكن، وهو التسلّح، ولو على نطاقٍ محدود.

أثارت سلسلة الحرائق الكبيرة التي التهمت مئات الهكتارات من الغابات التي اشتعلت بدايةً في جزء من جبال زاغروس، وامتدت منها إلى محافظات أخرى، سخط الكثير من الشعب الإيراني، بسبب عدم اتخاذ الحكومة أية إجراءات لإخمادها، ما ألحق نتائج كارثية بالبيئة وبالحياة البرية في تلك المناطق.

ويميل بعض المراقبين إلى تفسير عدم اكتراث النظام الإيراني بهذه الكارثة البيئية، على أنّه حرقٌ مُتعمّدٌ وممنهج للغابات التي من شأنها أن تؤمّن الحماية للحركات الاحتجاجية المسلّحة، التي تتوقع السلطات الإيرانية ظهورها، وذلك بعد اختباء أهالي ماهشهر في الأهواز، أثناء احتجاجات البنزين الأخيرة، بين حقول القصب، واشتباكهم بالأسلحة التي بحوزتهم مع الحرس الثوري آنذاك.

ويعتبر قصف الحرس الثوري مواقع القوات الكردية في مرتفعات هلجورد بإقليم كردستان أيضاً، تعبيراً عن مخاوف السلطات الإيرانية من شبح الصراع المسلّح الذي قد يواجهه النظام الإيراني في حال توفّرت الظروف الموضوعية لذلك، لا سيّما أن الكرد في إيران هم أكثر أطراف المعارضة الإيرانية تنظيماً وتسليحاً، ولهم تاريخ طويل في الصراع المسلّح مع الجمهورية الإسلامية.

أمّا التحديات الخارجية فهي كثيرة، وتتمثّل في تعرّض “عمقها الاستراتيجي” في دول الجوار إلى ضغوطات هائلة، لا سيّما بعد تصاعد الأزمة في مياه الخليج، وما تبعتها من أزمة الناقلات، وأيضاً تصفية سليماني وقادة ميليشيات موالية لإيران بطائرة مسيرة أمريكية في 3 كانون الثاني/ يناير 2020 ، وإجماع الدول الفاعلة الكبرى ذات المصالح في المنطقة، على تحجيم دور إيران فيها، والتضييق عليها، وإعادتها إلى ضمن نطاق حدودها.

أمريكا وإيران؛ سياسة حافّة الهاوية

تحاول الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018 ممارسة أقصى حد من الضغوطات على إيران، لثنيها عن مشروعها التوسعي في الإقليم، وإعادة صياغة الاتفاق النووي، وإيجاد آلية واضحة ومحددة لكيفية التعامل مع برنامج صواريخها الباليستية، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدخول جميع المواقع  السرية ذات الأنشطة النووية.

لا ريب أنّ الضغوطات الراهنة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، هي الأشدّ على الإطلاق منذ نشوء الجمهورية الاسلامية عام 1979، حيث سعت الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات على كثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية الإيرانية، وتصفير صادرات النفط، وتضييق الخناق على أعمدة النظام الإيراني وفرض العقوبات عليهم، ومن بينهم المرشد الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية جواد ظريف، كذلك وضعت الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، وهو الذي، فضلاً عن دوره في زعزعة أمن الإقليم من خلال ذراعه الخارجية فيلق القدس، يسيطر أيضاً على اقتصاد ومقدرات البلاد.

ما زال بحوزة الولايات المتحدة الكثير من العقوبات على إيران وحلفائها، ومنها مشروع قانون “أم العقوبات” الذي يُعدّهُ الكونغرس، والذي يتضمن إنهاء المساعدة الدولية للحكومة اللبنانية والمقدرة بـنحو 70 مليون دولار سنوياً، وذلك في سبيل تضييق الخناق على حزب الله، كما يتضمّن تمديد قرار حظر التسليح على إيران الذي ينتهي في أكتوبر من هذا العام حسب الاتفاق النووي، والذي يهدف أيضاً إلى حرمان روسيا والصين من إبرام أي صفقة أسلحة مع إيران، قد تستغلّها الأخيرة في تهديد أمن المنطقة.

لا شكّ أنّ سياسة الضغوطات القصوى التي تمارسها إدارة ترامب ضد إيران، ألحقت الكثير من الضرر بإيران، على الصعيدين الخارجي والداخلي، فالعقوبات الاقتصادية أربكت النظام وجعلته شبه معزول، كذلك زادت من حدّة الضغط الشعبي على النظام، نظراً لأنّه بات يرزح تحت عبء هذه العقوبات ويعاني الأمرّين منها.

لكن في المقابل يرى بعض المحللين أنّ هذه السياسة لن تُجدي نفعاً مع دولة لها باعٌ طويل في إدارة الأزمات والتأقلم معها والمراوغة واللعب على عامل الوقت، ويرون أنّ تركيبة النظام الإيراني من الداخل، وعلاقاته المتشابكة خارجياً، تحول دون إحداث هذه الضغوطات التغيير المرجوّ والمُرتقب.

كما أنّ هذه العقوبات لن تكون بالغة التأثير على المؤسسة الدينية والحرس الثوري اللذين يُديران البلاد عملياً، فالحرس الثوري مازال مسيطراً على ممرّات وطرق التهريب، وبإمكانه استدرار الأموال من خلالها. لذلك فإنّ التأثير الأكبر سيكون على الشعب الذي يزداد جوعاً ويأساً يوماً إثر آخر.

إذا ما استذكرنا مُجريات الأحداث بين أمريكا وإيران، نجد أنّ إيران أيضاً بادرت إلى اللعب بنفس الطريقة التي تلعبها أمريكا، فهي أيضاً تودي بالأمور إلى حافة الهاوية، وتواجه سياسة الضغوطات القصوى بسياسة ما يسمّى بـ “المقاومة القصوى”، ولعلّ إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة في 20 حزيران/ يونيو 2019 والهجوم على الناقلات ومنشأة أرامكو وأيضاً قصف قاعدتين أمريكيتين في الأنبار وأربيل، ردّاً على مقتل سليماني، وتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وإطلاقها أوّل قمر صناعي عسكري في نيسان/ أبريل الفائت، ومؤخراً إرسال ناقلات تحمل البنزين إلى فنزويلا، في تحدٍّ استعراضيٍّ سافر للولايات المتحدة، يؤكد صحّة هذا الاعتقاد.

لا شكّ أنّ الطرفان لا يُريدان خوض حربٍ تقليدية مجهولة العواقب على مستوى الأمن الإقليمي، وذلك على الرغم من التهديد الدائم من قبل الولايات المتحدة أنّها ستلجأ إلى الخيار العسكري لو اضطّر الأمر لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، حيث جاء آخر هذه التهديدات على لسان رئيس مجموعة العمل الخاصة بإيران في وزارة الخارجية الأمريكية برايان هوك، أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، حين قال: “إنّ الرئيس الأمريكي لن يسمح أبداً لإيران بامتلاك السلاح النووي”. وسرعان ما جاء الردّ من المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمّد موسوي، الذي وصف هذا الخيار العسكري الأمريكي بـ “الخيار العفن” الذي هدّد الكثير من الرؤساء الأمريكيين السابقين إيران به من قبل.

ملامح الوصول إلى طريق مسدودة

يبدو لنا ممّا سبق أنّ إيران لن تذهب للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة وفق شروط الأخيرة. فليس من السهل على إيران التخلّي عن مشروعها التوسعي الذي دأبت على تأسيسه منذ تأسيس النظام الإسلامي فيها، لخوض معاركها في أراضٍ بعيدة عن حدودها إذا استدعت الحاجة. كذلك نجد أنّ إدارة ترامب مصمّمة على المضيّ قُدماً في سياسة العقوبات الصارمة ضد إيران، ومحاولة إخضاعها، على الرغم من محاولة الطرفين بين الحين والآخر الميل إلى التهدئة وإعطاء فرصة للطرف الآخر لمراجعة حساباته ومواقفه، وبدا ذلك جليّاً في تصريحات قادة البلدين، حيث صرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني في مناسباتٍ عديدة استعداد بلاده للحوار مع أمريكا شريطة أن تحترم الأخيرة القواعد الدولية وألاّ تفرض أمراً بالتفاوض، كذلك حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضاً التخفيف من شدّة احتدام الصراع بين البلدين من خلال قوله أنّهم لا يسعون إلى تغيير النظام في إيران، وأنّ بإمكان إيران أن تصبح دولة عظيمة، إذا ما أذعنت لشروط للولايات المتحدة، كما يرى البعض أنّ إقالة ترامب لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي كان من أكبر دعاة توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، تحمل أيضاً رسالة إلى الجمهورية الإسلامية، تعلن من خلالها عن التخفيف في حدّة الموقف الأمريكي تجاه إيران، والذي كاد أن يشعل فتيل حربٍ كارثية.

كما أنّ عمليّة تبادل السجناء بين البلدين تعبّر أيضاً عن هذا الميل، وتعتبر مؤشراً على ضرورة إيجاد مخرج لهذا التصعيد، وتجنّب الحرب التي لا يريدها الطرفان بكلّ تأكيد.

لعلّ سبب بلوغ الأزمة هذه الدرجة من التعقيد بين الطرفين، كما يراه ماركو كارنلوس، السفير الإيطالي السابق في العراق هو انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 40 عاماً، وهذا بدوره يؤدي إلى عدم فهم أحدهما للآخر بشكلٍ جيّد، كما أنّ ذلك يزيد من احتمالية حدوث خطأٍ في الحسابات من الطرفين، إذ لا يعرف أيٌّ منهما كيف تؤثّر تصرّفاتهما على الأحداث السياسية الداخلية لكلٍّ منهما، ما يدفع بالطرفين نحو المواجهة.

تأثير التصعيد الأمريكي على نفوذ إيران في المنطقة

لا شكّ أنّ النفوذ الإيراني في الإقليم تلقّى ضربةً شديدةً بعد تصفية الجنرال سليماني، الذي كان مهندس تعزيز العمق الاستراتيجي الإيراني في المنطقة. زاد من تأثير الضربة، العقوبات الأمريكية المتزايدة على إيران ومواليها، وعجز الجنرال اسماعيل قاآني عن سدّ الفراغ الكبير الذي تركه سلفه، وكان من أحد نتائج العقوبات الأمريكية على إيران، تخفيض الدعم المالي الذي تقدّمه إيران إلى ميليشياتها، حيث ذكرت وسائل إعلام إيرانية معارضة أنّ الجنرال قاآني جلب خواتم فضة للميليشيا[2] الموالية لإيران في العراق، بدل الأموال التي كانت تُغدق عليهم في وقتٍ سابق.

لعلّ أكثر ما آلم إيران هو تلقي نفوذها في العراق ضربة موجعة، إذ يُعتبر العراق بوّابتها لنقل الأفراد والأموال والسلاح إلى جماعاتها في باقي مناطق نفوذها.

كما أنّ انتخاب مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، ساهم كثيراً في إرخاء قبضة إيران عن العراق، إذ تعتبر إيران الكاظمي موالياً لأمريكا، كما تتهمه بالمساعدة في قتل سليماني. واتخذ الكاظمي في هذا الصدد مواقف صارمة من نفوذ إيران في العراق وذلك من خلال فرض حصول الجنرال قاآني القائد الجديد لفيلق القدس، على تأشيرة دخولٍ إلى العراق، كما أنّ الأمن العراقي داهم، بأوامر منه، في 25 حزيران/يونيو الفائت، مقرّاً لحزب الله الموالي لإيران، والمصنّف ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية، وألقى القبض على ثلاثة عشر عنصراً منهم، بسبب حيازتهم على صواريخ مُعدّة للإطلاق.

كما أنّ غالبية الشعب العراقي أيضاً ضاقوا ذرعاً من التدخل الإيراني في شؤون بلادهم، وتحويل إيران الأراضي العراقية إلى ساحة مواجهةٍ مع خصومها، يكون المتضرر الأكبر فيها هم الشعب العراقي. حيث أظهر استطلاع رأي أجرته منظمة مستقلة أنّ موقف الرأي العام العراقي تجاه إيران قد انخفض أربعة أضعاف خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث كانت نسبة قبول إيران 70% عام 2017، لتصبح 15% خلال هذا العام.

في سوريا أيضاً تواجه إيران عقبات كبيرة في تثبيت نفوذها، من خلال جماعاتها، ولعلّ أبرز هذه العقبات هي الضربات الجويّة الاسرائيلية المكثّفة لأيّ نقطة تشتبه فيها بوجود مواقع عسكرية إيرانية فيه، ولا شكّ أنّ هذه الضربات هي بتنسيق أمريكي، وهي أيضاً وسيلة من وسائل الضغوطات القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران.

من الناحية الاقتصادية، فإنّ قانون قيصر يستهدفُ بشكلٍ مباشر إيران أيضاً، ويُضعف قدرتها على تمويل ميليشياتها، كما تمنعها من تحقيق طموحاتها في المشاريع التي تخطّط لها، ولا سيّما تلك المتعلّقة منها بإعادة الإعمار.

لكن على الرغم من كلّ هذه الضغوطات، إلّا أنّه من المستبعد خروج إيران من سوريا بسهولة، على الرغم من اتفاق كلّ من أمريكا وروسيا وإسرائيل على هذه المسألة، فإيران عملت خلال الحرب السورية على إنشاء حاضنة شيعية لها مدعومة بميليشيات موالية لها تعمل على تحقيق أجنداتها، كما أنّ إحدى أهمّ قطعات الجيش السوري وهي الفرقة الرابعة مواليةً لإيران، فضلاً عن امتلاك إيران  أحد عشر قاعدة عسكرية في الأراضي السورية؛ في حلب وحمص ودير الزور وخمس عشرة قاعدة تابعة لحزب الله، وذلك بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية عام/2018/. ولعلّ ما كشفه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية في إيران، حشمت الله فلاحت بيشه[3]، قبل أيّام، حول أنّ إيران أنفقت ما يقارب 30 مليار دولار في الصراع الدائر في سوريا، وينبغي استرجاع هذه الأموال، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد قتلى إيران العسكريين البالغ نحو 2500 عسكرياً، بينهم ضباط ومستشارين كبار في الحرس الثوري، وظهور الجنرال اسماعيل قاآني في مدينة البوكمال السورية مؤخّراً، وتعهدّه بإكمال مسيرة قاسم سليماني، كلّ هذا يدفعنا إلى التفكير بأنّ إيران ستتمسّك بالبقاء في سورية، وستحاول كسب المزيد من الوقت، وممارسة سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي تبرع فيها، لتثبيت نفوذها، وانتظار حصّتها المأمولة من الصراع الدائر في سورية، لتعويض بعض الخسائر والأضرار الاقتصادية الجسيمة التي لحقت بها إلى الآن.

إيران وإسرائيل؛ حرب من نوع أخرى

ثمة حرب أخرى خفية[4] تدار بين إسرائيل وإيران وهي الحرب السيبرانية (الإلكترونية)، حيث تعرّضت إسرائيل في 24 نيسان/ أبريل الفائت إلى هجمة سيبرانية إيرانية أصابت مرافق المياه والصرف الصحيّ وعطّلت أنظمة الكمبيوتر لمرافقها المائية، وسرعان ما جاء الردّ الإسرائيلي، حيث شنّت إسرائيل هي الأخرى في 9 أيار/ مايو هجمة استهدفت أكبر ميناء إيراني في بندر عبّاس.

وقد بلغت هذه الحرب أوجها في الأيام القليلة الماضية، حيث بدأت الهجمات الإسرائيلية (وذلك بحسب تسريبات حصلت عليها رويترز من مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى يتهمون فيها إسرائيل بالوقوف وراء هذه الهجمات) تطال مواقع لإنتاج الوقود الصلب الذي تستخدمه إيران للصواريخ الباليستية وأجهزة الطرد المركزي في طهران وأصفهان، وألحقت أضراراً كبيرة بهذه المواقع، وهذه الضربات من شأنها أن تعيق المساعي الإيرانية في تطوير قدراتها الصاروخية والنووية لفترة محدّدة.

خروج إيران من سورية عبارة عن أمنيات

على الرغم من تصميم إسرائيل على خروج إيران من سوريا، إلّا أنّ المسؤولين الاسرائيليين يدركون صعوبة تحقّق هذا الأمر، ولعلّ الضربات الإسرائيلية[5] التي استهدفت مؤخّراً  شحنة أسلحة قادمة من إيران ومواقع لتعديل دقة الصواريخ في ريف السويداء، تُعتبر بمثابة ناقوس خطر لإسرائيل، يكشف عن عدم نيّة إيران الخروج من سورية، لكن في الوقت نفسه فإنّ إسرائيل مصمّمة على خروج إيران من سوريا، ويظهر ذلك جلياً في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومنهم وزير الدفاع “نفتالي بينيت” الذي يقول في هذا الصدد: “نحن مصممون، وأكثر تصميماً بالنسبة لخروج إيران من سوريا، سوريا مغامرة على بعد 1000 ميل من طهران، لكنها بالنسبة لنا هي الحياة”، لكن على الرغم من ذلك، يبدو أنّ إسرائيل وصلت إلى قناعةٍ بأنّ إخراج إيران من سوريا أمرٌ يصعب تحقيقه في الوقت الراهن، ويدعم هذا الاعتقاد قول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية[6] السابق “عاموس يادلين” بأنّ خروج إيران من سوريا هو عبارة عن أمنيات.

وفي الختام، وبحسب المعطيات، يمكننا القول أنّ الوضع الداخلي الإيراني سيزداد تأزّماً، ومن الممكن أن ينفجر في أيّ لحظة، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة والاحتقان الشعبي المتزايد، وغياب أيّ حل مرتقب للأزمات المتراكمة التي باتت تخنق الشعب الإيراني. ثمّة أيضاً كارثة أخرى قد تعرّض حياة الشعب الإيراني والمنطقة لخطرٍ جديدٍ من نوعه، وهو الإشعاعات التي قد تنبعث من المواقع النووية التي باتت تُستهدف مؤخّراً.

قد نشهد أيضاً عاماً ساخناً لجهة تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، ولعلّ ملامح هذا التصعيد بدأت تتضح مع الاستهداف، غير المعلن، من قبل إسرائيل لموقع “پارجین” و”نطنز”، ومواقع أخرى لإنتاج الوقود الصلب للصواريخ وأجهزة الطرد المركزي، ومن المتوقع حدوث ردّ إيراني مماثل، في حال تأكيد إيران تعرّضها لهجمات إسرائيلية، من خلال هجمات سايبيرية، وقد تتطوّر أيضاً إلى إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، من المناطق التي تتواجد فيها أطراف موالية لإيران.

كما أنّ الولايات المتحدة، ستمارس المزيد من الضغوطات على إيران، وقد تلجأ إلى تفعيل “آلية الزناد” في الاتفاق النووي لفضّ الخلاف، والذي من شأنه أن يعيد العقوبات النووية المفروضة على إيران قبل إبرام الاتفاق النووي، وستعمل على تحويل الملف إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار أممي بشأن إيران.

في كلّ الأحوال فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان طالما هدّدتا بأنّهما لن تسمحا لإيران بامتلاك السلاح النووي، هما المعنيتان بإيجاد حلّ سريع لمشكلة إيران، لأنّ الأخيرة، وبحسب الكثير من الخبراء ستكون قادرة على امتلاك السلاح النووي خلال عامٍ واحد، وهذا ليس من شأنه أن يقضّ مضجع إسرائيل وأمريكا وحسب، بل الدول الأوربية، ودول المنطقة أيضاً، لأنّ الجميع يدرك أنّه في حال حدوث ذلك، فإنّ موقف إيران سيزداد قوّةً وستدعم قوّتها النووية نفوذها التوسعي وتدخّلاتها في المنطقة، وسيكون الحلّ حينها شبه مستحيل، وسنكون أمام تهديدات ومغامرات نووية قدّ تعرّض العالم بأسره إلى الخطر.

[1] ثلثا سكان إيران تحت خط الفقر – ارتفاع سعر الدولار من جديد

[2] الجنرال قاآني جلب خواتم فضة للميليشيا

[3] حشمت الله فلاحت بيشه.

[4] صحيفة تكشف تفاصيل معركة سيبرانية بين إسرائيل وإيران

[5] المرصد السوري: مقتل 5 إيرانيين بغارات إسرائيلية على مواقع للنظام.

[6] جنرال إسرائيلي متقاعد يحذر: إيران سترد على الهجمات المنسوبة لإسرائيل في سوريا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى