مقالات رأي

تركيا والجنون الأخلاقي (السيكوباتية)

يهتمّ علمُ النفس بالأمراض والحالات والاضطرابات والأزمات النفسية في جميع الأعمار، ولكنّه دوماً يبحث عن الحلقة الضائعة لهذه الاضطرابات النفسية في مرحلة الطفولة، ويتعمّق في الأحداث التي كابلت هذه الطفولة لأنّها؛ أي الطفولة، أساس الحياة السليمة في مسيرة الإنسان إلى الشيخوخة، وعندما تكتمل الطفولة في سنواتها الأولى بشكل سليم، تصنع من المراهق والراشد عنصراً فعّالاً في الحياة، وبالتالي ينسج مجتمعا سليما معافى.

من هذه الحالات والاضطرابات: اعتلالُ الشخصية والخبلُ أو الجنون الأخلاقي “السيكوباتية”؛ وهو اضطرابٌ نفسي يصيب التصرّفات والسلوك بالانحـراف الاجتمـاعي، والخروج عن القوانین والمعايیر الخلقیة، ويتّصف بالابتعـاد الكبیر عن كلّ المعايیر الاجتماعیة والقیمیة، ويتميّز بالشذوذ البارز في التصرفات والتكوين، وفي التعامل مـع المحیط الاجتماعي المعاش, إلى حدّ أنّ الناس يشكون من الشخصية المعتلّة ومما يصدر عنها من أفعال شاذّة.

وبالرغم من أنّ السیكوباتي لا يعــاني مــن أعــراض المــرض العقلــي، إلا أنّ ســلوكه الاجتمـاعي بـصفة خاصـة لا يقـلّ خطـورة عـن غیره مـن أنـواع الأمـراض العقلیة الأخرى، لأنّ اضطرابه وسوء تكیّفه يفصح عن اضطراب عمیق فـي الشخـصیة وتكاملھـا، ممـا قـد يتولّـد عنـه جرائم خطیرة.

 تركيا والجنون الأخلاقي “السيكوباتية”!

إنّ جسد الدولة التركية القائمة على تاريخها العميق المتمثّل بطفولة شاذة مكتوبة وموقّعة من قبل المؤرخين الذين يثبتون للعالم اضطراب تركيا السيكوباتي، وذلك  بشذوذها في الإمبراطورية المراهقة وتركية الأردوغانية في الرشد، لذا فمرحلة الطفولة للدولة التركية لم تكن إلا حصيلة تاريخية ناتجة عن تفاعل التراكمات السياسية الإجرامية المتّبعة من قبل أسلاف الأتراك النازحين، كأقوام إلى منطقة الشرق الأوسط، لأنّ التاريخ يشير إلى وجود دلائل هامة, تبرهن على  نزوح جماعات من أقوام سيبيريا الجنوبية التي يتواجد من ضمنها الأتراك الأوائل في الحقبة الممتدة ما بين 9000-7000ق.م إلى الجنوب المعروف ببلاد الصين وكوريا واليابان ومنغوليا وآسيا الوسطى, وإلى الغرب منها أيضا, مثل (الهون, التابغاج, الأفاريون, الكوكتر, أويغر, القره خانييون) الذين كانوا يدينون بدين “كوك تنكري”.

من المعروف أيضاً بأنّ كلّ من هؤلاء الأقوام كانوا يصلون إلى السلطة والحكم على إنهاء وتدمير القوم الذي يسبقه، رغم الصلة الدموية والدينية التي كانت تربط بينهم كما يدّعون، وهذا ما يؤكد الفرَض النفسي لإصابة الدولة التركية باضطراب الجنون الأخلاقي (السيكوباتية) الذي يقوم علـى أساس أنّ بـذور الشخصیة الـسیكوباتیة توجـد فـي  باكورة الحیاة التي تفتقد إلى الاستقرار والأمن والسلام.

لكن ثمة عاملٌ ثانٍ والذي يعطیه علماء النفس أھمیة في تكوين الشخصیة الـسیكوباتیة، ھـو عملیة التقمّص التي تساعد على امتصاص معـايیر الإبـاء وتحكيمها فـي النفـس لتكـوين الأنا الأعلى.

ونتيجة كل ذلك مرت الدولة التركية بزمن الإمبراطورية العثمانية المراهقة، والتي عانت من منغّصات والمكبوتات اللاواعية منذ طفولتها، غذّت وصقلت الأنا الأعلى لدى رؤسائها وقاداتها على القتل والتنكيل والإبادة، والشاهد على هذا الاضطراب “الخبل الاخلاقي” هي المجازر والإبادات المرتكبة من قبل الدولة العثمانية ضدّ الشعوب المتواجدة في المنطقة بأناه العليا الخالية من الضمير، ولأنّه في العادة يأتي الضمير من القيم المكتسبة من الطفولة والتي تُشعر الإنسانَ  بالذنب، وهذا ما تفتقده الشخصية التركية السيكوباتية.

بينما زمن الرشد للدولة التركية المتمثّلة في تركية الحالية تثبت لنا مدى صحة الفرض الوراثي لاضطراب الخبل الأخلاقي (السيكوباتية) والتي تطرح فكرة أنّ السلوك الإجرامي يفسّر على أساس الوراثة، ولھذا يقال أنّ ھناك عاملاً جینیاً يـؤدي إلـى انحطـاط التكوينـات الجـسمانیة عنـد الـسیكوباتیین، وبدوره يؤدي إلى مظاھر السلوك السیكوباتي، وهذا ما يعلّل ظھور النزعة الإجرامیة المعـاودة لدى الدولة التركية؛ أي “المجرم بالفطرة” المكتسبة من أسلافهم الأولين، فلن نستغرب ونتعجّب من الدولة التركية في التصرفات اللاأخلاقية التي تقوم بها حالياً حيالَ المدنيين والأطفال بالضمیر المشوّه الجافّ نتيجة اختفاء مشاعر الذنب والفشل لدى الدولة التركية في اكتساب الضوابط الداخلیة، وبطء التعلّم الذي يحتاج للوعي بمعايیر المجتمع.

ولهذا فعندما تتعرّض الدولة التركية للإحباط في سياستها بالسيطرة على الشعب الكردي، والعمل على طمس الهوية الكردية، وإعاقة التطورات التي توصّل إليها البنيان الكرديّ في لمّ شمل الديمقراطية التي كانت متناثرة فتندفع هي “الدولة التركية” بالعدوان دون حساب النتائج والعجز عن تقدير الإنسانية.

خلاصة القول؛ إنّ عدمَ الثبات في القيم والأخلاق والمشاركة الوجدانية لدى الدولة التركية والجرائم المرتكبة من قبلها ضدّ الإنسانية ورح الآلهة “الأطفال” والتي لا يردعه وازع من ضمیر أو عقاب يفرضه القانون، قد لا تكون سياسة أو مصالح واتفاقات ومعاهدات فقط، بل هو اضطراب نفسي متوارَث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى