قضايا راهنة

بعد “معاهدة الانضمام”.. تداعيات اقتصادية واستراتيجية للصراع الدائر في أوروبا

منذ قيامها بشن العملية العسكرية ضد أوكرانيا، في الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي، حملت موسكو في جعبتها هدفاً رئيسياً؛ وهو السيطرة على منطقتي لوغانسك ودونيتسك الأوكرانيتين.

اليوم، وبعد مُضيّ حوالي ثمانية أشهر على هذه الحرب، قامت موسكو -أخيراً- بإلحاق معظم الأقاليم الشرقية والشرقية الجنوبية لأوكرانيا بروسيا، بعد أن سيطرت عليها عسكرياً، وذلك بناءً على استفتاءٍ شعبي أُجريَ هناك، والذي وصفه الكثيرون بأنه “صوري”، راغبةً من وراء ذلك في تحقيق العديد من المكاسب الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والتجارية. الأمر الذي قد يلقي بتداعياته على الحرب الدائرة، ويقوي من الموقفين الاستراتيجي والعسكري لموسكو في مواجهة أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية المتحالفة معها ضد روسيا.

الوثيقة التي وقَّعها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، والتي بموجبها أتمت موسكو إلحاق تلك المناطق بروسيا، حملت اسم “معاهدة الانضمام”. وبموجب هذه الوثيقة تكون موسكو قد ضمت ما يقارب 65 ألف كم2 إلى أراضيها، وهذه المساحة تشكل 20% من الأراضي الأوكرانية، تكون كييف قد خسرتها اليوم. أيضاً يكون عدد سكان روسيا قد زاد بمقدار 8 ملايين نسمة، بينما كييف خسرت 21% من عدد سكانها.

التداعيات المختلفة على الأرض، سواءً سياسياً أو اقتصادياً أو استراتيجياً، لن تقتصر على تشديد الدول الغربية لعقوباتها على موسكو، وسيطرة الأخيرة على هذه المقاطعات؛ لأن المسألة تتجاوز ذلك بكثير، سواءً من حيث المقدمات التي أفضت لتكوّن هذه الحالة على الأرض، أو الآثار التي يمكن أن تتركها على مسارات الحرب من جهة، وعلى صعيد المواجهات غير المباشرة مع الدول الأوروبية -أمنياً وجيوسياسياً -من جهة أخرى.

مكاسب أمنية وجيوسياسية لروسيا

لا يحتاج المرء إلى الكثير من التمحيص والذكاء، ليكتشف النوايا الحقيقية لموسكو من وراء إلحاقها هذه الأقاليم بروسيا، فالمكاسب الأمنية والجيوسياسية التي ستحققها واضحة للعيان، وذلك من خلال حماية حدودها الغربية في خط المواجهة الساخن مع حلف الناتو، وبناء منطقة آمنة تفصل بها حدودها الحقيقية عن مرمى القذائف الغربية. إضافة إلى أنه، قد تفضي المواجهات العسكرية بعد الآن إلى تفوق روسي، بعد سيطرتها على هذه الأقاليم، التي ستصبح قواعداً تنطلق منها القوات العسكرية الروسية في هجماتها على الجيش الأوكراني، وهذه أقل المكاسب.

إذاً، الناحية الأهم هنا، أن موسكو استطاعت أن تبعد أي خطر قادم من أوكرانيا عن أراضيها، من خلال ضم هذه المناطق، لأنها تكون قد قطعت الطريق على الولايات المتحدة لاستخدامها، وتشكيل ضغط عسكري انطلاقاً منها على موسكو في هذه الحرب. وبالتالي، فإن روسيا استطاعت أن تؤمن حدودها الغربية، وحققت – ولو بصورة ظاهرية – هدفها من هذه الحرب؛ وهو قطع الطريق على حلف الناتو لمحاصرتها أو تضييق الخناق عليها. فبعد انضمام دول البلطيق للحلف، تقدمت أوكرانيا بطلب الانضمام أيضاً منذ عام 2014، ولو تم ذلك لأصبحت  الحدود الغربية لموسكو في مرمى القواعد العسكرية للناتو مباشرة.

على الرغم أن منطقتي دونيتسك ولوغانسك شهدتا معارك ضارية منذ البداية، إلا أن السيطرة على زاباروجيا وخيرسون، وإلحاقهما أيضاً بالاتحاد الروسي، شكّل مكسباً جيوعسكرياً واستراتيجياً في الوقت نفسه، خاصةً وأن خيرسون ترتبط بحدود برية مع شبه جزيرة القرم، التي كانت تشكّل خاصرة رخوة لروسيا في هذه الحرب، أما الآن فقد باتت خطوط الإمداد مفتوحة، ولم يعد بإمكان القوات الأوكرانية تشديد القصف أو عملياتها العسكرية هناك، انطلاقاً من خيرسون التي أصبحت الآن تابعة لروسية.

كما تجدر الإشارة إلى أن روسيا بإعلانها أن هذه الأراضي باتت “أراضي روسية”، فقد رفعت من حدة المواجهة مع الدول الغربية وحلف الناتو، وقبلهما أوكرانيا نفسها، كون موسكو أعلنت أنها مستعدة للدفاع عن أراضيها بجميع السبل الممكنة، وحتى بالأسلحة الفتاكة، وبذلك تكون قد غيّرت الكثير من المعادلة العسكرية والجيواستراتيجية ومن قواعد الاشتباك على الأرض، سواء في مواجهتها مع الجيش الأوكراني، أو في مواجهتها غير المباشرة مع حلف الناتو.

حرب المصالح الاستراتيجية

لا خلاف أيديولوجي اليوم بين القوى المتصارعة في أوروبا، فروسيا لم تعد كما الاتحاد السوفيتي السابق قوة مناهضة للرأسمالية العالمية، ومتصارعة معها على أسس أيديولوجية، بل باتت جزءاً من تلك المنظومة، قد تختلف مصالحها الاستراتيجية عن مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة، خاصة أن الأخيرة مصرّة على التعامل مع روسيا كند عالمي يسعى بالتعاون مع الصين لإنهاء حالة القطب الواحد في المنظومة العالمية التي تجلس هي على ذروتها، وتحاول تسخير جميع قنوات التجارة والاقتصاد العالمي، لتصبح في خدمة تطورها وثرائها أو للخروج من أزماتها في أقل تقدير.

لا يخفى على أحد أن دول الاتحاد الأوربي – وبتشجيع مستمر من الولايات المتحدة – تحاول أن تخرج من تحت عباءة منتجات الطاقة الروسية وسيطرتها على الرغم من صعوبة الأمر، سواءً من حيث تأمين المصادر البديلة وخاصة عن الغاز الروسي، أو من حيث التكلفة الاقتصادية -إن وُجدِت تلك البدائل أصلاً- إضافةً إلى أن موسكو تتحكم أو – على أقل تقدير – تسيطر على معظم خطوط الإمدادات الأخرى القادمة من دول أواسط آسيا. فضلاً عن سيطرتها شبه المطلقة على حوض البحر الأسود وطرق الملاحة فيه.

هذا الأمر لم تعد الولايات المتحدة تطيقه، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط، وجدوى استخراج نفطها الزيتي، أو تصدير جزء من غازها إلى دول الاتحاد الأوروبي. لذلك فهي تحاول أن تقنع شركائها الأوروبيين أنه ونتيجة لارتفاع فاتورة الغاز في دول الاتحاد الأوروبي والتهديد العسكري الروسي على حدودها الشرقية، قد يصبح من الأجدى لها أن تعتمد على الغاز الأمريكي، والمصادر البديلة الأخرى؛ للخروج من تحت السيطرة الروسية، حتى ولو ارتفعت تكاليف وصوله، التي باتت قريبة من تكلفة الغاز في أوروبا، بعد اندلاع هذه الحرب المجنونة.

قد تكون روسيا السور الذي تحتمي خلفه جمهورية الصين الشعبية، الند الأقوى تجارياً للولايات المتحدة، لذلك يمكن النظر إلى هذه الحرب – من هذه الزاوية أيضاً – على أنها حرب استنزاف لقوة وموارد هذا السور، سواءً عسكرياً، بتوريط روسيا في المستنقع الأوكراني، بعد تورُّطِها في المستنقع السوري، أو اقتصادياً من خلال العقوبات التي سارعت المنظومة الغربية العالمية إلى فرضها على موسكو، إبان بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وبطريقة غير مسبوقة، لا من حيث الكم، ولا النوع ولا التنوع، والتي شملت معظم المناحي في روسيا، ولم تقتصر على الناحية الاقتصادية، كما هي العادة في فرض العقوبات، وهذا من وجهة نظرنا دليل على أن الخطوط الرئيسية لهذه الحرب كانت قد رسمت بدقة ولو من حين قريب قبيل بدئها.

إذا نظرنا إلى الموقف الصيني من الحرب، وكيف أنها امتنعت عن التصويت مؤخراً على قرارٍ في مجلس الأمن يدين موسكو لضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، يمكننا أن ننحو بهذا الاتجاه، وهو أن بكين مدركة أن روسيا بحربها على أوكرانيا تكون قد ساهمت في تحقيق جزء كبير من مصالحها الاستراتيجية (مصالح الصين)، وخاصة من زاوية عدم دخولها في حرب مباشرة مع المنظومة الغربية من جهة، ولا الإضرار بخطوط تجارتها العالمية، وعلى وجه الخصوص مع دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وهي بذلك لم تساهم لا في العقوبات على موسكو، ولا بقطع علاقاتها التجارية معها، وخاصة تجارة منتجات الطاقة الروسية.

منطق الهجوم خيرُ وسيلة للدفاع

بانتزاع موسكو هذه المناطق الأربع من أوكرانيا، تكون قد خسَّرَتها الكثير من الموارد الاقتصادية والبشرية، كونها كانت تشكل مصدراً للكثير من تلك الموارد لأوكرانيا من جهة، ومركزاً للصناعات الثقيلة، وخاصة صناعة التعدين في لوغانسك ودونيتسك، من جهة ثانية، وفي ذلك يقول دينيس كركودينوف، مدير مركز التنبؤ السياسي الروسي: “إن هذه الضربة ستكون كبيرة لأوكرانيا التي كانت تتغذى على موارد الدونباس منذ ثلاثة عقود”.

وبحسب دائرة الإحصاء الحكومية في أوكرانيا، بلغت مساهمة الأقاليم الأربعة (دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزاباروجيا) في الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، في نهاية عام 2020 على التوالي 10.8%، 3.6%، 1.6%، 4%، وبذلك يكون مجموع ما خسرته أوكرانيا بلغ نحو 20% من ناتجها المحلي الإجمالي، والذي ذهب إلى الاقتصاد الروسي.

وبكل الأحوال، الأمر لن يشكل فائدة مطلقة بالنسبة لموسكو؛ وذلك لأن الواقع الجديد سيفرض أعباءً إضافية على الموازنة العامة، نتيجة ضرورات إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل البنى التحتية في هذه المناطق، التي شهدت مواجهات عسكرية عنيفة. إضافة إلى ذلك، فإن موسكو ستضطر لتقديم المساعدات الإنسانية والطبية للسكان الذين ما يزالون هناك، ووقعوا تحت آثار الحرب، وسيشكلون لاحقاً حاجات خدمية وتعليمية وتقاعدية بالنسبة لموسكو، على اعتبار أنهم أصبحوا قانونياً من سكان روسيا، التي ستضطر إلى تنفيذ العديد من الالتزامات تجاههم.

بالمقارنة، يمكننا القول: إن خطة موسكو الهجومية هذه، بضم هذه المناطق -ولو أنها في الظاهر تشكل هروباً نحو الأمام-أفقدت كييف إحدى أهم خواصرها الاقتصادية وموانئ صادراتها، وشلّت أنشطة ملاحتها التجارية، سواءً في بحر آزوف، أو البحر الأسود باتجاه آسيا والشرق الأوسط، وخاصة ميناء ماريوبول، وهذه الخطة لن تقتصر آثارها على الاقتصادية وحسب، بل ستتجاوزها إلى الناحية العسكرية، وآليات الدفاع والهجوم من قبل الجيش الروسي على أوكرانيا.

هل ستؤتي العقوبات الأوروبية على موسكو أُكلها؟

لم تنتظر رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” كثيراً عقب انتهاء الاستفتاء الذي أجرته روسيا في المناطق الأربعة حول تأييد الانفصال عن أوكرانيا، لتعلن عن التهديد والوعيد لموسكو، وبأنها “ستدفع ثمن هذا التصعيد الإضافي”. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي بصدد فرض “حزمة جديدة وقاسية من العقوبات” على موسكو، رداً على قرار الضم، والتي ستشمل فرض المزيد من القيود التجارية، ووضع أفراد على القوائم السوداء، وتحديد سقف لأسعار النفط الروسي.

لم تثبت الأشهر الثمانية من الحرب أن الأوروبيين قادرون على إلحاق المزيد من الخسائر الاقتصادية بروسيا، بحجم إلحاقها بأنفسهم، ولم تثبت الأشهر الطويلة تلك قدرة دول الاتحاد الأوروبي على معايشة واقعٍ، تنخفض فيه واردات الغاز والطاقة الروسية، فقد ارتفعت معدلات التضخم في دول الاتحاد إلى مستويات غير مسبوقة، وبات الحصول على مصادر بديلة للطاقة الروسية هماً يقض مضاجع الساسة الأوروبيين، خاصة بعد أن استغلت شركات إنتاج ونقل الغاز الأمريكية الحالة الراهنة، ورفعت من أسعار منتجاتها، لما يتجاوز أربعة أضعاف سعر الغاز الروسي مثلاً، وهذا ما دعا الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” للقول: ” إننا لا نستطيع دفع ثمن الغاز بقيمة مضاعفة 4 مرات من الثمن الذي تبيعونه به لمصنعيكم”. قاصداً الولايات المتحدة والنرويج.

فاستمرار مثل هذا الوضع قد يؤدي إلى دخول الاقتصاد الأوروبي في حالة ركود، نتيجة ارتفاع الأسعار وضعف القدرة التنافسية، بسبب أسعار الطاقة المرتفعة، والتي تترافق مع رفع معدلات الفائدة لدى البنك المركزي الأوروبي، بسبب مستويات التضخم العالية… ولا شك أن استمرار مثل هذا الوضع سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاستثمار والإنتاج معاً، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار من جديد، وبالتالي مزيداً من التضخم، وصعوبات اقتصادية ومالية أمام زيادة حجم الاستثمار.

هذا الأمر لا يمكن النظر إليه من زاوية سهلة، لأنه سيفضي إلى تراجع العمالة، وانخفاضاً في مستويات الدخول لدى شعوب تعودت العيش في مستويات عالية من الرفاهية. لذلك يمكن القول، إن أوروبا وفي ظل استمرار الوضع الراهن اقتصادياً وعسكرياً، وعدم التفكير خارج الصندوق، بعيداً عن مخططات واستراتيجيات الساسة في “بلاد العم سام”، قد تدخل في اضطرابات سياسية واجتماعية، ستودي بالعديد من أنظمتها ودولها، وهذه أوكرانيا هي البداية.

فوائد اقتصادية جمّة لروسيا وراء “قرار الضم”

يشكل إقليم الدونباس، الذي يضم مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، القاعدة الصناعية الرئيسية لأوكرانيا، وخاصة الصناعات الثقيلة، وصناعات التعدين، المتخصصة في استخراج المعادن والخامات المعدنية التي يتم استخدامها لاحقاً في مختلف الأنشطة الصناعية. وكان هذا الإقليم يساهم بحدود 4 من 5 من الإنتاج الصناعي في أوكرانيا، إلى جانب غناه بمصادر الطاقة الحرارية والكهربائية وثرواته الزراعية. وبذلك تكون موسكو ليس فقط قد حرّمت كييف من هذه الثروات، وإنما ستوفر للصناعات الروسية، سواءً العسكرية أو صناعات الفضاء، الكثير من المواد الخام الرئيسية، التي تشكل مدخلات أساسية فيها، كالفولاذ المستخدم في صناعة الدبابات، أو بعض الخامات التي تدخل في صناعة الصواريخ الباليستية الروسية وقطع غيارها، أو مستلزمات صيانتها.

تضم منطقتا لوغانس ودونيتسك ما يصل لحدود 70% من ثروات أوكرانيا، فبالإضافة إلى أنهما يشكلان مركزاً رئيسياً للصناعة الأوكرانية، فهما ينتجان الكثير من المحاصيل الزراعية، وعلى رأسها الحبوب والذرة، وكانا يشكلان معاً ما نسبته 20% من الناتج المحلي الأوكراني، ويساهمان بنسبة 25% من مجموع الصادرات الأوكرانية.

الناحية الأخرى الهامة هنا، هي سيطرة روسيا على أكثر من 80% من الساحل الأوكراني، وخاصة الميناء الاستراتيجي الضخم “ماريوبول”، كأكبر ميناء على بحر آزوف، وبسيطرة موسكو على هذا الساحل، تكون قد فرضت عزلة تجارية بحرية على أوكرانيا، وحرّمتها من أهم مراكز الملاحة البحرية التجارية، فقد كانت “ماريوبول” تشكل مركزاً لصناعة الحديد والفولاذ وتصديرهما، إلى جانب تصدير الفحم والحبوب.

أما سيطرة روسيا على خيرسون، فتأتي إلى جانب الأهمية الاستراتيجية لها، والتي تتمثل في حدودها البرية مع شبه جزيرة القرم، الأهمية الاقتصادية من خلال وقوعها على بحر آزوف والبحر الأسود وطرق الملاحة التجارية هناك، فضلاً عن أنها مركز رئيسي لصناعة السفن في أوكرانيا.

إذاً، يمكن القول الآن، إن روسيا بضمها لهذه المناطق الأربعة إلى أراضيها تكون قد حققت مكاسب اقتصادية جمّة، إلى جانب المكاسب الاستراتيجية والعسكرية، بالسيطرة على كميات هائلة من الموارد الاقتصادية المتنوعة، وخاصة مناجم الحديد والصلب، والفحم الحجري، وعلى طرق التجارة البرية والبحرية شرقي أوكرانيا إلى الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، ولكن ذلك سيرتب على موسكو المزيد من الالتزامات تجاه تلك المناطق وسكانها، حيث يتوجب على السلطات الإدارية والاقتصادية في روسيا العمل على القضايا الاجتماعية، وإعادة تنظيم الحياة الاقتصادية، وترميم البنى التحتية التي دمرتها الحرب، وإعادة تأهليها، والتي ستكلف موسكو -وفق العديد من الخبراء- ما لا يقل عن 35 مليار دولار.

في الختام.. على الرغم من كل المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية التي تكون موسكو قد حققتها بعد إقرار ضم المناطق الأربعة، وسلخها من أوكرانيا، إلا أنه يمكن النظر إلى الموضوع من زوايا عديدة أخرى: أولها، إن هذا الأمر جاء نتيجة للعمليات الحربية، وبالقوة العسكرية، على الرغم من أن موسكو حاولت إضفاء طابع الشرعية عليه باتباع قواعد شرعية للاستفتاء في تلك المناطق، لكن هذا لن يغيّر من ذاك الواقع شيئاً.

الزاوية الأخرى، أن قرار ضم هذه المناطق قد يرفع من سوية العمليات العسكرية الأوكرانية تجاه الجيش الروسي ومناطق تواجده، خاصة وأن كييف اتهمت كل من شارك في عمليات الاستفتاء بــ”الخيانة العظمى”، وبالتالي قد ترتفع حدة المواجهات العسكرية، وتنفلت العديد من قواعد المواجهة العسكرية من اللجام الإنساني أو الأخلاقي أو مواثيق الحروب الدولية.

أيضاً يمكن القول، إن دول الاتحاد الأوروبي، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، قد ترفع من سقف مواجهتها مع روسيا، من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية، أو زيادة الدعم العسكري لكييف، وإمدادها بالذخائر والأسلحة المتطورة، وبالتالي تزداد شدة العنف أثناء المواجهات العسكرية، ونحو المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية لمختلف الأطراف المشاركة في هذه الحرب، سواءً تلك المشاركة بشكل مباشر (روسيا وأوكرانيا)، أو المشاركة بشكل غير مباشر، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي. بينما تقف الولايات المتحدة هناك بعيداً عن موطن الصراع العسكري الدائر، ولكنها قريبة جداً من الصراع الاقتصادي، الذي تدير دفته بما يحقق مصالح شركاتها الكبرى ومؤسساتها.

زر الذهاب إلى الأعلى