مقالات رأي

تداعيات “قمة طهران” على الصعيدين الإقليمي والعالمي

تُعتبر قمّة طهران من حيث التوقيت والشكل، اتفاقية إقليمية كاملة الأركان، بين كل من تركيا، وإيران، وسوريا، التي كانت غائبةً حاضرةً في تلك القمة، خاصة أن هناك حديث عن توجهٍ نحو تشكيل خريطة سياسية جديدة للمنطقة.

إن هذه الاتفاقية هي بمثابة اتحاد هذه الدول، المحافِظة والمتضررة، التي تحاول إبقاء الوضع على ما هو عليه سابقاً، دون التعرض لرياح التغيير التي تجتاح المنطقة، لكن القاسم المشترك بين الدول الثلاث هو القضية الكردية، والتي تشكّل حدبة على ظهرهم، ولها دورٌ ديناميكي مهم في تغيير بنية هذه الدول (الأنظمة)، وبالتالي تُشكّل هذه القضية الهاجس المشترك لهم.

لذا، من الواضح أن أهم نقاط الاتفاق هي “كيفية القضاء على هذه القضية”، التي بدأت- ومنذ فترة- تحظى باهتمام الدول الكبرى، وخاصة بعد إظهار أبنائها الكفاءة القتالية العالية، ضد أعتى تنظيم إرهابي- عالمي.

حاربت تركيا تجربة “روجافا” بشكلٍ علني، وعن طريق عملياتٍ عسكرية، تحت مسمى “غصن الزيتون” و”نبع السلام”، ومن الواضح أن هذه العمليات كانت بموافقة كل من طهران ودمشق، بشكلٍ غير معلن، واللتان مارستا سياساتهما التقليدية في هذه المرحلة في مواجهة الكرد، حيث لا سلام ولا حرب معلنة، والتزمتا الصمت، بينما خاضت تركيا الحروب ضد التجربة الفتية للكرد نيابة عنهما، ولكن، يبدو أن تركيا اليوم لم يعد بإمكانها محاربة الكرد نيابة عن هذه الدول؛ لذلك لا بد من مشاركتهم بشكل علني في هذه الحرب.

هذه الاتفاقية تشبه إلى حدّ بعيد “اتفاقية الجزائر” عام 1975، والتي بموجبها قُضي على حلم الكرد في التحرر حينذاك، ولكن الظروف الدولية والإقليمية الحالية مختلفة تماماً عن تلك الحقبة، والدول المتفقة اليوم ليسوا بقوة تلك الدول التي أبرمت “اتفاقية جزائر”.

مخرجات “قمة طهران” على أرض الواقع

من الواضح والمعلن، أن كل من روسيا، وسوريا، وإيران، لم يكن من مصلحتهم قيام تركيا بعملية عسكرية على شاكلة “نبع السلام” و”غصن الزيتون”، حيث أن خلق ساحات عدم استقرار ليس لصالح هذه الدول، خاصةً، وأن المناطق المستهدفة من قِبل تركيا هي ضمن مناطق نفوذ تلك الدول.

لذلك، وبدلاً من القيام بعملية تضر بمصالح هذه الدول، ينبغي القيام بعمل مشترك يضمن توسيع نفوذ حكومة دمشق على كامل “الأراضي السورية”، وذلك من خلال التهديد الدائم في الإعلام التركي بالقيام بعملية عسكرية جديدة، وخلق حالة من عدم الاستقرار في مناطق الشمال وشمال شرق سوريا، والعمل على إرضاخ مناطق الإدارات الذاتية للضغط التركي، وإفساح المجال أمام جيش النظام السوري للدخول إلى هذه المناطق، تحت مسمى “حماية أمن الحدود مع تركيا”، إضافةً إلى إطلاق يد تركيا  في ضرب قوات وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG وYPJ) بطائراتٍ مسيّرة، أي ضرب هذه القوات جواً.

إن ما صرّح به وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو”، عن دعم النظام السوري سياسياً، “للقضاء على الإرهاب”، هو أحد أهم مخرجات “قمة طهران”، حيث من الواضح أن تركيا تتجه نحو تطبيع العلاقات مع النظام، والملفت في تصريح جاويش أوغلو هو شكل الدعم المقدم للنظام، فماذا يقصد بكلمة “سياسياً”؟ في الوقت الذي لا تمتلك فيه تركيا قوة ولا ساحات دبلوماسية -في هذه المرحلة من تاريخها- لكي تدافع عن النظام في المحافل الدولية، أم إنه يقصد منها استخدام القوة الناعمة، كالإعلام وغيره من الوسائل، لخلق الضغط على مناطق الإدارة الذاتية؟

لذلك، نجد أنه لا يمر يوم من دون تجديد تركيا لتهديداتها بغزو هذه المنطقة، إضافةً إلى دعوتها للقوات الأمريكية المتواجدة في مناطق شمال وشرق سوريا بمغادرتها، حيث تُعتبر أحد البنود المتفقة عليها في “قمة طهران”، ونوعاً من “الدعم السياسي” للنظام السوري.

تداعيات قمة طهران إقليمياً وعالمياً

باعتبار أن إيران تواجه صعوبات وضغوطات كبيرة، نتيجة توجهها الإقليمي في ترسيخ الهلال الشيعي، والسعي إلى التحول لدولة نووية، فهي بحاجة إلى تحالفات إقليمية تدعم موقفها، وتساندها في حال نشوب أي حرب ضدها، وبالتالي فإن “قمة طهران” تعد بداية مناسبة لها.

أما روسيا فتنازع من أجل البقاء في حالة من القوة، إضافة إلى طموحها في أن تصبح قوة عالمية من ناحية، وخلق حلف يساندها في حربها على أوكرانيا من ناحية أخرى، لذا تعد هذه القمة بمثابة متنفس لها.

في حين أن تداعيات هذه القمة على تركيا سوف تكون أكثر صعوبة، مقارنةً بأية دولة أخرى، فتوجّه تركيا “العدالة والتنمية” إلى عقد وبناء تحالف مع هذه الدول، ما هو إلا بمثابة اتخاذ القرار بالانضمام إلى جبهة الدول المتضررة من التغييرات المحتملة، والخروج بشكلٍ نهائي من محورها الرئيسي (محور دول الناتو).  ولهذا الاصطفاف تداعيات كبيرة على تركيا؛ فوقوف تركيا إلى جانب إيران وروسيا، يعني أنها ستعرض نفسها للمحاسبة الأمريكية بموجب “قانون كاتسا”، أي سوف تُصنف في لائحة “الدول الأعداء لأمريكا”، فضلاً عن اصطفافها إلى جانب إيران، “العدو اللدود” لإسرائيل في مرحلة “معركة هرمجدون”.

لذلك، من المتوقع- أكثر من أي وقت مضى- أن تطبّق كل من أمريكا وإسرائيل مشاريعهما في مضايقة تركيا، من خلال دعم الكرد بشكل جدي وأكثر علانية، سيما وأن إعلان ولادة الدولة الكردية، في هذه الظروف، سيكون لصالح العديد من الدول، حتى العربية منها، وخاصة دول الخليج.

زر الذهاب إلى الأعلى