قضايا راهنة

تنظيم القاعدة “جبهة النصرة”.. ذراع تركيا الأقوى في تحركاتها بسوريا

“جبهة النصرة / هيئة تحرير الشام حالياً” ذراع القاعدة في سوريا، مثلها مثل أي تنظيم إرهابي، أداةٌ لتحقيق أجندة داعميها في سوريا، ومن خلال مجريات الصراع السوري، برز هذا التنظيم، كلاعب عسكري مهم لداعميه، ممن راهنوا عليه كذراع عسكري قوي. وإن لم يكن من المؤكد، فمن الواضح العلاقة التي ترتبط بين التنظيم والحكومة التركية، وقد ظهرت عدة محطات مفصلية أكدت عمق هذه العلاقة، منذ بداية التمركز التركي في إدلب سبتمبر 2018، حين نشرت دباباتها في منطقة الصرمان شرق إدلب برفقة عناصر “جبهة النصرة”، كخطوة تشير إلى الدعم المتبادل بين الطرفين.

فتنظيم “جبهة النصرة” لم يشكل أي معضلة لتركيا منذ بداية تأسيسه، رغم التهويل الإعلامي بضرورة حسم ملف التنظيم وتصنيفه كإرهابي، وقدرة تركيا على محاصرته، وقطع الدعم عنه، إلا أنها استمرت في دعمه، أسوة بباقي الفصائل العسكرية المسلحة الموالية لها، والتي انتشرت تحت مسميات مختلفة كــ “الجبهة الوطنية” و”الجيش الوطني”. لكن، يبدو أن تركيا تعول على تنظيم “جبهة النصرة” كحليف قوي لها في سوريا أكثر من غيره، فالاستخبارات التركية تمكّنت من اختراقه استخباراتياً وعسكرياً، لاستخدامه كأداة للترهيب، وتأديب المتمردين من مواليها، وورقة مهمة لتعطيل أي مسار لا يناسبها. لذا يمكن اعتباره الذراع الأقوى لتركيا في تحركاتها العدوانية في سوريا نتيجة:

  • تشرذم المعارضة المسلحة وعرقلتها لأي تحركات عدوانية تركية جديدة

شاركت العديد من الفصائل السورية المسلحة الجيش التركي في احتلاله لأراضٍ سورية، في عمليات متلاحقة كـ “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، و”نبع السلام”.

إلا أن الاقتتال المستمر بين هذه الفصائل، حال دون تحقيق أي استقرار في تلك المناطق، وأدى إلى نشر الفوضى، الأمر الذي أثر في التحركات التركية في سوريا، سواءً على الصعيد السياسي أو العسكري، فالتصعيد الأخير بين فصائل المعارضة و”النصرة”، يثير الشكوك حول إمكانية تنفيذ أي عملية عسكرية تركية جديدة، نتيجة عدم التوافق أو التنسيق بين تلك الفصائل، بالإضافة إلى ضعف موقف تركيا الدولي بخصوص عملياتها العسكرية، التي تزعم أنها “لفرض الاستقرار” في الشمال السوري، كون العمليات السابقة أدت إلى الكثير من حالات التهجير والنزوح، وعدم الاستقرار الأمني في المناطق التي احتلتها.

وبالرغم من أن حالة الفوضى، في المناطق المحتلة من قِبل تركيا، قد أصبحت حالة اعتيادية، وباتت صراعات الفصائل المسلحة، أبرز ما يميز الواقع العسكري والأمني في تلك المناطق، إلا أنها في بعض الأحيان تبدو كفوضى مفتعلة، وقد تكون العديد من الجهات والفصائل العسكرية خلف هذه الفوضى وافتعال المواجهات، حيث أن الفصائل الكبرى تخشى من أن تؤدي أي عمليات تركية جديدة إلى إضعاف نفوذها، وهيمنة فصائل أخرى، تسعى لإضعافها.

فــ “الجبهة الشامية” مثلاً، والتي تعمل تحت مسمى “الفيلق الثالث”، والتي اشتبكت مع القطاع الشرقي لحركة “أحرار الشام الإسلامية” في حزيران/يونيو 2022، تخشى من أن أي عملية تركية جديدة، قد تنطوي على استدعاء مقاتلين من الحركة، وبالتالي ستؤدي هذه الخطوة إلى تشتتها، وتقليص نفوذها في مناطق سيطرتها بريف حلب، وتأتي خدمةً لمصالح فصائل أخرى، مثل “هيئة ثائرون” التي تقودها فرقة “السلطان مراد” التي ترتبط بعلاقة قوية مع تركيا، ومحاولة رجلها “فهيم عيسى”، قائد فصيل “هيئة ثائرون”، مع “فرقة الحمزة” و”فيلق الشام” مواجهة طموحات “الفيلق الثالث”، والضغط على “الجبهة الشامية”، للانسحاب من مناطق في ريف عفرين وجنديرس، وهذا ما أكده تواطؤ هذه الفصائل مع “النصرة” بوقوفها على الحياد تجاه اقتحام “النصرة” لتلك المناطق في حزيران الماضي، بالإضافة إلى تسليمها حواجز “للنصرة”، وانسحابها من قرى وبلدات كانت تسيطر عليها تلك الفصائل دون قتال، مما يؤكد على تعاونها مع “النصرة” ضد “الجبهة الشامية”. رغم مخاطر هكذا تعاون، فافتعال “الجبهة الشامية” لأية فوضى، وزعزعة للأمن في مناطق سيطرة النفوذ التركي، سيؤدي الى تأجيل العملية العسكرية على أقل تقدير.

أما حركة “أحرار الشام”، فمنذ انتهاء ولاية “حسن صوفان” كقائد لهذا الفصيل، بدأت المشاكل تتفاقم داخل هذه الحركة بين معاد لــ “النصرة” وآخر مؤيد لها، يقوده “صوفان” بإيعاز من تركيا، والذي استغل توقف الحديث عن العملية التركية المرتقبة ضد مناطق الإدارة الذاتية، ليحرك مقاتليه من “الفرقة 32″، لزعزعة الأوضاع في ريف حلب، تمهيداً للتمدد في المنطقة.

وأمام هذه الأحداث، يبدو أن تركيا تبارك أحياناً هذا النوع من الفوضى، لتطلق ميليشياتها ضد أخرى؛ ترفض الإذعان التام للأوامر التركية، كــ “الجبهة الشامية” التي رفضت سابقاً سياسة أنقرة في تجنيد مرتزقة سوريين، وزجّهم في صراعات خارجية، كما عزلت أبرز قادتها المقربين من تركيا، ممن كانوا يعملون على مهمة تجنيد مرتزقة، ونقلهم الى تركيا، مثل “أبو عمشة” قائد فصيل “سلطان شاه”.

بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتعلق بمعبر باب السلامة، الذي تسيطر عليه “الجبهة الشامية”، ومنع تركيا لقادتها من دخول أراضيها من المعبر نفسه لأسباب أمنية، وبالمقابل قلصت “الجبهة الشامية” حركة المرور عبر المعبر، مما أثر على تحركات فصائل تابعة لأنقرة عبر هذا المعبر، رداً على تعامل أنقرة مع قيادييها.

علاوة على ذلك، لإنهاء الانقسام الحاصل بين الفصائل، عبر وضعهم تحت سطوة فصيل واحد، وما جرى مؤخراً في ريف حلب، وتحرك جبهة النصرة لمناطق نفوذ الفصائل الموالية لتركيا يؤكد أن “جبهة النصرة” بات لديها سطوة على غالبية فصائل ما يسمى بـ “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا. وهو ما يؤكد تعويل تركيا على هذا التنظيم أكثر من باقي الفصائل التابعة لها.

  • تأديب الفصائل المتمردة

الصراع المستمر بين “النصرة” والعديد من فصائل المعارضة المتحالفة مع تركيا، مثل “أحرار الشام”، وغيرها، أكد حالة القصور في هيكلية الفصائل التي تدعمها تركيا، بالإضافة إلى تشرذم تلك الفصائل، وهي عوامل منعت من أن تصبح تلك الفصائل حلفاء مؤثرين على الأرض، وبناء أي قاعدة اجتماعية.

كما أن جهود تركيا لتوحيد هذه الصفوف، لم تسفر عن أي تقريب بينها، فالانقسامات بين تلك الصفوف كان لها الدور الأكبر في إعاقة خطط تركيا، كـ”المنطقة الآمنة” التي تحاول تركيا الشروع في إنشائها؛ فمن عوامل نجاح إنشاء هذه المنطقة هو توحيد صفوف المعارضة الموالية لها. إلا أن الانقسامات والمصالح بين الفصائل الموالية والمعادية لها، تحوّل دون تحقيق الأطماع التوسعية لها في شمال سوريا.

السيطرة في تلك المناطق، مقسّمة بين فصائل جهادية ومسلحين، تفصل بينهم الاختلافات الأيديولوجية والقومية، يحظون بدعم تركيا. لكن الخلافات والمناوشات المتكررة بين فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، هو الفارق بينها و”النصرة” المنظمة عسكرياً وأيديولوجياً، وكان الدافع الرئيسي لتركيا لبناء علاقات أوثق معها، والنظر إليها كجماعة قوية ومنظمة لها تأثير على الأرض، كونها بحاجة إلى فصيل قادر على ضبط المنطقة، وذراعها لتأديب الفصائل المتمردة بإيعاز منها:

ومن بعض الأمثلة حول الإيعازات التركية لجبهة النصرة لتأديب الفصائل المتمردة:

  • الاشتباكات التي دارت بين “فيلق الشام، وأحرار الشام، وجيش الإسلام” المدعومة من تركيا في حزيران/يونيو 2022، وكانت نتيجة الاشتباك ما لا يقل عن 8 قتلى وإصابة العشرات، قرب مدينة الباب شمال غرب سوريا، وهي اشتباكات دفعت “النصرة”، إلى الانتشار في مناطق تابعة لسيطرة “الجيش الحر”، مما أثار مخاوف من سعيها للتوسع من إدلب حتى عفرين.
  • التحرّك ضد حركة “أحرار الشام”: أحد أكبر فصائل المعارضة، والمنافس الأقوى لــ “النصرة”، والتي شاركت في مؤتمر الرياض عام 2015، ورفضت المشاركة في مسار أستانا يناير 2017، وقد نجحت “النصرة” في تقويض هذه الحركة.
  • التحرك ضد “جيش المجاهدين”، وهو فصيل وقف مع حركة أحرار الشام، ضد الانضمام إلى محادثات أستانا، وتعرض لهجمات من قِبل “النصرة” عقب انطلاق محادثات استانا (كانون الثاني/يناير 2017).

بالرغم من رفض “حركة أحرار الشام، وجيش المجاهدين” الانضمام لمحادثات أستانا (كانون الثاني/يناير 2017)، كخطوة لعدم اتخاذ موقع العدو من “النصرة”، التي ادّعت رفضها لهذه المفاوضات، وأي نتائج تخرج منها، إلا أن الفصيلين لم يسلما من هجوم “النصرة”، بعد هذه المحادثات، حيث أعلن الأخير في بيان له في يناير 2017 أنه بدأ في عملية استئصال لعدد من كبرى الفصائل المقاتلة في ريف حلب وإدلب، بحجة أنها تسببت في سقوط مدينة حلب، ووجود عدد كبير من المفسدين في صفوفها. وهذه لم تكن المرة الوحيدة لهجوم “النصرة” عليها، حيث نجح الأخير في اختراق تلك الفصائل، واستقطاب المنشقين عنها، وهذا ما يثيرُ التساؤل أكثر حول التقارب التركي مع “النصرة”، وحول عدم تدخل تركيا لضبط إيقاع الفصائل المسلحة في إدلب، وسمحت بتدمير حركة “أحرار الشام” و”جيش المجاهدين” التي مولتها تركيا ودعمت نفوذها في إدلب.

بالإضافة إلى ما سبق، فمخرجات محادثات أستانا عززت نفوذ “النصرة”، بالرغم من ادّعاء الأخيرة رفضها للمحادثات ومخرجاتها، إلا أنها -ضمنياً- استفادت من دور تركيا في المحادثات بوضع إدلب ضمن مناطق “خفض التصعيد”، لتعزيز نفوذ تركيا و”النصرة” في المحافظة، واستئصال باقي الفصائل الرافضة للمشاركة في هذه المحادثات.

  • التحرك ضد “الجبهة الشامية”: وهي من الفصائل المتمردة أيضاً، لأنها:

1 – رفضت المشاركة في مساري أستانا والرياض.

2 – لم ترسل عناصرها إلى ليبيا وأذربيجان.

3 – رغم تعاونها مع المجالس الخدمية والسياسية والإدارية التابعة لتركيا، إلا أنها أقامت مؤسسات أخرى، وعززت استقلاليتها في مناطق نفوذها.

4 – خلافها مع “حركة ثائرون” و”فرقة السلطان مراد” (فهيم عيسى) رجل تركيا الأول في الشمال.

5 – سعت لتحقيق توازن مع تركيا على حساب الفصائل الأخرى التابعة لتركيا.

6 – الوقوف خلف الاحتجاجات الشعبية ضد كوادر “حركة ثائرون”، وشركة الكهرباء في مدينتي الباب وعفرين.

7 – اتهامها بالوقوف خلف الاحتجاجات الرافضة لأي عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري.

فالتدخل التركي – منذ البداية – هو لتأديب بعض هذه الفصائل وابتلاع بعضهم لصالح آخرين. فما حصل بين الفصيلين المذكورين أعلاه، لم يكن مفاجئأً، إلا أن الصدمة كانت بتسليم فرق عسكرية موالية لأنقرة قرى وبلدات تابعة لــ “النصرة” دون اقتتال، وفتح خطوط اتصال وعلاقات غير متوازنة مع قيادة “النصرة” نكاية “بالجبهة الشامية”، والسماح للأول بالهجوم على مواقع الأخير.

كل هذا التحرك، منذ بدايته إلى حين انتهائه، تم بأوامر تركية، فجميع الفصائل المذكورة تتبع نسبياً لأنقرة. حتى “جبهة النصرة” والتي تحركت بأوامر من تركية كخطوة تأديبية لترهيب الفصائل المتمردة، وابتلاع أخرى.

  • مصلحة غير معلنة

بدأت تركيا علاقتها مع “النصرة” بحذر، كون تركيا روّجت بالتزامها في مكافحة الإرهاب، إلا أنها لاحقاً حفزت “النصرة” لتعديل موقفها، وتقديم تنازلات عسكرية، لتعويم هذا التنظيم، وكي لا يلقى مصير داعش، وذلك بناء على مصلحة مشتركة تقوم على:

  • السماح بدخول الدوريات التركية إلى مناطق نفوذ “النصرة”، وتأمين حمايتها، وحماية نقاطها العسكرية.
  • تسهيل العمليات اللوجستية والعسكرية التركية في الشمال السوري، كتمهيدها للطرق أمام الدبابات التركية لغزو منطقة عفرين.
  • انسحاب “النصرة” من مناطق، وتسليمها، بناءً على اتفاقيات أنقرة وموسكو، كما حدث في مناطق شرقي السكة وأبو الظهور في ريف إدلب، وتسليمها للنظام السوري وفق “اتفاق سوتشي” بين روسيا وتركيا.
  • تغيير ديمغرافي بأوامر من تركيا، كتهجير “النصرة” لأهالي بلدتي كفريا والفوعة، بعد الاتفاق بين أنقرة وموسكو.
  • حاجة تركيا لجماعة مسلحة، ومنضبطة عسكرياً وتنظيمياً، وقادرة على السيطرة على المنطقة.
  • تأمين تركيا لغطاء سياسي إقليمي ودولي لحماية “النصرة”.

إعادة تشكيل المشهد من خلال “جبهة النصرة”

ما ذكرناه سابقاً يؤكد المسعى التركي في تعويم هذا التنظيم، واعتماده كذراع رئيسي في تحركاته بسوريا، رغم ادّعائها رفضها لأي تواجد للتنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، إلا أن التحركات التركية الأخيرة عقب هجوم “النصرة” على معاقل ما يسمى “الجيش الوطني” شمال سوريا، لم تقنع أحد، وإنما بدأ الأمر كترتيب تركي لإعادة تشكيل المشهد في بعض مناطق سيطرتها، وخاصة ضد “الجبهة الشامية”، حيث كانت تقود تجمعاً لقوى ريف حلب الشمالي كله عام 2015، وتشكيلات عسكرية، كحركة “نور الدين الزنكي وجيش المجاهدين، وحركة حزم”، وتشكيلات أخرى ضد “النصرة”، إلا أنها سرعان ما انشقت عنها واتجهت نحو الأخيرة، ومؤخراً شهدت العديد من الفصائل انشقاقات وانضمت لــ “جبهة النصرة” بإيعاز من تركيا، والهدف من هذا التحرك الالتفاف نحو هذا التنظيم والشروع في تعويمه من خلال:

أ – بناء الثقة وابتلاع المعارضة السورية

التحركات التركية الأخيرة لتعويم “جبهة النصرة”، وبناء الثقة حولها داخلياً وخارجياً، ليست بخطوة جديدة، فخلال الفترة الممتدة بين 2012 و 2015، شرعت “جبهة النصرة”، في بناء ثقة المعارضة السورية، كخطوة أولى للقاعدة في الانخراط مع المعارضة، واستخدام استراتيجية براغماتية لقبولها ودعمها، كتغيير اسمها إلى “هيئة تحرير الشام” منتصف عام 2016، وإعلان قطع علاقاتها الخارجية مع القاعدة، للتغلب على عقبة إقناع المعارضة السورية بأنها حركة وطنية وليس مشروع جهادي عابر للحدود.

إلا أن العديد من الفصائل رفضت الاندماج معها، مثل “أحرار الشام”، الحليف العسكري الذي كان الأكثر ثباتاً وأهميةً للنصرة، بحجة أن التنظيم لم يزل ارتباطه بالقاعدة. مما أدى إلى سلسلة من الهجمات من قِبل “النصرة” على تلك الفصائل في مواقع مختلفة.

ومن خلال الإصرار على أجندتها، ومهاجمة وتدمير الجماعات المتنافسة، تمكنت “النصرة” – ذراع القاعدة في سوريا – من تشكيل دفاع فعّال، أدى لابتلاع العديد من فصائل المعارضة، بدأتها بإنهاء “حركة حزم، ثم جيش المجاهدين، وحركة الزنكي” عام 2018، وفككت “جبهة تحرير الشام” التي كانت تضم تلك الفرق.

وتتالت هزائم المعارضة على يد “جبهة النصرة”، فبحسب “مصطفى سيجري” القيادي في ما يسمى “الجيش الوطني السوري” في مقابلة مع وكالة انباء تركيا TR، أكتوبر 2020، أن “النصرة” قضت على أكثر من 20 فصيل من الجيش السوري الحر.

إلا أن هجمات “النصرة” على هذه الفصائل وابتلاعها لأخرى، غالبا تمت بمباركة تركية، كون أغلبها تعمل تحت إمرة تركيا، ولم تبدِ الأخيرة أي موقف حازم تجاه هجمات “النصرة” على مواليها من المسلحين في سوريا، وهذا ما يشير الى رغبة تركيا في تشكيل جسم موحد من المعارضة السورية تحت سطوة فصيل واحد “جبهة النصرة” ورجل واحد “الجولاني” في الشمال السوري.

ب – دمج النصرة عسكرياً

علاقة تركيا مع فصائل المعارضة تختلف عن “النصرة”، فبعض تلك الفصائل منها في حمص، والغوطة، ودرعا، ترتبط بدول إقليمية أخرى، وتراها أنقرة أدوات لممارسة الضغط عليها وليست أوراقاً بيدها.

الخطة التركية كانت تقوم على أساس ضم “النصرة” الى ما يسمى “الجيش الوطني في سوريا”، ليصبح القوة الرئيسية، التي تمثل المعارضة عسكرياً، وتحت إمرة الرجل الواحد “الجولاني”، حيث أطلقت أنقرة بالونات اختبار باتجاه موسكو عقب قمة سوتشي في سبتمبر 2021، كإحدى المبادرات لدمج “النصرة” مع “الجيش الوطني”، ومناورة للإيحاء بأنها إحدى مخرجات قمة سوتشي، لتبدو كمحاولة تركية واضحة لخلط أوراق الصراع، وإيجاد مخرج من أزمتها في إدلب، واسترضاء الجانب الروسي، المتحفظ بقوة على أنشطة الجماعات المتطرفة.

ج – دمج النصرة سياسياً

تحركات تركيا مع الذراع العسكري للمعارضة لم تختلف عن تحركها مع ذراعها السياسي، فهي تحاول معالجة مسألة “النصرة”، وتحويلها إلى مجموعة سياسية، كما هو حال “حزب الله اللبناني” وفي إبريل 2022، بدأت تركيا بعملية واسعة النطاق في أروقة الائتلاف السوري، تجلّت بفصل 14 عضواً، حيث رأت أنقرة أنه من الضروري البدء بعمليات تصفية في الائتلاف من الأصوات غير التركية.

والمشروع التركي حول الائتلاف، يهدف إلى ربط المعارضة السياسية بمجالس محلية مدعومة من تركيا، بهدف تشكيل جسم معارض متكامل يرتبط بالأرض. وستسعى تركيا فيما بعد إلى ربط هذا الائتلاف بحكومة الإنقاذ التابعة للنصرة، الذي سبق هذا التحرك، بالتسويق لنفسه بدعم تركي، وتوسيع دائرة نفوذه تحت غطاء الأخير، ويظهر تعاونه على الشاشات الغربية في عملية تصفية زعيم داعش المدعو “ابو إبراهيم القرشي”.

كل ما سبق يؤكد سعي تركيا في تحويل “النصرة” إلى تنظيم سياسي، للقفز على الرفض الروسي لبقاء “النصرة” وباقي المتطرفين في الشمال السوري، وقد استغلت تفاهمات أستانا خلال الجولة الرابعة من المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة عام 2017. لوضع إدلب ضمن مناطق خفض التصعيد، لتعزيز وجودها العسكري فيها، ومحاولة منح “النصرة” صبغة سياسية، للإبقاء على نفوذها في الشمال السوري.

“النصرة” الورقة التركية الأقوى في التفاوض

كل ما سبق من مساعي أنقرة، يؤكد عمق التعاون بينها وبين “النصرة”، وخدمة لمصالحها العسكرية في سوريا، وأنه ذراع أساسي في مناطق نفوذها، بالإضافة إلى كونها امتداد لخدمة مصالحها عبر التفاوض فهي:

  • ورقة ضغط على النظام السوري وروسيا للمفاوضات.
  • غطاء يمثل تيار الإسلام السياسي، وورقة أنقرة لتمثيلها مستقبلاً في أي مفاوضات إقليمية ودولية، يصبغ شرعيتها على الاحتلال.
  • ورقة تركية لتبرير خروجها من إدلب إذا اضطرت، بحجة أن “النصرة” جماعة إرهابية، لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، والمعارضة السورية من مدنيين وعسكريين.
  • استخدام “النصرة” لتعطيل أي حلول تفرضه قوى أخرى لا تحقق مصالحها، وخاصة روسيا.
  • تحويل الشمال السوري إلى بؤرة لمسلحي القاعدة، لتساوم الجميع على أكثر البؤر السورية خطورة.

في الختام.. يمكن القول أن المصلحة مشتركة بين تركيا و”النصرة”، بين تمكين النفوذ للأول وتأمين الدعم والحماية للثاني، الذي غير الكثير من سياساته، بناء على طلب تركيا، لتجنيبها من التصنيف كجماعة إرهابية، كما أن التحالف غير الرسمي بين تركيا و”النصرة” مكّن الاثنين من الهيمنة على كافة الفصائل في إدلب بتكلفة منخفضة، فحياد تركيا عند القتال بين الفصائل، مكّن “النصرة” من مواجهة تلك الفصائل التي تدعمها أنقرة دون أي رد تركي، وبالمقابل مكن الأخير من وضع الجميع تحت إمرته.

إذاً، حتى الآن ترى تركيا أنها ملزمة بالتعامل مع “النصرة”، حيث لا وجود لتضارب في المصالح بينهما، بل ترى أنقرة أن هذه الجماعة ورقة مهمة، وذراع قوي يمكن ان تستخدمها مستقبلاً في حربها ضد الكرد أيضاً، وهذا ما أكده مباركة “الجولاني” القائد العام لــ “جبهة النصرة” لأي عملية عسكرية تركية شرق الفرات، واستخدام “النصرة” ضد الكرد، الأمر الذي سيحقق لتركيا هدفين: محاربة الكرد بجماعات منضبطة أيديولوجياً، وإضعاف “النصرة” بإدخالها في حرب استنزاف إذا ما رغبت في حل التنظيم.

العلاقة – في النهاية – بين الطرفين تحددها المصالح، بعضها متضارب وبعضها منسجم، فكل طرف يرى حاجته للآخر في معاركه المستقبلية، لكن تركيا ترى في هذه الجماعة الحليف الأقوى من بين جميع من تعاملت معه من مسلحين ومرتزقة في سوريا، وجلاد يستخدمه في أي وقت للسيطرة على أي موقف لا يناسبها.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى