مقالات رأي

بين فنلندا والسويد وتركيا.. مَنْ يدعم الإرهاب؟

كنتيجة مباشرة للغزو العسكري الروسي – الذي لا زال مستمراً حتى اللحظة – ضد أوكرانيا، والذي بدأ في 24 من شباط الماضي، لم يكن أمام كل من  فنلندا والسويد إلا التخلي عن حيادهما العسكري، التي دامت لفترة طويلة، لذا سلّم سفيرا الدولتين الإسكندنافيتين – رسمياً – طلب الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، في 18 من الشهر المنصرم.

رحّب كل من “ينس ستولتنبرغ”، الأمين العام لحلف الناتو والرئيس الأمريكي “جو بايدن” بالقرار، ووصفاه بالـ “الخطوة التاريخية”. في المقابل، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن انضمام فنلندا والسويد المحتمل إلى الناتو، لن يشكل “تهديداً” في ذاته، لكن موسكو سترد على عمليات الانتشار العسكري.

لكن مساعي فنلندا والسويد اصطدمت بالرفض التركي، وتم عرقلة أعمال الانضمام من قِبل تركيا. وعبَّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن رفضه منح عضوية حلف الأطلسي لهذين البلدين بحجة دعمهما “للإرهاب”، وكذلك على خلفية وجود علاقات دبلوماسية – على مستوياتٍ محدودة – بين البلدين من جهة والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من جهة أخرى، حيث تصرّ تركيا على أن الأخيرة جزء لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كـ “منظمة إرهابية”.

 “الجمل لا يرى حدبته”

من المضحك – والمثير لسخرية واسعة – أن تدعو دولة راعية وداعمة للكثير من التنظيمات الإرهابية، دول أخرى إلى التوقف عن دعم ما تسميها وتعتبرها “منظمات إرهابية” أخرى. فبمجرد البحث في علاقة تركيا ودعمها للتنظيمات والجماعات الإرهابية في العالم بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، سوف نجد العشرات من التقارير والملفات التي توثق العلاقة المتينة بين تركيا وتلك التنظيمات، لذا فإن الموقف التركي من قرار كل من فنلندا والسويد بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يذكرنا بالمثل الشعبي القائل: “الجمل لا يرى حدبته”.

إن علاقة النظام الحاكم في تركيا – برئاسة أردوغان – بالجماعات والمنظمات الإرهابية والموجودة على لائحة الكيانات الإرهابية العالمية، وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، علاقة واضحة وصريحة، وهناك الكثير من التقارير والدراسات الدولية والمحلية، التي تؤكد ذلك. لذا، هنا يجب العودة إلى بعض من تلك التقارير التي تحدثت قبل الآن عن تلك العلاقة، وتم توثيقها.

فقد أكدت دراسة لفريق بحث من جامعة كولومبيا الأمريكية بعنوان “روابط داعش وتركيا”، والتي صدرت في تشرين الثاني لعام 2014، أن تركيا قدمت لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تسهيلات كثيرة. وكان من أبرز نتائج الدراسة، أن تركيا توفر دعماً عسكرياً، عبر تقديم السلاح للتنظيم، ومادياً، عبر شراء النفط منه، وطبياً، عبر تقديم العلاج لعناصر رفيعة المستوى من داعش، وكذلك وفّرت للتنظيم، التدريب والتجنيد على أراضيها، بل حتى والقتال إلى جانبهم.

بالإضافة إلى ذلك، بحسب ما نشرته صحيفة “حوريت ديلي نيوز” التركية (26 أيلول من العام 2014)، فإن هناك تعاطف كبير من قبل أعضاء في الحزب الحاكم في تركيا (حزب العدالة والتنمية) تجاه داعش، حيث أن أحدهم قال بأن: “وجود داعش كجارة لتركيا، أفضل من وجود حزب العمال الكردستاني”.

ويشير المركز الأطلنطي في دراسة له، تحت عنوان “شبكات الدولة الإسلامية في تركيا” (تشرين الثاني من العام 2016)، إلى خصوبة البنية التحتية لتركيا أمام عبور المجندين، ونقل الإمدادات إلى تنظيم داعش في سوريا، وبأن هذه البنية مبنية على القاعدة والشبكات الإرهابية منذ عشرات السنين، والمتمركزة في العديد من المدن التركية. وحسب الدراسة، فإن هذه القاعدة كانت تستخدم سابقاً كطريق ثانوي للإرهابيين، للانضمام إلى التنظيمات الأخرى، خلال حرب العراق، بين عامي 2003 و2011.

مناطق سيطرة تركيا في سوريا تحوّلت لملاذٍ آمنٍ للإرهابيين

لا يخفى على أحد، بأن المناطق التي تم احتلالها من قِبل تركيا في سوريا، قد تحولت إلى ملاذٍ آمنٍ لقادة بارزين في تنظيمي داعش والقاعدة، وخاصة منطقة إدلب.

وقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات متفرقة، غالبيتها بطائرات مسيّرة، على تلك المناطق، وقتلت العشرات من قادة التنظيمين المذكورين. وكان آخر تلك الهجمات، الغارة التي تسببت بمقتل زعيم تنظيم داعش “أبو ابراهيم القرشي”، وقبلها قتل خليفته الأول، أبو بكر البغدادي، بنفس الطريقة، وفي نفس المنطقة (إدلب).

إن وجود قادة تلك التنظيمات في مناطق سيطرة تركيا في سوريا، وسهولة تحركهم ضمن تلك المناطق، كان قد أسقط آخر ورقة توت عن مزاعم تركيا في محاربة التنظيمات الإرهابية، وكشف عن نواياها في دعم واستغلال تلك التنظيمات في سوريا، ضد مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا. وخير مثال على ذلك، هو مزامنة هجمات عناصر داعش ضد مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مع الهجمات والعمليات العسكرية التركية في سوريا، التي تُنفذ بحجة محاربة “الإرهاب”.

نقطة أخرى لافتة، متعلقة بإصرار تركيا على رفض انضمام هلسنكي وستوكهولم للناتو، هو أن هذا الرفض، جاء بالتزامن مع تصريحات الرئيس التركي أردوغان، عن القيام بعملية عسكرية جديدة في سوريا، وذلك بحجة إنشاء “منطقة آمنة”، على غرار المناطق التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي تحولت في ما بعد إلى ملاذٍ آمنٍ لقادة وعناصر تنظيمات إرهابية متطرفة، حيث أن تركيا تريد قطع العلاقات والدعم الغربي –حتى وإن كانت ضمن إطار محاربة داعش- عن قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك الحصول على الدعم والتأييد الأوروبي بخصوص “المنطقة الأمنة” التي تتحدث عنها، في الشمال السوري.

لذلك، حاولت تركيا إثارة موضوع رفض انضمام فنلندا والسويد، حيث إنها تتمتع بمكانة مهمة في الحلف، وتُعتبر القوة العسكرية الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف. وبالتالي، فإن أسباب رفض تركيا لانضمام فنلندا والسويد، تتجاوز بكثير الحجج التي تحدث عنها الرئيس التركي أردوغان.

إن تاريخ استغلال تركيا للأزمات الدولية والإقليمية طويل، وكان آخر تلك الأزمات الحرب الروسية –الأوكرانية، ففي السنوات الماضية وحتى الآن، كان لها يدٌ في الساحات السورية، والليبية، واليونانية، والأذرية-الأرمينية، والمصرية، سواء بتدخل عسكري مباشر، أو عبر دعم أحد الأطراف والجماعات، ودائماً كانت تركيا تحاول خلط أوراق العلاقات الدولية، لتستفيد من تلك الأزمات، لتضمن لها نصيباً من الكعكة.

بالرغم من أن تركيا تعلم بأن مسألة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، قد باتت شبه محسومة، لكنها هنا – مرة أخرى، كما حصل عام 2009 عندما احتجت على تعيين رئيس الوزراء الدنماركي السابق، “أندرس فوغ راسموسن” رئيساً لحلف الناتو- تحاول استخدام مكانتها كورقة ضغط، للاستفادة منها في مكان آخر؛ وهو الشمال السوري، للقيام بعمليتها العسكرية المزعومة، في ظل التدهور الاقتصادي الذي يفتك بحكومة أردوغان في الداخل التركي، وتراجع شعبيته مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في تركيا عام 2023، فالمسألة ليست متعلقة بعلاقات فنلندا والسويد بحزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، أو كما تصفها تركيا بالعلاقات الداعمة “للإرهاب”، بل إنما المسألة متعلقة بنوايا تركيا في الحصول على تنازلات أو ربما (ترضيات) من أجل توسيع مناطق احتلالها في سوريا، والتي أصبحت منابع للإرهاب.

الكاتب: مصطفى مصطفى – باحث في مركز الفرات للدراسات

زر الذهاب إلى الأعلى