عفرين، صفقة تحوّلت إلى صفعة
بعد مقاومة دامت لأكثر من شهر أمام الترسانة التركية الضخمة، وحدات حماية الشعب في عفرين تتوصّل لاتفاقية مع النظام السوري، تقضي بانتشار قوات شعبية تابعة للجيش السوري على خطوط التماس مع الحدود التركية – السورية في مدينة عفرين.
يأتي هذا الاتفاق في ظلّ أنباء متضاربة خلال أكثر من خمسة أيام عن رفض الطرف الكردي للشروط الروسية، التي طالبت بتسليم وحدات الحماية والسلاح والمؤسّسات الحكومية في عفرين للدولة السورية، ما أثار سخط موسكو التي تراجعت عن المشهد, فتدخلت إيران على ما يبدو, وبحسب بعض المصادر التركية دخلت إيران على الخط وأتمت الصفقة، وفي كلّ الأحوال فإنّ الاتفاق كان صفعة قوية على وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يحلم برحلة استجمام قريبة في عفرين، حيث تعتبر هذه الخطوة المتخذة من قبل قيادة وحدات حماية الشعب التي كانت على اتصال مباشر مع قيادات في الجيش السوري، الأفضل لتجنب المدنيين المزيد من القتل وسفك الدماء في المدينة الكردية.
الاتفاقية لم تثر الاستغراب، بل على العكس تماماً، فقد كانت متوقَّعة كثيراً، فالإدارة الذاتية الديمقراطية منذ طرح مشروع فيدرالية شمال سوريا لم تستبعد الاتفاق مع النظام السوري، بل كان مسؤولوها يصرّحون دوماً على وسائل الإعلام بأنّهم مستعدّون للحوار مع الحكومة السورية، وأنّهم جزء لا يتجزّء من سوريا، وهذه الخطوة قد تكون الأولى على طريق فتح طاولة حوار بين الطرفين.
مع انتشار القوات الشعبية على طول الخط الحدودي مع تركيا، لم يتبقّ أي ذريعة للجيش التركي في قصف المناطق المأهولة بالسكان والتدخل البري في عفرين، وبذلك تكون جميع مخططات الحكومة التركية في إنشاء منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومتراً في الشمال السوري، باءت بالفشل.
عفرين، الصفقة التي عقدِت بين الروس وتركيا مقابل انسحاب فصائل المعارضة المسلحة المدعومة تركياً من مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب وتسليمها للنظام السوري، تحوّلت سريعاً إلى صفعة كان أردوغان في غفلة عنها.
الرئيس التركي وبعد هذه الاتفاقية بات في موقف محرج ومرتبك، فخسر ورقته الأهمّ في انتخاباته، كما أثارت الاتفاقية جدلا واسعا في الشارع التركي الداخليّ لاسيما بعد خسائر فادحة وقعت في عديد الجيش التركي خلال معركة عفرين دون تحقيق الأهداف المرجوّة للعمليّة التي بدأها، ولسان حال الشعب التركي يقول: كل الأطراف المنزلقة في الصراع السوري حقّقت أهدافها إلا تركيا بقيت في ذاك الوسط دون تحقيق أي تقدّم يخدم المصلحة العامة التركية.
محلياً كسبَت وحدات حماية الشعب، شعبية أوسع في الشارع الكردي بعد استبسال مقاتليها في ردع الغزو التركي على عفرين، بل إنّ معارضي الإدارة الذاتية أيضا بعد معارك عفرين تعاضدوا مع القوة العسكرية التابعة لها.
وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي فهذه الاتفاقية بينها وبين النظام السوري يعتبر انتصاراً كبيراً لها وتأتي بمثابة اعتراف سياسي من قِبَل الحكومة السورية بهذه القوات على الأرض.
النظام السوري أيضاً جنى ثمار هذه المعركة, فمن خلال تواجد قوات تابعة له في مدينة عفرين، يكون قد استعاد سيادته وإن رمزيا، وكسب الكُرد حليفاً له (أعاد المارد إلى القمقم).
وبذلك تكون تركيا هي الخاسر الوحيد والأكبر في هذه المعركة، فكلّ الوعود التي كان يتوعدها رئيسها في خطاباته حول عمليته العسكرية أفرِغت من محتواها، كما أنّه فقد ثقة بعض أتباعه من الائتلاف والمعارضة السورية فيه.
بعد هذه الضربة المؤلمة التي وجهت لتركيا، يبدو أنّ رئيسها لن يعاود التصريح بطرد المقاتلين الكُرد من عفرين وصولاً إلى الحدود العراقية، خشيةً من تكرار اتفاقيات أخرى بين النظام السوري ووحدات حماية الشعب، وتنتشر القوات الشعبية على طول الخط الحدودي مع تركيا مستقبلاً، ولعلّ ما خفي من الاتفاق يكون أعظم، حيث ترد أنباء غير مؤكدة بأنّ من البنود السرّية لهذا الاتفاق تقدّم وحدات حماية الشعب مع القوات الشعبية الموالية للجيش السوري نحو اعزاز وجرابلس لطرد جماعات المعارضة المدعومة من تركيا من المنطقة.
أما بالنسبة للموقف الأمريكي إزاء ما يجري في عفرين، فقد باتت الولايات المتحدة الأمريكية بين نارين، فإنّ استمرت في دعم قوات سوريا الديمقراطية قد تخسر أهمّ حلفائها وحجر أساس سياستها في الشرق الأوسط (تركيا)، وإن تخلّت عن تقديم الدعم العسكري للقوات في شمال سوريا، قد تفسح المجال أمام الروس لكسب المقاتلين الكُرد حلفاءً لهم، لذا تتحرّك واشنطن في سبيل إيجاد حلّ دبلوماسيّ لوقف الصراع بين حليفيها، وهذا ما تجلى خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأسبوع الفائت لـ تركيا والاجتماع بكبار المسؤولين الأتراك وفي مقدّمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أخيراً يبدو أنّ مدينة عفرين والاتفاقية المبرمة بين وحدات حماية الشعب والنظام السوري، ستكون بوابة للشعب الكردي في شمال سوريا إلى الاعتراف السياسي بهم على الأرض، وإن كان حراكها بطيئا مبدئياً.