قضايا راهنة

رهان التطبيع المحدود مع النظام السوري وتداعياته

مع توسيع النظام السوري لنطاق سيطرته على جنوب البلاد، وتحجيم دور المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، باتت العديد من الدول ترى فرص إسقاط هذا النظام عسكرياً شبه معدومة. وعليه، فإن النقاش أصبح يدور في أوساط العديد من الدول – وخاصة العربية منها – حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري. سيما وإن الإجماع على المعارضة السورية لم يعد كما كان منذ بداية الأزمة السورية. فتقاطع المصالح يقوم على أساس أن النظام السوري بات واقعاً سياسياً.

يضاف إلى ذلك، أن النظام لم يكن معزولاً بشكل كامل سياسياً واقتصادياً، رغم التداعيات المباشرة عليه منذ بداية أزمته، كتعليق عضويته في الجامعة العربية، في اكتوبر 2011، وانسحاب العديد من السفراء من دمشق.

بالرغم من أزمته الاقتصادية والاجتماعية، استمرت العديد من الدول التي وقفت موقف الحياد من الأزمة السورية، في إبقاء قنوات التواصل بينها وبين النظام السوري. وتطورت مؤخراً إلى تقاربٍ، له تداعيات وحسابات، مربحة وخاسرة، يمكن مناقشتها كما يلي:

تطبيع المصلحة

شهدت الفترة الأخيرة تطبيع العديد من الدول العربية مع النظام السوري، شملت مبادراتٍ متنوعة، كالزيارات التي حدثت، بالإضافة إلى الترويج له في بعض الأحيان. اعتبرت تلك الخطوات بمثابة الخروج عن الاجماع الإقليمي والدولي، مع غياب مباشر لأي جهود دبلوماسية جادة، والتي سوّقت على أنها تصبّ في مصلحة الشعب السوري ككل. إلا أنها بالحقيقة تتجه نحو المصلحة الخاصة، ومن الأمثلة التي يمكن أن نطرحها هنا:

الأردن

منذ بداية الأزمة السورية، حرص الأردن على التزامه بموقف حذر من النظام السوري، بالرغم من التداعيات السلبية لأزمته على المملكة، والتي أثّرت بشكل أكبر على الجانب الاقتصادي، جرّاء إغلاق الحدود، بالإضافة إلى عمليات تهريب الأسلحة، وغيرها من المواد، نتيجة هشاشة الوضع الأمني على الحدود بين البلدين.

كل ما سبق، دفع المملكة مؤخراً إلى تغيير سياستها في التعامل مع النظام السوري، حيث بدأت مساعيها بتكثيف الاتصال مع القوى الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لاطلاعهما على مقترحات من جانبها لحل الأزمة السورية، والسعي إلى تفويضها للعمل على هذا المقترح، حيث برز ملكها “عبدالله الثاني” كمفوض لهذا النهج الجديد، وظهر ذلك جلياً من خلال بالتوسط مؤخراً لخطة إقليمية تعمل على تزويد لبنان بالغاز الطبيعي عبر الأراضي الأردنية والسورية، كما استأنفت الزيارات الوزارية بين عمان ودمشق، بعد توقف دام لـــ 10 سنوات. وهي مؤشرات تشير إلى مرونة من الجانب الأردني تجاه النظام السوري، مستغلةً علاقاتها مع واشنطن، للعمل بكافة الوسائل، لإعادة علاقاتها السابقة مع سوريا، بما يشبه التطبيع غير المعلن.

وباتت جميع المعطيات على أرض الواقع، توحي بأن الأردن تمكّن من الحصول على ضوء أخضر أمريكي محدود، أو استثناء، نتيجة تدهور أوضاعه الاقتصادية والمعيشية، وهذا الاستثناء سيقدم له عوائد مالية، كحل لأزمته الاقتصادية. خاصة بعد خيبة أمل الملك الأردني من الدول الخليجية، مما دفعه للتحرك نحو الاتجاه المقابل، “النظام السوري”.

إلا أن استدارته لم تكن لدوافع اقتصادية فقط، وهذا ما أكده مؤخراً وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” لشبكة “سي إن إن” CNN حيث قال: “عدنا للتفاعل مع الأسد لعدم وجود “استراتيجية فعالة” لحل الصراع في سوريا”، بالإضافة إلى الزيارات رفيعة المستوى بين الطرفين، بعد انقطاع طويل، والاتصال المباشر بين الرئيس السوري والملك الأردني في اكتوبر 2021، رغم أن الأخير كان من أوائل من نصح الأسد بالتنحي عن منصبه، في 14 نوفمبر 2011، ففي حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” قال ملك الأردن ” كنت سأتنحّى لو كنت مكان الأسد.” بالإضافة لإدانة جرائم نظامه، واحتضانه لآلاف السوريين الفارين من النظام السوري. ما سبق يجزم بوجود دوافع أردنية أخرى، خاصة بعد افتراض الأردن – غير الواقعي – بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية في سوريا، ونجاحه بفرض الأمن والاستقرار، وخاصة في الجنوب السوري.

يمكن تناول تلك الدوافع كما يلي:

  • لعب دور سياسي أكثر في الملف السوري، فالزيارات والاتصال المباشر، أدلة واضحة على أنه مسار سياسي أكثر من كونه اقتصادي، وخطوة لإعادة تأهيل النظام السوري سياسياً.
  • دوافع اقتصادية، بسبب خيبة أمله من دول الخليج، بعد تراجع الدعم الخليجي، فالسعودية لم تقدّم أي مساعدة مباشرة منذ 2014، والحزمة الخليجية المقدمة بعد احتجاجات 2018 في الأردن، اتخذت شكل ضمانات وودائع في البنك الأردني.
  • توجهات خليجية ضارة بمصالحه. خاصة مع استفحال قضية عوض الله ” رئيس الديوان الملكي الأردني السابق”، التي اعتبروها دليل لمؤامرة، تهدف لمحاولة انقلاب وزعزعة استقرار البلاد، وزعمت بوجود رسائل مشفرة بين عوض الله، وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.

فالتطبيع مع النظام السوري يمهّد لعلاقات أوسع مع إيران، عبر بناء علاقات مع الأسد. في محاولة للضغط على المملكة العربية السعودية؛ وهذا ما وصفته صحيفة جيروزاليم بوست “أن التحرك الأردني نحو إيران “كسيف ذو حدين، ولن يمر وقت طويل حتى يغرق الأردن في الظلام، كما حدث في سوريا والعراق واليمن”.

  • مصالح جيوسياسية واقتصادية، عبر إيجاد حلّ لنحو مليون لاجئ سوري على أراضيه.

الإمارات

كانت الإمارات أيضاً من الدول التي انضمت لجهود عزل النظام السوري عن المحور العربي، منذ بداية الأزمة، ووجدتها فرصة لاحتواء النفوذ الإيراني، وأغلقت سفارتها في دمشق، وباشرت بدعم المعارضة عبر مجموعة أصدقاء سوريا عام 2012 ، بالإضافة إلى مشاركتها مع التحالف الدولي في قصف داعش.

لكن سرعان ما تغير هذا الموقف نحو المرونة، كتوقفها عن انتقاد التدخل الروسي في سوريا ودعمها للنظام، بل رحّبت به، وبرّرت تدخّلها في سوريا بأنه يستهدف عدواً مشتركاً بين موسكو والإمارات، بالإضافة إلى مشاركتها للرؤية الروسية في حل الأزمة السورية، مما يعني عدم معارضتها لاستمرار النظام السوري. ثم شرعت بفتح سفارتها في دمشق عام 2018، وأجرت أول اتصال بين ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” والرئيس السوري “بشار الأسد” عام 2020. تلاها زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى سوريا، ولقائه مع الأسد في سبتمبر 2021، في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ بداية الأزمة السورية، قبل أكثر من 10 سنوات، لتبدو هذه الزيارة كحضور أماراتي أقوى مما سبق في سوريا، بذريعة تعزيز الحضور العربي في سوريا، وبالتالي تحجيم التمدد الإيراني فيها، وهو سبب غير مقنع أو أساسي على وجه التحديد، نتيجة دعمها لنظامٍ يعتبر حليفاً رئيسياً لإيران، وإنما يرتبط بدوافع أخرى، مثل:

  • استثمار أي فرص اقتصادية ترتبط بإعادة الإعمار، وخطوط نقل الطاقة في سوريا.
  • استغلال موافقة واشنطن، لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر إسرائيل، والتي وجدت فيها الإمارات عدم اعتراض أمريكي، ومرونة في موقفه تجاه النظام السوري.
  • السعي لدمج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي، بعد اتفاقية السلام والتطبيع في 2020، وتسويق مشروع ينطوي على إيصال الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر مصر والأردن وسوريا. مما يمهد لتوسيع رقعة جهود التطبيع الجارية مع إسرائيل.
  • تطور العديد من المجالات الاقتصادية والعسكرية بين الإمارات وروسيا، بحيث شكّلت أداة ضغط فيما يتعلق بالملف السوري.
  • الاعتقاد بأن التطبيع مع النظام السوري سيتكفل بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
  • رغم التقارب الأخير بينها والنظام التركي، إلا أنها ترى في التعاون مع النظام السوري -حالياً- ورقة لمواجهة أي تحرك تركي في المستقبل، يضر بالعلاقات بين الطرفين، سواءً في سوريا أو ليبيا، كما حصل سابقاً في دعم الإمارات لمحاولات النظام السوري بإشغال تركيا في إدلب أواخر 2019، حتى يتمكن اللواء حفتر من الإجهاز على طرابلس، كما أن إعادة فتح السفارة الليبية في دمشق 2020، يربطه الكثيرون بجهود الإمارات لتعويم النظام السوري، ورفع مستوى التعاون بين الأسد وحفتر.
  • توازن ضروري لتحقيق دور في مستقبل سوريا، شأنه شأن الأطراف الأخرى، كإيران وتركيا وغيرها.

فرضية خاطئة للاستقرار

ثمة حسابات خاطئة لهذه الأنظمة، فيما يتعلق بمسار التطبيع، أهمها:

تهديد للسوريين الفارين في الخارج

في حالة الأردن، بات الارتباط الجديد له مع النظام السوري، يشكل تهديداً للسوريين الفارين في الخارج، حيث تحدثت تقارير عن حملة نفذتها المخابرات الأردنية تجاه السوريين، هذه التقارير تم تقديمها من قبل وسيلة إعلامية تسمى “سوريا على طول”، تعود للاجئين سوريين، وتعمل منذ عام 2013 في عمان، على تغطية انتقادية للنظام السوري، وقد انتهت الحملة بإغلاق قسري لها، وبأوامر من المخابرات الأردنية.

يمكن القول إن هكذا إجراء من الأردن، كان بمثابة ذوبان للجليد الأخير في علاقاته مع النظام السوري. بالإضافة إلى تحركه القوي، لإعادة النظام السوري إلى الحظيرة الإقليمية، وتطبيع العلاقات معه، كزيارة العاهل الأردني لواشنطن في يوليو 2020، وفتح المعبر الحدودي بينهما، كل ذلك يرجح فرضية إعادة تأهيل النظام السوري، وتداعياته السلبية على السوريين، وخاصة في الخارج، لانعدام الثقة في العودة الآمنة.

انعدام للثقة (طرف غير موثوق)

في مدينة درعا السورية، وبعد سنوات من انطلاقة شرارة الاحتجاجات فيها، وحقيقة ما يروّج له النظام السوري باستعادة السيطرة على المدينة والجنوب السوري، يعود السكان فيها إلى تكرار مطالبتهم بالحرية، وإعادة هتافات أطلقت عام 2011، في إشارة لحالة عدم الاستقرار، واستمرار الأزمة، وجرس إنذار لتفاقمها وعودة الاحتجاجات والفوضى رغم المصالحة، وهو ما أقلق الكثيرين وخاصة اسرائيل، بأن تقييم الاستقرار على هذا النحو هو تقييمٌ خاطئ، والأمور ستتجه نحو عدم الاستقرار المتزامن مع المعاناة الانسانية، ونشاط إرهابي في المستقبل.

وفي شمال وشرق سوريا، رغم أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تجد نفسها في مأزق المعارضة في الجنوب أو الشمال الغربي، إلا أن فشل اللقاءات بين الادارة الذاتية والنظام السوري، نتيجة تزمّت الأخير حول مسائل تتعلق بسلطة الدولة، واستعادة الأجهزة الأمنية زمام الأمور في شمال وشرق سوريا في مناطق “قسد”، من شأنه أن يطيل حالة عدم الاستقرار في المنطقة، فمنح التفويض لأي جهة أخرى دون تشاركية فعلية، سيكون له تداعيات غير إيجابية، نتيجة تغليب المصلحة الحزبية والفئوية على العامة.

بالإضافة إلى ما سبق، ستثير الشرعية الزائفة للنظام السوري، حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في مناطق شمال وشرق سوريا، التي قد تؤدي لمواجهة مع الميليشيات المدعومة من إيران، والمزيد من الميليشيات المدعومة من تركيا، وهو سيناريو سيهيئ بيئة مناسبة لتنظيم داعش باستعادة دوره، ودور إيراني أكبر في تلك المنطقة، الأمر الذي سيترتب عليه آثاراً على الحملة ضد التنظيم، وضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

تمكين حلفاء النظام السوري

سيشجع التطبيع إيران على تشديد قبضتها على سوريا، وتوسيع نفوذها في لبنان والعراق واليمن، ومتابعة المزيد من الأنشطة المزعزعة للاستقرار، ليس في سوريا وجوارها فقط، وإنما الدول الخليجية كالبحرين والسعودية.

كما سيشجع وكلاء إيران، كحزب الله اللبناني، لتعزيز نفوذه العسكري في سوريا، والاستفادة من تحالفه مع نظام شرعي في سوريا، الأمر الذي سيشكل تهديداً مستمراً لإسرائيل، لتحالف حزب الله مع حركة حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني.

ولن ننسى أن التطبيع سيمكن روسيا من زيادة هيمنتها ونفوذها، ومن توسيع علاقاتها الإقليمية مع دول الخليج ومصر وليبيا، عبر سوريا.

الموقف الأمريكي

رغم تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة بعدم التطبيع مع النظام السوري، إلا أنها لا تزال تجري مراجعة لسياستها حيال هذا الأمر. فمنهم من يقترح تطبيع تدريجي على أساس مشروط، حيث يعتقدون أن نظام الأسد يبدو كعامل استقرار، وأن الولايات المتحدة بإمكانها الاستفادة من الحوافز الدبلوماسية، والمساعدة في إعادة الإعمار، وتخفيف العقوبات، بهدف تحقيق عدد من الأهداف الأمريكية، وبهذه الحالة بإمكان الولايات المتحدة تثبيت اتفاقية وقف إطلاق النار في إدلب، ودعم المفاوضات للعودة الآمنة، ودعم الإصلاح السياسي واحتواء الخصوم، كروسيا وإيران.

ويرى البعض الآخر، استمرار فكرة العزلة الكاملة لنظام الأسد. لعدة أسباب منها:

  • الاستقرار الهش لمناطق سيطرة النظام، حيث يمكن أن يُطلق على هذه السيطرة اسم “السيطرة الاسمية”، كونها ضعيفة، ومثال على ذلك ما حصل في درعا نتيجة الاشتباكات، وهذا دليل على عدم الثقة بالنظام السوري كعامل استقرار على المدى الطويل.
  • وسيط غير موثوق، لعلاقته المتينة مع إيران، وخرقه لاتفاقيات التصعيد، الأمر الذي يؤكد ضعف الحافز لدى النظام السوري لتقديم أي تنازلات للمعارضة، أو توفير عودة آمنة للاجئين.
  • ضعف للولايات المتحدة، ونفوذ أكثر لحلفاء النظام، وهما “روسيا وايران”، كعاملين مؤثرين في سوريا، واللذان سيبقيان كلاعبين أساسيين طوال حكم الأسد.
  • الاستمرار بعزلة الأسد، لأن إعادة أي علاقات دبلوماسية مع سوريا بالشكل الحالي، يشير إلى أن الأنظمة المارقة الأخرى، والمنتهكة لحقوق الانسان ستستمر بدون عقاب، كما أنها ستشجع النظام، وإعادة العلاقات سيؤيد ادعاء خصوم الولايات المتحدة، بنفاقها بشأن حقوق الانسان.

الموقف من التطبيع العربي المحدود مع النظام السوري

لم تُظهر الولايات المتحدة الأمريكية أي اعتراض فعلي على التطبيع الإقليمي مع النظام السوري، وخاصة من قبل شركائها من الدول العربية، ولم تفرض أي من العقوبات عليها، فهي تراها محدودة وغير مجدية لعدة أسباب، يمكن مناقشتها كما يلي:

  • شلل في دور الدول الخليجية في سوريا، ممن كان لها وزن سياسي، لغياب أي استراتيجية واضحة لها، نتيجة تباين مواقفها تجاه إيران، مما عطل لها أي دور مؤثر.
  • منع أي تحرك لإعادة الإعمار دون الشروع بحل سياسي، فكل محاولات التطبيع الإقليمي لن تفضي إلى أي تقدّم ملموس، لأن أي محاولة لتجاوز الحد يصطدم بفيتو أمريكي. نتيجة استمرار قانون قيصر، فالتحرك الإماراتي سيقتصر على المستوى السياسي والإعلامي، دون أي تقدم اقتصادي، والذي أثقل كاهل النظام، وتعتبر مشكلته الأساسية.
  • تشجيع التطبيع على المستويات الدنيا فقط، أو التواصل عبر طرف ثالث، ممن له سفارة في دمشق، وتحذير الشركاء من إعادة ضم سوريا إلى جامعة الدول العربية، والمنظمات الإقليمية الأخرى، والتي من شأنها أن تضفي المزيد من الشرعية على نظام لم يغير سلوكه بعد.
  • ثبات الموقف الأوروبي تجاه التطبيع مع النظام السوري، وربطه بإعادة الإعمار والعلاقات الدبلوماسية مع الحل السياسي، وهو موقف يتماشى مع الموقف الأمريكي.
  • موقف السعودية من التطبيع، والمرهون بمدى استعداد النظام السوري لاستبعاد الدور الإيراني، أو تقويض نفوذه في سوريا، وهو أيضا موقف يتماشى مع الموقف الأمريكي.
  • توضيح الولايات المتحدة لحلفائها وشركائها ما هو مقبول وغير مقبول بالنسبة لها، فوحشية تعامل النظام للبقاء في السلطة، لا يعني للعالم قبوله كطرف شرعي.

تمكين عبر شركاء على الأرض “قوات سوريا الديمقراطية”

في خضم الجدل حول التطبيع مع النظام السوري، وعدم رفض فعلي لواشنطن موجة التطبيع؛ هناك جهة أخرى، يمكن لواشنطن الاعتماد عليها، وتمكّنها من نفوذ أكبر في سوريا، وبمخاطر وتكلفة أقل، تتمثل هذه الجهة في حلفائها في شمال وشرق سوريا، أي “قوات سوريا الديمقراطية”، وإدارتها المدنية “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، فبالرغم من التصريحات الغامضة لمسؤولين أمريكيين تجاه استراتيجيتهم في سوريا، لكن هناك بعض التحركات التي توضح مسارها السياسي واستراتيجيتها في المنطقة، وأهمية اعتمادها على قوات سوريا الديمقراطية، وهي:

  • التزامهم باستمرار الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، يبدو كرسالة مباشرة إلى الجميع، بأن بقاءهم في سوريا سيكون لمدة غير محدودة، وأن دعمهم سيستمر لحلفائهم على الأرض “قوات سوريا الديمقراطية”.
  • التحرك الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، بما يضمن عدم حدوث أي توغل تركي جديد لمناطق حلفائها.
  • مع غموض فترة بقاء أمريكا في سوريا، فحلفائها المحليين هم أفضل خيار، لعقد صفقات اقتصادية وسياسية مع نظام الأسد في المستقبل. خاصة وأن الولايات المتحدة لا تنوي تخفيف أي عقوبات على النظام السوري بشكل مباشر.
  • ربط أي تسوية في سوريا، أو إعادة الإعمار مع أي جهة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”.
  • سعي الولايات المتحدة لترتيب سياسي جديد في شرق الفرات بشكل خاص، والذي اتضح من خلال تحركاتها المكثفة في هذه المنطقة، عسكرياً ودبلوماسياً، بزيارة وفود رفيعة المستوى إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية، واستقبالها لوفود من الأخير في الولايات المتحدة، مما يدل على أن التركيز الأمريكي بات ينصبُّ أكثر في هذه البقعة من سوريا، مع الضغط على باقي المناطق الخاضعة تحت سيطرة النظام السوري.
  • توفّر هذه القوات “قوات سوريا الديمقراطية”، إضافة نوعية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وقيود أكبر على نفوذ إيران في سوريا.

وفي الختام.. يمكن القول إنه إذا كان سعي جيران سوريا، أو أية قوى إقليمية أو دولية أخرى، يهدف إلى جني مكاسب، سواءً أكانت اقتصادية أو سياسية، ستكون هذه المكاسب محدودة بشكلها الحالي، ولن تؤدي لأي استقرار مستدام، سواءً في جنوب سوريا وشمالها أو شرقها وغربها، كما أنها لن تنعش اقتصاد أو نفوذ الطرف المفوّض، ولن تمنح الثقة لملايين اللاجئين، أو النازحين، أو المهجرين السوريين في الداخل والخارج، للعودة الآمنة.

فأي تحرك باتجاه الاستقرار، يحتاج لتبني نهج “خطوة مقابل خطوة”، وإشراف من القوى الدولية، كضرورة أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من أي معادلة، لأن أي عملية تفاوضية لا بد أن تسير لمصلحة طرفي النزاع،، فالإدارة الأمريكية، يجب أن تترجم مواقفها على أرض الواقع إلى إجراءات فعلية.

والنظام السوري وحلفائه، يرحبون بأي مبادرة للمصالحة وإعادة الإعمار، أو التطبيع الدبلوماسي والاستثمار، لكنه لا يقدم شيئاً بالمقابل، نتيجة تراخي الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه تلك التطورات. فوجود الأخيرين على الهامش، سيمنح القوى الأخرى التفاوض على أساس المصلحة الخاصة، والموافقة على أي خطوة من شأنها تدعم النظام السوري، وتقلل المكاسب المحلية، كالتفويض الأمريكي لتركيا لمواجهة خصومها في سوريا، والذي ترجم بشكلٍ عكسي، ومال أكثر إلى جانب الخصوم، حيث حققت مكاسب للنظام السوري، على حساب المعارضة.

اذاً، أي طرف مطبع أو وسيط – حتى الآن – لم يهتم بحل الأزمة السورية، وأصبح يقبل تدريجياً بعودة النظام السوري إلى المجتمع الدولي، وذلك نتيجة الافتقار إلى نهج دولي واضح وشامل، على الرغم من التأثير السلبي لسياسته، وخاصة الولايات المتحدة؛ الأمر الذي حفّز الآخرين أيضاً على الابتعاد عن دعم أي استقرار دائم لسوريا، لعدم وجود دور أمريكي مباشر، فالانتظار لمراجعة إدارة بايدن لسياسته في سوريا بهذا الشكل، دون أي تحرك فعلي، سيغيّب الاهتمام الغربي أو العربي نحو شيء لا يمكن تحقيقه، كونه غامض.

زر الذهاب إلى الأعلى