قضايا راهنة

قمة بايدن وأردوغان.. لا نتائج ولا انفراجة في العلاقات

باستثناء الصورة التي جمعت الرئيسين الأمريكي والتركي، خلال اجتماعات حلف شمال الأطلسي المنعقدة في بروكسل 14 يونيو 2021، والتي بدت إيجابية إلى حدّ ما؛ فإن نتائج اللقاء الذي استمر لمدة 45 دقيقة، كأول محادثة مباشرة بين الرئيسين، لم تكن بذات الوصف.

فاللهجة المتفائلة للاثنين، لم تقدّم أية نتائج أو تفاصيل حول كيفية إصلاح العلاقة بين البلدين، ولا إبراز أي خطّة لتخفيف التوتر بينهما. فالعلاقة التي كانت تربط ” أردوغان” مع سلف بايدن “ترامب”، كانت نابعة عن نهج جديد قائم على العلاقة الشخصية بين الرئيسين، لحل خلافاتهما. وهذا ما كان يعوّل عليه أردوغان، خلال لقائه مع “بايدن”، نظراً لتراكم الخلافات، بعد صعود الأخير، وانتقاده الشديد لتركيا أردوغان، الذي وصف العلاقة بأنها أكثر توتراً منذ 20 عاماً، فكان اللقاء فرصة للتطرق لحلها في قمة بروكسل.

لكن يبدو أن تراكم الملفات الخلافية، معقّدٌ، وأكبر من أن يتم حلها اعتماداً على علاقات شخصية، كما كان يحصل بين “اردوغان وترامب”، فعندما يُؤجل البحث في القضايا إلى اجتماعات لاحقة، على مستوى فِرق أمنية وسياسية، فإن ذلك يشير إلى أن لقاء القمة كان بلا نتائج، بسبب صعوبة التوافق، ونظراً لعمق الخلاف حول قضايا معقدة؛ يمكن اختصارها كما يأتي:

منظومة الصواريخ الروسية S-400

وهي من الملفات الشائكة بين الطرفين، وإحدى القضايا التي لم يثمر لقاء الرئيسين عن أية نتائج لحلها. فتصريح الرئيس التركي عقب لقائه مع بايدن، حول مسألة شراء أنقرة منظومة الدفاع الروسية S-400“، وثبات موقفه منها، تَلازم مع عدم ظهور أي موقف أمريكي حيال هذا الملف. وهذه إشارة واضحة لعدم التوصل الى أية نتيجة، أو تحقيق أي نصر لصالح أحد الطرفين. فهي من نقاط الخلاف الرئيسية التي لا تحل في 45 دقيقة، لاستحالة تراجع تركيا عن الصفقة، كونها تخصُّ أمنها القومي، بحسب تصريحات مسؤوليها، الذين يبدون رغبة تركيا في التفاوض حول استخدامها فقط، وليس التراجع عنها، مع إصرار الولايات المتحدة على تراجع تركيا عن الصفقة برمتها، وهي خطوة قد تضر بعلاقة تركيا مع روسيا، وتفضي إلى نتائج سلبية في العديد من القضايا والمصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما مؤخراً.

كل ما سبق، مؤشراتٌ توحي بصعوبة الوصول الى أية انفراجة، أو بوادر لحل هذه القضية، كونها لم تحمل أية نقاط، أو تقاطعات مشتركة بين الطرفين.

دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)

وهي من القضايا العالقة بين الطرفين، وإحدى نقاط الخلاف الرئيسية، كسابقتها، نتيجة الدعم المستمر للولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، لمواجهة الإرهاب، ورفضها قطع العلاقة معها، مقابل موقف تركيا الرافض لهذا الدعم منذ البداية.

وشكّلت هذه المسالة، إحدى الملفات التي حملها أردوغان، لعرضها على بايدن، وحلها على مستوى شخصي، كما كان يفعل مع “ترامب”، بعد فشل المحاولات سابقاً، بالإضافة إلى تصريحات العديد من المسؤولين في إدارة بايدن، والتي كانت ضمن إطار توجه الإدارة الجديدة بالاستمرار في دعمها لمقاتلي سوريا الديمقراطية.

فكانت إحدى مخرجات هذا اللقاء، هو عدم التوافق حول هذا الموضوع، وتأثيره السلبي على الجانب التركي، خاصة عندما عبر الرئيس التركي عن أسفه، لاستمرار المفهوم المنحرف لبايدن، الذي يميز بين المنظمات الإرهابية، ويقوم بالتصنيف على أساس “إرهابي جيد وآخر سيء”، وإن هذا الموقف سيشجّع على الإرهاب، يأتي هذا التصريح ليؤكد الرد الأمريكي في الحفاظ على مواقفه، ورفضه لمطلب تركيا بإيقاف هذا الدعم، أو تقديم أي مواقف إيجابية حيال هذا الملف، أو تعير أي اهتمام لشكاوي تركيا تجاهه.

عرض تركي غير قابل للتطبيق

أصبح أردوغان داخل حلف الناتو، كالمفسد الأكثر وضوحاً، والحليف الخطير؛ لدوره المثير للمشاكل ضمن هذا الحلف. كاتفاقيات شراء الأسلحة من دول غير الأعضاء في الحلف، وتباهيه بشراء منظومة S 400؛ ومنعه لخطة الدفاع المشترك لحلف الناتو عام 2019 في بحر البلطيق، ضد أي هجوم روسي محتمل ضد دولها. وبحسب رويترز فإن “الأتراك باتوا يحتجزون سكان أوروبا الشرقية كرهائن، ويمنعون الموافقة على هذا التخطيط، حتى يحصلوا على تنازلات”؛ بالإضافة إلى تخفيف تركيا حدة نبرتها بشأن الهجمات الإلكترونية الروسية، والتي تستهدف الولايات المتحدة.

ونظراً للالتزام المتين لبايدن تجاه الحلف، والذي يأتي على رأس جدول أعماله. جعلت فجوة المشاكل كبيرة بينه وبين أردوغان، خاصة فيما يتعلق بالتوترات الإقليمية، والتي تمتد من سوريا إلى ليبيا، إلى شرق المتوسط، ونشاطها المعادي لأعضاء الحلف، لدرجة الوصول إلى مناوشات، كما حصل بينها وبين اليونان وفرنسا؛ وهي مشكلة تفاقمت بسبب عدم معالجتها، حيث وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بـــ “الفيل في غرفة الناتو”، كنايةً عن حجم المشاكل الكبيرة التي تسببت بها تركيا داخل الحلف، وصعوبة ضبطها.

فكانت الخطة التركية، لإعادة دورها الأمني في الحلف، وإبراز نفسها كمحور أساسي فيه، هي عرضها لحراسة وتشغيل مطار كابول بعد انسحاب الولايات المتحدة، كخطوة استباقية لتخفيف الضغط الغربي على أردوغان، والرضوخ لإرضاء الولايات المتحدة، بتأكيد دورها كجندي للناتو، والمساومة بها لحل القضايا العالقة، ولو جزئياً.

إلا إنها ورقة ضعيفة، وغير مجدية لاستعادة هذا الدور، وإظهار حسن النوايا؛ فمن ناحية هدّدت حركة طالبان بمواجهة أية قوات أجنبية متبقية، وأصرّت على انسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد، ورفضت العرض التركي. ومن ناحية أخرى أشارت الولايات المتحدة إلى مخاوفها في مدى إمكانية الاعتماد على تركيا في هذا العرض، في ظل الخلافات القائمة بينهما.

كل ما سبق، يؤكد أن قمة الرئيسين – باستثناء الصورة التي جمعتهما، والمصافحة – لم تحقق أية نتائج أو أي انفراجة، لحلّ الملفات الخلافية، وعدم إحراز أي تقدم في مواضيع أخرى، كرفض إيقاف الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، وعدم جدوى الورقة التركية كمقترح للحصول على تنازلات من الطرف الآخر.

فاللقاء الذي كانت تعول عليه تركيا بشكل خاص، لعودة العلاقات كما كانت في السابق، والذي حظي باهتمام إعلامي كبير من الداخل التركي – كتداولها لصورة مصافحة الرئيسين قبيل اللقاء – ونظروا إليها كبادرة لحل الخلافات، لم يحمل سوى خيبة أمل بعدها للأوساط التركية، بمختلف مستوياتها، لاستمرار الخلافات؛ والتوافق فقط على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة لفترات لاحقة؛ وانعكست نتيجتها مباشرةً على سعر الصرف لليرة التركية، الذي تراجع من 8.34 إلى 8.58 ليرة، في مقابل الدولار الواحد، حيث أكّد الخبراء الاقتصاديون أنها هبطت إبان التصريحات التي أدلى بها أردوغان بعد لقاءه مع بايدن.

زر الذهاب إلى الأعلى