قضايا راهنة

أمريكا وإيران.. هل هي طبول الحرب التي تقرع؟

مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني؛ الجنرال قاسم سليماني، وأحد قادة الحشد الشعبي الموالي لإيران أبو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني من العام الفائت، تشهد المنطقة تحشيداً ملحوظاً للقوات الأمريكية والإسرائيلية، وذلك تحسباً من قيام إيران بعمليات انتقامية، عبر وكلائها في مختلف أرجاء المنطقة.

فقد أرسلت الولايات المتحدة طائرتين من طراز B52-H  ذات القدرات النووية (1)، للتحليق فوق منطقة الخليج العربي، إضافةً إلى إرسالها غواصة نووية؛ وسفنٍ أخرى إلى مضيق هرمز، لتوجه بذلك رسائل ردع إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث جاء ذلك بعد حصول الولايات المتحدة على معلومات تفيد بأنّ إيران ووكلائها في العراق، يخططون لشن هجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى نقلها صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى العراق.

في المقابل أيضاً نقلت بعض التقارير أنباء عن رفع إيران جاهزية قواتها البحرية والجوية، ومختلف قواها الأمنية في المنطقة، كما أنّ إسرائيل أرسلت إحدى غواصاتها عبر قناة السويس نحو مياه الخليج العربي.

الأجواء بشكل عام تنذر بحرب وشيكة الوقوع، سيما وأنّ الأزمة بين الأطراف المتصارعة؛ أمريكا وإسرائيل وإيران، بلغت أوج تعقيدها عقب اغتيال أب البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زادة في تشرين الثاني من العام الفائت، حيث اتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بالضلوع في عملية الاغتيال، بينما لم تتبنّ إسرائيل العملية، ولو أنّ الوقائع تشير إلى أن المستفيد الأكبر من عملية الاغتيال هذه هي إسرائيل بالدرجة الأولى، وهذا ما رجحه أيضاً نائب وكالة الاستخبارات الأمريكية المتقاعد دوغلاس وايس.

على الرغم من وجود أصوات متشددة داخل إيران تطالب برد عسكري انتقاماً لسليماني؛ وفخري زادة، لكن من المرجّح أن ينتهج النظام الإيراني سياسة “الصبر الاستراتيجي” في الوقت الراهن للمحافظة على قواعد اللعبة بينها وبين الولايات المتحدة، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى هدفه الاستراتيجي الذي يركز عليه، وهو الحفاظ على أركان قوته العسكرية الثلاثة، المتمثلة في البرنامج النووي، والصواريخ الباليستية، وتواجده العسكري في المنطقة عبر الوكلاء، وعدم تفويت فرصة التقارب المحتمل بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحقيق مكاسب عديدة تطمح إليها.
مطالب أمريكية وتزمّت إيراني

تتجنب إيران القيام بأية عملية تصعيدية، في انتظار تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الحكم بشكل رسمي في 20 كانون الثاني من العام الجاري، حيث من المتوقع أن يعمل بايدن على إعادة إحياء الاتفاق النووي، على الرغم من التعقيدات الكبيرة التي باتت تحيط بهذا الاتفاق، ورغبة الولايات المتحدة وحلفائها في تحويله من اتفاق نووي إلى اتفاق أمني شامل مع إيران، من خلال إدراج موضوع الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي الإيراني ضمن الاتفاق الجديد، لضمان عدم وصول إيران إلى السلاح النووي من جهة، ومن جهة أخرى للحد من الخطر الإيراني ضد مصالحها وعلى أمن حلفائها في المنطقة.

تشبه الأزمة المعقدة بين إيران والولايات المتحدة السير بين حقول ألغام، أو وسط شبكة من الأسلاك الكهربائية، فالطرفان يتقدمان بأنفاس محبوسة؛ تجنباً لأي خطأٍ في الحسابات قد يولّد صاعقة مدمّرة.

الإيرانيون متمسكون بموضوع الصواريخ البالستية والوجود الإقليمي، وهذا ما صرح به المسؤولون والقادة الإيرانيون مراراً وتكراراً، وجاءت آخر هذه التصريحات على لسان قائد القوة الجو_فضائية الإيرانية أمير حاجي زاده، حيث أشار إلى أنّ “البرنامج الصاروخي خط أحمر، ولن يسمح لأي مسؤول بالتفاوض حول القدرات الصاروخية للبلاد” (2).

الحال هي ذاتها فيما يتعلق بحلفاء إيران في المنطقة، فمن الصعب تصور تخلي إيران عن عمقها الاستراتيجي الذي دأبت على تعزيزه بالمال والسلاح والتكنولوجيا العسكرية التي توصف بالمتطورة، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل، وهذا ما أكده أيضاً المتحدث الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي “هيداي زيلبرمن”  في وقتٍ سابق، حينما قال إنّ إيران تقوم بصناعة طائرات مسيّرة وصواريخ ذكية في العراق واليمن، وأنّ بإمكان وكلاء إيران شنّ هجمات على إسرائيل من خلالها.(3)

وهذه القناعة الراسخة لدى إيران تتجلى في ما قاله المرشد الأعلى علي خامنئي، الجمعة، بمناسبة الذكرى السنوية لثورة أهالي مدينة قم ضد نظام الشاه عام 1978، إنّ عليهم تقوية حلفائهم الإقليميين التي تتواجد إيران من خلالهم في المنطقة، ولا ينبغي إضعافهم.

تصعيد إيراني لإنهاء العقوبات الأمريكية

بالتوازي مع ذلك، خفّضت إيران من التزاماتها النووية تدريجياً بالتزامن مع تشديد العقوبات عليها، حتى بلغ الأمر بها أخيراً إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في مفاعل “فوردو” النووي، بينما كانت النسبة المسموحة للتخصيب وفقاً للاتفاق النووي 3,67%،(4) وقد جاء رفع التخصيب ضمن قانون أقره البرلمان الإيراني تحت اسم “الإجراءات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات الأمريكية”، وهو يتضمن أيضاً إعادة تفعيل مفاعل “آراك” للماء الثقيل، كما كان عليه الحال قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ إيران ستبدأ بتركيب 1000 جهاز طرد مركزي حديث من نوع IR2M في المدى القريب في منشأة “نطنز” النووية تحت الأرض، إلى جانب عزمها على إنشاء مفاعل نووي آخر في بوشهر جنوبي إيران.(5)

وفي الوقت نفسه تتزايد وتيرة التهديدات الإيرانية بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة، ما يدفع بواشنطن إلى اعتبار ذلك ابتزازاً نووياً وتهديداً للأمن الإقليمي.

كل هذه الخطوات، تسعى إيران من خلالها إلى الضغط على الولايات المتحدة لإنهاء العقوبات المفروضة عليها، ولتعزيز موقفها في أي عملية تفاوضية جديدة محتملة بينها وبين الولايات المتحدة والقوى الدولية الفاعلة.

إلّا إن هذه الخطوات قد تكون مؤشراً للتحول في إيقاع الصراع في المنطقة. فقد نشهد تخلي الكثير من حلفاء إيران عنها بسبب إصرارها الكبير على تفريغ الاتفاق النووي من محتواه، وفي هذا الصدد اعتبرت روسيا إعلان إيران لتخصيب اليورانيوم بالنسبة المذكورة أعلاه، ابتعاداً عن الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، ومن الممكن أن تستغلّ روسيا خلافاتها مع إيران في سوريا وتظهر المزيد من التخلي عنها في ملفها النووي وصراعها مع المجتمع الدولي.

كما عبّر الاتحاد الأوربي أيضاً عن قلقه من الخرق الإيراني؛ وانتهاك الاتفاق النووي، والذي رأت أنّ ذلك سيكون له تداعيات خطيرة.

الصين أيضاً أدركت خطورة ما يجري، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وتجنب اتخاذ أي خطوات قد تؤدي إلى تفاقم التوترات.

إذاً، فأصوات حلفاء إيران باتت تعلو منددة بمضي إيران قدماً في الإخلال بخطة العمل الشاملة المشتركة، المبرمة بينها وبين مجموعة ما دول ما يسمى بـ (5+1)، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ أي أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، إضافةً إلى ألمانيا، ويمكن اعتبار هذه الأصوات مؤشراً على التحول المحتمل الذي قد يحدث في شكل الصراع، في حال استمرت إيران في نهجها وسلوكها القائم في الوقت الراهن.

إسرائيل لاعب مهم في الصراع

من المهم ألا نغفل عن دور إسرائيل في هذا الصراع، فإسرائيل تعتبر نفسها المتضرر الأكبر من الخطر الإيراني الذي بات يضيق الخناق عليها يوماً بعد آخر، حيث بتنا نرى أنّ وكلاء إيران في المنطقة هم أكثر انتشاراً وتسلحاً من أي وقتٍ مضى، وذلك على الرغم من أنّ إسرائيل لم تتوان عن التصدي لهذا الخطر خلال السنوات الأخيرة من الحرب الدائرة في سوريا، من خلال ضرب المواقع الإيرانية التي تقول إسرائيل أنها لصنع وتطوير صواريخ دقيقة، حيث نفذت خلال عام 2020 فقط 500 ضربة جوية(6) ضد هذه المواقع، وذلك للحيلولة دون التمركز العسكري الإيراني في سوريا، فضلاً عن منع انتقال المعدّات والتقنيات العسكرية المتطورة إلى حزب الله، هذا عدا عن الخطر الذي تستشعره إسرائيل، من الخطوات التصعيدية الأخيرة التي أقدمت عليها إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي، والذي دفعها إلى شنّ ضربات نوعية ضد المفاعلات النووية الإيرانية والمواقع الحيوية داخل الجغرافية الإيرانية خلال صيف العام الفائت.

جاء في التقرير السنوي لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي للعام 2020 أنّ إسرائيل ستدخل الحرب مع إيران إذا استمرت الأخيرة في التقدم نحو امتلاك القوة النووية، وهذا ما يحدث فعلياً على الأرض، كما اعتبر التقرير أنّ أكبر خطر يواجه إسرائيل في عام 2021 هو خطر وكلاء إيران، وشدد على ضرورة الوقوف في وجه هذه التهديدات من خلال استهداف “المحور الشيعي”(7)، الذي يتمثل في الجماعات الموالية لإيران دول المنطقة.

صعوبة التوصل لاتفاق على المدى القريب

يبدو جلياً أنّ حلّ الملف النووي الإيراني شديد التعقيد، لن يكون بالأمر اليسير، ولن يكون بإمكان الإدارة الأمريكية الجديدة العودة إلى التوافق مع إيران، في وقت قريب، كما كانت الحال عليه عام 2015، وذلك بسبب تعقد المشكلة، بعد بروز الأزمات العربية، ولا سيما في اليمن وسورية والعراق، والأحداث الساخنة التي استجدت في المنطقة، منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في أيار/ 2018، إضافةً إلى الضغط الكبير الذي بات يشكله حلفاء الولايات المتحدة، المتضررون، لعدم منح أي فرصة جديدة لإيران تساهم في إعادة حيويتها والمضي قدماً في تهديدها لأمنهم.

احتمال المواجهة المباشرة

هناك أصواتٌ من داخل إيران باتت تحذر من خطورة تأزم الأوضاع، وتنذر من حرب كارثية وشيكة الوقوع، حيث خاطب الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، قبل أيام، الرئيس حسن روحاني، يحذره من وقوع حرب مدمرة تقترب من الاشتعال، ستلحق الضرر بشعوب المنطقة كلها في حال وقوعها.

في الخاتمة، وفي ظل المعطيات والمؤشرات القائمة على الأرض، وفي حال استمرار التصعيد النووي من قبل إيران، وعدم التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يفضي إلى نزع فتيل الأزمة، فإنّ احتمال التصعيد وارد، ومن الممكن أن تتطور الأمور في البداية إلى مواجهات مباشرة بين وكلاء إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، سيما وأنّ هناك توجهاً أمريكياً لإدراج جماعة الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق على قوائم الإرهاب، وفي حال صدور ردود فعل مباشرة من إيران، قد يتوسع نطاق الصراع وتدخل إيران أيضاً على خط المواجهة، ولن يكون ذلك في صالح إيران بالدرجة الأولى، سيما وأنّه من الممكن أن تكون عزلتها قد ازدادت حينها،  لكن ضرر نشوب مثل هذا الصراع سيطال الجميع بالتأكيد، وفي مقدمتهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

المراجع والمصادر:

1- أمريكا ترسل قاذفتي B-52 إلى الشرق الأوسط لتوجيه رسالة جديدة إلى إيران_يناير / كانون الثاني 2021- https://cutt.us/40gLJ

2-حاجی‌زاده: قدرت موشکی در غزه و لبنان حاصل حمایت ایران است_2/1/2021 – https://cutt.us/fjEpL

3- نیویورک‌تایمز: آمریکا چند هواپیمای جنگنده را جایگزین ناو هواپیمابر نیمیتز در خلیج فارس کرد – 2/1/2020- https://cutt.us/UiCxu

4- البرنامج النووي الإيراني: طهران “بدأت بالفعل” تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة والاتحاد الأوروبي يحذرها- يناير/ كانون الثاني 2021- https://cutt.us/t2g9b

5-  إيران  تبدأ تشييد مفاعل نووي ثان بمحطة بوشهر- 10 نوفمبر 2019 – https://cutt.us/15dO5

6- 500 ضربة إسرائيلية في عام واحد– طوني فرنسيس – الاثنين 14 ديسمبر 2020- https://cutt.us/p5J24

7- ارزیابی راهبردی اسرائیل برای سال ۲۰۲۱؛ ایران «وخیم‌ترین» تهدید است- فرنوش رام- 6/1/2020- راديو فردا- https://cutt.us/9oU81

زر الذهاب إلى الأعلى