قضايا راهنة

كيف ينتخب الأمريكيون رئيسهم؟؟….. “جولة في أروقة القرار الأمريكي”

 

**تلك القوة التي تدخل في مسارات التمدد والهيمنة على العالم، وتبتعد أكثر فأكثر عن قمرة قيادته**

يعتقد المرء للوهلة الأولى، أن عملية انتخاب الرئيس الأمريكي، تتم بناءً على أسس الديمقراطية الغربية المعهودة؛ وعلى غالبية أصوات الناخبين من الشعب الأمريكي. إلا إن ما يحدث حقيقةً مغاير لذلك تماماً. فهذه العملية كغيرها، تدخل في سياق سيرورة المنظومة الرأسمالية، وترسيخ بنيانها. حيث لا يتم انتخاب الرئيس مباشرة، وفق الاقتراع الشعبي للأمريكيين، وإنما بطريقة الانتخاب غير المباشر (Indirect Election)؛ من خلال الهيئة الانتخابية، أو ما درج على تسميته بالمجمع الانتخابي (Electoral College)؛ القضية التي تدخل برأينا، في سياق الآلية، التي سار عليها الآباء المؤسسون (Founding Fathers Of the United States)، في الحفاظ على سيرورة آليات النظام، وحماية مصالح النخبة، التي تملك الثروة والقوة، وخاصة أصحاب كبرى الشركات الأمريكية، بمختلف قطاعاتها الاقتصادية (شركات الأسلحة، شركات الطاقة والنفط، كبرى البنوك والمصارف).

وقبل أن نقدم شرحاً، لآلية انتخاب الرئيس الأمريكي. نرى من الأجدر، التطرق إلى مسألة هامة، مرتبطة بهذا الجانب الأهم في الحياة السياسية، للولايات المتحدة الأمريكية، وهي كيفية صناعة القرار الأمريكي (American decision-making). وهل يملك صاحب كرسي الرئاسة في البيت الأبيض الإرادة الحرة في قراراته أم لا؟

هيمنة النخبة على القرار الأمريكي (Elite dominance)

في سياق تطورها، لم يشهد التاريخ دولةً، أو امبراطورية، اجتمعت لديها أسباب القوة، كما اجتمعت لدى الولايات المتحدة الأمريكية؛ منذ التأسيس وحتى الآن. تلك القوة التي تدخل في مسارات التمدد والهيمنة على العالم، وتبتعد أكثر فأكثر عن قمرة قيادته. إن جُلَّ ما يتم وضعه من أسس وقوانين لهذا التطور، يدخل في إطار واحد، لا يحيد عن ما وضعه الآباء المؤسسون. وهو الحفاظ على الأسس الرأسمالية، كنظام اجتماعي اقتصادي، يتمحور حول مسألة واحدة، لا بديل عنها وهي الربح. حيث تساق في كينونته قواعد الحياة في الولايات المتحدة؛ ورسم مسار تطورها، وعلى أساسه تحاك خيوط علاقاتها مع باقي دول العالم. هذا ما يمكن أن يلخص لنا، أو يعطينا مؤشراً واضحاً، عن بنى وآليات صناعة القرار الأمريكي، الذي تسيطر عليه بالدرجة الأولى، الطبقة الرأسمالية باختلاف صور تواجدها، والتي تسعى إلى استمرار مصالحها، وتحسينها وتطويرها. من خلال توطيد علاقاتها، بالبنى السياسية الرئيسية، وتسخيرها لتهيئة الأرضية المناسبة، سياساً وثقافياً واقتصادياً وقانونياً، لعملية استمرار عجلة الربح بالدوران.

وعلى الرغم أن صاحب القرار السياسي؛ هو المتحكم الأوفر حظاً، في مسألة صناعة القرارات، المتعلقة بجوانب حياة الأمريكيين، وإصدارها، إلا إنه يخضع بدوره، لما يمكن تسميته بنخبة القوة (The Power Elite )؛ بأطرافها الثلاث، والمتربعة على أعلى قمة هرم النظام السياسي الأمريكي؛ وتتحكم بمسألة، إصدار القرارات المصيرية، المتعلقة بالسلم أو الحرب. والأخرى، المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية، أو تلك الناظمة للحياة الاقتصادية والمدنية والاجتماعية؛ داخل الولايات المتحدة. وكلها وعلى جانبي الضفتين، الداخلية والخارجية، يجب أن تدخل، في سياق تحقيق، مصالح النخبة المالكة للثروة والقوة دون مواربة. وتتشكل هذه النخبة القوية، القليلة العدد، والتي تحتكر القرار السياسي الأمريكي من تحالف ثلاثة أطراف أساسية تتحكم بسيرورة حياة الأمريكيين تلك الحياة التي يتم إظهارها بأبهى صور الديمقراطية وأرقاها في العالم، نتيجة سيطرة تلك القوى على وسائل التسويق والثقافة والإعلام بزخم لا مثيل له. وهذه الأطراف هي السياسيون المحترفون قليلو العدد، إلى جانب مالكي كبرى المصارف والشركات الاقتصادية الأمريكية الصناعية والخدمية والالكترونية؛ ثم تأتي نخبة كبار جنرالات وضباط الجيش الأمريكي. وتحتكر هذه النخب لنفسها صناعة بناء القرار السياسي الأمريكي، بالاستناد لآليات دستورية وقانونية تم تكوينها بالأساس لخدمة مصالح تلك النخب كما أشرنا إلى ذلك سابقاً. فإلى جانب أن تلك النخب تشغل مناصب عليا في مؤسسة الحكم والإدارة الأمريكية فهم يشتركون بنسق واحد من الأيديولوجيا والقيم الرأسمالية التي تسير على تحقيق الربح وتحقيق مصالح أصحاب الثروة على حساب مصالح غالبية الشعب الأمريكي.

تقسيمات دستورية وعصي في العجلات

لم يكن يشغل أعضاء لجنة الدستور الأمريكي ( The U.S. Constitutional Commission) الذي أُقرَّ في عام 1789 قضية أكثر من قضية الحفاظ على مصالح النخبة صاحبة الثروات؛ والحفاظ على آليات التوازن جغرافياً واقتصادياً لامتيازات هذه الفئة. لذلك جاء الدستور الأمريكي مبنياً على مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ الفيدرالية. الأول ينظم الحياة السياسية على الصعيد الوطني والثاني لا يسمح للحكومة المركزية باحتكار السلطة.

يتلخص جوهر الجانب الأول في عدم استفراد أي من السلطات التشريعية أو القضائية أو التنفيذية بعملية صناعة القرار الأمريكي، وأن يتم تنصيب كل من السلطة القضائية المتمثلة بالمحكمة العليا للولايات المتحدة؛ والسلطة التشريعية المتمثلة بالكونغرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) والسلطة التنفيذية التي يقودها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كمراقبين على بعضهم يعملون على توازن السلطات الأخرى. حيث يحق للكونغرس الأمريكي أن يضع العصي في عجلة القرارات الرئاسية ويوجه التهم للرئيس لدرجة تصل إلى عزله؛ إذا ثبت إدانته بقضايا الفساد أو الخيانة أو أية جرائم وجنح يعاقب عليها القانون الأمريكي. وعلى الرغم من أن الدستور قد خوَّل جميع السلطات التشريعية للكونغرس الأمريكي، إلا أنه سمح للرئيس بنفس الوقت أن يستخدم حق الفيتو ضد أية قرارات يمكن أن يصدرها الكونغرس (ما عدا التعديلات الدستورية) ويراها هو قرارات غير صحيحة أو جائرة بحق الولايات المتحدة وشعبها.

أما الجانب الثاني فيضمن تقسيم السلطة على كامل المساحة الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية بحيث تتوزع بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات المحلية، بغية عدم ترك المجال دستورياً لحكومة المركز للاستفراد بالسلطة واصدار أية قرارات قد تتعارض مع مصالح فئات النخبة المتواجدين في الولايات البعيدة أو القريبة من الحكومة الوطنية.

صلاحيات الرئيس الأمريكي ومراكز الدعم (Powers of the US President)

وفقاً للدستور الأمريكي تتلخص اختصاصات الرئيس الأمريكي في “رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وقيادة الجهاز التنفيذي، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولجهاز الشرطة، ويعد أيضاً رئيس جميع الموظفين في الدولة، وله الحق في إعلان حالة الطوارئ وحق إصدار العفو وابرام المعاهدات بشرط موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين، وللرئيس حق التصرف في الشؤون الخارجية، فهو مفوض في تعيين كبار موظفي السلطة التنفيذية وكبار ضباط القوات المسلحة بشرط الحصول على موافقة مجلس الشيوخ”.

من هنا نستطيع ملاحظة أن العديد من القرارات التي تدخل ضمن اختصاص الرئيس، تحتاج إلى موافقة الكونغرس؛ وبموافقة الثلثين كما ورد في الدستور، خاصة تلك القرارات المتعلقة برسم السياسة الخارجية، وإبرام المعاهدات، وتعيين السفراء، وإعلان الحرب. ولعل الورقة الأهم التي يملكها الكونغرس في مواجهة الرئيس؛ هي سلطته بإقرار الميزانية العامة المالية للولايات المتحدة الأمريكية (United States federal budget) التي من خلالها يمكن للرئيس التحرك نحو تحقيق سياساته وبرامجه، فبغياب الدعم المالي لا يمكن له المضي نحو تحقيق خططه وأهدافه. ومن هذه الزاوية فإن الرئيس يخضع لسلطة الكونغرس بشكل عام.

ولكن من خلال الممارسة العملية لتاريخ الولايات المتحدة، يمكننا ملاحظة أن كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، هو الأكثر حضوراً على الساحة السياسية الخارجية للولايات المتحدة، فمثلاً من أصل 130 حرباً أعلنتها الولايات المتحدة؛ اتخذ الكونغرس قرار إعلان خمس منها فقط،، والباقي كلها أعلنها رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية؛ بدون ممانعة من الكونغرس، ويعود السبب في ذلك وكأن الكونغرس قد سلم ضمنياً القرارات الخارجية للرئيس اعتماداً على أنه يوجد حول الرئيس من الأجهزة والوكالات التي تعينه على اتخاذ القرار المناسب، فضلاً عن أن معظم تلك القرارات المتعلقة بالقيام بعمليات عسكرية؛ كانت تتخذ بعد تعبئة الرأي العام بضرورة حماية الأمن القومي الأمريكي، وإبعاد التهديدات المباشرة عن الشعب.

في هذا السياق توجد العديد من مراكز الدعم، التي تقدم الرأي والمشورة للرئيس للنظر في مختلف السياسات والخطط التي يريد تنفيذها، وهي تشكل روافد حقيقية للمعلومات، والآراء التي قد تخدم الرئيس في تنفيذ خططه وسياساته وهذه المراكز هي:

  • مجلس الأمن القومي: ويتألف من وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ووزير المالية ورئيس هيئة الأركان. يرأس المجلس شخص رئيس الولايات المتحدة. يقوم المجلس بتقديم الرأي والمشورة للرئيس، وصياغة الأفكار الرئيسية للقرارات المختلفة في ما يخص العديد من المسائل والخطط الاستراتيجية المتعلقة بالسياسة الخارجية، والدفاع والسياسة الاقتصادية للولايات المتحدة في العالم.
  • وكالة الاستخبارات المركزية: وهي من أكثر الهيئات فعالية في مجال تقديم المعلومات العسكرية والاقتصادية والسياسية لمجلس الأمن القومي، والتي يمكن على أساسها أن تتحرك الولايات المتحدة بشأن أية قضية تهم الأمن القومي الأمريكي في العالم. كما تقدم الوكالة المعلومات والتوصيات المتعلقة بمختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية للهيئات الحكومية الأخرى والوزارات.

وتأتي وزارتي الدفاع والخارجية كمؤسستين تتبعان للجهاز التنفيذي، تلعب الأولى دوراً فعالاً في صناعة القرار الأمريكي إلا أن الثانية لا تملك الكثير من آليات الضغط على الرئيس حول صناعة القرار بل يمكن أن يكون لمستشار الأمن القومي دوراً أكبر في ذلك من وزير الخارجية وهذا الاتجاه أرساه ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، عندما شغل هذا المنصب أيام الرئيس نيكسون.

جدير بالذكر أن هناك العديد من المؤسسات التي تساهم بشكل فعال في تخطيط السياسة الأمريكية، وفي كتابه “من هم صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ؟” يعدد معن آل زكريا هذه المؤسسات، مثل: مجلس العلاقات الخارجية، ومؤسسة بروكنج للأبحاث، ولجنة التنمية الاقتصادية، ومؤسسة راند للأبحاث، ومعهد هيدسون للأبحاث، وأدوات المخابرات المركزية، ودوائر مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويشير إلى أن تلك المجالس والمؤسسات تضم شخصيات في قمة السلطة تمثل: الحكومة، والشركات الكبرى، والمؤسسات الصناعية متعددة الأنشطة، والبنوك، والمؤسسات الصحفية، ورجال القانون، والشخصيات الإعلامية التي تعد الرأي العام داخل وخارج الولايات المتحدة لأحداث التغيير المطلوب.

قوى الضغط في قلب دائرة صناعة القرار (Lobbyists)

تُعرَّف قوى الضغط بأنها مجموعة من الأفراد؛ تربطهم رابطة معينة تسعى للتأثير على القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ التي تصدر عن السلطة التنفيذية أو التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تقوم هذه الجماعات على بنية اقتصادية أو مدنية أو عرقية، وجدير بالذكر أن الدستور الأمريكي منح هذه الجماعات حرية الحركة، والنشاط داخل أروقة صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية. وعادة ما يبقى نشاط هذه الجماعات مستمراً، وليس فقط في أثناء الانتخابات؛ كما هو الحال لدى الحزبين الرئيسيين في البلاد، وذلك لضمان تحقيق مصالحها، وتقديم مشروعات القرارات والقوانين التي تسير في ذات السياق. إلا أن المهمة الأكبر لهذه الجماعات؛ هي تمكين وإيصال الشخصيات التي تتعهد بتنفيذ مطالبها؛ وتحقيق مصالحها للفوز بانتخابات مجلسي الشيوخ والنواب؛ وحتى الوصول إلى كرسي الرئاسة كما حصل عند اجتماع أحد ممثلي شركة غولدمان ساكس؛ عملاق المال والأعمال الأمريكي وهو سيدني واينبرغ، مع حاكم ولاية نيويورك فرانكلين روزفلت، ليصبح بعدها رئيساً للولايات المتحدة. لاحقاً استعان روزفلت بـ واينبرغ لإنشاء مجلس استشارات الأعمال؛ الذي تم تعديل تسميته لاحقاً ليصبح مجلس الأعمال، وهو قناة يستطيع رجال الأعمال التواصل من خلالها مع صُنَّاع القرار، والتأثير عليهم وتوجيه سياساتهم. ونظراً لضخامة المبالغ التي تصرفها في هذا المجال والعون المادي الكبير الذي تقدمه للمرشحين، فهي تضمن أن ينفذوا مطالبهم ويعملوا على بناء السياسات وإصدار القرارات التي تتماشى مع استمرارية امتيازاتهم وزيادة أرباحهم.

وفي أحيان كثيرة تكون هذه الجماعات ممثلة في العديد من اللجان التي يتم تشكيلها من قبل السلطة التنفيذية، لدراسة الأوضاع الاقتصادية وخاصة لجان الطاقة وفرض الضرائب. كما جرت العادة أن يعقد ممثلون عن هذه الجماعات وعلى وجه الخصوص (الدائرة المستديرة لرجال الأعمال التي تضم 140 شركة) جلسة سنوية مع الرئيس الأمريكي، وجلسات أخرى مع الوزراء تتركز على القضايا الرئيسية التي تهم مصالح أصحاب هذه الشركات والسياسات المالية الضريبية المتعلقة بها وبرامج الدعم المنتجين الصناعيين والزراعيين وسياسات الإنفاق الحكومي وسواها والتي تصب بالنهاية في خانة زيادة أرباح هذه الشركات ونموها واستمراريتها. وفي هذا السياق نذكر أيضاً جماعة المجمع الصناعي العسكري الذين تنتعش مصالحهم وتزداد أرباحهم كلما اتخذت الولايات المتحدة قرار الحرب أو العمل على اشعال الحروب في مناطق مختلفة في العالم وزيادة بؤر التوتر فيها.

كما تأتي جماعة “آيباك” “Aipac” اليهودية كإحدى أكبر جماعات الضغط تأثيراً في العديد من قرارات السياسة الخارجية التي تصدر عن الإدارة الأمريكية وخاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، أو تلك المتعلقة بالسياسة الأمريكية تجاه اسرائيل وأسس بناء العلاقات الثنائية الأمريكية الاسرائيلية بما يضمن مصالح اسرائيل العليا المرتبطة بمصالح أمريكا الاستراتيجية في المنطقة والعالم، كما تحاول أن تظهره آيباك، وذلك من خلال اتصال أعضائها المستمر الذين ينوفون عن المائة ألف مع أعضاء الكونغرس والحكومة، وتسليمهم تقارير تتضمن أوضاع اسرائيل وتتواصل مع الشخصيات ذات التأثير أو الأعضاء في لجان تقديم المعونات للدول لضمان استمرارية حصول اسرائيل على المساعدات الأمريكية، وحرمان الدول التي تعادي منها.

آلية انتخاب الرئيس الأمريكي (Election Mechanism)

تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بين دول العالم بآلية انتخاب رئيسها. فبالرغم من أنه يتم إجراء اقتراع عام في عموم الولايات الأمريكية لاختيار شخص الرئيس، إلا أن ذلك يعتبر فعل غير مباشر لعملية الاختيار. ذلك أن الاختيار النهائي يعود لما درج على تسميته بالمجمع الانتخابي (Electoral College) المكون من 538 عضواً يمثلون جميع الولايات الأمريكية بحسب عدد سكانها وتأتي ولاية كاليفورنيا بالمرتبة الأولى من حيث عدد الأعضاء في المجمع الانتخابي حيث يبلغ عدد ممثليها 55 عضواً ثم تكساس بـ 38 عضواً ويشكلون معاً نسبة 17.28% من مجموع الأعضاء وبالتالي فهما يشكلان وزناً نوعياً كبيراً داخل المجمع الانتخابي.

تتم عملية انتخاب الرئيس الأمريكي على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى– مرحلة انتخاب مرشح كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهي العملية التي يقوم بها أعضاء الحزبين في جميع الولايات الأمريكية.

المرحلة الثانية– وهي سباق الوصول إلى الرئاسة بين أولئك المرشحين. حيث تتم الانتخابات في بداية تشرين الثاني كل أربع سنوات يدلي فيها الناخبون الأمريكيون بأصواتهم للمرشح الأوفر حظاً على مستوى الولاية فقط، وبذلك يحصل المرشح الفائز في الولاية على أصوات مندوبيها في المجمع الانتخابي.

المرحلة الثالثة– وهي المرحلة النهائية، فبعد الانتهاء من عملية الاقتراع الشعبي في عموم الولايات الأمريكية، يجتمع المجمع الانتخابي؛ للعمل على انتخاب الرئيس؛ حيث يدلي كل عضو بصوته للمرشح الذي نجح في ولايته، ونادراً ما يحدث خلاف ذلك، على الرغم من أن لا شيء قانوني أو دستوري يمنع من ذلك، ويفوز المرشح الذي يحقق النصف زائد واحد؛ أي 270 صوتاً من أصل 538 صوت.

وبناء على هذه الآلية يمكن أن يحقق أحد المرشحين عدداً من الأصوات في عموم الولايات المتحدة أكثر من المرشح الآخر، إلا إنه قد يخسر السباق في المجمع الانتخابي، كما جرى أثناء الانتخابات الأخيرة في عام 2016 عندما حصلت كلينتون على عدد من الأصوات يفوق ب 3 مليون ما حصل عليه منافسها الجمهوري ترامب، إلا إن ترامب حصل بالنهاية على 304 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 227 صوت لكلينتون، ليفوز بكرسي الرئاسة الأمريكية الذي يصارع عليه الآن منافسه الديمقراطي الجديد جون بايدن.

أخيراً، لا بد من القول أن شخص الرئيس الأمريكي، وآليات صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يحكمها مسألة الانتماء الحزبي سواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً، فشخص مثل ديك تشيني الذي كان ينتمي لأقصى أطراف الجمهوريين؛ أو إدوارد كيندي الذي كان ينتمي لأقصى أطراف الديمقراطيين؛ ينتميان إلى منظومة بنيوية رأسمالية واحدة، تسعى إلى خلق المناخات المناسبة لعمل آليات النظام، وخاصة تعزيز الحرية الاقتصادية، والسعي لتحقيق الربح، والحفاظ على روح المبادأة الفردية، وكف يد مؤسسات الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية أو تنظيم قوانينها، والإبقاء على نظام السوق الحر. كل ذلك يعود بنا إلى الفكرة المحورية لهذا المقال وهو أن معظم الآليات التشريعية والسياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية عادة ما يتم تسخيرها لمصلحة استمرارية وتعزيز امتيازات النخبة من أصحاب الثروات والقوة الذين يتربعون أعلى قمة الهرم السياسي ليس الأمريكي فحسب وإنما العالمي برمته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى