مقالات رأي

في ذكرى العدوان على “سري كانييه/ رأس العين” عامٌ على الكارثة الانسانية المستمرة

في الوقت الذي كان العالم يحتفي بإقصاء الإرهاب من سوريا، والقضاء على أخطر تنظيم ارهابي، والتمهيد لمرحلة السلام الدائم، بدأت تركيا تشن حربها بحجة ضرب الإرهاب؛ لكن ليس ضد تنظيم الدولة الاسلامية؛ أو الجماعات الاسلامية المتشددة، إنما ضد من كانوا السبب في إنهاء هذا الإرهاب وهي (قوات سوريا الديمقراطية)، فتركيا تنظر إليهم على أنهم إرهابيون، في وقتٍ ينظر إليهم باقي العالم على أنهم أبطال. فبدأت حربها باجتياح مدينة رأس العين/سري كانييه، تحت مسمى ” نبع السلام ” والتي استخدم فيها كافة أشكال الجرائم؛ التي دمرت السلام، ليس في المنطقة فحسب، إنما للعالم أجمع، باستخدامها القوة المفرطة، والأسلحة المحرمة دولياً، والتي ترقى إلى جرائم حرب، شجعتها عوامل عدة في استخدامها هكذا قوة، دون أي اعتبار لردات الفعل، لمحاسبتهم على أعمالهم، نتيجة جرائم سابقة ارتكبتها؛ والتي لم تلق أي ادانات فعلية أو محاكمة دولية. فكانت النتيجة ازدياد سطوتها؛ وبطشها؛ ليس في سوريا فحسب، وإنما داخل أراضيها أيضاً، فلا يخفى عن الجميع، ما فعلته بداية عام 2018؛ حيث محاصرتها لمدن كردية كبرى؛ في جزئها الجنوبي الشرقي، كديار بكر؛ ونصيبين، والمئات من البلدات والقرى، وتدميرها إلى حد كبير، وإظهارها للناس على أنها ضرورة عسكرية، علماً أنها كانت واضحة للجميع، بأنها أعمال انتقامية، حيث قتل عشرات المدنيين؛ حتى بعد توقف القتال. ولم يحاسبها أحد على أعمالها هذه. فكانت الفرصة لتكرار التجربة في الجزء الآخر، خلف حدودها، حيث كانت ذريعة قادتها بأن الكرد يستهدفون المدنيين؛ مما مهد لتدمير القرى والبلدات؛ كما فعل في الجهة المقابلة، داخل أراضيها بحجة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني؛ أو الموالين له، لكن نتائج أعماله جاءت كنتيجة انتقامية لكافة مكونات المناطق التي غزاها، أو يحاول غزوها في الشمال السوري وشمال شرقه، وتدمير قراهم ومنازلهم واحتلالها.

لكن تركيا لم تكن لتقدم على هكذا خطوة في شمال وشرق سوريا؛ ما لم تجد المناخ الملائم لتنفيذ عمليتها، والتي شجعتها على استخدام القوة المفرطة، وانتهاك حقوق الانسان باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، خلفت كارثة انسانية بأسبابها ونتائجها:

جرائم حربٍ ارتُكبت … حيث جاءت هذا الكارثة بعد قرار انسحاب الولايات المتحدة من شمال شرق سوريا، بحجة إنتهاء مهمتها في التخلص من الإرهاب، مما أسس لحرب دموية أكثر شراسة. فالقرار الخاطئ، كان كافياً لضرب الاستقرار وحفظ الأمن، مما مهد لتركيا لحرب مدمرة، انتشرت خلاياها على كافة الشمال السوري في شرقه وغربه.

فعندما يشير الحليف الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا بالانسحاب من مواقع تمركزها في شمال وشرق سوريا، دون أي ضمان، أو حماية لشركائها في حربها ضد داعش، هذا يعطي لتركيا الضوء الأخضر، والفرصة لتنفيذ عمليتها، فترك الولايات المتحدة للحليف يعني لتركيا أن تتصرف كما تشاء، فذهبت الأخيرة إلى مشروع الإبادة، باستخدام كافة الأسلحة المحرمة، والقوة المفرطة دون تمييز بين مدني أو عسكري، أو منشأة عسكرية أو صحية أو مدنية.

أسلحة محرمة استُخدمت … ما شجع تركيا على استخدام الأسلحة المحرمة، وارتكاب جرائم حرب في مناطق شمال وشرق سوريا، حيث وجدت الساحة السورية مكان للإفلات من أية عقوبات، كونها شهدت أفظع الجرائم ضد الانسانية، وعلى الرغم من الكم الهائل للوثائق والأدلة لكافة المنظمات على هذه الجرائم، إلا أن منفذوها نجوا من العقاب، وهذا ما شجع تركيا على ارتكابها؛ كونها سابقاً أفلت منها مواليها في مناطق أخرى، فمثلاً ما يدعون بفيلق أحرار الشرقية، وهو فصيل موالِ لتركيا، ارتكبوا انتهاكات؛ وجرائم حرب في عفرين أثناء احتلالها، وعلى الرغم من نداءات من المنظمات العالمية، وتعهد ما يسمى بالجيش الوطني بمحاسبتهم، إلا إنهم أفلتوا من أية محاكمة أو ملاحقة وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية، وهي الفصائل نفسها، التي ارتكبت أبشع الجرائم في جنوب بلدة تل أبيض، عندما أعدموا تسعة أشخاص رمياً بالرصاص، بينهم الرئيسة المشتركة لحزب سوريا المستقبل “هفرين خلف”، وغيرهم من الفرق الطبية، والأسرى الذين أعدموا ميدانياً، وبأفظع الأساليب.

ما يعني أن الجيش التركي؛ والميليشيات الموالية له؛ لديهما عامل مشترك؛ لارتكابهم جرائم حرب في سوريا، وهو استبعاد محاكمتهم وافلاتهم من العقاب، كما حصل سابقاً، فكان هذا دافعهم، لارتكاب ما فعلوه من مجازر منذ بداية توغلهم في سري كانييه/ رأس العين، وبما لا يقل عن أسبوع من بدء الهجوم، باشرت باستخدام كافة الأسلحة والمواد المحرمة، وهو ما وثقته المنظمات والصحف الصور والفيديوهات.

عام حافل بسجل من الجرائم والانتهاكات … اتباع تركيا أساليب البطش، والتعسف بحق سكان تلك المناطق المحتلة في سوريا، كان كافياً لانعكاس صورة السلام التي روج لها النظام التركي، فالفصائل السورية الموالية لها، خلفت سجل حافل بجرائمها في مختلف المناطق التي احتلتها بسوريا، كما في عفرين؛ رغم محاولاتها تحسين صورتها، بتغيير أسماء عملياتها، لتضيف إلى سجلها القديم، جرائم أبشع؛ خلال هجومها على سري كانييه و گري سبيه؛ تحت مسمى “نبع السلام” ففي مثل هذا اليوم، “مدنيين أُعدموا بالرصاص، طُرق انقطعت، عمليات اعدام نُفذت”، متباهين بأفعالهم تلك، لتبدأ رحلة نزوح مئات آلاف المدنيين من قراهم وبلداتهم.

ومع مرو الوقت وحتى الآن؛ حافظت تلك الفصائل على سجلها البشع، بانتهاكات وتعذيب بحق سكان الأهالي، وسرقة ممتلكاتهم، واعتقال أبنائهم، بالإضافة إلى فرض أتاوات على السكان، وتصدير مواسمهم إلى تركيا، وإجبار من تبقى من الأهالي للرحيل، وتوطين عائلات فصائلها الموالية، لتواصل نهجها بالتغيير الديمغرافي كما فعلت في عفرين.

ولا ننسى الجريمة الكبرى بإيقاف محطة المياه (علوك) التي كانت تغذي مدينة الحسكة بمياه الشرب، لتسبب كارثة انسانية كبرى هناك.

محاكمة تركيا واجب قانوني وأخلاقي … كانت الحجة الرئيسية لتركيا؛ هو حقها في الدفاع عن النفس؛ بموجب رسالة وجهتها للأمم المتحدة على أساس المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، على أساس وجود تهديد إرهابي وشيك. لكنها تجاهلت ما تبقى من نص هذه المادة، الذي ينص على حقها في الدفاع؛ في حال حصول هجوم مسلح على أراضيها، واكتفت ببداية المادة “حق الدفاع عن النفس”. إلا أن هذه العملية ترقى إلى انتهاك واضح، لاستخدام القوة المفرطة، وعدوان واضح على أراضي دولة أخرى، دون أي مبرر قانوني، وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، هي “جريمة عدوان”، المادة 8 مكرر من النظام الأساسي، الفقرة 1، بقيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم أو دولة أخرى، أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عنه استعمال القوة، (ب) القيام بقصف إقليم الدولة الأخرى بالقنابل، أو استخدام الأسلحة. (ز) إرسال عصابات، أو جماعات مسلحة، أو قوات غير نظامية، أو مرتزقة من جانب دولة ما ضد دولة أخرى بأعمال القوة المسلحة، تعادل الأعمال العدائية أعلاه. وبهذه الحالة وبموجب المادة 15 مكرر من النظام الأساسي، تمارس المحكمة الاختصاص بشأن التحقيق بشأن جريمة العدوان وفقاً للمادة 13، بالإضافة للنظر إلى اتخاذ قرار من مجلس الأمن بشأن وقوع هكذا عدوان.

لكن يبدو أن القانون في مثل هذا اليوم، كان غافلاً عما يحدث، ولا يزال حتى الآن، فتركيا صرحت ومهدت لعدة مرات باستخدامها للقوة داخل الأراضي السورية، ولم تجد أية ممانعة فعلية أو تنديد، مما شجعها على هذا العدوان. متجاوزة كل هذه القوانين بعدوانها المستمر حتى اليوم، وبهذه الحالة فالمجتمع الدولي، وحلف الناتو كونها عضو رئيسي فيه، يتحمل مسؤولية هذا العدوان، فتركيا هي طرف في الكثير من هذه المعاهدات، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الانسان، والعهد الدولي، والقانون الدولي، والاتفاقيات الأوروبية لحقوق الانسان، التي تلزمها بالعمل وفق قوانينها، وهنا لا بد أن يلتزم مجلس الأمن باتخاذ تدابير سريعة، من الناحية السياسية والقانونية، وايجاد ثغرات لتجاوز الفيتو الحاضر، كون عدم الالتزام بما يضمن وقف إطلاق النار، ومحاكمة تركيا على جرائمها، يرفع من وتيرة الأعمال العدائية، ويجعل من الجميع شريكاً في جرائم الحرب المرتكبة في شمال وشرق سوريا.

خلاصة القول.. ما سميت بعملية بـــ “نبع السلام”، وقبلها “غصن الزيتون” كانتا السبب بارتكاب جرائم بحق السلام؛ بتجاوزها لكافة القوانين والأخلاق؛ جراء غزوها ودمارها لسوريا، دون أي عوائق حتى الآن، فالتاريخ الحديث حول عمليات الغزو والانتهاك، والمجازر والدمار، يؤكد أن منفذيها لن يلقوا أية محاكمة، لتنشر الفوضى، وترهب السكان، وتعزز فرصة عودة الإرهاب ويضرب الاستقرار والسلام، وستتواصل ما لم تتحرر كل هذه المناطق من سطوتهم، وتنهي الكارثة التي تسببت بمعاناة الملايين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى