مقالات رأي

تفسيرات علمية خاطئة

قد يظنُّ البعض أنّ الهدف من العنوان هو شدّهم لقراءة المقال، لكن هو في الواقع حقيقةٌ – وإن جزئيةٌ – قد تكون مبكية مضحكة في الآن ذاته، فمن خلال متابعة لوسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الأنترنيت، خاصةً الكثير من الفيديوهات المنشورة على موقع يوتيوب وغيره، يفاجئ المتابِع بأناسٍ على مستوى عالٍ من الثقافة يتحدّثون – بما يناقض البداهة – عن مفاهيم وقوانين فيزيائية؛ باتت معروفة للصغير قبل الكبير، ونقول بداهةً، لأنّ بعض تلك القوانين تطبّقها الآن تلامذة المدارس في ورشاتهم الصغيرة.

من تلك الشريحة المثقفة مَن ينفي دوران الأرض حول نفسها! وهناك من يقول الأرض ثابتة والشمس تدور حولها، وأغربُ هذه المشاهدات – حتى على قنواتٍ تلفزيونية – أن يقول أحدهم بأنّ الأرض مسطّحة وليست كروية! يريدون بذلك أن يؤكدوا بأنّ وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) كانت تضحك على الناس طوال كلّ هذه الأعوام لكي توهمَهم أنّ الأرض كروية، والسبب في ذلك هو إخفاء فشلها في إدراك حدود ونهايات الأرض!

تفكيرٌ كهذا، وفي ظلّ كلّ التطوّر التكنولوجي القائم حالياً، يدعو إلى الاستهجان لأنّهم يستميتون في سبيل اثبات هذه الفكرة، رغم أنّ جُلّ ما يقولونه هو مجرد ترّهات لا قيمة لها.

نموذج أول: داعية من المملكة العربية السعودية، يلقي محاضرته، ويقول الأرض لا تدور، لأنّها لو كانت تدور فعلاً، فليس هناك داعٍ للطائرة أن تتحرك بعد إقلاعها (لو كانت متجهة للصين). لماذا؟ لأنّ الصين ستأتي إليها، يكفي أن ترتفع وتأتي الصين! طبعاً نسي هنا أمراً مهماً، أن ما يقوله بحسبِ فهمه للأمر يجب أن يطبّق على الحياة اليومية أيضاً، فلا داع لاستعمال السيارات، لأنّ الذهاب إلى العمل، لو كان على بعد كيلومترين، لا يتطلب منا سوى القفز، ومكان العمل سيأتي إلينا بأربع قفزات فقط، لأنّ سرعة دوران الأرض حول نفسها هي 465 متراً في الثانية.

طبعاً لابدّ من توضيح فكرة ما سبق، فالأرض بما عليها من بشر، وأبنية، وجبال وبحار، وغلاف جوي، هم جزء منها، وكلُّهم يدورون بنفس سرعة الأرض المعروفة حول نفسها، لذا أنت تمارس نشاطك على الأرض دون أن تشعر بهذه السرعة لأنها ثابتة.

أمثالُ الشيخ، وهم عديدون، يؤكدون المثل القائل بعدم التدخّل فيما لا يعنيك، لأنك إن تدخّلت، ستكشف جهلك، فخيركم من عرف حدّه ووقف عنده، فمهام الداعية هو الدعوة إلى الله بالقول الحسن، مع كافة المسائل الفقهية، ومهمة عالم الفلك أن يعلّم الناس كيف تجري الأفلاك في الكون الفسيح ولأيّ قوانين تتبع، أو تعلّم مبادئ الفيزياء أولاً بدءاً من نيوتن إلى آخر النظريات الفيزيائية الحديثة.

النظريات العلمية هي من وضع البشر، وهي تتغيّر، وتُدحض، وأشهر النظريات المعروفة وهي النسبية لأينشتاين والتي عمرها الآن يتجاوز المئة سنة، قالت بأن سرعة الضوء ثابتة ولا تتغيّر، والعلم الحديث اكتشف أنّ سرعة الضوء ليست ثابتة، فقد تتباطئ، حتى أنّه وفي آخر الدراسات قالت العلماء أن سرعة الضوء يمكن إبطاؤها للصفر!

ثمة مثالا آخر وهو عن سيدة مصرية، اشتهرت أنها باحثة فيزيائية، تقول إنّ الأرض مسطّحة؛ ولا يوجد نظام شمسي، والنجوم عبارة عن مصابيح، هذه أيضاً في كل مقابلاتها التلفزيونية تقول ما سبق، وهي متحمسة جداً لإثبات فكرتها؛ وتذكر أسبابها العلمية والدينية، وهناك أمثلة عن أشخاص آخرين مصابين بنفس هذا المرض العلمي.

في التاريخ فإنّ نيكولاس كوبرنيكوس لم يستطع أن ينشر نظريته عن دوران الأرض حول الشمس إلا يوم وفاته، بسبب خوفه من محاكم التفتيش، وغاليليو تراجع عن أفكاره حتى لا يتم حرقه، وبقي قيد الإقامة الجبرية؛ مع مراقبة أبحاثه، والكنيسة لم تعترف بخطئها مع غاليليو إلا بعد مرور 300 عام على وفاته! والأمثلة كثيرة عن علماء تم معاقبتهم لو عدنا للمراجع.

كلُّ ذلك حدث قبل وجود وكالة الفضاء ناسا وغيرها، بل إن كنا دقيقين، فإن فكرة كروية الأرض تعود إلى أكثر من ألف سنة، وثمة اليوم من يتّهم ناسا بالضحك على الناس.

هل هو سقوط فكري أم نشرٌ لإبراز الذات فقط، ألا يعلم هؤلاء أنّ مكانتهم العلمية لا ترقى إلى مستوى النقاش العلميّ ذاته؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم يسيئون لمعتقدهم؟

لقد تجاوز أربابُ العلم هذه الأيام حدود الكرة الأرضية، والآن هناك عربات تسير على سطح كوكب المريخ، وتلتقط الصور وترسلها إلى الأرض ذاتياً، ولا بشر هناك.

يبقى القول أنّ للمعرفة أنصارها وهم يسيرون في طريقها وركابها، وهناك من يحاربها كما حارب دونكيشوت طواحين الهواء، وهذا أمر قائم في كل حقبة وزمان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى