قضايا راهنة

تداعيات “حرب غزة” على شمال وشرق سوريا

وسط استمرار التداعيات الاقتصاديّة والسياسيّة للحرب الأوكرانية على العالم، جاءت عملية “طوفان الأقصى” المفاجئة التي أطلقتها حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتخلط كل الأوراق وتشعل فتيل أزمة إقليمية ودولية، وبات الوضع ينذر باحتمالية توسع الصراع الدائر في غزة، مما قد يؤدي إلى تفجر معركة جديدة ذات تداعيات أشد وقعاً من الحرب في أوكرانيا، وقد تشمل -بطبيعة الحال- سوريا؛ بحكم موقعها وانتشار الميليشيات الإيرانية فيها والداعمة لحماس، فيما قد يكون لها تداعيات مباشرة على شمال وشرق سوريا، بحكم وجود القواعد الأمريكية فيها، والتي أصبحت في مرمى الأهداف الإيرانية وميليشياتها.

لكن، ما التداعيات المحتملة لهذه الحرب على مناطق شمال وشرق سوريا؟ وهل يمكن أن تتوسع لتأخذ طابعاً إقليمياً ودولياً؟

مؤشرات واحتماليات توسع الحرب

في ظل إصرار إسرائيل على اجتثاث “حركة حماس” عبر اجتياح غزة، ومع فشل مشروع قرار صاغته روسيا في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار، في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة، وعددها 9 أصوات في المجلس المؤلف من 15 عضواً، تصاعدت هجمات الميليشيات الإيرانية سواءً في لبنان ضد إسرائيل، وسوريا والعراق ضد القواعد الأمريكية، والتي جاءت بالتزامن مع توالي تصريحات المسؤولين الإيرانيين، الذين يهددون بضرب إسرائيل في حال هاجمت الأخيرة إيران.

فقد هدد نائب القائد العام للحرس الثوري، علي فدوي، بقصف حيفا بالصواريخ بشكلٍ مباشرٍ، بعد أن فجر وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نير بركات، تصريحات من العيار الثقيل، حيث تعهد ” بقطع رأس الأفعى”، وقال: “إن الملالي الإيرانيين سوف يمحون من على وجه الأرض إذا هاجم حزب الله، وكيلهم الإرهابي في لبنان، إسرائيل”.[1]

إلا أن تصريحات قيادات إيران تكشف في الوقت نفسه، أنهم لا يرغبون -في الواقع- دخول الحرب بشكلٍ مباشرٍ، إنما إنقاذ “حماس” من السقوط في غزّة بعد أن دفعتها لمهاجمة إسرائيل. فمن الملاحظ إنهم، إلى جانب التهديد والوعيد لإسرائيل، يؤكدون في تصريحاتهم بأنهم لن يهاجموا إسرائيل، إذا لم تهاجم الأخيرة إيران، كما جاء في تصريحات مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، حيث قال: “إذا لم تهاجم إسرائيل إيران، فلن تتدخل طهران في هذا الصراع”.[2]

بالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أكد على دعم بلاده لفلسطين، وأن “دعم فلسطين هو السياسة الأكيدة للجمهورية الإسلامية”.[3]

ويمكن قراءة السبب الآخر لتصاعد التهديدات الإيرانية بضرب إسرائيل؛ في أنها تخشى أن تفرض أميركا عقوبات جديدة عليها بتهمة دعمها لعملية “طوفان الأقصى”، لذا فإن رفع إيران من سقف التهديدات هدفه دفع أميركا والغرب إبداء بعض المرونة مع إيران، وعدم فرض عقوبات عليها مقابل عدم تدخلها المباشر في الحرب، ومنع توسع المعارك في المنطقة، خاصةً أن أميركا والغرب يتخوفون من تأثيرات توسع الحرب في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي، وهذا ما يمكن التماسه من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي قال: “لا نريد الحرب مع إيران لكننا سندافع عن أنفسنا”. فأميركا والغرب لا يرغبون في نشوب حروب جديدة مع استمرار الحرب الأوكرانية، لأن ذلك سيزيد من احتمال نشوب صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، والتي ستؤدي لارتفاع التكلفة الاقتصادية، خاصة أن إيران تلوح في تهديداتها بورقة “مضيق هرمز”.

وبالتالي، ورغم انخفاض احتمالية اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، إلّا أن احتمالية توسع الحرب “بالوكالة”، وتصاعدها في المنطقة عامة وسوريا خاصة مرتفعة جداً، ما يعني أنه سيكون لها تداعيات حتميّة على شمال وشرق سوريا.

التداعيات المحتملة على شمال وشرق سوريا:

إن تحول الحرب بين اسرائيل وحماس إلى حرب إقليمية، وتمددها نحو سوريا، ستؤدي إلى خلط الأوراق، وستجلب معها تداعيات على شمال وشرق سوريا، التي لم تتعاف بعد من آثار الأزمة السورية وتهديدات داعش، وهجمات تركيا المستمرة عليها.

ومن هذا المنطلق، يمكن تحديد عدة تداعيات لهذه الحرب على شمال وشرق سوريا، ومنها:

  • إن استهداف إيران عبر ميليشياتها بشكلٍ متزايدٍ لشمال وشرق سوريا بحجة استهداف القواعد الأمريكية، يشكل تهديداً للوضع الأمني في المنطقة، الأمر الذي قد يشجع داعش لاستغلال انشغال قوات التحالف الدولي التركيز على التصدي لهجمات الميليشيات الإيرانية، لزيادة نشاطه في شمال وشرق سوريا.
  • بعد فشل محالات إيران خلق فتنة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية أو خلق صراع بين مكونات المنطقة، انطلاقاً من أحداث دير الزور، قد تستغل إيران هذه المرة تنامي المشاعر القومية والإسلامية لدى الشعوب العربية المتعاطفة مع غزة، وتأجيجها ضد قوات سوريا الديموقراطية، عبر اتهام الأخيرة بتحالفها مع إسرائيل، على اعتبار أنها مدعومة من أميركا والتحالف الغربي.
  • في حال تحول شمال وشرق سوريا لساحة صراع مفتوحة بين أميركا وإيران، نتيجة تعرض القواعد الأمريكي ومصالحها للقصف، قد تستغل تركيا أيضا هذه الأوضاع لشن المزيد من الهجمات، سواءً عبر الطائرات أو الفصائل الموالية لها، على مدن وبلدات شمال وشرق سوريا.
  • ولكن من ناحية أخرى، فإن هذه الأحداث والتطورات وتنامي التهديدات على أمن إسرائيل، سواء من الأراضي السورية أو اللبنانية أو العراقية، ستحّول الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط عامةً، وسوريا بشكلٍ خاص، إلى وجود استراتيجي طويل الأمد، ما سيدفع أميركا إلى زيادة الدعم للحليف المحلي المتمثل في قوات سوريا الديمقراطية، لضمان أميركا حماية مصالحها في الشرق الأوسط، وهو ما يعنى بالضرورة إبقاء واشنطن في حالة تأهب دائم؛ لأن الاستهدافات التي بدأت بالقواعد العسكرية، قد تتطور لتشمل عموم المصالح الأمريكية والغربية وحلفائها في العراق وسوريا بصورةٍ دائمةٍ. ويبدو أن أميركا بدأت بالفعل التحرك لتقوية واستدامة وجودها في الشرق الأوسط، عبر إرسالها حاملة الطائرات العملاقة “يو إس إس جيرالد آر فورد”، وهي أحدث حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية وأكثرها تقدمًا إلى البحر المتوسط مقابل إسرائيل.
  • قد تعزز أمريكا مناطق شمال شرق سوريا بمضادات صواريخ والدفاعات الجوية لصد هجمات الطائرات المسيّرة التابعة للميليشيات الإيرانية، ويدفع ذلك لإغلاق أمريكا المجال الجوي، ومنع دخول المسيّرات إلى سماء المنطقة، وقد يشمل ذلك المسيّرات التركية أيضاً، خاصةً بعد حادثة إسقاط أمريكا لمسيّرة تركية -مؤخراً- نتيجة الهجمات التركية الأخيرة على شمال وشرق سوريا، وذلك بعد أن اقتربت من القوات الأمريكية.
  • يبدو أن العملية الأخيرة لـ “حركة حماس”، المصنفة كمنظمة إرهابية لدى أميركا والغرب، والمحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين، سيكون لها عواقب كبيرة على “الإخوان”، وكافة الأطراف الراعية والداعمة للتنظيم، خاصةً بعد طرح الرئيس الفرنسي[4] مقترح بتوسيع التحالف الدولي لمحاربة داعش لتشمل محاربة حماس أيضاً؛ بوصفها منظمة إرهابية. ويبدو أن هذه الخطة التي أعلن عنها ماكرون، أثارت مخاوف تركيا التي كانت تحاول النأي بنفسها عن حماس والإخوان، وتقدم نفسها كطرف وسيط، وتدعو إلى إيقاف الحرب.

ولكن، بعد إعلان ماكرون عن مبادرته، وبعد ساعات من إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي بتاريخ 25 أكتوبر دعمه لحماس مرة أخرى، ومطالبته الدول الإسلامية بعدم اعتبار حماس تنظيما إرهابياً، خرج أردوغان عن صمته ووصف حماس بأنها “حركة تحررية”، وأعلن إلغاء رحلته إلى إسرائيل، ما يشير إلى احتمالية وجود اتصالات بين تركيا وإيران، والتوافق على تلويحهما بتشكيل تحالف آخر مضاد للتحالف الدولي في حال شاركت الأخيرة في ضرب حماس، حيث أشار عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، فدا حسين مالكي، أنه “في حال شكّل الغرب تحالفاً ضد حماس، أو أرادوا الاستمرار بجرائمهم بحق أهالي غزة أو دخولها برياً، فمن المؤكد أننا سوف نشهد فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، وتشكيل تحالف مضاد لن يشمل إيران والسعودية فقط، بل سيشمل دول إسلامية قوية في المنطقة، كباكستان ومصر وتركيا”.[5]

وبالتالي، هذا سيؤدي إلى تغيير في المواقف التركية، ومواجهتها للغرب واصطفافها مع إيران وحماس، وسيزيد التوترات بين تركيا والتحالف الدولي، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات جديدة على تركيا أو تقييد هجماتها ضد شمال وشرق سوريا.

بالنتيجة ومن خلال رصد المعطيات السابقة، يمكن القول إن الاحتمال الأرجح أن يصبح الوجود الأمريكي في سوريا والتحالف الدولي في المنطقة استراتيجياً أكثر، وهذا بدوره سيفرض العديد من المتغيّرات على السياسة الأمريكية تجاه الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتركيا، وقد تضغط أمريكا على الأخيرة لدخول في مفاوضات مع الإدارة الذاتية، أو أن تشدد القيود على هجماتها على المنطقة.

إلى جانب ذلك، فمن الواضح أنّ يد إيران و”أميركا وإسرائيل” على الزناد، وقد وصلت الأوضاع إلى حدٍّ أن كلا الجانبين، رغم عدم رغبتهما في فتح جبهة جديدة، مجبران على الردّ لمنع الهزيمة. ورغم هذه الظروف المعقّدة، لازال “الانتصار” في حرب غزّة أمراً لابد من تحقيقه بالنسبة لإسرائيل، لأن هذا “الانتصار” يتعلق بهيبتها، وهي لن ترضى بأقل من إزالة حماس من البنية السياسية والإدارية لغزّة، وبالتالي، فتح الطريق أمام ملاحقة باقي أذرع إيران في سوريا والمنطقة.


[1]  خلال حوار لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

 [2] بحسب موقع “إيران انترنشنال” – 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

 تصريح خلال اجتماع حكومته، بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023[3]

 [4] 24 أكتوبر الجاري خلال زيارته لإسرائيل.

 وكالة سبوتنيك – 25 أكتوبر 2023.  [5]

زر الذهاب إلى الأعلى