دراسات

سوسيولوجية الكرد ما بعد انتفاضة 12 آذار 2004

هذا البحث سيقف على التغييرات النفسية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الكردي بعد انتفاضة 12 آذار.

مقدمة
على أعقاب انهيار الدولة العثمانية، في بدايات القرن العشرين، تشكّلت دولٌ لم تكن موجودة سابقاً، وبمسمّيات مختلفة في المنطقة، والتي مازال الكثيرون يبحثون عن معاني هذه التسميات، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على غرابة هذه التسميات بالنسبة لشعوب المنطقة؛ أي أنّها لباس قد فصّلت في الخارج من خلال مشروع تشكيل مناطق النفوذ آنذاك، وإحدى هذه الدول كانت الجمهورية السورية، والتي تشكّلت عبر مقاومة جميع شعوبها كيد واحدة، فكانت بداية دولة وطنية تشمل جميع الأجزاء التي كانت تشكّل الكلّ السوريّ، ولكن هذه التشكيلة السليمة لم تستمرّ طويلاً، حيث عاشت الكثير من الانقلابات المتتالية، إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي، حيث تجاوزت الدولة الوطنية لتصبح دولة قومية أحادية في كلّ شيء؛ حيث العلم الواحد، الشعب الواحد، اللغة الواحدة، والحزب الواحد، وبدأت محاولاتها في خلق أفراد نمطيين ومتشابهين، من خلال تطبيق سياسة الصهر في بوتقة واحدة، تحت مسمّى “مواطن الدولة”، واعتبرت الآخر المختلِف عدوّاً لدوداً لوحدتها المزعومة!

إحدى سياسات هذه الدول هي منح الأهمية القصوى للمركز وبعض المحافظات الارتكازية المحيطة به، حيث جعلها مدنَ كبيرة يلجأ إليها الناس من كلّ حدب وصوب، فمن يبحث عن عمل لسدّ رمق جوعه ويبع كدحه بأبخس الأثمان أو من يقوم بجناية ما ليختبئ فيها، أو من يعاني مشكلة ما في أوساطه، أو أن يكون منبوذاً ومطروداً من مجتمعه، بإمكانه حينها العثور على ملاذ في تلك المدن، التي تتعاظم وبوتيرة سريعة في عدد سكانها، إضافة إلى تطوير مراكز التعليم، وكونها مكاناً لحلّ مشاكلهم البيروقراطية، مما يؤدي إلى خلق بنية اجتماعية هشّة، رخوة، في العلاقات بين النسيج الاجتماعي، بحيث يسهل على الدولة استغلالها بشكل أفظع وأكبر، والتحكّم بها من خلال مؤسّساتها البوليسية والاستخباراتية.

إهمال الأطراف، هل هي نعمة أم نقمة؟

يرى الكثيرون في إهمال الدولة للأطراف نقمة، حيث الحرمان من فُرص العمل ووسائل الراحة والتعليم، لذا يضطرّ لأجل حلّ مشكلة بسيطة إلى وضع تكاليف أضخم من طاقاتهم؛ بالفعل فهي إذن نقمة إن نظرنا إليها من منظور ضيّق وقريب، ولكنّها نعمة عند تحليلنا لها من منظور بعيد واستراتيجي.
لنسقِط هذه الحالة على مجتمع الشمال والشمال الشرقي لسوريا، ولكي يكون مدار بحثنا أكثر دقّة، سوف نختار المجتمع الكردي بشكل خاص.

المجتمع الكردي قبل انتفاضة 12 آذار 2004

إنّ المجتمع الكرديّ وبسبب تواجده في أطراف الدولة القومية المهملة، ورغم سلب جميع حقوقه الطبيعية؛ بدءاً من حرية اختيار اسم بلغته لأطفاله، إلى التعلّم بلغته الأم، والتحكّم بموارده الاقتصادية الغنيّة وسلبها، إلى منعه التكلّم بلغته في مؤسّسات الدولة، ناهيك عن مطالبه القومية والسياسيّة، إلا أنّ الدولة لم تستطع التحكّم والسيطرة عليه بشكل كامل، فحافظ على عزة نفسه، وحالته المجتمعية المتماسكة إلى حدّ لا بأس به، عاش بعاداته وتقاليده وأعرافه، وبالتالي بقيمه المجتمعية الخاصة به، لم يكن المركز وجهته الأساسيّة، بل كان مرتبطا بأرضه وعرضه وبيته، إلا عند الضرورات القصوى، حيث كان المركز؛ أي دمشق تعتبر مدينة بعيدة له كلّ البُعد، ولم تستطع مؤسّسات الدولة الاستخباراتية أن تنظّم نفسها ضمن هذا النسيج المتماسك، ولذلك كان المتعاملون مع هذه المؤسّسات قلائل، إضافة إلى معرفة الشعب بهم؛ أي أن فلانا متعاملٌ مع الدولة، وبلغتنا البسيطة فهو “عميل للمخابرات” وكانوا على الأرجح منبوذين من مجتمعهم.
احتفالات نوروز كانت شاهدة على الوجدان المشترك لهذا الشعب، فبالرغم من مخاطر الاحتفال بها، لم يتوانى أحد عن الاحتفال بهذا العيد، ولم تكن الفروقات ولا التمايز الطبقي واضحاً، حيث لم يكن هناك فقر مدقع ليضطر الفقير إثره للبحث في المكبّات عن لقمة عيشه، ولم يكن هناك غنى فاحش، ليشتري بها ذمم الآخرين، وكانت الأخلاق بمثابة العقد الاجتماعي الذي ينظّم علاقة الفرد بالعائلة وعلاقته بالمجتمع، حيث لم يتعرّف هذا المجتمع على قوانين وشرائع الدولة، وبالتالي كان الصلح سيّد المواقف في حين ظهور مشكلة ما، ومهما كانت نوعية هذه المشكلة، ولم يوجد في الصلح طرف خاسر وآخر رابح، بل كانت دائماً تُرضي طرفَي المشكلة، أما محاكم الدولة فكان الذهاب إليها بمثابة العار، ولذلك فقلة قليلة جداً من المشاكل كانت تنقل إلى تلك المحاكم، فقرارات المحكمة تكون أبداً لصالح أحد الأطراف على حساب الآخر، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية القوية، من علاقات القربى إلى علاقات الجيرة.

المجتمع الكردي بعد انتفاضة 12 آذار

كانت انتفاضة  12 آذار عفويّة غير مدبرة وغير منظّمة، ولكنّها لم تكن بدون أسباب، فبعد تفرّد حزب البعث بالسلطة وإعلان نفسه قائداً للدولة والمجتمع، بدأ بسياسة الإنكار من خلال الإبقاء على مراسيم جائرة بحقّ المنطقة، بدءاً من الإحصاء 1962 الذي أقرّته حكومة الانفصال والذي تُرك من خلاله عدد كبير من الشعب الكردي بدون هوية، تحت مسمّى أجنبي ومكتوم القيد، إضافة إلى تنفيذه مشروع التعريب على مراحل، والذي كان قد تم تقديمه من قبل محمد طلب هلال(1) قبل سيطرة البعث على مفاصل الحكم في البلاد، والذي هدف من خلاله إلى تغيير ديمغرافي بناء على بناء مستوطنات من المتضرّرين من مشروع سدّ الفرات وإسكانهم في القرى الكردية، وتحت مسمّى استصلاح الأراضي، فقاموا بأخذ وتوزيع الأراضي الخصبة في المنطقة على من سماهم بالمغمورين، وترك قسم كبير من هذا الشعب بدون حصّة، إضافة إلى منعه من حقوقه الطبيعية كأي شعب يعيش على أرضه التاريخية، إلى جانب هذه الأسباب، هناك أسباب قريبة، لها علاقة بالتحوّلات والتغييرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط عامة، حيث إن تدخّل أمريكا في العراق وبشكل مباشر، خلق لدى الشعوب المضطهدة آمالاً واعتقاداً بالخلاص من الأنظمة الدكتاتورية، التي لم تكن للديناميكيات الداخلية الذاتية لوحدها أن تقوم بفعل التغيير والتوجّه نحو بناء نظام أكثر ديمقراطية، ففي الطرف الآخر خُلق لدى قسم لا يستهان به احتقان وضغينة مما يجري، كلّ هذه الأسباب مجتمعة وحسب مقولة “الضغط يولّد الانفجار” بدأت أحداث انتفاضة 12 آذار 2004، طبعاً أحداث هذه الانتفاضة وكما هو معلوم بدأ اشتعال فتيلها من الملعب(2)، ولكن سرعان ما تعاظمت لتتحوّل في زمن قياسيّ إلى انتفاضة عظيمة، بدأت من أقصى الشمال الشرقيّ، حيث مدينة ديريك، لتنتشر كالنار في الهشيم إلى أقصى الشمال الغربي (عفرين)، وتبدأ البوصلة بالتوجّه إلى الجنوب حيث العاصمة دمشق، فكانت ردة فعل مشتركة ناجمة عن الأخلاق والوجدان المشترك للمجتمع، والتي بإمكان المرء اعتبار هذه الانتفاضة بالحلقة الأولى لربيع الشعوب، وأثبتت أحداث الانتفاضة أنّ هذا المجتمع مازال ورغم كلّ ما قامت بها الدولة من السياسات المجحفة، متماسكاً، وبالتالي يمكن أن نطلق على هكذا تجمع اسم المجتمع، لأنّه يملك خاصيّة الأخلاق والوجدان المشترك، وأكثر ما أثار مخاوف النظام كانت خاصيته هذه، حيث أدرك النظام المخاطر التي يمثّلها هذا التماسك.

إنّ الظروف الدولية والإقليمية وحتى الكردستانية، لم تكن جاهزة لمثل هكذا انتفاضة، فاستغل النظام هذه الظروف، ليضرب الانتفاضة ومن ثم المجتمع بيد من حديد، مارس سياسة فرّق تسُد بشكل قويّ، فجعل من تناقض الكرد- الدولة إلى تناقض الكرد-العرب، حيث لعب على وتر العروبة والتمييز العنصري، وقدم نفسه ممثلاً عن الأغلبية من الناحية العددية، تحت شعار “من يهاجِم الدولة يهاجِم القومية العربية”، ولكن الأحداث الأخيرة؛ أي ما بعد أحداث انتفاضة 2011 أوضحت وبشكل جليّ مدى ارتباطها؛ أي الدولة، بالعروبة، فأكثر المتضرّرين في هذه السنوات الأخيرة كان العرب أنفسهم، وبالتالي لم تكن يوماً ما تمثّل القومية العربية التي سمّيت باسمهم.

الأساليب التي اتبعتها النظام بعد إخماد الانتفاضة لتشتيت وتفكيك المجتمع

إنّ قوة وتماسك المجتمع كان لابد أن تتفكك حتى يسنح للدولة بالتغلغل إلى صميمه، حيث استعمل عدة أساليب للوصول إلى هذه الغاية؛ أي إخراج المجتمع من كونه مجتمع، بل جعله مجموعة عددية من الأفراد لا يربطهم ببعض أية أخلاق أو جدان مشترك، وحاول بناء هذا الفرد من خلال زجّ الكثير من المشاركين وحتى غير المشاركين في السجون، وفي السجون ومن خلال الاحكام العرفية وإطالة مدة الاستجواب والتحقيق، إلى جانب التعذيب الوحشيّ الذي مارسه، والإهانات الشخصية، كان الهدف من كلّ ذلك كسر إرادة الفرد وتحطيم عزة نفسه، وإرغامه على قبول كلّ ما يريده النظام، فعزة نفس الإنسان هي الرادع الأخلاقي الأول، فإن تحطّمت عزة نفس الإنسان، حينها بإمكان النظام توظيفه واستغلاله كما يريد.

سياسة الدولة في موضوع وضع البعض في الزنزانات لم يكن المقصود بها من هم في الزنزانة فقط، بل الهدف منه التخويف وتأديب من هم في الخارج أيضاً، أما سياساتها المخطّطة والمبرمجة على من هم خارج السجون؛ أي المجتمع، فكانت بعدّة أشكال:

فرض سياسة التجويع، لتتمكن من خلالها “تأديب” وفرض الاستسلام، ومن ثم الخنوع والانصياع الكلّي للنظام، وبحسب هذه الخطة بدأ بإخراج المراسيم الداعمة لها، وإحدى هذه المراسيم، كان المرسوم المرقّم بـ 49 المتعلّق بالعقارات(3)؛ أي قانون الاستملاك، ومن خلال هذا المرسوم لا يمكن لأهالي المناطق الحدودية، أي مناطق الأطراف بيع وشراء العقارات وكتابتها بأسمائهم، ولكن طبّق هذا القانون على المجتمع الكردي فقط في الممارسة العمليّة؛ أي بما معناه أنّه يحقّ للكردي بيع العقار والأراضي، ولكنّه لا يملك حقّ شرائها، حتى وصل الأمر بالنظام إلى عدم إعطاء حقّ ترميم أو إجراء أي تغيير على منزله حتى في حال الضرورة القصوى.
إصدار القوانين الاقتصادية الجائرة وخاصة في المجال الزراعي، باعتبارها منطقة زراعية، وبالتالي تكون الزراعة شريان الحياة لهم، دعك من عدم تقديم أي دعم ومساندة في هذا المجال، وتحت اسم الدورة الزراعية وضعت قوانين منع من خلالها زراعة المساحات اللازمة لها، إلى أن وصل الأمر بالدولة أن تتحكّم حتى في لقمة عيشهم، من خلال تشديد قبضتها على كلّ شاردة وواردة، إضافة إلى عدم فسح المجال أمام المزارعين والفلاحين لبيع محاصيلهم إلى الجهات التي يرونها مناسبة لهم، بل كانوا مُلزمين بالضرورة لبيع نتاجاتهم إلى خزائن الدولة التي كانت تأخذها بأثمان بخسة، وزاد في الطين بلة ما تعرّضت له المنطقة لمواسم الجفاف والشحّ.

كان الهدف من كلّ هذه الإجراءات المجحفة بحقّ المجتمع الكردي هو فرض وإجبار غالبية الشعب الكردي إلى الهجرة إلى المركز والمحافظات المحيطة به، لتُحكِم قبضتها عليهم وإجبارهم على القيام بكافة أنواع الأعمال التي تحدّ من كرامتهم، وكان هذا أحد وعود المخابرات لهذا الشعب “بأننا سوف نجعل من شبابكم نوادل وكراسين في المطاعم، ومن نسائكم خادمات وجواري في بيوت أهل الشام وحلب” فقد استخدم كافة السبل المؤدية إلى تحطيم عزة نفس، إنّه الرادع الأخلاقي الأول، ليجعل من الإنسان فريسة سهلة الاصطياد، وبالتالي سهلة الاستعمال والاستخدام، ومن هنا بدأ هذا المجتمع بالتغيّر إلى حد أن أناسه لم يعد بإمكانهم التعرّف على هذا الواقع الجديد، ومن هنا بدأ الاستخبارات ولأول مرة في تاريخ هذا الشعب بتشكيل شبكة واسعة من المرتبطين بها، وبدأ المجتمع بالتفكّك والاضمحلال، فخرج من كينونته المجتمعية بعد هذه الأحداث، بحسب التعريف الأكاديمي لمصطلح المجتمع، والمجتمع المبعثر والمتفكّك يسهل استغلاله ونهبه والتحكم في جميع مفاصله الحيوية، وهذا ما تركته أحداث انتفاضة 12 آذار، ولذلك فالكثير من الشعب الكردي بدأ بالقول “يا ليتها لم تكن”.

كانت ثورة، وتمرّداً وعصياناً في غير أوانه، لأنّ الظروف الدولية والإقليمية والكردستانية لم تكن جاهزة لمساندتها وإيصالها إلى نتيجة ممكنة، ولذلك انعكست نتائجها سلباً على الواقع الاجتماعي بشكل خاص، وأعطت ذريعة للدولة بالتدخّل المباشر والسافر في بنية المجتمع وتفكيكه، من حيث العلاقات الاجتماعية من جميع نواحي، فلا يمكن اعتبار العدد الكبير من الشباب الذين كانوا يتسكعون في زوايا الشوارع، مشرّدين، ويستعملون المواد المخدرة إلا نتيجة لممارسات أجهزة المخابرات، وجزءاً من هذه السياسة المطبّقة في هذه المنطقة؛ أي أنها كانت مخططة لها مسبقاً.

إنّ أحداث انتفاضة 12 آذار أثرت سلباً على جميع فئات وشرائح المجتمع، ولكن تأثيرها على جيل الشباب كان أعظم وأكثر وطأة من ناحية النتائج، حيث أصبح يخجل من كرديته، من تراثه، ومن لغته، حيث أصبح مقياس تطوّره مقروناً بمدى تقليده لأهل الشام ولهجتها، وعاش ويمكن أن تكون هي المرة الأولى ولهذه الدرجة عقدة النقص الفتّاكة بالشعوب، وزاد الوضع تعقيداً حالة الكاوس التي كانت ومازال لها تأثيرات كارثية على الكثير من الشعوب والمجتمعات ومن ضمنهم المجتمع الكردي.

تأثير حالة الكاوس على المجتمع الكردي

بدأت مرحلة الكاوس أو ما يُسمى بالفوضى الخلّاقة، في بدايات القرن الحالي، وقد أسهبت في شرحها في دراسة سابقة، وقد أثرت وتؤثر على الشعوب والمجتمعات تدريجياً، فتأثير هذه الحالة بدأ بالظهور وبشكل جلي، في المجتمع الكردي فيما بعد أحداث انتفاضة 12 آذار، وإحدى نتائجها كانت في انتشار الكثير من المفاهيم التي لم تكن موجودة بتاتاً في كينونة مجتمعاتنا وصلبها، خاصة بين تلك الفئة التي كان النظام يهتم بها من خلال مناهجها الدراسية ليكون مسنّناً جيّداً يعمل على دوران نظامه دون عوائق، وبذلك يؤمّن على سيرورته لمدة أطول، وإحدى هذه المفاهيم هي الليبرالية التي لم تكن معروفة في وسطنا الاجتماعي والسياسي، وأصبحت متداولة بين تلك الفئة التي تدّعي التثقيف، وعن طريق هذه الفئة بدأت بتسريبها إلى المجتمع، وكأنّها مفاهيم متقدّمة وجديدة، سوف توصل مجتمعاتنا بركب الحضارة، هذه المفاهيم التي عفى عليها الزمن، وهي إحدى مسبّبات الكاوس.

شعار اللامنتمي أو اللاانتماء أصبح من بين أكثر الشعارات انتشاراً، خاصة بين فئة الشباب، وهي إحدى مدلولات الكاوس، حيث الفراغ الناتج عن تحطيم القيم، فأدخل الفرد في دوامة بحث بلا جدوى، وتخبّط بلا حدود، فلا يدري ما يطلبه وما يتمناه، وقد روّج لهذا الشعار الذي سوف يخدم السلطة، فالسلطات تتمنّى أجيالاً بهكذا صفات، بذلك تتحكّم بالديناميكيات الداخلية في المجتمع وتشلّه، إذا لم يكن انتشاره بهذا الشكل اعتباطياً، خاصة ونحن أبناء الشرق بالمجمل مسيّرون لا مخيّرون، فقد نهشت التبعية أجسادنا، فكيف للتابع أن يتحوّل بين ليلة وضحاها إلى لا منتمي، وهو مسلوب الإرادة أساساً، بل كانت مدروسة، لخلق جيل لا مبالي، منقطع كلياً عن قيمه وتراثه الثقافي والمجتمعي، وبالتالي منقطع الروابط بواقعه، فاللامنتمي يظنّ أن تبنيه لهذا المفهوم سيكون مخرجاً لهذه الحالة المعقدة؛ اللامنتمي هو ذاك الفرد الأناني المنقطع عن كينونته الاجتماعية، والذي يرى راحته الشخصية في التهرّب من المشاكل المتعاظمة من حوله.

النتيجة

تنظر الدولة القومية إلى المجتمع المتماسك، والذي يتمتّع بخاصيّة الوجدان المشترك، نظرة الريبة والشك، والمليئة بالمخاوف، حيث تهابه الدولة، ولذلك يحاول وبكافة الوسائل الممنوعة والترهيب، تحطيم هذا الحصن المنيع، وبناء شخصية ممسوخة بعيدة كلّ البعد عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، شخصية تنهش في جسد المجتمع وكينونته، بسبب أنانيته المفرطة، حيث لا تهمّه قيم المجتمع، بقدر إعطاء الأهمية لإشباع الأنا النهمة من خلال استباحة كلّ الطرق والسبل، وخلق خلط كبير بين الغاية والوسيلة، حيث أن الوسيلة تصبح هي الغاية، وخير مثال على ذلك أن النقود هي بالأساس وسيلة في حياة الانسان، ولكنّها تحولت إلى هدف وغاية الحياة، وهذا هو سرّ انتشار الفساد بشكل غير مسبوق في مجتمعاتنا، إذا فلظاهرة الفساد علاقة وثيقة بسياسات ومناهج النظام التي هدفت إلى تفكك وتشرذم المجتمع، فالفرد المثالي للنظام هو ذاك الفرد الذي قطع أوصاله وروابطه بمجتمعه، وهذا ما وصل إليه المجتمع الكردي بعد أحداث انتفاضة 12 آذار، حيث تغيّرت بنية المجتمع، وبنحو سلبي على الأرجح، يمكننا اعتبار أنّها كانت متوجّهة نحو الحضيض، لولا أحداث ربيع الشعوب 2011، فقد كانت بمثابة إشارة قف، ليبدأ مرحلة بإمكاننا نعتها بالعودة إلى الذات الحقيقية.


(1) دراسة محمد طلب هلال عن محافظة الجزيرة

(2) https://www.diroka-kurdi.com/2017/03/12-2004.html

https://www.diroka-kurdi.com/2017/03/12-2004-2.html

(3) https://www.shrc. http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=print&sid=4539

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى