ترجمات

إدلب، خطّ المواجهة الأخير في الحرب السورية

ملخّص تمهيدي

بعد سبع سنوات من الحرب، يرتبط مستقبل الأزمة السورية بمعركة إدلب. استعاد الرئيس السوريّ بشار الأسد معظم الأراضي السورية، ولم يتبقّى سوى هذه المحافظة الواقعة في الشمال الغربي من البلاد، وهي المعقل الأخير المتبقّي.

لكن استرجاع إدلب ليس بالأمر السهل. في الواقع، ستكون أصعب وأشدّ تعقيداً من الحملات الأخيرة في الجنوب ولأسباب كثيرة أولها؛ إنّها المحافظة الأكبر من حيث المساحة من المناطق الجنوبية كدرعا والغوطة الشرقية والقنيطرة التي استولى عليها الجيش السوري في الفترة الأخيرة، وهي تكتظّ بالجماعات المعارضة، خاصة تلك التي قبلت الهدنة مع الروس في المناطق الجنوبية حيث جاؤوا إلى إدلب. ثانياً؛ لتركيا وجود عسكري في إدلب، وهذا يعقّد الوضع أكثر بالنسبة لجميع الأطراف، لأنّ لتركيا والنظام السوري مصالح متضاربة في المنطقة. تقوم روسيا بدعم النظام السوري، لكنّها في الوقت ذاته لا تريد الاصطدام مع الأتراك. لذلك، يخشى السوريون من أن يتخلّى عنهم الروس، وفي نفس الوقت، تريد تركيا مساحة للمناورة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وقيام علاقات معادية مع روسيا من شأنه أن يحدّ من ذلك.

لذلك ستشكّل معركة إدلب تهديداً خطيراً على كافة الأطراف المتورّطة في الأزمة السورية. في خضم الصراع الشامل على السلطة بين الدول في هذه الحرب، تبقى مسألة إدلب بسيطة ومعقّدة في نفس الوقت. إنّ كسب معركة عسكرية هنا ربما يكلّف أكثر مما هو متوقّع. مجرد تفكير معمّق في المسألة سيؤدي إلى ما يلي: اتفاق بين الأطراف المتورّطة في الأزمة يقضي بإطاحة الجماعات المعارضة التي تسيطر على المحافظة. كلّ الأطراف لها مصلحة في طرد هذه الجماعات، وبالتالي تشكّل محافظة إدلب نقطة التقاء كافة الأطراف. ربما لن يحصلوا على كلّ ما يتمنونه من هكذا اتفاق، ولكنهم سيستفيدون منه بطريقة أو بأخرى.

معركة ادلب

في مطلع العام 2015، كان الأسد يخسر الحرب السورية. قرّرت روسيا حينها منع ذلك، وقامت بالتدخّل لإبقاء الأسد في السلطة. أدى التدخّل الجوي الروسي في سوريا إلى تغيير دفة التوجيه لصالح الأسد، أما الآن وقد استعاد الأسد معظم الأرض السورية، قام بتوجيه ناظريه إلى إدلب. 

من المرجّح أنّ الأسد سيطلب مساعدة موسكو، ولكن لن تكون نتائجه بالنسبة للروس بالأهمية التي تذكر. بالتأكيد ستعود إدلب إلى سيطرة النظام السوري، ولكن حتى وإن حصل ذلك، ستبقى هناك مساحات في الشمال تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية. بالنسبة لتركيا، لمحافظة إدلب أهمية استراتيجية رئيسية. ترى أنقرة أنّها تستطيع من خلال هذه المحافظة شنّ هجمات على وحدات حماية الشعب. أيضاً ترى تركيا محافظة إدلب على أنّها منطقة عازلة، تقع على الحدود التركية السورية وتستطيع من خلاله أن تحدّ من تدفّق حركة النزوح نحوها، لذلك، تقوم تركيا بتحصين نقاط المراقبة والدفاعات الجوية والأسوار الإسمنتية وبناء المشافي ومهابط المروحيات.

تعلم روسيا أنّ استهداف النقاط التركية في إدلب هو بمثابة إعلان حرب ضدّ أنقرة، وهي حرب تحاول روسيا أن تتجنّبها. تركيا قوة إقليمية وحليف للناتو، وأيّ هجوم على قواتها سيضطر حلفاء الناتو إلى الدفاع عنها. سيؤدي هذا إلى التقارب بين تركيا والغرب اللذين تصدّعت علاقاتهما مؤخراً. حتى لو رفض حلفاء الناتو الدفاع عن تركيا، فإنّ هذا من شأنه أن يعمّق الأزمة أكثر. الهجوم على حلفاء تركيا أيضاً سيؤدي إلى التقارب التركي الغربي. وبالتالي، تبحث روسيا عن مخرج من هذا المستنقع.    

سيطرت هيئة تحرير الشام مؤخراً على إدلب. لقد اعتلى هذا التنظيم المشهد في تموز 2017، تماماً قبل التدخّل العسكري التركي في المحافظة. في تلك الفترة، كانت تركيا تتعاون مع الفصائل المتواجدة هناك، من بينها، فصيل أحرار الشام التي كانت تسيطر على إدلب قبل تموز 2017. حدث انشقاق في الفصيل المذكور: قسم براغماتي أرادوا تأسيس حزب إسلامي قادر على نيل الشرعية الدولية وتطلب الدعم من الغرب، والقسم الآخر متطرّف شبيه بالقاعدة أرادوا إنشاء دولة إسلامية. هذا الانشقاق أفسح المجال أمام هيئة تحرير الشام وفرعه المسمّى بحراس الدين بالظهور.

هيئة تحرير الشام عبارة عن اندماج بين فرع القاعدة في سوريا – جبهة النصرة – وعدّة فصائل متطرفة أخرى. أرادت جبهة النصرة تأسيس خلافة إسلامية، وكانت من بين المجموعات الأكثر تطرفاً من حيث الفكر في سوريا. لذلك، استطاعت هيئة تحرير الشام جذب المتطرّفين من الفصائل الأخرى بما فيها أحرار الشام.   

عندما أرادت تركيا دخول إدلب، كان أمامها خياران: إمّا سحق هيئة تحرير الشام بالقوة، وإما التعاون مع منافس قوي في المحافظة. اختارت تركيا الخيار الثاني، وكان تعاوناً وليد الضرورة. جلّ اهتمام تركيا كان إثبات وجودها على الحدود بينها وبين سوريا حتى يتسنّى لها القضاء على وحدات حماية الشعب (YPG) والتحكّم بتدفق موجات النزوح نحوها.

لكن الآن، على ما يبدو باتت تركيا تمتلك ورقة ضغط قوية، فقد قامت باجتياح عفرين – المنطقة الواقعة في الشمال الغربي من سوريا والتي كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب (YPG) – في يناير 2018. بهذا الاجتياح، تسيطر تركيا على جزء هام من الشمال السوري. وتستطيع من خلال هذا أن تركّز اهتمامها على هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي لا تثق به ولا تستطيع التحكم به.

منذ ذلك الحين، أقامت تركيا علاقات مع الفصائل الأخرى في ادلب. في شباط الماضي، انضمّ ما تبقى من عناصر أحرار الشام إلى فصيل نور الدين الزنكي ليشكلوا معاً جبهة تحرير سوريا، وحتى تصبح قوة موازية لهيئة تحرير الشام في إدلب. بدأت هيئة تحرير الشام بشنّ هجمات على جبهة تحرير سوريا، وعلى مدى ثلاثة أشهر حاول الطرفان السيطرة على إدلب. قامت تركيا بدعم جبهة تحرير سوريا، بهدف إضعاف هيئة تحرير الشام والقضاء عليها.   

في شهر تموز، ساهمت تركيا في تأسيس الجبهة الوطنية للتحرير، وهي عبارة عن تحالف من الفصائل المعارضة في إدلب بما فيها جبهة تحرير سوريا. تُشير التقديرات إلى أنّ تعداد مقاتلي الجبهة الوطنية للتحرير يصل ما بين 85 – 100 ألف مقاتل، وقد دعت تركيا مراراً هيئة تحرير الشام للانضمام إلى الجبهة الوطنية للتحرير، ولكن الهيئة رفضت، مبررة ذلك بأنّ أنقرة لا تزال غير قادرة على السيطرة على الفصائل. تواصل هيئة تحرير الشام استهداف مواقع جيش النظام السوري حول إدلب، وهذا من شأنه أن يثير غضب الأسد ويتحرك بسرعة لشنّ هجوم على المحافظة.

لا تحبذ تركيا مواجهة النظام السوري، ولكنّها لا تستطيع أيضاً منع هيئة تحرير الشام من استهداف مواقع النظام في جنوبي إدلب وشمالي حماه. إنّ تعاون تركيا مع هيئة تحرير الشام قد يساعد تركيا على المدى القصير، ولكن باجتياح الأسد لإدلب، سيكلف تركيا كثيراً على المدى الطويل.  

كيف سيبدو الاتفاق؟

إدلب هو المكان الذي تجتمع فيه مصالح كافة الأطراف المتورّطة في الأزمة السورية: جميعهم يريدون إنهاء هيئة تحرير الشام. لذا، كيف سيبدو الاتفاق بين هذه الدول؟ إحدى السيناريوهات المرجّحة  هي أنهم سيتفقون – إما بشكل رسمي أو غير رسمي – على توحيد الجهود للقضاء على هذا الفصيل وإخراجه من المحافظة، بعدها سيسمح لتركيا بالبقاء في المحافظة، ولكن سيطلب منها أن تتنازل عن أجزاء من جنوبي ادلب – الجزء الذي كان تحت سيطرة هيئة تحرير الشام – لنظام الأسد. ستدعم روسيا نظام الأسد في جنوبي إدلب، ولكن عند مواجهة النظام مع تركيا ستتحفظ روسيا فيما يتعلق بالإسناد الجوي. سيسمح لتركيا بالبقاء وذلك لحماية حلفاءها من هجمات النظام السوري، وفي واقع الأمر، سيشكّل هذا مع مرور الوقت استحواذاً شبه دائم لتركيا على هذه المنطقة، حتى لو لم يعترف بها أي طرف.

في حال تطبيق سيناريو كهذا، ستنهي تركيا إدارة عفرين وأجزاء من إدلب مقابل حماية هذه المناطق من النظام السوري الذي قد يقوم بشنّ هجوم أشدّ ضراوة من تلك التي شنّها في المناطق الجنوبية، فيما إذا أرادت أن تتحدّى تركيا وحلفاءها. أما جماعات المعارضة التي لم تنصاع للأوامر التركية وواصلت الهجوم على مواقع النظام، إما سيتم طردها من إدلب بالقوة من قبل حلفاء تركيا، أو يتم معالجة أمرهم من قبل الأسد.  

هذا الإجراء من شأنه أن يؤدي إلى توازن في القوى بين اللاعبين الأساسيين في الحرب الطويلة الأمد. ربما لا يكون حلاً دائماً، لكن بإمكانه أن يأخذنا إلى المرحلة التالية من الأزمة.

لماذا يجب على كافة الأطراف أن يتفقوا على التعاون فيما بينهم للتخلّص من هيئة تحرير الشام؟   

تركيا

لا تفضّل تركيا أن تتعامل مع هيئة تحرير الشام على الإطلاق. لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به هذا الفصيل، حيث بإمكانه أن يهدّد الوجود التركي في إدلب. يتركز وجود قوات هيئة تحرير الشام في جنوبي ادلب، وبالتالي إن أيّ اتفاقية معه من شأنها أن يتم الطلب من تركيا بالانسحاب من ذلك الجزء من المحافظة، وتنتقل السيطرة بعدها تلقائياً للجيش السوري بدعم روسي. يتواجد الأتراك في الأجزاء الأخرى من إدلب أيضاً، وسيترك الأمر هناك لحلفاء تركيا على الأرض كي يقوموا بالقضاء على قوات هيئة تحرير الشام المتبقية.

لكن، من الصعب أن يتخيّل المرء انسحاب تركيا من إدلب بالكامل. مهمتها الأساسية القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال، ولذلك، لا تريد أيّة مشاكل في إدلب يهدّد موقعها في عفرين. إن ترك إدلب للنظام السوري سيترك تركيا وخاصة محافظة هاتاي في وجه موجات نزوح هائلة إثر الهجوم السوري المحتمل، وسيؤدي هذا بدوره إلى منح النظام قوة دفع تسيطر من خلالها على المناطق الواقعة تحت حكم الكرد، وهذا ما لن تقبله تركيا، لأنّها لن تستطيع مواصلة ممارسة الضغط على وحدات حماية الشعب في سوريا، فالانسحاب الكليّ من إدلب يعني الانسحاب الكليّ من شمالي سوريا، وفي هذه النقطة تحديداً، سيتوجّب على تركيا الوثوق بالنظام السوري من باب السيطرة على الكرد في الشمال بطريقة تتماشى مع مصالح تركيا. لذلك، من المرجح أن تحافظ تركيا على وجودها في شمالي ادلب بمساعدة حلفاءها.            

حلفاء تركيا

حلفاء تركيا أيضاً متشوّقون للتخلّص من هيئة تحرير الشام، فالتقارب الذي مارسه هذا الفصيل أدى إلى نشوب نزاعات وانشقاقات ضمن المجموعات المعارِضة، وهذا ما شتت انتباههم عن محاربة نظام الأسد. هذه الفصائل قلقة من أنّ عدم توحيدها ضدّ النظام سيؤدي إلى حدوث فراغ من شأنه أن يتمّ استغلاله من قبل تنظيم الدولة.

تم توحيد الفصائل تحت مظلة الجبهة الوطنية للتحرير للتركيز أولاً على القضاء على هيئة تحرير الشام، لكنّهم لايريدون أن يتراجعوا عن مواصلة القتال ضد الأسد. بعض من هذه الفصائل قد تنشق عن الجبهة، لكنها ستكون هدفاً لتركيا وحلفاءها والحكومة السورية، أما الفصائل الأخرى المتحالفة مع تركيا والتي أرادت الالتزام بالاتفاق، ستقبل حكم الأتراك في المنطقة بدلاً من حماية قوات النظام لها.

النظام السوري

لن يشعر الأسد بالراحة أبداً مع اتفاق يقضي بترك منطقة كبيرة تحت الحماية التركية، ولكنه سيميل إلى تقبّل ذلك بهدف التخلّص من أشدّ الفصائل المتمرّدة في إدلب، ومن المحتمل أنّ ذلك سيساعده في استعادة المناطق الواقعة جنوبي إدلب. بالنسبة للأسد، إنّها خطوة في الاتجاه الصحيح.

حتى إذا لم يتم التوصّل إلى اتفاق، ليس مرجّحاً أن يقوم الأسد بشنّ هجوم على المحافظة لثلاثة أسباب: أولها؛ لا يمكن أن يعوّل الأسد على الدعم الجوي الروسي في المناطق التي دخلتها تركيا. ثانياً؛ سيضطر أن يواجه أكبر عدد من المقاتلين، أكثر مما واجههم في جنوبي سوريا، وهذا سيجعل القتال أكثر دموية وأعلى كلفة وبنتائج قليلة، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الاتفاق الذي تمّ توقيعه برعاية روسيا في الجنوب قضى بخروج آمن لفصائل المعارضة باتجاه ادلب مقابل تسليم مناطقهم. في الكثير من المناطق التي استعادها الأسد من المعارضة، لم يتم القضاء على تلك الفصائل، بل تم نقلهم إلى جزء آخر من البلاد. ثالثاً؛ مع أنّ الأسد أحكم قبضته على أجزاء واسعة من البلاد، فإنّ شريحة لا بأس بها من جيشه غير قادر على شنّ هجوم ضخم كهذا، لأنّه يقوم بوظيفة الحامي للوطن، وهذا يعني أنّ الخسائر الكبيرة ستكون ضمن صفوف الأسد، وسيؤدي هذا بدوره إلى تشجيع فصائل المعارضة ومواجهة النظام في مناطق أخرى. من الأفضل للأسد أن يقبل بالوجود التركي وحلفائه في الوقت الحالي على الأقلّ، بينما يقوم هو بإعادة بناء بلاده وتأمين المطالب الأساسية.

روسيا

ستدعم روسيا بالطبع أيّ اتفاق حول إدلب لأنّها بمثابة خطوة للأسد نحو استعادة السيطرة على كامل البلاد، لكن في الواقع لا تحتاج روسيا للأسد حتى تسيطر على كامل البلاد. على العكس تماماً، إنّ روسيا سعيدة جداً كونها تلعب دور الوسيط بين مختلف المكونات التي تتقاتل فيما بينها في سوريا، تحديداً تركيا والأسد وإيران وكرد سوريا. الحفاظ على الوجود التركي تحت المظلّة الروسية سيحدّ من أهداف إيران وسوريا التوسّعية في المنطقة. لدى روسيا مصلحة في منع الهيمنة الإقليمية من الظهور في الشرق الأوسط لأنّ هذا من شأنه أن يلفت الأنظار نحو القوقاز التي ستهدّد روسيا بشكل مباشر.

أيّ اتفاق يؤدي إلى إنهاء ولو مؤقت للأعمال العدائية من شأنه أن يضع روسيا في موقع يدّعي فيه الانتصار في سوريا. آخر شيء تتمناه روسيا للأسد هو جرّها إلى مواجهة مع تركيا، ويمكن أن يؤدي هذا إلى إنذار تدريجي في علاقات موسكو وأنقرة ويدفع بتركيا إلى التقرّب من الغرب. الهجوم المزمع شنّه على إدلب يستطيع أن يقوم بهذه المهمة.  

الولايات المتحدة

تورّط الولايات المتحدة في إدلب محدود، لكنّها ترحب بهزيمة الفصائل المرتبطة بالقاعدة هناك. إنّ التوقيع على اتفاقية يسمح من خلالها ببقاء طويلٍ لتركيا في إدلب سيساعد في تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة التي انقطعت منذ فترة. كما ستحدّ أيضاً من قدرة الأسد وستضمن عدم سيطرة الأسد على كامل الأرض السورية.

كيف يمكن انهيار الاتفاق؟   

أيّ اتفاقية تهدف إلى القضاء على هيئة تحرير الشام، تصبّ في مصلحة جميع الأطراف، لكن يمكن لاتفاقية كهذه أن تنهار في حالتين.

الأولى، من خلال رفض فصائل المعارضة قبول الوصاية التركية، بما في ذلك الفصائل المنضوية تحت مظلّة الجبهة الوطنية للتحرير، حيث من المحتمل أن تتعب هذه الفصائل وهذا ما سيؤدي إلى أن تنشقّ من الجبهة وتواصل محاربة قوات الأسد. يتطلب إضعاف سيطرة تركيا على تحالفات فصائل المعارضة عدداً لا بأس به من المعارضين كي ينشقوا عن الجبهة الوطنية للتحرير. إذا حدث ذلك، يتوجّب على الأسد الردّ بغضّ النظر عن مساندة الدعم الجوي الروسي له. فموسكو تفضل البقاء جانباً، وحتى لو دعمت الأسد ولو بشكل بسيط، سيكون ذلك الدعم محدوداً ولن يستهدف النقاط التركية بشكل مباشر.   

مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى انسحاب تدريجي لتركيا من المناطق الأخرى في شمالي إدلب، لأنّ إضعاف نفوذ حلفاءها سيجبرها على إما زيادة وجودها العسكري أو الانسحاب إلى منطقة عفرين. ستصرّ تركيا على تثبيت أقدامها في عفرين ومنبج، ولكن قدرتها على تعزيز مصادر قوة إضافية في أيّ مكان في سوريا سيتوقّف ولو بشكل جزئي على حالتها الاقتصادية التي انهارت مؤخراً، تماماً مثل ما حصل في إيران.  

أما حالة الانهيار الثانية والممكنة هو تحرّك الأسد نحو السيطرة على إدلب. سيعتمد هذا بطبيعة الحال على كمية الدعم الذي سيتلقاه من حليفه القوي والأخير، إيران. بالنظر إلى حالة اللااستقرار الأخيرة التي تعيشها إيران، خاصةً العقوبات التي فرضت عليها في تشرين الثاني/نوفمبر والمحادثات التي تجرى داخل الولايات المتحدة بهدف إبعاد إيران عن شبكة سويفت (SWIFT)  المصرفية، سيكون من الصعب التنبؤ بمدى وقوفها إلى جانب الأسد وأين ستركز جهودها. بالطبع لن تنسحب من الحرب كلياً – لأنّها لن تخاطر في ترك نظام الأسد وهو ينهار أمامها – ولكن إذا قامت مظاهرات حاشدة كتلك التي قامت مطلع العام الحالي، ربما تضطر إلى تخفيف إنفاقها على الخارج و تستثمر عوضاً عن ذلك في الحفاظ على اقتصادها في الداخل.

في هذه الحالة، سيكون لها نفوذ محدود في إدلب، وسيكون القضاء على مجموعات الفصائل المعارضة التي تقف ضدّ الأسد لصالحها، وسيدعم اتفاقا يفضي إلى التخلّص من هيئة تحرير الشام، حيث أنّ الأغلبية الشيعية التابعة لإيران لن ترحب بالحضور السني التركي في سوريا، ومع ذلك، لا تريد إيران أن ترمي تركيا في أحضان الغرب – وذلك لأسباب خاصة بها، وإنّ احتمالات استمرار تركيا شراء الغاز الطبيعي من إيران حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل قوية الآن بحكم تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة. (في الواقع، قد تكره تركيا في اعتمادها الكليّ على روسيا فيما يتعلّق بشراء الغاز الطبيعي، لذا من مصلحتها أن تشتري الطاقة من موردين آخرين).

إذا قلبت إيران الطاولة وأصبحت قوية أكثر مما هي عليه الآن، قد تدفع بعد فترة زمنية بالقيام بإجراءات عدائية ضد إدلب بغضّ النظر عن الوجود التركي هناك. يركّز هدف إيران على القضاء على الجماعات السنية المعارضة في سوريا التي بإمكانها أن تتحدّى الوجود الإيراني في سوريا. من شأن هذا السيناريو أن يؤدي إلى مواجهة بين إيران وتركيا، ويمكن التنبؤ بحدوث مواجهة كهذه في أيّ وقت.

فيما يتعلّق بالوضع الحالي، يصبّ التركيز بالدرجة الأولى في القضاء على هيئة تحرير الشام في إدلب والقبول بوجود تركي دائم في شمالي سوريا. إنّ العلاقات بين اللاعبين الكبار في هذه الحرب أكثر أهمية من وجود حلّ للصراع في هذا الجيب من البلاد. لذلك ينبغي ضمان وجود توازن بين أولئك اللاعبين، ربما يُرافق ذلك اندلاع مواجهات متقطعة هنا وهناك، ولكن دون مواجهات دموية تهدف إلى هزيمة طرف على حساب طرف آخر.  

ترجمة عن الانكليزية: جوان شكاكي

المصدر: Geopolitical Futures

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى