مقالات رأي

أسطورة دل كاميش الخالدة

بعد المسح التاريخي في شوميريا (جنوب العراق حاليا) والأماكن الأثرية في بلاد الأنهار، اكتشف العلماء ألواحا طينية متحجّرة، وتبيّن أنّها من ذاك التراث الشوميري العتيق، ومنها تحفة أدبية من أحد عشر لوحا منقوشا كانت تشكّل حكاية البطل دل كاميش (الدارج والمألوف هو لفظ جلجامش، أو كلكامش مع وجود صياغات أخرى لكن سيرد في هذه المقال باسم دل كاميش)، وصارت هذه الحكاية إرثا خالدا لأنّها أقدم وأعرق نتاج أدبي في التاريخ الموثّق، وتبيّن أنّ هذه التحفة الأدبية نشرت مرات عديدة في مدن كثيرة وأزمنة مختلفة، حيث نُقشت حروف الحكاية بالمسمار، ونحتت كلماتها بالوتد، ليحفظها الزمان في ثلاث نسخ: النسخة البابلنية (بابلند ناسكا) من مدينة هورك (شوميريا)، والنسخة الهورية (هوري ناسكا) من مدينة تاو كاني (هوريا = سوريا)، ونسخة نينوى (نينوال ناسكا) من مدينة آشور (أشوريا)، واحتسب العلماء كافة الألواح، وقارنوا النسخ الثلاث، وبترميم الأسطر المفقودة تمكّنوا من إحياء ملحمة دل كاميش أو هذه الحكاية العريقة.

دل كاميش : اسم أم لقب؟ نتوقّف لنتأمّل هذا الاسم الشوميري الذي يبدو مميّزا، علما بأنّه كتب هكذا : (غل جاميش) و(جل جاميش ) و(كل كاميش) و(بل كاميش) و(تل جاميس) و(عل كاميش) و(بل كاميش) و(خل كاميش) و(بل كاميس) و(بل جاموس) وغيرها من الصياغات المتشابهة التي ليس لها معنى في أيّ لغة، ويتغيّر في هذه الصياغات الحرف الأول فقط دون أن تمسّ الدقّة الصوتية والتقسيمات النطقية في الاسم، وهذا ما يخوّلنا بمساهمة من اللغة الكوردية أيضا؛ أي اعتبار اسم هذا البطل الأسطوري بهذه الصيغة: (دل كاميش =Dil Gamş )، عندئذ يصير لهذا الاسم معنى أو قد يكون لقبا، من خلال إضافة المقاطع إلى بعضها البعض (دل: قلب) + (كاو: ثور) + (ميش: طائر) = قلب الثور الطائر (الثور السماوي)، ولاتزال أسماء من هذا القبيل متداولة باللغة الكوردية المعاصرة، مثلا: دل شير (قلب الأسد)، ودل شاد (قلب السعادة)، ودل يار (قلب العشق)، ودل كاش (قلب الصفاء)، ودل برين (القلب الجريح)، ودل خواز (قلب الإرادة)، ودل وير(القلب الشجاع)، ولأنّ القلب عند الكورد لا يدلّ على عمل وظيفي فقط، وإنّما محرّك للعاطفة والمشاعر والأحاسيس لدى الإنسان.

وأما في نسب دل كاميش وتشخيص هويته فتوجد ثلاث احتمالات:

حسب القصائد الشوميرية العتيقة، فإنّ أبا دل كاميش هو: ل كال باندا، وأمّه: نين سون (نان شاند)

طبقا للمنقوشات الهورية والأخادية، فإنّ أباه: ل كال باندا، وأمه: نين شون، وحسب الحكايات اللاحقة (الآشورية)، فإنّ أباه كان روحا، وأمه إنسان (امرأة)، ولذلك فإنّ دل كاميش هو شبيه إله، وكان ميلاد دل كاميش في مدينة هورك (وفي مصادر أخرى تسمى هذه المدينة: وانك).

يقال بأنّه كان في قديم الزمان ( منذ 4900 سنة تقريبا) حاكم في مدينة هورك اسمه داموش الملك، ولمّا بلغ من العمر 40 حولا، طلب من ساحر المدينة أن ينجّم له، ليعرف خلفه، ونجّم الساحر وقال بأنّ كلّ النجوم توحي أنّ ابنا لك يخلفك في هذا المكان، وتوحي الشمس أنّ حفيدا لك يخلفك في الزمان. وانطبع ما قاله الساحر في ذاكرة داموش الملك، ولمّا سلّم السلطة لابنه ل كال باندا، يقال بأنّه حذّره قائلا: انتبه من أحفادي، فمنهم من يسلبنا السلطة، ويصبح بطلا خالدا، ولمّا وضعت أخت الملك ل كال باندا طفلا، يقال بأنّه أمر الملك الجدّ داموش بوضع الحفيد الوليد عاريا في الفناء حتى يموت من الحرّ والبرد والرياح والمطر.
ولمّا تركوا الطفل الوليد بالفناء، يقال بأنّه نزل شاهين حائم من السماء ورفع الطفل بمخالبه، وأخذه إلى عشّه بالجبال، وكبر الطفل على سفوح الجبال وترعرع عملاقا قويا، ونزل إلى هورك جبّارا فظّا: قامته إحدى عشرة ذراعا، كتفاه أحد عشر شبرا، ومن الجبال جسمه الجميل، ومثل الشمس تطير حيويته.

ويقال في الأساطير بأنّه أخذ السلطة من خاله وجده وصار حاكما لمدينة هورك، وكان في بداية عهده باغيا مستبدّا، حيث أمر الأهالي بالعمل القسري لبناء سور للمدينة، ويقال في الأساطير القديمة أنّه لمّا فرّط في القسوة والاستعباد، نوّه له أحد شيوخ المدينة، أنّ غولا هائلا يشبه البشر بهيئته، ويشبه الوحوش بضخامته، يعيش بين الوحوش المفترسة في الغابة القريبة من هورك، ويسمّيه الأهالي: هينكي ديو، ما يقارب معنى بالكردية تدلّ على (شبه وحش) وتتابع الأسطورة أنّ الشيخ أضاف: هينكي ديو جميل كالآلهة، جسمه مغطى بالشعر، وشعره طويل ملفوف، جدائله تشبه سنابل القمح، يأكل النبات كالغزلان، ويأكل اللحم كالأسود، ويشرب الماء كالبشر.
وينوّه الشيخ كما تقول الأسطورة نوّه الشيخ أنّه لابدّ من الاستفادة من قوة هينكي ديو وهمّته لصدّ خطر الوحش خاو بابا، واقترح الشيخ على دل كاميش إرسال جارية حسناء إلى هينكي ديو، تفكّ وحشته وترخي هيجانه، واستمع دل كاميش بمقولة الشيخ واقتنع بفكرته الطريفة، وأرسل إلى الغابة جارية حسناء حتى تشدّ هينكي ديو إلى مدينة هورك، ولمّا حلّت الحسناء على هينكي ديو، فتن بجمالها، ولمعت عيناه، وتفتق كبته، ولما لمسها، تهيّج، فعانقها وعانقته، وتواصل العناق سبعة أيام وسبع ليال، حتى فرط هينكي ديو وذبلت عيناه وفي النهار الثامن قالت الحسناء :
هينكي ديو، أنت فائق الجمال، تشبه الوحوش بقوتك، لماذا تعيش وحيدا بين الحيوانات؟
تعال نذهب إلى هورك المدينة، حتى تعيش كالناس، وترى حرم الشمس برعاية دل كاميش البطل.

وتقول الأسطورة بأنّ هينكي ديو أجاب موافقا، لأنّ لذّة الحب ما زالت على لسانه، وطعم العناق مازال في إحساسه، وجاء هينكي ديو مع الحسناء إلى هورك، وتعرّف على حاكمها دل كاميش، فتصارعا، وتصادقا ثم تآخيا، وصارا لا يفترقان على درب المأثر والمغامرات، وإتجه الصديقان إلى منازلة خاو بابا (أب الموت) وكان حاميا لغابة الصنوبر، لأنّ أهالي المدينة كانوا بحاجة إلى جذوع الأشجار لاستخدامها في البناء، وابتدأت المنازلة، وغلب دل كاميش أب الموت (خاو بابا) ومع أنّ خاو بابا استسلم وطلب الرحمة من دل كاميش، إلاّ أنّ هينكي ديو الذي شارك بالمنازلة إلى جانب دل كاميش، تسرّع، وقتل الوحش خاو بابا رغم توسّل الأخير، وبذلك فتح طريق الغابة أمام الأهالي .
وتحكي الأسطورة أنّ آلهة الحب والجمال والمواسم آنانا (تي ستاير) قد عشقت دل كاميش، وتغار عليه من صحبة هينكي ديو، ولذلك غضبت من الصديقين بسبب مقتل خاو بابا حامي الغابات، وطالبت دل كاميش بالتوبة منها، وترك هينكي ديو القاتل، والذهاب إلى معبدها لطلب الطاعة والمغفرة، ومضاجعتها حتى ترضى عنه، ورفض دل كاميش ذلك، وفضّل البقاء حرّا مع صديقه، هنا فقدت الآلهة آنانا (تي ستاير) صبرها، وشعرت بالمذلّة، ودعت الثور الطائر (كا ميش) أو الثور السماوي لمنازلة الصديقين، وبدأت المنازلة، وأمسك هينكي ديو بذنب الثور الطائر، لكنّ الثور (كاميش) نطح هينكي ديو في صدره واستمر في النطح حتى وقع هينكي ديو على الأرض، فدهسه الثور، وبحسب الأسطورة فإنّ دل كاميش انفعل وبقر صدر الثور كاميش بخنجره الطويل، ثم أدخل يده في صدره، وانتزع قلب الثور الطائر، وحمل قلب الثور إلى هورك ورماه أمام معبد آنانا (تي ستاير)، معلنا بذلك تحدّيه وانتصاره عليها أمام الأهالي، ومنذ ذلك اكتسب لقبه (دل كاميش: قلب الثور الطائر)، وأما صديقه فقد سالت الدماء من جراحه، وكادت قواه تنهار، ثم فارق الحياة، آنذاك، حزن دل كاميش من أعماقه، وبكى صديقه الحميم طويلا، حتى صارت الشيوخ والأهالي تواسيه، ومنذ ذلك، انطبع اسم دل كاميش في ذاكرة الأجيال اللاحقة على أنّه بطل القصص والحكايات، حتى تلك التي حدثت قبل عهده، ومنها حكاية “البطل دل كاميش وآغا (حاكم مدينة ل كاش)” ومنها حكاية “البطل دل كاميش وأتارى خسيس” والتي تحكي رحلة دل كاميش إلى منابع نهر دجلة ولقائه بسيا دورا (الظلام البعيد) والناس العقارب وهاتنا بوهشتي الذي يحكي له قصة الطوفان والفيضانات في بلاد الأنهار، وحكايات أخرى.

حكاية “دل كاميش والطوفان الكبير”

يفترِض العلماء أنّ فيضانا كبيرا (طوفانا) غمر جنوب بلاد الأنهار قبل حوالي 4900 سنة، وذلك لأسباب بيئية وجيولوجية، قد تكون مدّا واسعا (تسونامي) من البحر ثم انسحاب المياه برا، وقد يكون تواصل هطول الأمطار الغزيرة سببا في ذلك، وقد يكون انسداد مصب الأنهار بالطمي الكثيف، وقد تكون تغيّر مجرى دجلة أو الفرات بسبب الجفاف أو الردم أو الزلازل، وأمّا من الناحية التاريخية فقد تداخلت الحكايات الشومرية حول الفيضانات التي كانت تغمر الأراضي موسميا وتجرف الطمي إليها، واندمجت هذه القصص في أسطورة شهيرة دوّنت في الألواح الطينية (الرقيّمات) التاسع والعاشر والحادي عشر عن رحلة البطل الأسطورة دل كاميش إلى منابع دجلة و”الوصول إلى الحديقة الباقية (الخالدة). وتبدأ هذه الحكاية بهذه القصيدة:
يا من رأى كلّ شيء في هذا العالم
يا من ركب الجبال والوديان كلها
يا من غلب مع صديقه الأعداء
يا من بلغ الحكمة ووصل إلى كل مكان
يا من كشف الأسرار ورأى المخفيات
يا من خبّرنا عن أيام ما قبل الطوفان
يا من ركب البوادي والأنهار ورحل بعيدا
حتى تكتب حكايته بالنقش على الحجر.

ويقال بأنّ دل كاميش كان يتذكّر نطحة الثور السماوي لهينكي ديو وانهيار حيوية صديقه، حتى صار عديم الحركة وكيف حمله جريحا إلى هورك، وكانت هذه المشاهد المأساوية تراوده ولا تفارق ذاكرته، وصار دل كاميش يخاف من البقاء على التراب بدون حركة ويرتعب من الموت، ولمّا طالت معاناته وازداد صمته، سأله شيخ المدينة عن حزنه، فأجاب دل كاميش:
ما زلت أذكر هينكي ديو صديقي الحميم
تسطّح على التراب لا يقيم
وأنا لا أريد مثله الرقود المديم
وتقول الأسطورة أنّ الشيخ أجابه أنّ دواء البقاء (الخلود) الذي يحمي من الموت موجود عند منابع نهر دجلة، وأنّ هذا الدواء معروف لدى أناس تجاوزوا الطوفان الكبير، عندئذ قرّر دل كاميش الرحيل وسعى إلى منابع دجلة لتحصيل دواء الخلود.
ولمّا كان الشومريون يسكنون جنوب بلاد الأنهار، حيث تتشكّل الأهواز (الأحواض) والبحيرات والمستنقعات حول مصب دجلة والفرات، لذا فإنّ هذا القوم كان يمارس إلى جانب الزراعة وتربية الحيوان وصيد السمك، كان يمارس الملاحة المائية أيضا، وذلك على متن عوامّات، تعتمد في عومها على “مخدّات” منفوخة، قد تكون جلود ثيران منفوخة بالهواء ومغلقة بإحكام، وترتبط ببعضها بعضا بواسطة حصيرة من القصب، وتشبه العوّامة ما يسمى بالكاتامران حاليا، ولتحريك العوّامة لابدّ من عصا طويلة وخفيفة، تغرس في قاع الماء وبضغط اندفاعي تنطلق العوامة بالحركة، وحين بدأ البطل دل كاميش رحلته من مدينة هورك على متن عوّامة، واتجه شمالا قاصدا منابع دجلة، ثم ترجّل ومشى أياما وعبر السهول، واجتاز الجبال والأودية حتى وصل إلى بلاد الظلمات أو ديار الناس العقارب، الذين كانوا يسدّون فتحة تشرق منها الشمس وتغرب، فترجى أحدهم، فدلّه إلى هذه البقاع المعتمة إلى مكان “سيا دورا” (الظل البعيد)، وأما سيا دورا فدلّته إلى مكان صانع السفن لأنّه الوحيد الذي قد يساعده في عبور الأنهار، والوصول إلى الحديقة الخالدة، وبعدما وصل دل كاميش إلى هذه الحديقة التقى بخسيسو أتارو، وحكى دل كاميش عن مآثره وبطولاته، فتأثّر الأخير، وبمثابة الإجابة قصّ عليه كما تقول الأسطورة:
في أيام من الزمان كنت تاجرا متجولا بالملاحة النهرية، أنظّم رحلاتي على متن عوّامتي التي كانت تشبه معلقة كبيرة، وكنت أتوقّف عند المساكن القريبة من ضفة النهر لأتبادل البضائع والحبوب والطيور الداجنة مع الأهالي، وكنت بطبيعة شغلي أدقّق في الكميات، وأحتسب احتمالات وقوع الطوارئ، وكنت أعلّب الحبوب والزاد في خابيات وأغلقها بإحكام على متن عوامتي، وذات يوم وأنا أتجهّز لرحلة كالعادة، وإذ بالغيوم السود تكاثفت وسدّت نور الشمس تماما وتحوّل النهار إلى ليل، وعصفت الرياح وصعقت الصواعق وارتعبت حتى الآلهة في السموات وبكت من الخوف، وهطل المطر الكثير ثم هطل المطر الغزير، وتواصل ستة أيام وسبع ليال، فطافت الأنهار وسالت السيول، وغمر الماء السهول والبراري كلها، وفي اليوم السابع هدأت الأمطار وانجلت الرياح وتفرقت الغيوم حتى انقشعت من السماء، ولمّا رأيت نور الشمس من جديد، هذا النور الذهبي الذي لمس وجهي، وكاد قلبي يطير من قفص صدري، ورأيت سفينتي عائمة والماء يحيط بنا من كافة الجوانب، وكنت ضائعا تائها، لا أعرف أين اليابسة، لأنّ جفني لم يغمض خلال هذه المدة من الخوف والرعب والارتباك، وأطلقت حمامة للبحث عن اليابسة، إلاّ أنّ الحمامة عادت إلى العوّامة بعد أن حامت في الهواء قليلا، عندئذ أطلقت السنونو لأنّ مدى طيرانها أكبر، ولما رأيت أنّ السنونو لم ترجع لأنّها حطّت على اليابسة، وجّهت العوامة باتجاه طيران السنونو، وبعد وقت أردت التأكّد من وجود اليابسة فأطلقت غرابا، وطار الغراب ولم يرجع لأنّه حطّ على اليابسة أيضا، واستمررت بالعوم حتى رأيت اليابسة، عندئذ فرحت وفرح من معي على العوامة من أهلي، وهنا قرّرت أن أجعل مالي “قربانا ” للآلهة على النجاة، وعندما وطئت أقدامنا اليابسة، رأيت الناس يموتون من الجوع، فقدمّت لهم مالي من العوّامة بما في ذلك الحبوب والزاد والمؤن، ووزعتها عليهم بدون مقابل، وقبلت الآلهة هذا القربان واكتسبت لقب “الخالد”، وبقيت حيّا هنا منذ ذلك الحين، وتقول الأسطورة بأنّ قال بعدها: يا دل كاميش! أحمّلك نصيحة وحيدة، فحتى تصبح “خالدا” مثلي عليك أن تسهر (لا تنام) ستة أيام وسبع ليال متواصلة بقدر مدة الطوفان، إلاّ أنّ دل كاميش لم يقدر على تحمّل السهر المرهق، ونام، ولما فاق قال له بخسيسو أتار، أنّه لن يصبح من الخالدين لأنّه لم يتحمّل السهر. عنذئذ ترجاه دل كاميش من جديد وتوسّل إليه، أن يعطيه فرصة أخرى، ولو لم تكن الخلود، فلتكن المحافظة على القوة والهمّة، فقال له: اسمع يا دل كاميش! حتى تسترجع قواك وتحافظ على همتك وشبابك من الهرم، عليك أن تتغسّل بالماء الطازج (الجاري) بعد كلّ نومة وكلّ غفوة، ولمّا رأت زوجة بخسيسو أتارو، توسّل دل كاميش وبكاءه، شفقت عليه، وألحّت على زوجها على مساعدته، وهنا تقول الأسطورة بأنّ بخسيسو أتارو، قال:
اسمع يا دل كاميش! أكشف لك أسرارا
في قاع بحر الموت ورد يشبه التيجانا
شوكه شائك يجرح كالخناجر
ومن يحصّل هذا الورد
يبقى دائما شابا ذا همة

وعندها شكر دل كاميش بخسيسو أتارو، ونزل البحر، وغاص فيه، وطال ذلك الورد التاجي، وفرح بالنجاح، ثم قرر تقديم هذا الورد إلى الأهل في مدينة هورك للاستفادة منه، وبينما كان دل كاميش في طريق العودة، غفا ونام قليلا عند ضفة نهر، ثم نزل ليغتسل بالماء طبقا لتعاليم بخسيسو أتارو، وعندما رجع إلى مكانه، رأى جلد حيّة بدلا من الورد التاجي، وفهم أنّ الحيّة ابتلعت الورد، فتجدّدت حياتها، ورمت بجلدها القديم.
واستمر دل كاميش في المشي حتى وصل إلى هورك خائبا لأنّه لم يبلغ أيّ شيء على درب الخلود، لكنّه توصّل إلى قناعة، مفادها أنّ الحياة مسيرة مخزونها مليء بالبطولات والمآثر والعبر، والحزن والفرح، وأنّ القوة وحدها غير كافية لحلّ المشاكل، وأنّه لا خير في القوة بدون عقل، كما أنّه لا خير في العقل بدون قوة. ولتحقيق المرام لابد من امتلاك العقل والقوة معا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى