مقالات رأي

عفرين، مآثر من الحرية والنضال

لمحة جغرافية

تقعُ عفرين في شمال غرب سوريا، واسمها(Aferîn ) بالكردية، وتعني الخلق، وبالسريانية الأرض الخصبة، وهي تقع في سفوح جبل (جيايى كرمينج) وبالتركية كرداغ؛ أي جبل الكرد، طول الجبال فيه 100كم وعرضها من 25 – 45كم ومتوسط ارتفاعها من 700 – 1269م وأعلاها (كريه مزن)، وتمرّ في أراضيها أنهار عفرين، والعاصي، والأسود، وتتبع محافظة حلب، وتبعد عنها باتجاه الشمال الغربيّ بمسافة 63 كم، مساحتها (2050) كم2، وهي مركز منطقة تتبعها 366 قرية و(7) نواحي هي المركز عفرين – شران – جنديرس – بلبل – راجو – معبطلي – شيخ الحديد.

كان عدد سكان المدينة يبلغ (490000) نسمة، ولكن بلغ عدد سكانها بعد بدء الأحداث السورية، مليون نسمة بسبب الهجرة إليها من المناطق المجاورة، والكثافة العامة (241)ن/ كم2، وهم يتكلّمون الكرمانجيّة الشمالية، وتعتبر عفرين إحدى مناطق المرور الهامة بين سوريا والعراق إلى ساحل المتوسط وأوربا، بالإضافة إلى أنّها أرض خصبة غنيّة بالمياه، وفيها ما يقارب من(14) مليون شجرة زيتون، كما وتستخرج معاصرها أفخر أنواع الزيوت المسمّى بالزيت الكرديّ.

ومعظم سكان عفرين أي (97% ) من الكرد والباقي من المكونات الأخرى من عرب، وأرمن، وشركس، وتركمان، وسريان، والديانات الإسلامية، والإيزيدية، والمسيحية.

لم ينعم جيشُ الاحتلال الفرنسي بالهدوء منذ أن وطئت أقدام جنوده أرض سوريا، فكانت الرصاصة الأولى ضدّ المستعمر تطلق من عفرين، تاركين بصماتهم على ساحات النضال ضدّ الاستعمار الفرنسي، فكانت المعارك على أشدّها بين عامي 1918 – 1919م، حيث بدأت معارك جبل كرمينج، حينما اجتمع وجهاء الجبل للتدارس حول البدء بالقتال، منهم محو إيبو شاشو، أحمد روطو، سيدو آغا آلديكو، حسين آغا كوتو، حنان شيخ اسماعيل زادة، إبراهيم آغا سفونة، عبدي خوجة…الخ.

هؤلاء من قاموا بتحريض وتنظيم الشعب، ثم شنّوا هجمات متتابعة ضدّ الجيش الفرنسي، وتمكّنوا في معركة (Gelyê tîran)  وادي النشّاب، من قتل جنديين فرنسيين بينما لم يُقتل أحد منهم.

 معركة محو ايبوشاشو 1920م

في هذا العام تصدّى الكرديّ (محو ايبو شاشو) لقوة من الدرك الفرنسي التي انطلقت من بلدة حارم، وتمكن من قتل عدد منهم، بينما لاذ الباقون بالفرار إلى حارم، وحينما أرسلت فرنسا قوة قوامها (40) دركياً أوقع بهم شاشو ورفاقه الأربعين وكبدوا الفرنسيين عدداً من القتلى وفرّ الباقون، بعد أن تركوا وراءهم جثث قتلاهم، لكن ما لبث أن قتِل شاشو في باب مغارة قرب قرية (تتران) بتواطؤ من شقيق زوجته مع بعض آغوات منطقة العمق في لواء إسكندرونة، وسلّموا جثته للفرنسيين.

بعده ظهر الكردي (تك بيق حاجي) الذي التفّ حوله عدد من المقاتلين الكرد الذين استطاعوا إثارة الكثير من القلاقل ضد الفرنسيين.

 معركة قرية حمام 22 كانون الثاني 1920م

في هذا اليوم من عام 1920 هاجمت مجموعة مؤلفة من (300) من المقاتلين الكرد مخفراً فرنسياً، وتمكّنوا بعد 36 ساعة من الاستيلاء على المخفر ومقتل قائده الملازم (دولونلاي)، وحين وصلت أخبار المخفر إلى الحامية الفرنسية المتمركزة في لواء اسكندرونة، أرسل الفرنسيون قوة قوامها كتيبة من فيلق الرماة السابع عشر وكتيبة من فيلق السابع والعشرين، وسريتين من المدافع الرشاشة بقيادة الضابط (دورهيل)، ولكن وقبل وصول القوة كان المقاتلون قد انسحبوا إلى مواقعهم الحصينة في شمال شرق قرية الحمام، وفي كانون الأول عام 1920 قام (600) مقاتِل بينهم مقاتلو (محو شاشو) بالهجوم على القوة الفرنسية المتمركزة في قرية الحمام بالرشاشات، لكن خسر المقاتلون الكرد في هذه المعركة (50) شهيدا و(17) أسيراً.

وفي هذه الأثناء كان هناك تنسيق بين مقاتلين من عفرين وإبراهيم هنانو في جبل الزاوية، عن طريق إبراهيم سفونة الذي أحرق الفرنسيون داره الكائنة في قرية داكري (Dargirê)، وحينما عقد إبراهيم هنانو اجتماعا للمقاتلين في قرية معراتة (Maratê) عام 1920 حضره عدد من قادة جبل الكرد.

 معركة وادي آشلي (Gelyê Aş) 1921م

قام مقاتلو جبل الكرد عام 1921م بتعطيل الجسر الخشبيّ الذي كان يمرّ فوقه القطار شمال ميدان اكبس، وكان قائد المجموعة محمد عتونو، وحين وصول القطار اشتبكوا مع القوات الفرنسية وقتلوا منهم عشرين جنديا، وعند وادي كلي آشلي (Gelyê Aşlê) أيضاً حينما وصل القطار تمكنوا من قتل عدد من الفرنسيين فيه، وفي تشرين الاول من عام 1922، اشتبك المقاتِل الكردي (سيدو آغا ديكو) مع القوات الفرنسية في قريته (قاسم) في الجانب الشماليّ من وادي النشاب (Gelyê Tîran) حيث قضى هناك نعمان مجيد من بلدة راجو.

مما أدى إلى قصف الطائرات لقرية قاسم، وطالبت القوات الفرنسية بتسليم سيدو آغا ديكو، وأحمد روطو، ولكن حلّت المشكلة بتدخّل من الوجيه الكردي كور رشيد.

 معركة جبل (بارسا خاتون) 1939م

تحصّن أنصار (محو ايبو شاشو) في قلعة جان بولات في جبل بارسا خاتون (Ciyayê Parsexatûnê عام 1939م، في القسم الشرقي من جبل الكرد، وفي منتصف ليلة 23 من كانون الثاني عام 1939م داهم شاشو ورجاله منزل المستشار الفرنسي في بلدة اعزاز واستمرّت المعركة حتى الفجر، ونظراً لإصرار رجال شاشو، فقد اضطرت القوات الفرنسية للاستنجاد بالحامية الفرنسية في حلب التي كانت بقيادة الكولونيل (دوشي ليون)، كما شاركت في الهجوم القوات المتمركزة في محطة قطمة، بالإضافة الى الطائرات الفرنسية، حيث تمكّن المقاتلون حينها من إسقاط طائرة فرنسية قرب المحطة، لكن أفلحت القوات الفرنسية في اعتقال عدد من المقاتلين وجرح آخرين، كما قصفت الطائرات وبشكل عشوائي قرى ناحيتي بلبل، وراجو، وتمّ تدمير الكثير من القرى الاخرى مثل، شنكل (Şingilê)، وشيخورزى (Şêxorzê)، ونازا (Naza)، حيث فقدت امرأة حياتها جراء القصف الشديد، وكانت قد ظهرت حركة المريدن 1938 – 1939م، التي خاضت ضدّ الفرنسيين وألحقت بهم خسائر فادحة.

ومن الناحية السياسيّة كان هناك الكثير من الكرد ممن شاركوا في الحياة السياسية في سوريا، ومنهم من أصبحوا ممثّلين عن الشعب في البرلمان السوريّ، من أمثال حسين عوني نائباً عن قضاء جبل الكرد، ومنان يازي جلوسي زادة عن قضاء إعزاز، وآخرين من أمثال محمد الحاج محمد الشيخ إسماعيل، وفائق منان آغا وغيرهم.

هذا جزء من نضالات رجالات عفرين كانت من أجل الشعب السوري كله، وليس من أجل عفرين فقط، يقول السياسي رشيد حمو وهو من عفرين في كتابه (المسألة الكردية) – ص- 15:

وبصدد حركة المقاومة في منطقة الجبل لابدّ من القول، إنّها لم تكن حركة منعزلة عن نضال الشعب السوري ضدّ المستعمرين، بل كانت رافداً كبيرا للحركة الوطنية العامة في البلاد ضدّ المستعمرين.

واليوم نرى نفس المشاهد تتكرّر في منطقة عفرين تحديداً، حيث الاحتلال التركيّ لعفرين الآن هو أشدّ وطأة وظلماً وعدوانية، لكن أحفاد أولئك الأبطال الكرد الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي في السابق، قاوموا الاحتلال الأردوغاني الغاشم المتستر بلبوس الإسلام, والتي تدلّ خطاباته وتصريحاته العدوانيّة على أنّه عازم على إبادة الشعب الكردي في كلّ مكان يمكن أن تصل إليه جندرمته، لكن هذا الاحتلال الأردوغاني الآثم لن يحقّق ما يصبو إليه بفضل بذور المقاومة التي زرعت خلف المقاومون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى