ترجمات

رجلُ عصر جاكسون – فانيك كيف سيتعامل بايدن مع العقوبات الأمريكية

يثير فوز جوزيف بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ العديد من الأسئلة حول ما قد سيحدث بعد ذلك على صعيد سياسة العقوبات الأمريكية. وما مقدار التغيير الجذري؛ الذي يمكن أن نتوقعه؟ هل ستكون هناك عقوبات جديدة؟ أم على العكس من ذلك، ستلغى أو تُخفف العقوبات المفروضة؟ ماذا يعني فوز بايدن بالنسبة للدول الرئيسية المعنية بسياسة العقوبات الأمريكية؟

تأثير الأسلوب

تتميز السياسة الخارجية الأمريكية باستمراريتها. فقد يكون للديمقراطيين والجمهوريين آراء مختلفة، وإن لم تكن متعارضة حول بعض القضايا، مثل الحد من التسلح؛ أو تلك المتعلقة بحقوق الإنسان. وعلى الرغم أن لكل رئيس جديد أولوياته الخاصة؛ بشأن بعض قضايا السياسة الخارجية، إلا أن هيكل أهداف وأساليب تلك السياسة عامة في ظل الرؤساء الجدد لا تتغير جذريًا. حتى دونالد ترامب الغريب الأطوار؛ في تصريحاته الثورية كان مقيدًا بالمسار الذي تم تشكيله بالفعل.

يلعب نظام الحكم في الولايات المتحدة دوراً مهماً في توزع السلطات والصلاحيات بين أجهزة الحكم الرئيسية. فقد يتمتع الرئيس بسلطات كبيرة، لا سيما في مسائل السياسة الخارجية. كما يمكن للإدارة الرئاسية تفسير التشريعات القائمة أو الجديدة على نطاق واسع للغاية. إلا إنه لا يمكن للرئيس أن يتجاهل الكونغرس أو المحاكم، وهذا ما أظهرته بوضوح تجربة ترامب.

على سبيل المثال، قام الكونجرس بتقييد مسألة الرفع المحتمل للعقوبات ضد روسيا، ودمج عددًا من الأوامر التنفيذية لباراك أوباما في القانون المعروف بـــ  PL 115-44 CAATSA ونجحت المحاكم في نقض قرارات الرئيس . كذلك حدث، على سبيل المثال، مع حظر ترامب استخدام خدمة WeChat الصينية في الولايات المتحدة. حيث ألغت محكمة المنطقة الشمالية في كاليفورنيا هذا الحكم، وأيدت دعوى تحالف مستخدمي WeChat في الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، ففي ظل الرئيس المقبل، سيتم تحديد سياسة العقوبات الأمريكية وفقاً لمصالح وطنية محددة، فضلاً عن الأحداث التي تتطلب رد واشنطن.

قبل كل شيء، العقوبات هي وسيلة للرد على وضع معين، وتحقيق أهداف السياسة الخارجية. فستُستخدم لردع جماح الخصم، وإجباره على تغيير مساره السياسي، وإرسال إشارة إلى المعارضين أو الحلفاء.

كقاعدة عامة، لا تلعب شخصية الرئيس هنا دوراً أساسياً. بالإضافة إلى ذلك، لطالما تم إضفاء الطابع الرسمي على سياسة العقوبات؛ بإخضاعها للروتين المؤسساتي، المتّبع في الولايات المتحدة، وبالتالي يكون من الصعب تغييرها بشكل تعسفي وفق رغبة الرئيس.

في الوقت نفسه، قد يؤثر بايدن على سياسة العقوبات في بعض التفاصيل المهمة. كتغيير أسلوب اتخاذ  القرار، والذي سيكون له معنى في حد ذاته؛ سواء للولايات المتحدة نفسها، أو لمنافسيها وحلفائها.

الفارق الرئيسي بين بايدن وسابقيه؛ هو خبرته السياسية الهائلة. ففي إدارة أوباما شغل منصب نائب الرئيس، ويعرف البيروقراطية الأمريكية جيداً. بالإضافة إلى ذلك، يُعد بايدن أحد أكثر أعضاء مجلس الشيوخ خبرة. فقد خدم في مجلس الشيوخ لمدة 36 عامًا، من 1973 إلى 2009، وفي العامين الماضيين ترأس لجنة السياسة الخارجية.

من حيث الخبرة، فإن بايدن عكس سلفه تماماً. عندما أصبح ترامب رئيساً، كان وافداً جديداً على السياسة الكبيرة. وفي بعض الأحيان، مبتدئاً؛ شديد العدوانية، لا يشعر دائماً بالقواعد غير الرسمية للعبة. على العكس من ذلك، فإن بايدن قادر على التعامل مع أكثر التيارات تعقيداً داخل الكونغرس، وقادر أيضاً على التحدث مع الجيش والاستخبارات والسلطات المالية والعديد من الموظفين الآخرين بلغتهم المعتادة، ويدرك جيداً مسائل توازن القوى.

بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس ترامب، يعدُّ بايدن ضليعاً في المؤسسة الدولية. فإذا كان ترامب قد تصادم مع العديد من القادة الأجانب، فإن بايدن سيكون محاوراً مريحاً لهم، طبعاً الراحة ليست بمعنى الفوز دائماً، لكن الرئيس الجديد بالتأكيد لن يبدو مثل (فيل في متجر صيني).

من حيث التجربة، يتفوق بايدن على زعيمه السابق أوباما. فأوباما ساعدته المرونة، والتعاطف، والشباب، والكاريزما الشخصية، والتي عززتها تجربة نائبه. أما الآن فالمسألة مغايرة تماماً، فنائبة الرئيس كامالا هاريس تجسد الشباب والكاريزما، ورئيس الدولة هو من يجسد “المدرسة القديمة”.

وفيما يتعلق بمسألة العقوبات، شهد بايدن الكثير منها خلال مسيرته الطويلة: تعديل جاكسون-فانيك[1]، وحرب العقوبات مع إيران، والرفع التدريجي للعقوبات عن الصين، ثم رفع العقوبات عن روسيا أولاً، ثم إعادتها. وهو من وجد نفسه في حقبتين مختلفتين من العقوبات: دخل السياسة في عهد العقوبات التجارية والحظر، وعمل في مجلس الشيوخ في مرحلة ظهور العقوبات المستهدفة (الذكية)، وأصبح رئيساً في وقت تلقت فيه السلطات المالية والتجارية للولايات المتحدة فرصاً غير مسبوقة في مجال السياسة الخارجية.

ليونة أكثر

إذا نظرت إلى الدول الثلاث التي تستخدم الولايات المتحدة العقوبات ضدها باستمرار، وهي  إيران والصين وروسيا، يعدُّ فوز بايدن على الأرجح بشرى سارة لطهران. لأن ترامب كان شديد الحماس لتدمير إرث أوباما في إيران، فبالرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووي الإيراني؛ جاءت انتصاراً للدبلوماسية المتعددة الأطراف. فقد اعترض الجمهوريون على ذلك الاتفاق أيام أوباما، وهذا يدل على أن أفعال ترامب لم تكن مبادرة الشخصية.

ففي عام 2018، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة تنسحب من جانب واحد من الاتفاق النووي مع إيران، وهذا يعني أن واشنطن أعادت حينها فرض مجموعة واسعة من العقوبات ضد قطاعي المال والطاقة في إيران. وهذا القرار أضر بمصالح الشركات الأوروبية التي أعادت إطلاق مشاريعها في إيران، بعد إبرام الاتفاق النووي في 2015. فأجبر التهديد بالعقوبات الأمريكية التي تتجاوز الحدود الإقليمية الأوروبيين والعديد من الآخرين على مغادرة إيران.

كما ألغى ترامب الإعفاءات الممنوحة للدول الحليفة والشركاء؛ في شراء النفط الإيراني، وفرض قيوداً إضافية على القطاعات المالية، والشحن والتعدين والصلب وغيرها من قطاعات الاقتصاد الإيراني (الأوامر التنفيذية 13846 و13871 و13876 و13902 و13949). وكان الغرض الأساسي للسياسة الأمريكية الجديدة تجاه إيران؛ هو قائمة الطلبات التي وعدت إدارة ترامب بمجرد تحقيقها رفع أو تخفيف العقوبات.

قرارات واشنطن هذه، على الأرجح، ألحقت أضراراً كبيرة بإيران، لكن الولايات المتحدة لم تحقق أية نتائج سياسية منها. فقد أصبحت إيران أكثر نشاطاً في سوريا واليمن؛ وعدة دول أخرى، كما واصلت برنامجها الصاروخي. وأوضحت طهران أنها مستعدة لإعادة تشغيل برامجها العسكرية والنووية، رغم أنها بقيت رسمياً في إطار الاتفاق النووي. وبالتالي فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها على المسار الإيراني، في عزلة دبلوماسية كاملة تقريباً. وتعرضت تصرفات واشنطن لانتقادات من موسكو وبكين إلى لندن وبروكسل.

الآن ستتمثل مهمة بادين، على ما يبدو، في التغلب على هذه العزلة الدبلوماسية، وإعادة الفرصة الضائعة للتأثير على الموقف؛ بمساعدة أدوات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، ولكن في الوقت نفسه؛ الاستمرار في احتواء إيران، ومنع نمو إمكاناتها العسكرية. وهنا ستكون إحدى الأولويات المهمة، منع إمداد إيران بالأسلحة التقليدية.

في أكتوبر / تشرين الأول 2020، انتهى الحظر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي؛ لمدة خمس سنوات وفق القرار 2231 على توريد هذه الأسلحة لإيران، مما منح الإيرانيين إمكانية الوصول إلى أسلحة حديثة يمكن لروسيا والصين، على سبيل المثال، تقديمها لها. في عهد ترامب، حاولت واشنطن منع إنهاء الحظر، لكن ذلك لم يأت بنتائج إيجابية – فمن الواضح أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ترك واشنطن جانباً.

من الممكن أن تثير إدارة بايدن مسألة إعادة بدء الاتفاق النووي. إلا أن العودة – بحكم الأمر الواقع – إلى نظام عام 2015 غير ممكنة، خاصة مع استمرار سريان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 بحكم القانون. إلا أن بايدن قد يخفف بعض العقوبات الأمريكية، على سبيل المثال، القيام بإعادة الاستثناءات من الحظر المفروض على شراء النفط الإيراني أو إرسال بعض الإشارات الودية الأخرى تجاه الأوروبيين والهنود والشركاء الآخرين.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تفقد “12 نقطة من بومبيو[2]” أهميتها. بدلاً من ذلك، سيركز على أسلوب هذه الطلبات، وكذلك على طرق تحقيق أهدافها. وهنا يمكن للأمريكيين استئناف المفاوضات مع إيران ولكن على أي حال، لن يعود مستوى الطلبات الأمريكية كما كان في عام 2015. علاوة على ذلك، ففي الكونجرس، سيمنع الجمهوريون أي محاولات للعودة إلى المسار الذي كان في عهد أوباما. لكن حتى مثل هذا التوافق سيكون أفضل لإيران من الوضع الذي كان في عهد ترامب – لأنه حتى التغييرات الطفيفة في العقوبات مهمة للاقتصاد الإيراني.

قسوة أكثر

في الاتجاه الصيني، يمكننا أيضاً توقع بعض التغييرات للأفضل. فقد يعود بايدن إلى الوفاء بالالتزامات بموجب المرحلة الأولى من الصفقة التجارية، التي رفض ترامب الوفاء بها؛ بحجة الوباء. أيضاً، من المرجح أن يكون خطاب بايدن أقل تبجحاً؛ وأكثر لباقة تجاه بكين. لكن من الصعب حدوث تغييرات جوهرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين.

لقد اتخذت واشنطن مسار الاحتواء التكنولوجي للصين، ولن تتخلى عن هذا المسار. وستظل أوامر ترامب التنفيذية لقطاع الاتصالات (مثل الأمر التنفيذي 13873) سارية، وستبقى الإجراءات التمييزية ضد Huawei وZTE  والشركات الأخرى سارية أيضاً.

كما ستقوم اللجنة الأمريكية للاستثمار في الخارج بوضع أي مشاريع استثمارية للصين في الولايات المتحدة تحت عدسة مكبرة. وسيواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي البحث عن المتسللين “التابعين لحكومة جمهورية الصين الشعبية” والباحثين عن الأسرار الصناعية. كما سيستمر مكتب المدعي العام في رفع دعاوى جنائية ضد منتهكي أنظمة العقوبات الأمريكية.

أما في ما يتعلق بقضية حقوق الإنسان في هونغ كونغ أو شينجيانغ، من المتوقع أن يتخذ بايدن موقفاً أكثر صرامة من ترامب، على الرغم من عدم توقع عقوبات واسعة النطاق هنا فقد تخص فقط القادة الأفراد وهياكل السلطة والمسؤولين.

بشكل عام، ستستمر الحرب الباردة التي أعلنها مايك بومبيو ضد الصين. لكن بايدن سيديرها بدبلوماسية وحرفية أكبر. وبالنسبة لبكين، فإن الخصم العقلاني والمهني لا يزال يبدو أفضل من سلفه الأقل خبرة وعاطفة.

أخيراً، بالنسبة لروسيا، لا توجد أخبار سارة، كما لا توجد أخبار سيئة أيضاً. لا توجد أخبار جيدة لأنه لن يتم مراجعة أي نظام للعقوبات. (أوكرانيا، الأمن السيبراني، الشرق الأوسط، حقوق الإنسان) ومواضيع أخرى في العلاقات الروسية الأمريكية لن تتغير للأفضل. وهذا يعني أن سياسة العقوبات لن تتغير أيضاً.

هل يمكن أن تكون هناك تغييرات للأسوأ؟ بدون أدنى شك. فالولايات المتحدة لم تتخذ بعد إجراءات تقييدية في قضية نافالني. ومن المحتمل أن يحدث هذا حتى قبل مغادرة ترامب النهائية في يناير. لكن لا ينبغي أن نتوقع إجراءات جذرية هنا. فعلى الأرجح أنها ستقتصر على الحظر؛ وعقوبات التأشيرات ضد المسؤولين الروس الذين أدرجهم الاتحاد الأوروبي بالفعل في قوائم عقوباته. فقط هناك خطر من أن تلجأ واشنطن إلى قانون الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية لعام 1991، وتصعيد القيود على التزامات الديون السيادية لروسيا. لكن هذا الاحتمال منخفض إلى حد ما.

إذا أمكن تجنب الأزمات الحادة (مثل تلك التي حدثت في أوكرانيا في عام 2014، وفضيحة “التدخل في الانتخابات” في عام 2016، أو قضية سكريبال في عام 2018)، فمن غير المرجح أن يحدث أي تصعيد للعقوبات من قبل واشنطن، بدون سبب وجيه. فإدارة بايدن لن تغير موقفها تجاه مشروع قانون DASKA (عقوبات صارمة)، أو الأفكار الأخرى الخاصة بالقيود المتطرفة ضد روسيا. والتي تعاملت إدارة ترامب معها وفق سياسة ضبط النفس، والسبب في ذلك لم يكن “ميل” الرئيس الأمريكي تجاه روسيا، بل التكرار في العديد من البنود، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بأمريكا نفسها.

وبدلاً من ذلك، سنرى عقوبات أكثر نشاطاً حول موضوع حقوق الإنسان – على سبيل المثال، “قانون ماغنتسكي”. لن يكون لها تأثير جوهري على الاقتصاد الروسي – فقط مسؤولو الأمن أو المسؤولون الأفراد سيخضعون لها.

أما العقوبات المفروضة على مشروع نورد ستريم 2 فهي محددة بموجب القانون، ولم يعد بإمكان الرئيس وحده تغييرها، لذلك من المرجح أن يتواصل الضغط الأمريكي عليه بشكل أو بآخر. وبالتالي يمكن القول، أنه لا تزال العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تخضع لنظام التنافس الشديد، ومن غير المرجح أن يتغير هذا النموذج. بل من الممكن حدوث أزمات سياسية جديدة وعقوبات لاحقة.

[1] هي تعديلات أُدخلت على قانون التجارة الأمريكي عام 1974 وتقضي بفرض قيود على العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والبلدان التي تقيد حرية الهجرة، ومن بينها الاتحاد السوفييتي. (المترجم)

[2] وهي 12 شرطاً وضعها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، منها وقف تخصيب اليورانيوم، ووقف نشر الصواريخ البالستية .. وغيرها، إن نفذت إيران هذه الشروط؛ فستعود علاقات التطبيع بين أمريكا وإيران. (المترجم)

إيفان تيموفيف

ترجمة عن الروسية: د. سليمان إلياس – مركز الفرات للدراسات.

الرابط الأصلي للمقال

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى