ترجمات

العلاقات الأمريكية التركية.. آفاق التغلب على الأزمة وبناء نموذج جديد للتفاعل.

على مدى سبعة عقود, كانت تركيا عنصراً رئيسياً في استراتيجية أمريكا في أوراسيا والشرق الأوسط.

بعد الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي في عام 1952-  بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها – أصبحت أنقرة الدولة الإسلامية الوحيدة في التحالف العسكري الغربي. خلال الحرب الباردة، احتلت تركيا مكاناً مركزياً في سياسة الولايات المتحدة الدفاعية والأمنية, حيث قدمت كقاعدة أمامية للغرب على الحدود مع الاتحاد السوفييتي لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

بشكل عام, احتل موضوع الشرق الأوسط المكانة الرئيسية بين البلدين، في تسعينات القرن العشرين تم تكليف تركيا بمهمة ردع التأثير الإقليمي لإيران والعراق وتطوير العلاقات العسكرية والسياسية مع إسرائيل  ضمن الاستراتيجية الاقليمية لتل أبيب, وتنفيذ سياسة الطاقة الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك, في تلك السنوات بالفعل, في محاولة للحفاظ على التوازن بين أولوياتها الإقليمية ومصالح الولايات وحلف الشمال الأطلسي, أظهرت قيادة البلاد مراراً وتكراراً أن تطلعات تركيا الوطنية في المنطقة تسود على التضامن في الحلف .

على وجه الخصوص, لا يمكن أن تشارك القواعد العسكرية الموجودة على الأراضي التركية في العمليات العسكرية للولايات المتحدة أو الناتو دون إذن خاص من أنقرة.

انهيار عالم ثنائية القطب أجبر السياسيين والخبراء الأتراك على البدء في تطوير سياسة إقليمية جديدة تسمح بتحول استراتيجي إلى الشرق وتقوية نفوذها هناك.

حققت تركيا نجاحاً في وضع نفسها كلاعب إقليمي وعالمي مستقل, مما تسبب كثيراً في إزعاج حليفها الأطلسي.

كل هذا زاد في حدة الخلاف، وقبل كل شيء حول مشاكل الشرق الأوسط، التي خلقت مجالات جديدة لاختلاف المصالح والتي انعكست على التعاون الثنائي.

تدهورت العلاقات بالفعل في عام 2003, بعد التدخل العسكري الأمريكي في العراق, والذي كان ينظر إليه بشكل سلبي من قبل قادة الأحزاب السياسية وأغلب سكان البلاد. ثم استخدمت أنقرة أدوات ضغط غير شرعية على حليفها الأطلسي وحظرت على الجيش الأمريكي استخدام قاعدة أنجرليك الجوية. في الوقت نفسه بدأت المشاعر المعادية لأمريكا تنمو في المجتمع التركي. إذ كان في عام 2000, وفقاً لاستطلاعات مركز “Pew Research Center” فإن 52% من المواطنين الأتراك إيجابيين بشأن الإجراءات الأمريكية في الساحة الدولية, في عام 2003 انخفض عددهم إلى 15%, وفي عام 2007 إلى 9% كان هذا هو الحد الأدنى بين البلدان التي أجريت فيها الاستطلاع.

إن الاضطراب السياسي في الشرق الأوسط الناجم عن الثورات العربية يشير بوضوح أكبر إلى التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا في قضايا الأمن الإقليمي, يتعلق الأمر بالأزمة السورية, والقتال ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة, والدعم الأمريكي للمقاتلين الكُرد. ونتيجة لذلك, ابتداءً من منتصف عام 2010 قائمة التحفظات المتبادلة تنمو باستمرار. شراء تركيا في صيف عام 2019 منظومة الصورايخ S400 من روسيا رغم اعتراض أمريكا، والعملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا في العام نفسه شكل أزمة نظامية بين أنقرة وواشنطن.
وأخيراً وليس آخراً, ترتبط هذه المشاكل بتغيير الأولويات الاستراتيجية لكلا البلدين ونهجهما لضمان الأمن الإقليمي.

الجدل السياسي الداخلي المستمر في الولايات المتحدة حول تقليص وجودها في الشرق الأوسط, والتوازنات الدولية تظهر ضعف القيادة الأمريكية للعالم، وعدم قدرتها وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها. ونتيجة لذلك, يتعين على الولايات المتحدة أن تبحث عن طرق للضغط على حليفها القديم, الذي لم يعد يرغب في اتباعه في أعقاب المصالح الأمريكية, ويؤيد بشكل متزايد بناء نظام جديد للعلاقات الدولية برفض هيمنة القوة الوحيدة.

كل هذه الأمور يجعلنا نتساءل عن آفاق التعاون والتحالف بين الدولتين.

هل ستؤدي الأزمة الحالية إلى فصل استراتيجي نهائي، أم ستكون الأطراف قادرة على المساومة والعثور على نموذج جديد للتعاون؟ للإجابة على هذه الأسئلة, يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار أسباب اختلاف المصالح الأمريكية التركية، ويحدد الشروط التي يمكن بموجبها إعادة ضبط العلاقات.

  • تغيير الأولويات الاستراتيجية لأنقرة وواشنطن في الشرق الأوسط:

خلال الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما كان التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا, بحسب الرئيس الأمريكي “شراكة نموذجية”.

في المرحلة الأولى من الثورات العربية كان لدى أنقرة وواشنطن مصالح مشتركة ووجهات نظر مماثلة حول الأحداث الجارية في المنطقة.

دعم البيت الأبيض رغبة السلطات التركية في لعب دور رئيسي في تغيير الأنظمة في دول شمال أفريقيا وسوريا, حيث اعتبرت القيادة الأمريكية تركيا نموذجاً لدولة إسلامية, تمكنت من بناء نظام ديمقراطي بطريقة غربية.

وفي المقابل, قام الاستراتيجيون الأتراك أيضاً بتقييم إيجابي, للتقارب مع الولايات المتحدة على مسار الشرق الأوسط, لأنه كان من المفترض أن تساعد في تعزيز تأثير أنقرة على المساحة الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة.

ومع ذلك, بسبب الطبيعة المطولة للصراع السوري, والتغير الذي حصل في سياسة الرئيس الأمريكي في سبتمبر 2013 باتجاه البحث عن حلول سياسية في سوريا غيرت الوضع وأدت إلى زيادة التناقضات بين البلدين.

بدأت وسائل الإعلام الأمريكية في اتهام الزعماء الأتراك وشخصياً أردوغان بدعم الجهاديين, وانتهاك الحقوق الديمقراطية للمواطنين، والاستبداد. ووصف الصحفيون تركيا بأنها “صديق محلف وحليف مفقود” وخلصوا إلى أنه من الضروري مراجعة مبادئ التعاون الثنائي.

من جانبها, رفضت أنقرة الانضمام إلى التحالف الدولي المناهض لداعش الذي أنشأته الولايات المتحدة في أيلول 2014 على الرغم من الضغوطات الكبيرة عليها من قبل البيت الأبيض.
بالنسبة لتركيا, ظلت المعركة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ذات أهمية قصوى, وبالتالي أصيب القادة الأتراك بخيبة أمل من تحول تركيز واشنطن والمجتمع الدولي من دمشق إلى الحرب ضد الإرهاب .

استغرق الأمر جهوداً دبلوماسية أمريكية نشطة واجتماعات ومفاوضات ثنائية للحصول على إذن من تركيا على الأقل لاستخدام قاعدة أنجرليك الجوية التركية لشن غارات جوية على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية”.

في الواقع سياسة تركيا بشأن سوريا في هذه السنوات مبنية على رغبة أردوغان في تعزيز موقعه داخل البلاد، من خلال دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تقاتل ضد النظام في دمشق.
أصبحت أنقرة مركزاً للمعارضة السورية في المنفى وقناة لتدفق مستمر من المقاتلين الجهاديين الأجانب المتجهين إلى سوريا.

كل هذا أثار انتقادات كل من الكونغرس الأمريكي، والبيت الأبيض ووسائل الإعلام الأمريكية.
مع نمو الأزمة العربية, واجهت القيادة التركية تحديات جديدة.

على المستوى الإقليمي, أثّر الصراع السوري المستمر سلباً على اقتصاد البلاد والوضع في المناطق الحدودية.

بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية في عام 2015 وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد, قطع أردوغان الهدنة الطويلة الأمد مع العمال الكُردستاني, ودخل في تحالف مع حزب الحركة القومية اليمينية المتطرفة، وبدأ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد المسلحين الكُرد وتحميلهم مسؤولية زعزعة استقرار الوضع في البلاد.

فقط بعد بدء هذه العملية, سمحت أنقرة للأمريكيين باستخدام رحلات استطلاعية من قاعدة أنجرليك في سياق القتال ضد داعش.

في آب 2015 بعد دعوات متكررة من الولايات المتحدة للانضمام إلى تحالف مكافحة الإرهاب شارك سلاح الجو التركي لأول مرة في غارات جوية على مسلحي تنظيم داعش في سوريا.
على الرغم من تطور التعاون العسكري التركي الأمريكي بسبب القتال ضد داعش, استمرت الخلافات بين الدولتين في الاتساع. أدى دعم أنقرة للإسلاميين الراديكاليين في سوريا إلى جعل البنتاغون حذراً من تركيا, متهمة إياها بالفشل في منع انتشار التنظيمات الجهادية. بدورها  رأت السلطات التركية أصول نمو التطرف في غياب الدعم الأمريكي الكافي للمعارضة السورية المعتدلة. في نهاية رئاسة أوباما عرَف أردوغان سياسة الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط بأنها موحلة “عكرة” وغير واضحة, ووفقاً له فإن موقف أمريكا من سوريا والصراع العربي الإسرائيلي قد تسبب في زعزعة استقرار الوضع في المنطقة وزيادة في عدد الضحايا, بما في ذلك بين المدنيين.

أصبحت العلاقات بين الدولتين أكثر تفاقماً بعد المحاولة الانقلابية في تركيا في صيف عام 2016.
حسب أنقرة؛ تصرف المتآمرون بدعم ضمني وموافقة واشنطن, أدى رفض الولايات المتحدة لتسليم الداعية التركي عبدالله غولن, الذي أعتبره القادة الأتراك المحرّض الرئيسي لهذه الأحداث إلى تفاقم هذه الشكوك. من جانبها, كانت إدارة البيت الأبيض قلقة بشأن تصرفات السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب.

تحول الاعتقال الأولي لمشتبهين في المؤامرة إلى تطهير واضطهاد لم يسبق له مثيل للمعارضين السياسيين لأردوغان. وصل الأمر باعتقالات لمواطنين أمريكيين متهمين بأن لهم صلات مع غولن.

وبشكل خاص ما حدث من ضجة كبيرة إثر اعتقال القس الأمريكي برونسون عام 2016 والذي أدى إلى فضيحة دبلوماسية بين الدولتين.

أثار وصول ترامب إلى السلطة وتغيير الإدارة الأمريكية في تركيا توقعات بتجديد التعاون وحل المشاكل التي نشأت من خلال رئاسة أوباما. ومع ذلك لم تتحقق حسابات القيادة التركية في إعادة سريعة للعلاقات مع الولايات المتحدة. على الرغم من الاتصالات المكثفة رفيعة المستوى, استمرت الخلافات بين واشنطن وأنقرة في التدهور.

  • التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا في عهد الرئيس ترامب:

في الواقع, ورث الرئيس ترامب عن سلفه مجموعة من القضايا العالقة بين الدولتين. بقيت مصدر أكثر الخلافات خطورة هو الصراع السوري, وقبل كل شيء تحالف الولايات المتحدة مع قوات حماية الشعب “YPG” الكُردية العاملة في سوريا, والتي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية على صلة وثيقة بحزب العمال الكُردستاني. على الرغم من تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن التعامل مع المقاتلين الكُرد سيكون تعامل “تكتيكي” واصلت واشنطن بناء تعاونها العسكري معها وتزويدها بالأسلحة الثقيلة.

لاحت بعض الإيجابية في أفق العلاقة بين البلدين, بعد أن صرح ترامب في ديسمبر 2018 بأنه قرر سحب القوات الأمريكية من سوريا. استقبلت أنقرة هذا القرار بشكل إيجابي واعتبرت بأن هذه الخطوة قد تتيح لها الفرصة لتنفيذ خطط طويلة الأمد للقضاء على الوحدات الكُردية. ومع ذلك فيما بعد بدأ بعض أعضاء الإدارة الأمريكية بالتركيز على حقيقة أن الجيش الأمريكي يجب أن يبقى في سوريا لمواجهة التمدد الإيراني.

في تركيا أثار هذا التحول في الأولويات مخاوف من أن الوجود المستمر للولايات المتحدة, حتى بعد هزيمة داعش, سيعني المزيد من التمويل والتدريب لقوات سورية الديمقراطية “قسد” والوحدات الكُردية المنضوية تحت لوائها.

مرة أخرى بدأ أردوغان ممارسة الضغط على البيت الأبيض, مطالباً بإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، وهدد بحملة عسكرية في المناطق الحدودية شرق الفرات.
في أوائل أغسطس 2019 أعلنت واشنطن وأنقرة أنهم توصلوا إلى اتفاق حول إنشاء مركز عمليات مشترك لإدارة منطقة آمنة تقع في المناطق الحدودية مع تركيا شرق الفرات, وفي سبتمبر بدأوا في تسيير دوريات في المنطقة معاً. ومع ذلك وفي نفس الوقت أعرب بعض المحللين الأمريكيين عن مخاوفهم من أن الولايات المتحدة ستضطر إلى الانخراط أكثر فأكثر في الصراع السوري وتكون مسؤولة عن حماية أمن تركيا.

بالإضافة إلى أن ذلك سيتم من من دون تسوية سياسية بين الطرفين التركي والكُردي, والأهم من ذلك, تسوية سياسية شاملة في سوريا يمكن أن تصبح المنطقة الآمنة ساحة مواجهة بين نظام بشار الأسد وأنقرة والجماعات الجهادية المدعومة من تركيا والقوات الكُردية وكذلك بين الكُرد والعائدين من اللاجئين السوريين.

لعدم رغبته في التعمق في الصراع السوري, في أكتوبر 2019 أعلن الرئيس ترامب وبشكل غير متوقع انسحاب الجيش الأمريكي من المناطق الشمالية الشرقية من سوريا. بقراره هذا عملياً مهد الطريق لغزو القوات التركية لهذه المنطقة, بدأت القوات التركية عملياتها العسكرية التي سمتها “نبع السلام” بعد الانسحاب الأمريكي مباشرةً. قبل ذلك بوقت قصير, بأمر من البنتاغون سحبت القوات الكُردية الأسلحة الثقيلة من الحدود مع تركيا, وفككت التحصينات وغادرت المراكز الحدودية.

هذا ما حرمهم من فرصة الدفاع عن أنفسهم وساعد القوات التركية على السيطرة على العديد من المدن والقرى المهمة استراتيجياً في فترة زمنية قصيرة.

أثار قرار ترامب بسحب الجيش الأمريكي انتقادات حادة في أمريكا من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء, لأنه يعني في الواقع الموافقة الضمنية على العملية التركية.
الكونغرس الأمريكي أدان الغزو التركي لسوريا وطالب بفرض عقوبات على صناعة الدفاع التركية. في الواقع، الرئيس الأمريكي من خلال تصرفاته أغرق العلاقات الأمريكية التركية في أزمة أكبر من أي وقت مضى. وسط تصاعد التوترات مع أنقرة ألقى وبقوة مسؤولون أمريكيون ومراكز أبحاث باللوم على القيادة التركية لدعمها المنظمات الإسلامية المتطرفة.
وصف الممثل الخاص السابق للقتال ضد داعش مكغورك في مقال له في “مجلة الشؤون الخارجية” المعارضة السورية المدعومة من تركيا بأنها متورطة في التطرف. تنتشر وجهة النظر هذه في جميع المراكز البحثية الأمريكية. في مارس 2019 نشر تقرير في معهد الشرق الأوسط “الأمريكي” يشير إلى أن الجماعة السلفية الجهادية هيئة تحرير الشام منحت الجيش التركي الوصول إلى جزء من أراضي سوريا الخاضعة لسيطرتها.

على الرغم من أن قادتها حاولوا تجنب التعاون العسكري المباشر مع تركيا, إلا أنهم رحبوا بوجود الجيش التركي كقوة إضافية ضد النظام السوري والجماعات المعارضة المعتدلة.
أدى شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S400 إلى تفاقم الجدل بين الحليفين.
قبل بدأ تسليم النظام الروسي المضاد للصواريخ الباليستية إلى تركيا, سادت الدوائر السياسية الأمريكية الرأي القائل بأن التسويات المحتملة من جانب واشنطن إلى جانب تطبيق أساليب الضغط الدبلوماسي ستقنع أو تجبر تركيا بعد عقد الصفقة مع روسيا.

ولهذه الغاية التقى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مراراً وتكراراً مع الرئيس أردوغان لمناقشة المشاكل الظاهرة بينهم. في محاولة لإثناء أنقرة عن شراء S400 الروسية.
أخذ البيت الأبيض في الاعتبار رغبته في الوصول إلى التكنولوجيا والإنتاج المشترك لنظام باتريوت الأمريكي. ومع ذلك, فإن هذه الجهود لم تؤدِّ إلى النتيجة المرجوة.
غالباً ما يلوم ممثلو المؤسسة الأمريكية ترامب على السياسات المثيرة للجدل تجاه أنقرة. من خلال دبلوماسية تويتر , يهدد إما “بتدمير الاقتصاد التركي, أو يدعي أن التفاعل بين الدولتين سيكون ممتازاً”. هذا التناقض واضح بشكل خاص في مجال العلاقات الاقتصادية الثنائية.
في أغسطس 2018 قام الرئيس الأمريكي بمضاعفة الرسوم على الصلب والألمنيوم التركي ليرتفع إلى 50 و 20% على التوالي. كان السبب الرسمي لذلك هو رفض أنقرة سحب التهم من القس الأمريكي برانسون, ومع ذلك فإن الدوافع الحقيقية على الأرجح كانت ميل رئيس البيت الأبيض لمراجعة الاتفاقيات التجارية مع عدد من البلدان, وكذلك الميزان التجاري السلبي بين الولايات المتحدة وتركيا. الذي تم تحديده لأول مرة في عام 2018 تسبب الزيادة في التعريفات الجمركية في انخفاض قيمة الليرة التركية وعملت كمحفز لتدهور الوضع الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن الاختلافات الهيكلية في الاقتصاد التركي كانت نتيجة لعدد من الاختلالات الاقتصادية الداخلية (مستويات عالية من الاقتراض بالعملة الأجنبية, وانخفاض غير مبرر في أسعار الفائدة المصرفية, وما إلى ذلك) فإن تصرفات البيت الأبيض أعطت أسباب للرئيس أردوغان أن يلوم الولايات المتحدة على مشاكل البلاد الاقتصادية.

 في مايو 2019 خفّض ترامب التعريفة إلى المستوى السابق ومع ذلك في نفس الوقت تم استبعاد تركيا من نظام الأفضليات المعمم الذي يسمح للشركات التركية باستيراد سلع معينة من الولايات المتحدة (خاصة السيارات وقطع غيار السيارات والمجوهرات) دون دفع رسوم. رداً على الإجراءات العدائية التي قامت بها واشنطن, بدأت أنقرة أيضاً في زيادة أو تقليل رسوم الاستيراد باستمرار على عدد من السلع المستوردة من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك خفضت تركيا بشكل كبير من إمدادات الصلب والألمنيوم للولايات المتحدة وإعادة توجيه صادراتها إلى الأسواق الأخرى.

هذه “الحرب التجارية ” أو ” كما يدعونها” إلى جانب التوتر السياسي المتزايد لم تؤثر بشكل خطير حتى الآن على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

ظل حجم التجارة بين الدولتين على مدى السنوات الخمس الماضية (من 2014 إلى أكتوبر 2019) ثابتاً وتراوح بين 17 إلى 20 مليار دولار.

على الرغم من التناقض الواضح في سياسة الرئيس الأمريكي بشكل عام، فإنه يهدف إلى إبقاء القيادة التركية في مدار النفوذ الأمريكي ومنع التناقض الاستراتيجي النهائي بإتباع مبدأ ((نحن لانبحث عن الكمال, نحن نبحث عن شركاء)) يمتنع ترامب عن انتقاد السياسات الداخلية للقادة الأتراك وانجرافهم نحو الاستبداد.

عندما استحوذت تركيا على S-400 عارض ترامب فرض عقوبات؛ وألقى باللوم على الإدارة السابقة في الوضع الذي حال دون قيام أنقرة بامتلاك أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية باتريوت.
بعد الغزو التركي لسوريا في أكتوبر 2019. انتقد ترامب مرة أخرى القيادة التركية ((لتصعيد العنف وزعزعة استقرار الوضع في المنطقة)) وفرض عقوبات على كبار المسؤولين الأتراك ورفع الرسوم الجمركية مرة أخرى على واردات الصلب التركي, والتي لم تكن لها تأثير على الاقتصاد التركي. بعد تسعة أيام من إعلان أنقرة وقف إطلاق النار في سوريا رفع الرئيس الأمريكي العقوبات التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد, والتي ربما كانت الأقصر في التاريخ الحديث. أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي يدعوا إلى نهج أكثر حدة مع تركيا، ويصر على إنهاء التعاون في برنامج تزويد مقاتلات F-35 من الجيل الخامس وفرض عقوبات ضده وفقاً لقانون مكافحة أعداء أمريكا.”CAATSA” لاقتنائها أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية.

العملية العسكرية التركية في سوريا أعطت السبب بأن يدفع بعض أعضاء الكونغرس للتشكيك في استصواب الحفاظ على عضوية البلاد في الناتو, على الرغم من حقيقة أن الحلف ليس لديه آلية لاستبعاد أنقرة من الناتو.

 في محاولة لإيذاء السلطات التركية قدر الإمكان, في ديسمبر 2019 تبنى مجلسا الكونغرس الأمريكي لأول مرة بأغلبية ساحقة قراراً يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن. رداً على هذه الإجراءات, هدد أردوغان بحظر وصول الولايات المتحدة إلى قاعدة أنجرليك الجوية وقاعدة الرادار في كوربتشيك.

دفع هذا التفاقم الحاد في العلاقات بين الدولتين, الولايات المتحدة إلى النظر في إمكانية سحب الرؤوس النووية الاستراتيجية من تركيا. إذا قامت أنقرة كما أعلنت في ربيع 2020 بوضع s-400 الروسية في الخدمة, فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة أخرى في التوتر وإدخال عقوبات جديدة أكثر صرامة. كل هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي لتركيا، ومع ذلك فإنه سيعقد أيضاً تحقيق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة وسيغير أخيراً نموذج السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية.

  • خبراء أمريكيون حول أسباب الأزمة بين الدولتين:

في سياق تفاقم التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا, يلجأ العديد من مراكز الفكر الأمريكية التي لها تأثير على عملية صنع القرار السياسي في كثير من الأحيان إلى موضوع التفاعل الثنائي بين أنقرة وواشنطن, مع إعطاء تعليمات وتوصيات بشأن تكتيكات إضافية لبناء العلاقات.
يعرب معظم المحللين الأمريكيين عن قلقهم بشأن القطيعة الاستراتيجية مع تركيا، معتقدين أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على الدولتين. وهكذا يعتقد الخبراء في معهد  واشنطن م. سينغ و ج. جيفري اللذان يشغلان أيضاً منصب الممثل الخاص الأمريكي لسوريا, ووفقاً لهما فإن تركيا والولايات المتحدة يفصل بينهما عدد كبير من المشاكل, وتؤكد تصرفات أنقرة في شمال شرق سوريا مدى الجدل الذي أصبحت عليه العلاقات بين البلدين ومدى اقترابها من القطيعة النهائية. لكن المحللين مقتنعون بأن رفض التحالف مع تركيا وفرض العقوبات عليها سيضر الولايات المتحدة بشكل خطير, لأن تركيا ليست فقط أردوغان, ولكنها دولة إقليمية مهمة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وهي صلة الوصل بين أوربا والشرق الأوسط وكذلك بين الشرق الأوسط وروسيا. ويعتقد المحللين أن الحفاظ على التحالف التركي الأمريكي له أهمية استراتيجية ويتطلب إعادة توجيه التهديدات المشتركة والبحث عن حلول وسط في تلك القضايا حيث توجد خلافات. من وجهة نظرهم إذا تخلت الولايات المتحدة عن جميع حلفائها الصعبين في الشرق الأوسط, فلن يبقى لديها حلفاء مطلقاً. بالنظر إلى سنوات التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا لن يكون من السهل إعادة لغة مشتركة مع أنقرة. “ولكن في عالم المنافسة الاستراتيجية مع قوى أكثر خطورة من الضرورة القيام بذلك”.

موقف مماثل اتخذه خبير معهد بروكنغر أ. سلوت والدبلوماسي السابق ومستشار البيت الأبيض ف. جوردون, الذين يعتقدون أن الرئيس ترامب والكونغرس الأمريكي يجب أن يبذلوا كل ما في وسعهم لتجنب المزيد من تدهور العلاقات بين البلدين, ويقول خبراء أن العقوبات الجديدة يمكن أن تدفع أنقرة للحصول على المزيد من الأسلحة الروسية, الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إثارة جولة جديدة من التوتر. ونتيجة لذلك, من الضروري محاولة الحد من الضرر والحفاظ على فرص التفاعل. إذا فشل ذلك, ستتضرر المصالح الأمريكية, وسيستفيد خصوم أمريكا من الوضع الحالي. يؤكد خبراء مؤسسة RAND في تقرير ضخم نشر في يناير 2020 على الحاجة إلى تطوير استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز التعاون مع تركيا.
يشار إلى أن المتخصصين في أكبر مركز أبحاث أمريكي يعترفون بإمكانية فقدان مؤقت أو حتى دائم لوصول البنتاغون إلى قاعدة أنجرليك الجوية وغيرها من المنشآت العسكرية في تركيا, لكنهم في الوقت نفسه يحثون على تعميق الحوار بين الجيش وقادة هيئة الأركان العامة الأمريكية.
يلتزم بعض أعضاء المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية بوجهة النظر المعاكسة مباشرة بشأن آفاق العلاقات الأمريكية التركية. رئيس مجلس ر. هاس المؤرخ الشهير م. بوت بالإضافة إلى المختص بالشؤون التركية س. سوك يعرضون في أعمالهم إلى إعادة التفكير في التفاعل مع أنقرة والتخلي عن الأوهام القائلة بأن التعاون الثنائي يمكن أن يظل قريباً كما كان أثناء الحرب الباردة. وفقاً لكوك على الرغم من حقيقة أن تركيا لاتزال رسمياً عضواً في الناتو لم يعد من الممكن اعتبارها شريكاً للولايات المتحدة لأن الدولتين لم تعد لديها رؤية مشتركة للتهديدات ولا تشترك في المصالح المشتركة التي ربطتها في السابق.

والآن أصبحت أنقرة منافساً وخصماً لواشنطن في العديد من المجالات , لذا يعتقد س. كوك أن الإدارة الأمريكية يجب أن تتخلى عن المحاولات غير المثمرة لإقناع السياسيين الأتراك بدعم الولايات المتحدة وتنقيح النهج الجذري للحليف السابق.

للقيام بذلك من الضروري تطوير بدائل لقاعدة أنجرليك العسكرية وبالتالي تغيير الوضع عندما تعتمد المصالح الأمنية الأمريكية على قرار السياسيين الأتراك.

يجب أيضاً رفض مطالب تركيا بإنهاء علاقات واشنطن العسكرية مع وحدات حماية الشعب الكُردية في سوريا، لأن الأكراد كانوا ولا يزالون قوة فعالة في محاربة داعش وتحقيق الاستقرار في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا. وأخيراً يجب على الولايات المتحدة أن توقف تعاونها مع تركيا في برنامج F-35  لأن تقويض المصالح الاستراتيجية لأنقرة لن يكون فعالاً طالما أن جيشها يستفيد من أحدث الطائرات العسكرية الأمريكية, تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه النظرة الراديكالية حول آفاق بناء العلاقات بين الدولتين حتى وقت معين كانت استثناء من القاعدة.
ومع ذلك بحلول نهاية عام 2019 هكذا وجهة النظر أزاد من عدد مناصريها وكسبت عدد متزايد من المؤيدين لها بين المحللين الأمريكيين. وأصبحت سياسة قطع العلاقات مع تركيا مهيمنة في الدوائر السياسية للولايات المتحدة وبشكل عام تشير مثل هذه الآراء التي تقدم في الوقت نفسه تكتيكين متناقضين – “التجميد ” طويل الأمد وتطبيع العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة –إلا أن النخبة السياسية الأمريكية تفتقر إلى فهم استراتيجي واضح لكيفية بناء الحوار بين البلدين.

  • وجهة نظر أنقرة حول أسباب الخلاف مع واشنطن:

ترى النخبة السياسية التركية السبب الرئيسي للأزمة بين البلدين هي سياسة البيت الأبيض الغير منظمة والتي تم التعبير عنها في حالة غير منهجية وغير واضحة, وعدم قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها.

هذه العوامل تثير خيبة أمل أنقرة, لأن واشنطن لا تستطيع أن تقدم لها رؤية مشتركة للمشاكل الدولية, وكذلك تحديد أولوياتها وأهدافها الاستراتيجية.

في أغسطس 2018 نشر الرئيس أردوغان مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز, أكد فيه أن تركيا عضو مخلص في تحالف شمال الأطلسي, لكنها مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لحماية مصالحها الخاصة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك تقول رسالة الزعيم التركي في نصها للولايات المتحدة الأمريكية “فكر بشكل أفضل قبل فوات الأوان …. وإلا ستضطر تركيا لبدء البحث عن حلفاء جدد”.

ويشترك في موقف أردوغان ممثلو كل من الحزب الحاكم في تركيا وكذلك المعارضة.
ومع ذلك توجد لدى النخبة السياسية في تركيا المزيد من مشاعر التي تؤيد المواجهة مع أمريكا. بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 حيث كما يعتقد القادة الأتراك تورط الولايات المتحدة فيها.

المحيطون بأردوغان يرون تصرفات واشنطن على أنها تهديد للأمن القومي لبلادهم.
في الذكرى الثالثة للانقلاب قال أردوغان للصحافيين: ((على الرغم من اتفاقياتنا السياسية والعسكرية مع التحالف الغربي, فإن الحقيقة أنه مرة أخرى تأتي أكبر التهديدات التي نواجها منهم)). غالبية الأتراك متضامنون مع وجهة النظر هذه, وفقاً لاستطلاع أجرتها جامعة “قادر خاس” عام 2018 اعتبر 81.9% من المواطنين الأتراك أن الولايات المتحدة هي التهديد الأول لتركيا. في عام 2016 وحتى عام 2018 زاد هذا الرقم أكثر من 30%.

كل هذا يجبر القيادة التركية على التحوط من المخاطر وبناء استراتيجية “الموازنة الناعمة” للولايات المتحدة وخلق تحالفات مرنة مع البلدان ذات التفكير المماثل. ووفقاً للخبراء فإن هذا التكتيك يوسع فرص وموقف تركيا في المنطقة, مما يؤثر بدوره على تفاعلها مع الولايات المتحدة والتحالف الأطلسي.

يبدو أن شراء تركيا منظومة S-400 الروسية وتطوير العلاقات الاستراتيجية مع روسيا بمثابة أداة لتأمين حمايتها ضد الولايات المتحدة “كحليف غير موثوق به وخصم يهددها”.
وبعبارة أخرى, تحولت أنقرة إلى روسيا ليس فقط بسبب خيبة الأمل في السياسة الأمريكية ولكن أيضاً من أجل الحصول على الحماية من عدو محتمل.

تعتبر النخبة التركية تحالف واشنطن مع عدو أنقرة في المنطقة, وحدات حماية الشعب الكردية دليلاً آخر على عداء الولايات المتحدة. ووجهة نظر مماثلة منتشرة بشكل خاص بين ممثلي أحزاب الحركة القومية. البعض منهم يعتبر العمليات العسكرية للقوات التركية في شمال شرق سوريا المرحلة الأولى لمقاومة المشروع الأنجلو أمريكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط , مما يوفر إعادة تنسيق المنطقة لمصلحة هذه الدول.

الخبراء الأتراك مقتنعون بأن مسؤولية استعادة العلاقات بين الدولتين تقع على عاتق الولايات المتحدة. إنهم يتوقعون بأن واشنطن سوف تغير من هيكلية استراتيجيتها الغير واضحة تجاه تركيا, وستبدأ أيضاً في بناء نموذج جديد للشراكة يأخذ في الاعتبار المشاكل التركية. ومع ذلك يلاحظون أنه في جو من عدم الثقة المتبادل وعدم توافق نهجيهما الاستراتيجي لمشاكل الأمن الإقليمي سيكون ذلك صعباً للغاية.

  • آفاق تنمية التعاون الثنائي”

بعد نهاية الحرب الباردة؛ صاغت تركيا نهجاً جديداً للشؤون الدولية على أساس السعي إلى الاستقلال الإقليمي. تشكلت هذه القناعة لدى الساسة الأتراك من خلال رغبتهم في إنهاء عدم التكافؤ في تفاعل أنقرة وواشنطن. ونتيجة لذلك تهدف مبادرات السياسة الخارجية التركية إلى تصحيح العلاقات “غير المتكافئة” و “غير العادلة” من وجهة النظر التركية مع الولايات المتحدة, فضلاً عن التغلب على التبعية لشريك كبير.

في الظروف التي يتصرف فيها القادة الأتراك وفقاً لأولوياتهم الوطنية بما في ذلك عندما لا يتطابق مع موقف الولايات المتحدة, لا يمكن للنخبة السياسية الأمريكية تطوير أي سياسة متماسكة فيما يتعلق بشريكها في الناتو.

على مدى العقد الماضي, الولايات المتحدة تراقب؛ ولكن لا تستجيب للتغيرات العميقة في تركيا.
على الرغم من حقيقة أنه في دوائر الأمريكيين الرأي السائد هو أن تركيا “حليف مهم للغاية لأمريكا يجب عدم فقدانه” أصبحت أنقرة بشكل متزايد موضع انتقادات شديدة بل وحتى عقوبات, لاتزال هناك اختلافات كبيرة بين البلدين في وجهات النظر حول قضايا الأمن الإقليمي.

بحسب المحللين طالما ظلت السياسة الأمريكية غير متناسقة, ستميل القيادة التركية إلى اختبار الخطوط الحمراء لواشنطن للحصول على أقصى قدر من التنازلات.

عملية أنقرة العسكرية في المناطق الحدودية السورية, بحسب الخبراء هي عبارة عن هكذا اختبار, والتي سمحت لأردوغان من بين أمور أخرى بالحصول على موافقة من واشنطن لإنشاء منطقة آمنة وفي نفس الوقت لكسب نقاط سياسية داخل البلاد. في السياق نفسه يمكن للمرء أن ينظر في الحادث الذي وقع في أكتوبر 2019 عندما قام الجيش التركي بقصف مراكز القيادة الأمريكية في كوباني أثناء عملياتها ضد القوات الكُردية في شمال شرق سوريا. أنقرة قالت بأنها قصفت سهواً, لكن ضباط كبار في البنتاغون قالوا إن الجيش التركي كان يعرف بالضبط مكان تواجد الوحدات الأمريكية, وإن القصف كان نوعاً من التهديد للحلفاء الأمريكيين بعدم التدخل في العملية العسكرية للجيش التركي في سوريا.

وصفت وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأعمال بأنها “صفعة عثمانية” قام بها أردوغان الذي هدد الولايات المتحدة في أوائل عام 2018 رداً على تحذيرات الجيش الأمريكي بعدم عرقلة أفعالهم في سوريا. يشير معظم خبراء البلدين إلى أن الاتجاه الرئيسي في العلاقات الثنائية في المستقبل سيبقى اختلافاً وليس تقارباً. 

من الصعب الاختلاف مع هذا الرأي, خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار قناعة القادة الأتراك بأنهم متورطون في صراع وجودي ضد الغرب المعادي. مثل هذا الموقف يجعل من الصعب الحفاظ على التعاون البناء لذا فإن مستقبله سيعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد في نهاية المطاف قبول “تركيا الجديدة” أو ما إذا كانت تفضل العقوبات والضغوط السياسية. حتى الآن سياسة واشنطن الغير متناسقة لا تسمح بتنبؤ إيجابي حول العلاقات الثنائية.

ومع ذلك إذا لم تغير الولايات المتحدة مقاربتها الاستراتيجية لتركيا، ولم تطور نموذجاً جديداً للشراكة فإن التوترات والمواجهات بين الدولتين سوف تتفاقم ونتيجة لذلك سوف تؤدي إلى اختلاف جيوسياسي نهائي بين الطرفين.

انا غلازوفا: باحثة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية.

ترجمة عن الروسية: د. سليمان إلياس – مركز الفرات للدراسات.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى