قضايا راهنة

إيران في مهبّ عاصفة كورونا

تعتبر جائحة كورونا التي عصفت بإيران خلال الشهرين الأخيرين، وجعلت منها أكبر بؤرة للفايروس في الشرق الأوسط؛ وأحد أكثر دول العالم تضرراً، حلقة من سلسلة الأحداث الدراماتيكية الكبرى المتتالية التي عصفت بها مؤخراً، ووضعت السلطات في دوّامةٍ كبيرة لم تجد لها مخرجاً حتى الآن.

تعاني إيران من حصارٍ اقتصاديٍّ خانق مفروض عليها من قبل الولايات المتحدة، بسبب أنشطتها النووية وتدخلاتها في المنطقة، من خلال دعم جماعات مسلحة موالية لها، كما أنها تعاني من حالة احتقان داخلي شعبي بسبب قمع الحريات واستشراء الفساد في مفاصل الدولة، وأيضاً حالة الفقر المدقع والبطالة التي تعاني منها شريحة واسعة من الشعب الإيراني؛ لذا فإنّ اجتياح هكذا وباء لدولة تعاني من كلّ هذه المشاكل لا يُعتبر أمراً هيّناً، ويشكّل تحدّياً حقيقياً لمواجهة هذا المرض من قبل السلطة والشعب على حدّ سواء.

بداية أزمة كورونا في إيران

ظهرت أولى حالات الإصابة بفايروس كورونا في مدينة قُم ذات الخصوصية المذهبية  لدى الطائفة الشيعية، نظراً لوجود ضريح “المعصومة” فيها، والذي يستقطب ملايين الزوار الشيعة من أنحاء العالم، ووجود الحوزة العلمية  فيها، التي تُدرّس فيها الدروس الفقهية الشيعية.

ويرجّح الكثيرون انتقال الفايروس إلى إيران عن طريق بعض طلبة الحوزة من الصينين، الذين قدموا إلى إيران حاملين معهم الفايروس، ومنها إلى باقي المدن والمحافظات الإيرانية، ومنها إلى بعض دول الجوار، ولا سيما لبنان والعراق وسورية، بحسب الكثير من المحللين.

كيف تعاملت السلطات الإيرانية مع الأمر؟

مع بداية تفشي الفايروس بين سكان مدينة قم، ووفاة أوائل الضحايا في هذا المدينة، تكتّمت السلطات الإيرانية على الأمر بشكلٍ كامل، وأعلنت أنّ وفاة هؤلاء الأشخاص هو بسبب أمراض تنفسية حادّة، وتعاملت مع المسألة بشكلٍ طبيعي، دون اتخاذ أيّ إجراء. وخلال أيامٍ قليلة أصبح ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي في إيران يحذّرون من كارثة قد تحلّ بالبلاد، من خلال بثّهم مقاطع فيديو وصور لمرضى يقعون مغشيين عليهم على قارعة الطرقات، دون أن تحرّك الحكومة الإيرانية ساكناً حيال الوضع الكارثي المُحدق بالبلاد، وذلك لأسباب عديدة سوف نتطرق إليها.

أعلنت وزارة الصحة الإيرانية في 19 شباط/فبراير من العام الجاري عن أول إصابتين في مدينة قُم، بينما يقول الكثيرون أنّ المرض كان منتشراً قبل هذا التاريخ، ومن بين هؤلاء، النائب البرلماني عن مدينة قم أحمد أمير آبادي الذي قال في 24 فبراير أنّ الفايروس وصل إلى مدينة قم قبل ثلاثة أسابيع من تاريخ إعلان السلطات الصحية في البلاد عن أول إصابة، وقال أنّ أوّل حالة وفاة بسبب الفايروس حدثت في 13 شباط، لكنّ المسؤولين تكتّموا على الأمر.

وفي محاولةٍ من السلطات في إيران لكتمان حقيقة انتشار الفايروس في البلاد، هرعت أجهزة الأمن والحرس الثوري إلى المشافي وخلقت جوّاً بوليسياً، وهددت الكوادر الطبية كي لا يتمّ تسريب الأخبار عن الاصابات والوفيات إلى الخارج.

وفي هذا السياق أعلنت شرطة الإنترنت الإيرانية في 26 شباط/ فبراير اعتقالها 24 شخصاً بذريعة نشر معلومات ومقاطع فيديو غير صحيحة عن الفيروسات التاجية.

كما تم اعتقال العديد من الناشطين في محافظة كرمانشاه، بعد نشرهم معلومات عن انتشار فايروس كورونا، كذلك اعتقلت السلطات الإيرانية الطبيب الكردي رحيم يوسف پور الذي يعمل طبيباً منذ سنوات في مدينة سقز بمحافظة كردستان، وذلك بعد نشره معلومات عن حقيقة انتشار الفايروس في مدينة سقز، وتكذيبه للمعلومات الرسمية، ودعوته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المواطنين إلى الالتزام في بيوتهم لتجنب انتقال الفايروس.

لعلّ أول خطوة  كان على الحكومة الإيرانية اتخاذها هو إيقاف جميع الأنشطة الاقتصادية مع الصين، على غرار ما قامت به سائر الدول التي ظهرت فيها حالات الإصابة بالفايروس، إلّا أنّ السلطات في إيران لم تفعل ذلك، ولم توقف التعامل مع الصين، حتّى أنّها لم تعلّق رحلات الطيران بين إيران والصين، وبقيت شركة “ماهان إير” التابعة للحرس الثوري مستمرة في رحلاتها حتى بعد انتشار الفايروس، وحصده أرواح عشرات الأشخاص، بينهم مسؤولون كبار في الدولة، ويعود سبب ذلك إلى أهمية الصين الكبيرة من الناحية الاقتصادية والعسكرية والسياسية بالنسبة لإيران، في ظلّ مواجهتها للغرب والولايات المتحدة.

الخطوة الثانية الهامة أيضاً، كانت تتمثل في فرض الحجر على مدينة قم التي أصبحت بؤرة للفايروس، وهذا ما لم تفعله أيضاً الحكومة الإيرانية أوّل الأمر، بسبب الضغوطات الكبيرة من رجال الدين المتشددين.

بعد تفاقم جائحة كورونا بشكل كبير في أرجاء إيران، وتسجيل وفيات كثيرة، والاتهامات الكثيرة التي وجّهت لإيران من الداخل والخارج، حول تكتّمها على أعداد الإصابات والضحايا، رضخت الحكومة الإيرانية أخيراً إلى فرض بعض الإجراءات في محاولة للحدّ من انتشار الفايروس والسيطرة عليه، حيث قرّرت الحكومة في 16 آذار مارس إغلاق المراقد والعتبات المقدسة في قم ومشهد، رغم الاحتجاجات من قبل المتشددين، الذين حاولت مجموعة منهم اقتحام حرم “المعصومة” في قم وفتحه بالقوة، وانتهى الأمر باعتقال بعضهم، ورضوخهم للأمر في نهاية المطاف، كما ألغيت صلاة الجمعة في عموم إيران. أعقب ذلك قرارات بتعليق الدوام في المدارس والجامعات والمعاهد، لتتم متابعة الدراسة عبر الإنترنت للجامعات، وبث محطة تلفزيونية خاصة بالتعليم دروساً للمراحل الدراسية الأخرى. وفي 1 نيسان أبريل، اتخذت الحكومة قراراً بتنفيذ قوانين تمنع الناس من الخروج والتجمّع في الحدائق العامة وإغلاقها، وأعلنت تعطيل الأماكن العامة والمراكز التجارية والأسواق حتى اشعار آخر، واعتبرتها مصادر خطرة للفايروس.

كما فرضت غرامات مالية بلغت 500 ألف تومان (حوالي 30$) على سائقي السيارات، المخالفين، المتنقلين بين المدن، وحجز سياراتهم لمدة شهر، ولكن جميع هذه الإجراءات جاءت متأخرة جدّاً، بعد تنقّل ملايين الإيرانيين بين المدن والمحافظات خلال الاحتفالات برأس السنة الإيرانية الجديدة (عيد النوروز) وانتشار الفايروس على نطاق واسع في جميع أرجاء إيران.

وكانت الاجراءات قبل ذلك الوقت تقتصر على التوصيات ومحاولة إقناع الناس بتجنب التجمعات والخروج إلى الأماكن العامة والأماكن الترفيهية، كما أنّ مسؤولي الصحة كانوا رافضين في بداية الأمر لفكرة الحجر الصحي، حتى أنّ معاون وزير الصحة إيرج حريرچي، الذي أصيب هو أيضاً بالفايروس، وصف الحجر الصحي بأنه من أفكار وممارسات القرون الوسطى، وبأنّه لا يناسب ظروف الحياة الراهنة، كما أنّ الرئيس روحاني رفض فكرة الحجر الصحي للمدن وعزلها في بداية الأزمة، وقال أنّهم سيكتفون بوضع المصابين  فقط في الحجر.

لماذا تأخرت الحكومة في الإعلان عن وجود فايروس كورونا في البلاد؟

ثمة أسباب كثيرة دفعت بالحكومة الإيرانية إلى التكتم عن إعلان وجود إصابات بفايروس كورونا في البلاد، ولعلّ أبرز هذه الأسباب هو اقتراب مسيرات الاحتفال بالذكرى الواحدة والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية 1979 والتي تصادف 11 شباط/ فبراير من كلّ عام، بالإضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 من الشهر نفسه؛ حيث أرادت الحكومة الإيرانية حشد أكبر عدد من الناس في هاتين المناسبتين، لتوصل رسائل تظهر اهتمام الشعب بنظام الجمهورية الإسلامية، والإقبال على الانتخابات، وذلك بالتزامن مع دعوات شعبية لمقاطعة الانتخابات وعدم الخروج من المنازل يوم إجرائها.

ومن جهة أخرى يرى بعض المحللين أنّ النظام رغب منذ البداية في انتشار الوباء بين الشعب الإيراني، دون الاكتراث بأرقام الضحايا، وذلك للتغطية على الخيبة التي مُني بها في الانتخابات البرلمانية، حيث بلغت نسبة المشاركة فيها 42% وهي نسبة تعتبر الأدنى في تاريخ الانتخابات البرلمانية منذ انتصار الثورة الإسلامية، وكذلك للتغطية على حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري، وتعليق مسألة التحقيقات بخصوص الصندوق الأسود للطائرة، بالإضافة إلى محاولة خلق مأساة إنسانية في البلاد تنسي الشعب الإيراني أحداث انتفاضة تشرين الثاني/نوفمبر والضحايا الذين وقعوا خلالها، بالإضافة إلى سبب آخر مهم وهو توجّس الحكومة الإيرانية من الإجراءات المترتبة على إعلان تفشي الفايروس، ولا سيما تلك المتعلقة منها بإيقاف عجلة الإنتاج، نظراً للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، وعدم قدرة الحكومة على تعويض ملايين العمال الذين سيتضررون بسبب توقفهم عن العمل،  هذا على الصعيد الداخلي؛ أما على الصعيد الخارجي فإنّ السلطات الإيرانية تحاول كسب تعاطف دولي تجعل فيه الولايات المتحدة في موقفٍ غير إنساني، في محاولة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وتحرير أرصدتها المجمّدة في البنوك العالمية والتي تبلغ مليارات الدولارات.

مؤامرة وحرب بيولوجية

لم يتوان المسؤولون الإيرانيون في تصنيف فايروس كورونا ضمن خانة الحرب البيولوجية ضدهم، وعبّر عن ذلك صراحةً اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري عندما قال: “إنّ إيران منخرطة حاليًا في حرب بيولوجية وستكسب الحرب بالتأكيد”.

كما قال ممثل خامنئي في الحرس الثوري علي شيرازي في هذا السياق: “لقد جلبوا هذا المخلوق الصغير الى الميدان لكسر قوة ايران والصين، والهدف من تفشي كورونا هو إضعاف معنويات الشعب الايراني وهزيمة النظام الإسلامي في ايران.”

وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة أعلنت مراراً عن استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية إلى إيران لأجل التصدي لفايروس كورونا، إلّا أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي رفض هذه المساعدات واتهم الولايات المتحدة بأنها هي من صنعت الفايروس وصممته وفقاً للجينات الإيرانية، ودفعت تصريحاته هذه المتشددين والحرس الثوري إلى طرد وفد منظمة “أطباء بلا حدود الفرنسية” التي كانت قد قدمت إلى مدينة أصفهان ثاني أكبر المدن المتضررة من الفايروس، وذلك تحت ذريعة التآمر على إيران والعمالة للولايات المتحدة، بينما يرى الكثير من المراقبين أنّ سبب طرد المنظمة وعدم قبول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع هو لأجل المحافظة على الوضع الإنساني المتأزم، على أمل أن يُحدث ذلك ثغرةً  في جدار العقوبات الاقتصادية الخانقة المفروضة عليها.

فشل احتواء الأزمة

لاشكّ أنّ الحكومة الإيرانية فشلت فشلاً ذريعاً في احتواء أزمة كورونا، بل وحوّلتها إلى “كارثة وطنية” وفقاً لتعبير الناشطين المدنيين والسياسيين في إيران. فلم يفلح الحرس الثوري الذي أوكلت إليه مواجهة كورونا، في التصدي لهذا الوباء القاتل، كما أنّ القطاع الصحي في إيران كشف عن هشاشته الرهيبة وضعف تجهيزاته وشحّ أبسط وسائل الحماية من الفايروس، ولا سيما توفّر الأقنعة الطبية والمعقمات، وهذا ما كان يدفع بالكثير من المواطنين المصابين بالفايروس إلى ملازمة منازلهم وعدم توجههم إلى المشافي بسبب معرفتهم المسبقة بضعف أداء المشافي.

وبث العديد من الأطباء على مواقع التواصل مقاطع مصورة تفيد بعجز الحكومة عن تقديم الدعم لهذا القطاع الهام في مواجهة الفايروس، وراح ضحية ذلك العشرات من الأطباء والممرضين الإيرانيين الذين وقفوا في الصف الأول لمواجهة الكارثة الصحية، كما اشتكت الكثير من المشافي من نقص الحاجات الأساسية فيها، ولا سيما في المحافظات النائية، حيث ظهر رئيس جامعة العلوم الطبية في محافظة لورستان، محمّد رضا نيكبخت في مقطع فيديو وهو يقول لوزير الصحة الإيراني في أحد المؤتمرات: ” نحن عاجزون حتى عن تقديم العصائر والغذاء للمرضى” . ولعلّ المشهد الأكثر غرابة الذي شهدته المشافي الإيرانية هو ظهور رجال الدين فيها،  والذين انبروا للتصدي للفايروس من خلال اللجوء إلى الطبّ الإسلامي تارةً، ومن خلال اللجوء إلى وسائل غيبية والتضرّع إلى الأئمة والتبرّك بتراب كربلاء تارةً أخرى، وذلك على الرغم من احتجاج الأطباء على هذه الممارسات داخل المشافي.

بلغ مجمل عدد الإصابات بفايروس كورونا في عموم أنحاء إيران، يوم الثلاثاء 14 نيسان/أبريل  الجاري، 74877 بينما بلغ عدد الوفيات بالفايروس 4683 شخصاً، وتماثل للشفاء 48129 شخصاً، وذلك وفقاً لتصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الإيرانية كيانوش جهان پور، في حين تفيد مصادر إيرانية محايدة، تستند إلى مصادر طبية داخل إيران، أنّ عدد الوفيات بلغ قرابة 9000 شخصاً، أمّا المصادر المعارضة فتقدّر عدد الوفيات بنحو 20 ألفاً، وإجمالي عدد الإصابات في عموم أنحاء إيران بنحو 500 ألف مصاب، والجدير ذكره هنا هو أنّ منظمة النظام الطبي الإيرانية انتقدت مؤخراً الفجوة بين الاحصاءات الرسمية لكورونا والواقع، وقالت إنّ الاحصاءات الرسمية عن عدد المرضى تختلف اختلافاً كبيرا عن الواقع الميداني.

ضحايا على هامش كورونا

– ضحايا الكحول المغشوش

عادةً وخلال الكوارث والأزمات والحروب تزداد الإشاعات وتتسع رقعة انتشارها في المناطق المنكوبة، وهي أكثرانتشاراً في وقتنا الراهن في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الإشاعات التي انتشرت على نطاق واسع في إيران، كما في العديد من المناطق الأخرى في العالم، شائعة تناول الكحول للوقاية من فايروس كورونا المستجدّ، وقد لجأ الكثير من الشباب الإيرانيين إلى تناول الكحول، ووقع الكثير منهم ضحيةً للكحول المغشوش، حيث نقلت وكالة “إيرنا” للأنباء على لسان محمّد جواد مراديان رئيس مركز الطوارئ في محافظة فارس أنّه منذ السادس من آذار/ مارس تراجع المشافي حالات كثيرة مصابة بتسمم كحولي، وقد تجاوزت أعدادهم 719 مصاباً، وقد بلغ عدد الوفيات بينهم 339 شخصاً.

– ضحايا السجون

مع ازدياد تفشي جائحة كورونا في عموم البلاد، شهدت العديد من السجون الإيرانية اضطراباتٍ بين السجناء، حيث تمرد السجناء في الأهواز وتبريز ومهاباد وسقز وخرّم آباد ومناطق أخرى، وذلك احتجاجاً على عدم توفر أدنى شروط الرعاية الصحية في السجون، وتخوّف السجناء من انتشار الفايروس بينهم.

وفي معمعة هذه الاضطرابات، تمكن العشرات من السجناء الفرار من سجونهم، وقد استخدمت السلطات الأمنية العنف المفرط ضد المحتجين، وأوقعت عشرات القتلى بينهم. وفي هذا السياق أصدرت منظمة العفو الدولية في 9 نيسان/ أبريل الجاري تقريراً تقول فيه بأنّ الأجهزة الأمنية الإيرانية قتلت 36 سجيناً، كما طالبت المنظمة السلطات الإيرانية بالإفراج الفوري عن جميع السجناء دون شروط.

ويرى محللون أنّ تعامل السلطات الإيرانية مع السجناء في مناطق القوميات غير الفارسية هو أعنف بالمقارنة مع باقي المناطق، فقد أوقعت هذه السلطات ضحايا بين السجناء في مناطق كردستان والأهواز وتبريز، بينما أطلقت سراح ما يقارب 70 ألف معتقلاً من المناطق الإيرانية الأخرى.

مغامرة “التباعد الاجتماعي الذكي”

يبدو أنّ حكومة الرئيس روحاني استشعرت الخطر المحدق بها في حال بقيت الأعمال في البلاد معطلة لمدة أطول، فالاقتصاد الإيراني يعاني ما يعانيه تحت وطأة العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، التي ترفض أيضاً منح إيران القرض الذي طلبه روحاني من صندوق النقد الدولي والبالغ قيمته 5 مليار دولار، لأنها تعتقد أنّ إيران ستصرف هذه الأموال على حروبها بالوكالة، ولن يصل الشعب الإيراني شيء من هذه الأموال.

كما أنّ الإبقاء على هذا الجمود في الحياة الاقتصادية للبلاد، وإبقاء ملايين العمال الذين يكسبون لقمة عيشهم بشكلٍ يومي من أعمالهم، داخل منازلهم، دون تقديم معونات إليهم تساعدهم على عبور هذه الأزمة، من الممكن أن يؤدي إلى نزولهم إلى الشوارع ضاربين بعرض الحائط كلّ القرارات والتعليمات، وبالتالي اندلاع احتجاجات واسعة في البلاد، الأمر الذي سيزيد من عبء الكارثة على الحكومة والسلطات الإيرانية.

هذه الأمور دفعت بالرئيس روحاني إلى فتح الأسواق وإعادة الحركة إليها من خلال اتباع الخطة التي أسماها بـ “التباعد الاجتماعي الذكي”، حيث تم تطبيقها في 11 نيسان/أبريل الجاري في كافة المدن الإيرانية باستثناء طهران، وتتضمن هذه الخطة رفع الحظر عن التنقل بين المدن، وخروج بعض المواطنين من منازلهم لمتابعة أعمالهم، وأيضاً استئناف عمل بعض المنشآت لمعاودة العملية الإنتاجية من جديد، وهي التي لا تتطلب طبيعة عملها تواجد العاملين بشكل جماعي، مع الالتزام بالتدابير الصحية، بينما تبقى مراكز التسوق والأسواق المغلقة والمطاعم والمقاهي والمسابح وصالونات التجميل مغلقة، وهي التي اعتبرتها غرفة التجارة مصدر خطرٍ كبير لانتشار الفايروس، ولم تسمح باستئناف العمل فيها.

ومنذ الإعلان عن تنفيذ هذه الخطة شهدت شوارع المدن الإيرانية ومحطات النقل والأسواق ازدحاماً كبيراً، وأصبح الناس يخرجون من منازلهم دون ارتداء الأقنعة الطبية، نظراً لندرتها وارتفاع أسعارها في الأسواق إن وجدت، وعدم قدرة الكثير من الناس على شرائها بشكل مستمر.

رغم التحذيرات الكثيرة من مخاطر رفع القيود على الحركة داخل المدن، ومعارضة وزارة الصحة لهذه الخطوة، إلا أن الرئيس روحاني كان مصرّاً على تنفيذ الخطة، ونقلت مصادر إعلامية إيرانية تسريباً لاجتماع الرئيس روحاني مع مجلس الأمن القومي في 7 نيسان/أبريل الجاري قال فيه أنه إذا مات مليون شخص بسبب فايروس كورونا فإنّه لن يعطّل البلاد بسبب الوضع الاقتصادي.

إنّ من يتابع وضع إيران عن كثب، ويحلّل الظروف العامة للبلاد والأزمات المتراكمة التي تعاني منه، سيخلص إلى أنّ القادم سيكون أسوأ، ومن خلال تخبط الحكومة في التصدي لهذه الجائحة العالمية، يستشعر المرء أنّ أزمة كورونا ستتعمّق أكثر في البلاد، وستخلّف المزيد من الضحايا، وسنكون أمام موجةٍ ثانية من الفايروس أشدُّ عنفاً، كما أنّ الحكومة ستبقى مراهنةً على تحقيق مكاسب سياسية من هذه الأزمة الإنسانية، في انتظار بصيص أملٍ في نهاية النفق المظلم الذي تقود من خلاله الشعب الإيراني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى