قضايا راهنة

من جرابلس الى طرابلس… تداعيات المغامرة التركية

منذ بدء الربيع العربي، وتركيا تحاول الترويج لنظام سياسي جديد يكون نموذجاً للنظم السياسية العربية، فتسعى من خلاله الترويج لمفهوم العلمانية التركية ودمجها بمفهوم الإسلام السياسي ذات الطابع  الاخواني؛ على أنها لا تتعارض مع المجتمع الإسلامي ولا النظم العلمانية الغربية، لكن ما يبدو للواقع هو تعاملها مع التيارات الإسلامية كنسيج واحد، وهي ترى إن صعود هذه التيارات واستلامها لمقاليد الحكم في المناطق التي شهدت الربيع العربي، إنما يدعم نفوذها في المنطقة، كونها تمثل النموذج الإسلامي الصحيح لدى العديد من الحركات الإسلامية؛ وخاصة الراديكالية منها، فبحسب رؤيتهم تركيا هي الوحيدة التي بقيت مخلصة لهذه الانتفاضات، سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا أو العراق, مما وضعها في خلاف مع الدول الأخرى التي أوقفت دعمها للثورات في ظل سيطرة المتطرفين عليها، على عكس تركيا التي استمرت في دعم هذه الجماعات ذات الميول الإسلامية، وأخرجت الانتفاضات عن مسارها السلمي، وجعلت من الجماعات الإسلامية أدوات تستخدمها لتنفيذ سياساتها وخاصة في سورية وليبيا، وهذا يؤكد رغبة أنقرة في اتباع سياسة خارجية مستقلة، تقوم بما ترغب به دون أي اعتبار لأحد، وهو ما صرح به الرئيس التركي أردوغان في العديد من خطاباته بأن “تركيا لديها سياسة خارجية مستقلة، تقوم بعملياتها من أجل “أمنها القومي” دون الحصول على إذن من أي شخص”، وكان آخرها زجّ الجيش والقوة التركية في ليبيا، لإبراز قوتها ودورها في النزاعات، كما فعلت في سوريا والعراق، لكن هذه المرة مختلفة؛ كونها تحمل تجربة جديدة وهي زجّ مقاتلين سوريين موالين لها في هذه المهمة وخارج إطار “أمنها القومي” كما تزعم في سوريا والعراق.

يأتي التدخل التركي في ليبيا وفق استراتيجية جديدة؛ فما هي التداعيات وما الخطوات التي سوف تخطوها؟

البداية من جرابلس

عند العودة للفترة ما قبل الثورات والأزمات في الدول العربية تحت مسمى (الربيع العربي) اقتصرت العلاقة التركية العربية على التبادل الثقافي والاقتصادي. إلا إن تركيا سعت إلى مدّ نفوذها في المناطق العربية التي شهدت حالات الفوضى، لبسط نفوذها في المنطقة، بدواعي أمنية أو بطلب من جهات رسمية كقطر, وغير رسمية كالائتلاف السوري وحكومة الوفاق الليبية. وهي تسعى من خلال ذلك جعل نفسها محوراً رئيسياً في العديد من القضايا الإقليمية، فكانت البداية من سوريا وعلى الرغم من أن تركيا لم تكن القوة الخارجية الوحيدة التي تدخلت في سوريا، ولكنها تبقى الأبرز من حيث النتائج السلبية، فبتدخلها ازداد عدد الضحايا، وبضرر أكبر، ونزوح أكثر, فهي بدأت بتجميع فلول المعارضة على كافة انتماءاتها وخلفياتها، وتجنيدهم بهدف تحقيق مصالحها، واعتبار سورية مقاطعة تابعة للدولة العثمانية كما كانت قبل الحرب العالمية الأولى، فكان المدخل من جرابلس، والمبرر قتال تنظيم الدولة الاسلامية، فانضم جيشها مع الفصائل السورية المسلحة إلى هذه المناطق الحدودية واجتاحت المنطقة تحت مسمى عملية “درع الفرات”، بالتزامن مع إعلان قوات سوريا الديمقراطية تحريرها لمنبج من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فكان التدخل التركي كهدف آخر وهو منع تمدد الكرد غرب الفرات وليس محاربة التنظيم كما ادعت، وبذلك أصبح لدى تركيا موطئ قدم في سوريا، لتكون منطلقاً لها وللفصائل السورية المسلحة لمحاربة الكرد، والذهاب لفرض توازنات جديدة في الشمال السوري، مع لاعبين دوليين واقليميين آخرين. وبذلك تكون تركيا قد خطت خطوة باتجاه أهداف استراتيجية أكبر، في مقدمتها محاربة الكرد والوقوف ضد أي مشروع خاص بهم، بالإضافة لكون هذا التدخل جاء بمثابة اعتراف دولي بدورها في الأزمة السورية خلال المرحلة اللاحقة عبر مسار أستانا الذي جمعها  بروسيا وإيران.

ومنذ ذلك الحين زادت تركيا من وجودها العسكري على الحدود السورية، وبدأت برفع الرايات التركية وصور زعيمها أردوغان، لتليها فيما بعد غالبية مدن الشمال السوري في غرب الفرات، وتطلق بعدها عملية “غصن الزيتون” عام 2018، لتحتل مدينة عفرين بعد قصف مكثف بالطيران والمدفعية، وتهجّر أهلها، وبذلك بات النفوذ التركي يمتد من جرابلس في أقصى ريف حلب الشمالي مروراً بمدينة اعزاز شمال حلب وصولاً إلى منطقة عفرين. وتكون قد عززت نفوذها في أجزاء من شمال وشمال غرب سوريا، ليبدو المشهد في المناطق المحتلة تركياً أشبه بالوصاية التركية عليها. أما المرحلة الأخيرة كانت تحت مسمى “نبع السلام” ليطال احتلالها شرق الفرات، حيث استولت على مناطق “سري كانيه / راس العين” و”تل ابيض” وسط تهجير للأهالي؛ وتدمير للبنية التحتية للمدينة نتيجة قصفها الهمجي؛ وحالات السلب والنهب التي قامت بها الفصائل العسكرية السورية الموالية لها.

تبعات التدخل التركي في سوريا

كان من نتائج التدخل التركي في سوريا تبعات كثيرة على عكس ما تروج له بعودة الأمان، نذكر منها:

– جرائم حرب ونزوح مئات الألوف من المدنيين، وفرار الآلاف من عناصر تنظيم الدولة، إبادة وتطهير عرقي، تغيير ديمغرافي وثقافي.

– تعليق عمل المنظمات الإغاثية والتي وصل عددها حوالي 200 منظمة، نتيجة القصف العشوائي على المدن.

– ابتلاع مساحات شاسعة من سوريا وعلى مرأى من المجتمع الدولي.

– لعب دور الضامن الكاذب: فصعوبة احتوائها للوضع في ادلب، خلق أوضاعا مأساوية للسكان، مما سبب تهجير سكان هذه المناطق بعدما وعدت تركيا بضمان أمنها وتأسيسها لنقاط مراقبة لحمايتها، إلا إنها أصبحت في نهاية المطاف هدفاً مباشراً للطائرات الروسية وقوات النظام السوري.

الطريق إلى طرابلس

التدخل التركي في ليبيا ما هو إلا استعراض درامي لاردوغان، لدعم الحكومة الهشة نتيجة حصارها، كما فعلت مع المعارضة السورية، بذريعة أن مؤسس الدولة التركية الحديثة اتاتورك قاتل وأصيب هناك، لإقناع الشعب التركي بضرورة التدخل فيها.

من ناحية أخرى وبعد عمليتها العسكرية الأخيرة في سورية، باتت تركيا ترى نفسها بمزيد من الثقة كقوة إقليمية، وكما كانت الفصائل المعارضة في سوريا تنظر إليها كراعي رئيسي ومنقذ، باتت حكومة الوفاق المحاصرة في ليبيا هي أيضاً تراها بنفس الشكل. أما بالنسبة لتركيا فهي ترى في زج جيشها في ليبيا إبراز لقوتها ودورها في النزاعات، كما فعلت في سوريا، وفرصة لتوسيع دائرة نفوذها واستكمالاً للعمليات العسكرية في سورية والعراق، والقواعد الموجودة في قطر والصومال, فضلاً عن السبب الرئيس والأهم وهو بسط سيطرتها البحرية على حوض المتوسط بمواردها النفطية.

في ليبيا تكون تركيا قد أسست لنفسها وجود قوي في منطقة شمال افريقيا للمرة الأولى منذ عام 1912، فهي تسعى بذلك إلى توسيع دائرة نفوذها من خلال المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية وأخيرا العسكرية من القرن الافريقي إلى الخليج ومناطقها الحدودية، لكن هذه المرة دون أن تزج بجنودها للقتال في هذه المنطقة، إنما باستخدام وكلاء للقتال كما في سوريا. تأتي المغامرة  التركية في ليبيا وفق أهداف استراتيجية جديدة, فما الأهمية وما الخطوات التي من الممكن أن تخطوها في سبيل ذلك؟

ليبيا كصفقة جديدة

تبدو ليبيا صفقة جديدة، تسعى أنقرة من خلالها الحصول على مكاسب جيوسياسية ليس بأقل شأناً من العراق وسوريا، ويمكن قراءة أهمها كالتالي:

  • بعد فشلها في عقد اتفاق مع مصر واليونان بشأن ترسيم الحدود البحرية, تكون ليبيا هي الخيار الأخير التي قد تتيح لحكومة العدالة والتنمية للعودة إلى امتيازات ما قبل 1923 أي ما قبل اتفاقية لوزان,  والتي بموجبها تم تقليص نفوذ الدولة الفتاة بعدة شروط أملتها عليها دول الحلفاء وفي مقدمتهم بريطانيا, وأهمها منع تركيا من التنقيب عن النفط والغاز وجعل مضيق البوسفور ممراً دولياً غير خاضع للرسوم التركية, ومع اكتشاف الغاز من قبل إسرائيل في البحر المتوسط في بداية عام 2010 ومن ثم لبنان وسوريا, وعدم استطاعة تركيا تجاوز المياه الإقليمية لوجود آلاف الجزر اليونانية فضلاً عن جزيرتي كريت وقبرص, تدخلت في سوريا عبر استخدامها لورقة اللاجئين والمعارضة السورية الخاضعة لهيمنة جماعة الإخوان المسلمين, في محاولة منها لإسقاط النظام السوري, وتأسيس نظام بديل موالي لها؛ على غرار الوضع العراقي الإيراني, ولكن يبدو أنها لم تنجح في الوصول لأهدافها بسبب الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري, وجرها إلى تفاهمات أستانا التي قوضت من دورها في سوريا, وفي هذا السياق بادر أردوغان بالتدخل في ليبيا عبر عقد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا وسط تحد وتجاهل لأهم الدول المطلة على البحر المتوسط كمصر واليونان وإسرائيل وقبرص إلى جانب إيطاليا وفرنسا, وموافقة روسية ضمنية شبيهة بالتفاهمات التي جرت بينهما في سوريا.
  • الضغط على روسيا للتراجع عن دعم حفتر، فمن خلال الهجوم الروسي السوري الأخير على إدلب، يبدو أن المحادثات والصفقات الأخيرة بين تركيا وروسيا قد فشلت فتراها تركيا فرصة لفتح خط جديد للعودة إليها وطلب الحوار للحل. وتعتبرها نجاح كبير على ما ستحصل عليه من صفقة في ليبيا على حساب ادلب، والخروج بمظهر المنقذ، حيث حظيت بدعم من ترامب، عندما صرّح بأن تركيا هي الوحيدة التي تستطيع إيقاف ” المذبحة ” في إدلب.
  • التنسيق مع روسيا بشكل أكبر؛ وفتح ممر للحل السياسي تشمل أنقرة وموسكو ودمشق, بالإضافة إلى طرابلس. نتيجة محاولات تركيا الفاشلة لفرض سيطرة كاملة على إدلب، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، والسماح للجيش السوري للهجوم لإعادة السيطرة على ادلب.

أما موسكو فتراها فرصة للتقرب من حليف في الناتو، ويضعف عضويتها فيه، الأمر الذي ينتهي بضعف هذا الحلف؛ ونشوب صراعات فيه بين الأعضاء، فتكون موسكو قد حصلت على مكسب دبلوماسي كبير بهذه المناورة, فضلاً عن تأمينها لموطئ قدم في البحر المتوسط من خلال سوريا وليبيا, للتحكم في خطوط الغاز لاستكمال مشروع سيلها الجنوبي, وما الاتفاق الأخير بين بوتين وأردوغان ,إلا تأكيدا لرغبتهما لإعادة سيناريو سوريا وأستانا.

القتال عبر وكلاء

إن تجنيد جماعات مرتزقة أمر ليس بجديد؛ فقد جندت إيران الشيعة الفقراء من افغانستان وباكستان للقتال في العراق وسورية، أما تركيا فهي جندّت السوريين لقتال الكرد؛ وتجندهم الآن للقتال بالوكالة عنها في ليبيا. وهم عبارة عن مزيج من مقاتلين سابقين، ومقاتلين جدد، والتي تلقت دعما كبيراً من تركيا، لكن غالبيتهم انضموا للحصول على رواتب، وليس لديهم أي خلفية ثورية أو معادية للنظام السوري، فعندما أنشأت تركيا لأول مرة هذه الفصائل، قبل عملية درع الفرات كانت رواتب المقاتلين مرتفعة بشكل غير عادي، حيث بلغ حوالي 300 دولار شهرياً، ثم عمدت تركيا إلى تخفيض هذا الراتب بداية عام 2018 إلى حوالي 100 دولار، وفي بعض الحالات إلى 50 دولار، بهدف دفعهم إلى النهب والسلب في المناطق التي يتم السيطرة عليها كعفرين وسريه كانية وتل أبيض، فبدأ الاعتماد – واطلاق يدهم – على الأنشطة الإجرامية، كالنهب والخطف لتغطية أجورهم.

وانتهت التسمية الأخيرة لهم بالجيش الوطني السوري، الذي يضم مجموعة من المرتزقة والمتمردين السوريين الذين صادقوا وعاهدوا على القتال إلى جانب تركيا، وقد وثّقت العديد من المقاطع عمليات النهب والخطف ومهاجمة المدنيين في عفرين، ثم سري كانييه (رأس العين) وتل أبيض.

الهدف التركي من هذا الجيش أو الفصائل المسلحة التي تعمل في مناطق النفوذ التابعة لتركيا، هو تأمين الدعم المناسب لتأسيس منظومة عسكرية، تستفيد من طاقتها البشرية مهما كانت خلفياتها، واستخدامها كقوة مساعدة لتحقيق أهدافها السياسية بكافة الوسائل، فمنذ عام 2018، قامت تركيا بزجها في عمليات ارتقت لجرائم حرب في سورية، بما في ذلك عمليات الإعدام الميدانية والنهب، دون أي محاسبة، مما حرض تركيا لتنفيذ هذه الخطة في الساحة الليبية، لتأجيج الصراع الداخلي، يكون للسوريين الموالين لها دوراً كبيراً لتنفيذ أجندات خاصة بسياستها الخارجية.

نقل المتطرفين إلى الداخل الليبي

كانت ليبيا منذ بداية الأزمة السورية، مقراً للجماعات الجهادية، حيث تم نقل مجموعات كبيرة منهم مع الأسلحة إلى سورية عبر تركيا عن طريق وكلاء ودول، فقد كانت مستشفيات اسطنبول تعج بالجهاديين الليبيين.

ومن بين الشخصيات (مهدي الحاراتي أو المهدي الحاراتي)، ايرلندي من أصل ليبي، وقائد سابق لكتيبة ثوار طرابلس خلال الحرب ضد القذافي، ليصبح بعدها قائد لواء الأمة في سورية، وفي عام 2017 نشرت السعودية والبحرين والأمارات ومصر إعلانا مشتركاً وصف 52 شخصاً بأنهم إرهابيون، من بينهم الحاراتي.

أما اليوم فقد انقلبت المعادلة، حيث يتم عملية نقل المتطرفين من سورية إلى ليبيا لمساعدة حكومة الوفاق المدعومة تركياً، حيث أفادت العديد من التقارير عن سعي تركيا إرسال مجموعات من هؤلاء المرتزقة إلى ليبيا عبر عدة منافذ، بدلاً من الجيش التركي، وحصر مهمة الجيش للقيام بدوريات على الشواطئ الليبية لحماية الأصول الاقتصادية التركية الجديدة.

يبقى الأهم، سواء نقلت تركيا متطرفين من سوريا إلى ليبيا، أو إيجاد مهدي حاراتي جديد في ليبيا، يبقى الهدف من هذه السياسة هو دعم الجهاديين في ليبيا كما فعلت في سوريا.

التعويل على فِرَقْ (فصائل) محددة

جميع الفرق العسكرية السورية المتطرفة وغير المتطرفة التي تم أو يتم إرسالها الى ليبيا شاركوا في العمليات العسكرية التركية لغزو شمال وشمال شرق سوريا، ولعبوا دوراً مهماً في الصراع المستمر منذ سنوات في سوريا، فتحولت الأنظار لإرسالهم إلى خارج سوريا، كون مهامهم الحالية داخل سوريا قد انتهت بموجب الاتفاقيات بين داعميهم الترك والقوى الأخرى لإيقاف العمليات العسكرية، فالآلاف من هؤلاء المرتزقة لم يمانعوا الطلب التركي بإرسالهم إلى ليبيا الغنية بالنفط. ووفقاً للمرصد السوري، بدأت تركيا بفتح مراكز للتجنيد في حلب لإرسال الشباب إلى غرب ليبيا براتب شهري يصل إلى 2000 دولار، ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية إن تركيا قد أرسلت بالفعل آلاف المقاتلين إلى شمال افريقيا.

حسب بعض الصحف، تأتي في مقدمة المجموعات السورية مجموعات مرتبطة بــ “فيلق الشام” المدعومة تركياً ومرتبطة بالإخوان المسلمين، ومعروف بجرائمه من خطف ونهب في عفرين وصولاً إلى رأس العين (سري كانييه) وتل أبيض.

فرقة السلطان مراد: يعد أكبر وأقوى فصيل موالي لتركيا ضمن مناطق سيطرته في درع الفرات، ومعروف بعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من مارس أنواع التعذيب على السوريين، نفسياً وبدنياً، وهو فصيل من الجماعة التركمانية المسلحة الأخطر والأبرز في حلب، يتكون من تركمان سوريا، ومعروف بارتكاب جرائمه في عفرين، من قتل وتعذيب.

يمكن القول إن أنقرة قد عمّمت تجربتها المنفردة في التعذيب على السوريين من خلال هذه الفصائل، كونها سياسة ممنهجة في السجون التركية، فسجون فرقة السلطان مراد أفضل مثال حول الانتهاكات التركية ومرتزقتها بشكل ممنهج. حيث كانت هذه الفرقة مسؤولة عن الجرائم المروعة ضد الكرد في شمال سورية، وانتشارهم في ليبيا قد يوقف هجوم حفتر، وبأي ثمن.

كتيبة صقور الشام: من أبرز الفصائل العسكرية المرتبطة بتركيا، والمعروف بعدم عدائيتها تجاه (تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً)، كما كان لها تنسيق معها من قبل. وتشتهر بتوجهها السلفي، ومعروفة بعملياتها الانتحارية عبر السيارات المفخخة.

هذه الأسماء والأوصاف للفرق العسكرية الموالية لتركيا، تشير بأنها ليست فقط جماعات جهادية أو متطرفة، تتبع ايديولوجية دينية، وإنما أيضا وكلاء للحكومة التركية، الممزوجة بين الاسلاميين والقومية التركية والسورية، ولكنهم في الأساس مجرد مرتزقة.

أما بالنسبة للداخل الليبي، هناك فصائل تعود في أصولها العرقية إلى تركيا، وهذا ما يقوي الدور التركي للحصول على شعبية ليبية ومواصلة الدعم العسكري لهذه الفصائل الموالية لها، من بينها الفصيل الليبي الرئيسي من مصراتة الذي يدعم حكومة الوفاق وتشكل قوات رديفة ومساعدة لهذه الفصائل المذكورة أعلاه.

في النهاية يبقى الأمل الرئيسي لأنقرة، التدخل في ليبيا على غرار ما فعلته في سوريا، كما تأمل من خلال تغيير ديناميكيات ساحة المعركة، لتعزيز أوراقها بصفتها سمسار قوي في ليبيا تماماً كما كان دورها في سوريا، من خلال تواصلها مع الضامنين الرئيسيين في سوريا وهما روسيا وإيران.

لكن الدور السوري للقتال في ليبيا من أجل الجيش التركي تعتبر جرأة من الأخير، وسياسة جديدة لإيجاد آخرين للقتال من أجلها. كما إن الخطوة التركية الأخيرة بإرسال قوات الى ليبيا، ستمهد لدول أخرى للجرأة باتخاذ نفس الخطوة، وخاصة السعودية ومصر.

لذا فالتدخل التركي في ليبيا يعتبر مغامرة خطيرة، كونها ستصطدم بمنافسين آخرين لها أبرزهم مصر واليونان وإسرائيل وفرنسا وإيطاليا, فضلاً عن روسيا التي ستعمل على جر تركيا  إلى المستنقع الليبي مثلما فعلت في سوريا، لاسيما وأنهما القوتان اللتان دعمتا أطراف الصراع في سوريا منذ وقت طويل وها هما يلتقيان مجدداً على ساحة جديدة ويدعمون القوى المعارضة فيها، وهي مهمة أكثر صعوبة من سوريا، وربما تنتهي باتفاقيات كما جرت في الأخيرة، كون ليبيا تشكّل أرضيّة مهمة للاستراتيجية الروسية، لما فيها من موارد ضخمة؛ ولقربها من أوروبا، بما في ذلك منشآت روسيا البحرية في طرطوس السورية. لذا فالمكافئات التركية لروسيا في ليبيا قد تكون مغرية لموسكو كما في سوريا، مما يؤثر على الدور التركي ويصعب عليها مهمتها في ليبيا، ولكن يبقى المكسب الأكبر لموسكو هو زج المقاتلين السوريين في هذه المعركة، لتخفيف الضغط عليها في سوريا واقصاء ما تبقى منهم فيها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى