ترجمات

زيارة أردوغان الودية إلى البيت الأبيض ولحظاتِ توتر خلف الكواليس

تصادم الزعيم التركي مع سيناتور جمهوري وأعاد رسالة الرئيس ترامب القاسية التي حذرت من التوغل العسكري في سوريا.

واشنطن – استمتع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة ودية إلى البيت الأبيض الأسبوع الفائت، كما بدا للعيان، حيث تبادل هو والرئيس ترامب الثناء، وعقدا العزم على حل الخلافات السياسية المتعددة بين واشنطن وأنقرة.

ولكن وراء الكواليس، ظهرت خلال الزيارة بعض اللحظات الحرجة والمتوترة بصورة أوضح بعد مغادرة أردوغان، وذلك أثناء اجتماع غير اعتيادي في المكتب البيضاوي، عقده ترامب مع أردوغان بحضور خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين؛ بعضهم تحدى الزعيم التركي بعباراتٍ حادة وذلك بحسب بعض ممن حضروا الاجتماع.

عند عودته إلى تركيا، كوفئ أردوغان بالثناء من قبل وسائل الإعلام الموالية للحكومة، لوقوفه في وجه الرئيس ترامب من خلال إعادة الرسالة الشديدة اللهجة التي أرسلها السيد ترامب إليه في أكتوبر الفائت. وكان الرئيس ترامب قد حذّر في نص الرسالة الزعيم التركي من شن عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، قائلاً: “لا تكن أحمقاً”، حيث تجاهل أردوغان التحذير وأرسل القوات عبر الحدود في 9 تشرين الأول/ أكتوبر.

وقال أردوغان يوم الأربعاء خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب: “لقد أعدنا الرسالة التي تلقيناها”. وعلى متن طائرته أثناء العودة، قال أردوغان إنّ: ” البيت الأبيض لم يصدر عنه أي رد فعل” على تلميحه، وذلك وفقاً لقناة الأخبار التركية NTV)).

ومع أنّ أردوغان لم يكن مغتبطاً لذلك، إلا أن وسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا صوّرت الأمر كموقفٍ قويّ له، حيث نشرت صحيفة (ديلي صباح) مقالًا تحت عنوان “موقف أردوغان الحاسم”، مشيرةً إلى أنّ الرسالة “أعيدت إلى صاحبها باليد”. كما أعلنت صحيفتا (حريت) و(ميليت) في صفحتيهما الرئيسيتين عن إعادة الرسالة، وتعود ملكية هاتين الصحيفتين إلى جماعة مقرّبة من الحكومة. في حين أنّ البيت الأبيض لم يعلّق على هذا الأمر، كما أنّ ترامب لم يأتِ على ذكر هذه الرسالة خلال مؤتمر الأربعاء الفائت.

واتخذ أردوغان خلال اجتماعه مع أعضاء مجلس الشيوخ موقفاً هجومياً، وذلك عند جلوسه بجانب ترامب في المكتب البيضاوي؛ حيث فاجأ المشرعين بإخراج جهازٍ لوحيٍّ لتشغيل مقطع فيديو يصور الأعمال الوحشية التي قيل إنّ مجموعتين كرديتين قد ارتكباها، وهما وحدات حماية الشعب المعروفة اختصاراً بـ (YPG)، وحزب العمال الكردستاني(PKK).

لعبت وحدات حماية الشعب دورًا فعالًا في الحرب ضد “تنظيم الدولة”، حيث عملت عن كثب مع القوات العسكرية الأمريكية. وتعتبر تركيا هذه الوحدات بأنها أحد فروع حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره تركيا تنظيماً انفصالياً، وتصنفها وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية. يصر أردوغان على أنه ليس من العدل أن يتمّ وصفه بأنه معادٍ للكرد، وإنه يعترض فقط على الجماعات الكردية التي يعتبرها تهديدًا لأمن تركيا.

على متن الطائرة قال أردوغان للمراسلين، أثناء عودته، إنّ ترامب أبدى إعجابه بمقطع الفيديو الذي عرضه خلال الاجتماع، وذلك وفقاً لمحطة NTV آنفة الذكر.

لكن في حقيقة الأمر فإنّ الزعيم التركي لم يسلم أيضاً من الكلمات اللاذعة التي وجّهت إليه.

قال السيناتور ليندسي جراهام عن ولاية كارولينا الجنوبية، الذي كان من بين الجمهوريين الحاضرين في اجتماع المكتب البيضاوي، يوم الخميس الفائت إنّ أردوغان (وهو رجل قوي ونادراً ما واجه تحديًا مباشرًا في موطنه) “خرج عن طوره” بعد أن استخدم السيناتور غراهام كلمة “غزو” لوصف الهجوم العسكري التركي المُدان على نطاق واسع، ضد المقاتلين الأكراد.

وقال جراهام (بخصوص كلامه الموجه أردوغان): ” قلت له: حسناً، لقد وصفتُ ذلك بالغزو، لأنّ هذا هو ما قمت به بالفعل، وقد حذرتك من عدم القيام بذلك، وكل الأمور التي كنتُ أشعر بالقلق حيالها قد حدثت بالفعل”.

وفي معرض ردّه على مقطع الفيديو المصوّر الذي عرضه أردوغان، قال غراهام: “قلت له: أتريد مني أن أطلب من الكرد أن يُعدّوا شريطاً مصوراً عمّا تقومون به من أعمال؟ “

ويقول محللون إنّ ترامب كان يأمل أن يقدّم تبادل مثل هكذا آراء مع نظيره التركي، الذي يسعى ترامب إلى إقامة علاقات طيبة معه، شرحاً للضغوطات التي يواجهها من أعضاء الكونغرس الغاضبين من العمل العسكري التركي في سوريا، وكذلك شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية المضادة للطيران.

 لقد دعا قادة كلا الحزبين في الكونغرس إلى فرض عقوبات على تركيا نتيجة تحركاتها، تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي التي اتجهت في ظلّ قيادة أردوغان إلى حكم استبدادي، وإلى إقامة علاقات أوثق مع روسيا. ويقول ترامب إنّه يسعى إلى إنقاذ تلك العلاقة مع تركيا، مشيراً إلى أنّ التحالف الذي دام سبعين عاماً بين واشنطن وأنقرة تشكّل أثناء الحرب الباردة، عندما كانت تركيا تخشى الهيمنة السوفييتية.

وأبدى أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين في الاجتماع توافقهم مع هذا الرأي، وهم السيناتور غراهام وجوني إرنست عن ولاية أيوا وجيم ريتش عن ولاية أيداهو وتيد كروز عن تكساس وريك سكوت عن فلوريدا، لكنّهم، على عكس ترامب، كانوا أكثر استعداداً لانتقاد الرئيس التركي.

وقال أيكان إرديمير (العضو السابق في البرلمان التركي، وأحد الأعضاء البارزين حالياً في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن): “في الواقع إنّ هذا اللقاء هو لقاءٌ جميلٌ؛ قام به ترامب لأجل أردوغان، حيث تسنّى له مناقشة قضيته بشكلٍ مباشرٍ مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في محاولة لمنع التصويت على العقوبات واستخدام الفيتو، ضد تركيا”.

ويضيف أردمير: ” ويرى ترامب في هذه الخطوة فرصةً لإثبات أنه ليس هو وحده من يشرف على كلّ القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمنية الأمريكية، وذلك كي لا يتوقّع أردوغان الكثير من شخص ترامب “.

السيناتور ريتش الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية، قال إنه قد أوضح، مع بقية أعضاء مجلس الشيوخ ممن حضروا اللقاء، للرئيس التركي أنّ المزاج العام للكونغرس “لم يكن في صالحه”، لافتاً إلى أنّ نبرة أردوغان كان يغلب عليها “الطابع الدفاعي”.

وأردف ريتش قائلاً إنه أخبر أردوغان بأنّه لن يسمح لتركيا بالحصول على طائرات  F-35الأمريكية بأيّ شكلٍ من الأشكال (الطائرات التي عززت الشراكة بين أعضاء حلف الأطلسي) ما دامت تركيا ستحتفظ بمنظومة صواريخ أرض-جو الروسيةS-400 . وبحسب ما يقول المسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية فإنّ تشغيل الطائرة -35F المتطورة بالقرب من منظومة الصواريخ الروسية يمكن أن يعرض تكنولوجيا الطائرة للخطر. ويقول أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي، ومن بينهم السيناتور ريتش:” يجب فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية، وذلك بموجب القانون الصادر عام 2017 والذي يقول بمعاقبة الدول الأعضاء (في الناتو) التي تقوم بشراء المعدات العسكرية الروسية.

ويضيف السيناتور ريتش: “بإمكاني القول إنّ الرئيس ترامب كان حاضراً عندما بلّغنا هذه الرسالة الصعبة لأردوغان الذي لم يلتفت لطلب مساعدة من الرئيس ترامب والذي بدوره لم يقدّم له أية مساعدة”.

ويستطرد السيناتور ريتش قائلاً إنه يأمل في تحريك حزمة عقوبات من الحزبين ضد تركيا، يشرف عليها السيناتور روبرت مينينديز عن ولاية نيوجيرسي وهو كبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على الرغم من أن ذلك لن يتحقق حتى خروج المفاوضات عن مسارها “.

وكان الأمين العام لحلف الناتو جينس ستولتنبرغ التقى يوم الخميس الفائت بالرئيس ترامب وناقش بعض الأمور ومن ضمنها صفقة بيع S-400. وقال دبلوماسيون أوروبيون إنّ التوصل إلى حل وسط أمر ممكن وأنّ كلا الجانبين يرغبان في التوصل إلى حلّ لهذه المسألة، في حين بيّن أحد الدبلوماسيين أنّ الصعوبات التقنية التي تعترض طريق التوصل إلى عقد صفقة مرضية لكلا الطرفين ما تزال تشكل تحديًا حقيقياً. وبدوره يقول ستولتنبرغ (الأمين العام لحلف الناتو): “هناك دافع قوي يدفعنا لإيجاد حلّ لهذا الخلاف، وإذا ما فشلنا في ذلك، فعلينا إيجاد طريقة لتجنّب تقويض هذا الحلف”.

وكان الرئيس ترامب قد عقد اجتماعًا ثانيًا، الخميس الفائت، مع أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، وكان من بينهم السيناتور كروز، ومايكل ب. إنزي عن ولاية وايومنغ، وستيف داينز عن ولاية مونتانا، ومايكل د. كرابو عن ولاية أيداهو، وكيفن كريمر عن شمال داكوتا. وخلال هذا الاجتماع قال السيناتور كريمر: “إن وجود علاقة ما، حتى مع خصومك، هو أمر منطقي، ولا سيّما إذا كانت العلاقة مع دولة ما تزال عضواً حليفاً في ناتو، وهي ما تزال علاقة هامة لنا بشكل كبير”.

وعقب إعلان البيت الأبيض عن رسالة الرئيس ترامب إلى الرئيس أردوغان في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرت بعض التقارير الإعلامية التركية أنّ الرئيس التركي ألقى هذه الرسالة في سلة المهملات، وانتقد أردوغان هذه الرسالة أمام الصحفيين في اسطنبول قائلاً: “لن ننسى قلة الاحترام هذه”.

بقلم: ميكائيل كراولي وميغان سبسيا وكاتي إدمونسون

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى