ترجمات

موت البغدادي يؤكد ما خسرناه، بالتخلي عن الكرد

إنّ مقتل أبو بكر البغدادي هو خبرٌ سارٌّ للعالم المتحضر بأسره. وتؤكد الغارة – في عمق الشمال الغربي لسوريا – مجدداً الاحترافية المذهلة للقوات الخاصة الأمريكية ومحللي الاستخبارات والذين يساعدون في تحقيق الأهداف المطلوبة. وتكشف تفاصيل هذه العملية حقائق أكبر عن سوريا وما فقدناه بالانسحاب المفاجئ لأمريكا من شمال شرق البلاد خلال الشهر الجاري.

البغدادي قائد لا يمكن تعيين بديله بسهولة. حيث ادعى امتلاكه للمؤهلات الدينية الفريدة كخليفة للمسلمين، وقد حفّز إعلانه عن الدولة الإسلامية “الخلافة” عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب للتدفق إلى سوريا. سيحاول خليفة البغدادي الحفاظ على حياة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، حيث تحتفظ الجماعة بأكثر من عشرة آلاف مقاتل هناك؛ ولكن بعد خمس سنوات من الضغط المتواصل عليها، أصبحت منظمة ضعيفة عاجزة عن السيطرة على المساحات الجغرافية.

سيكون الوقت الراهن هو الوقت المثالي لتعزيز النجاح والتحرك بناءً على مجموعة من المعلومات الاستخباراتية المتوفرة التي تم الوصول إليها من معقل البغدادي. من المؤكد الآن أنّ محللينا يتحققون من هذه المعلومات، وهي سترشدنا إلى الخلايا النائمة للدولة الإسلامية وشبكاتها على امتداد سوريا والعراق وأي مكان آخر. ولكن مع انسحابنا المفاجئ من سوريا، سيكون من الصعب العمل على هذه المعلومات. لقد تركت القوات الخاصة الأمريكية بالفعل مواقع لمراقبة المعاقل القديمة للدولة الإسلامية بما فيها الرقة ومنبج؛ هذه المواقع التي تمّ فيها الإعداد للهجمات الكبيرة  داخل أوربا.

 هذه المناطق هي الآن تحت سيطرة روسيا ونظام الأسد، الأمر الذي يعيق تحرّكنا بناءً على  المعلومات المتاحة.

لم يكن البغدادي متواجداً في المناطق التي كان يُتوقّع تواجده فيها، في شرق سوريا وغرب العراق، بل كان على مسافة قريبة من الحدود التركية، في محافظة إدلب التي كانت تحت مراقبة  العشرات من نقاط المراقبة العسكرية التركية منذ بداية 2018. ولذلك فإنّ تركيا مطالبة بتقديم بعض التفسيرات والتوضيحات حيال هذه المسألة.

 تشير بعض التقارير إلى أنّ الجيش الأمريكي اختار إطلاق هذه العمليات من الأراضي العراقية  التي تبعد مئات الأميال عن موقع العملية، ولم يرغب في استخدام القواعد الموجودة في تركيا (العضوة في حلف الشمال الأطلسي)، في الجانب الآخر من الحدود. وبحسب ما تمّ الإعلان عنه فإنّ الولايات المتحدة لم تخطر تركيا بالغارة إلا عندما اقتربت القوات الأمريكية من حدودها، وهو نفس الإخطار الذي كانت سترسله للخصوم مثل روسيا وسوريا.

خلال الحرب الأهلية السورية توجّه قرابة 40 ألف مقاتل عبر تركيا إلى شمال غرب سوريا، وبذلك أصبحت منطقة إدلب أكبر ملاذٍ للإرهابيين في العالم.

واليوم تسيطر المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة على هذه المنطقة بشكل كبير؛ هذه المجموعات التي تعتمد على التجارة عبر الحدود، وتتمتع بعلاقات وطيدة مع جماعات المعارضة الموالية لتركيا. ويتبيّن لنا الآن أنّ هذه المنطقة احتضنت أخطر إرهابيّي العالم ليتسنّى له إقامة ملاذٍ آمنٍ له ولحاشيته.

إنّ هذا الواقع الموجود ما يزال يشكّل تهديداً خطيراً للأمن القومي الأمريكي؛  وللأسف لن نعتمد على تركيا  لأجل الحصول على المعلومات من هذه المنطقة، وإنما على حلفائنا الآخرين  في سوريا، ولا سيّما قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد.

في الحقيقة لم يكن أمراً مفاجئاً لنا عندما سمعنا الرئيس ترامب يؤكّد بأنّ المعلومات الموثوقة التي أوصلتنا إلى البغدادي كانت من قِبل قوات سوريا الديمقراطية، فجميع العمليات المماثلة من هذا النوع، والتي استهدفت قادة داعش في سوريا، كانت بالتعاون مع هذه القوات.

ساعدت الولايات المتحدة في تطوير قوات سوريا الديمقراطية (وهي قوة بلغ قوامها 60 ألف مقاتلٍ من العرب والكرد والمسيحيين) واعتمدت عليها كقوة على الأرض لهزيمة خلافة الدولة الإسلامية، نظراً لعدم وجود بدائل أخرى لهذه القوات.

قبل ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى  إنشاء قوة لمحاربة الدولة الإسلامية بمساعدة تركيا، ولكن كلتا الإدارتين في الولايات المتحدة وجدتا أنّ القوات المدعومة من تركيا مليئة بالمتطرفين الذين لا يمكن إقامة الشراكة معهم. لقد خسرت قوات سوريا الديمقراطية قرابة 11 ألف مقاتل، ونتيجة الدعم الواسع للسكان المحليين لهذه القوات، تمكنت الولايات المتحدة من العمل بعددٍ قليلٍ من الجنود الأمريكيين وبمخاطر محدودة وتكلفةٍ منخفضة.

كل هذا يظهر بشكل واضح لماذا كان  قرار إخلاء المواقع الأمريكية والسماح لتركيا بشنّ هجوم، بالاعتماد على القوات المتطرفة الموالية لها، على قوات سوريا الديمقراطية، بمثابة خطوةٍ إلى الخلف من الناحية الاستراتيجية. هذا الهجوم أدى إلى تدهور ما كان يعتبر جزءاً مستقراً من البلاد، وأدخل الممثلين الجدد إلى الخلافة الإسلامية السابقة، والذين يعتبرون حاضنة للدولة الإسلامية والقاعدة، كما أدّى إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين وأغلبهم من الكرد السوريين، حيث توجه العديد منهم إلى إقليم كردستان العراق الذي يعاني بالأساس من ظروفٍ صعبة.

إن القرار الذي تم اتخاذه مؤخراً، بإعادة انتشار القوات الأمريكية في منطقة نائية يتواجد فيها حقل نفطي صغير، ضمن إطار مهمة مشكوك فيها من الناحية القانونية، وبذريعة حماية حقل النفط، لمنع الدولة الإسلامية  من إعادة بناء نفسها، ليس له معنى أيضاً.

كانت المهمة الأساسية للقوات الأمريكية هي ضمان عدم قدرة الدولة الإسلامية على إعادة تشكيل نفسها، وكان ينبغي أن تبقى كذلك، لا أن تتبدّل إلى  حماية الحقل النفطي وحسب.

إنّ مصرع البغدادي في نهاية نفقٍ مظلم قد يؤدي إلى خفوت بريق اسم الدولة الإسلامية في العالم، ولتعزيز هذا النجاح فإنّ بإمكان الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها في جميع أنحاء العالم شنّ الغارات، ضمن إطارٍ قانوني، ضدّ خلايا  الدولة الإسلامية في البلدان الأخرى.

 ولكن على أرض الواقع في سوريا- حيث تخطط الدولة الإسلامية لمستقبلها – أصبح من الصعب تعزيز هذا الإنجاز، بعد أن تخلت القوات الأمريكية عن المناطق المأهولة بالسكان، ما أجبر قوات سوريا الديمقراطية على التوجه نحو روسيا واتخاذها شريكاً جديد لها في المدن التي كانت الولايات المتحدة تتمتع فيها، قبل شهرٍ واحدٍ فقط، بالدعم المحلّي وسبل الوصول والاستخبارات.

يستحق ترامب كل التقدير لموافقته على العملية التي أدت إلى نهاية البغدادي، ولكن من المُخجل أنّه لم يحصل على هذه المعلومات التي أدت إلى شنّ هذه الغارة قبل القرار الكارثي بسحب القوات الخاصة الأمريكية بشكلٍ مفاجئ من جزء كبير من شمال شرقي سوريا، لأنّ كل ما نعرفه بالفعل عن هذه الغارة، يعزز مدى قيمة وفرادة وضرورة وجود قوة أمريكية صغيرة ومستدامة في تلك المنطقة.

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

بريت ما كغورك: عمل كمحاضر متميز في باين بجامعة أوكسفورد وكزميل مخضرم غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وشغل منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش من تاريخ 2015 إلى 2018.

رابط المقال الأصلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى