ترجمات

كوباني اليوم وكراكوف غداً

واشنطن قد تخلت عن الكرد. وإن لم تعزز أوروبا دفاعاتها، قد يكون الدور على البولنديين والليتوانيين واللاتفيين بعد ذلك.

بعد القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية، فإن الكرد السوريون الذين حاربوا ضد الدولة الإسلامية ببطولة يتم التخلي عنهم ويتعرضون الآن لهجمات الغزو التركي؛ والذي يهدف لإقامة منطقة عازلة تمتد لـ 20 ميلاً في عمق الشمال السوري؛ ومع وقوع ضحايا من السكان المدنيين عن طريق فظائع ارتكبتها الميليشيا الموالية لتركيا، فإن الكرد السوريون عادوا لاستذكار المرثاة الكردية القائلة “ليس لدينا أصدقاء سوى الجبال”

والآن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخطط لنقل قسم كبير من اللاجئين السوريين من مناطق أخرى من سوريا، والذين يعيشون حالياً في تركيا، إلى هذه المنطقة؛ في محاولة للتلاعب بالتركيبة السكانية في المنطقة وتخفيف الضغوط السياسية الداخلية مع تزايد الاستياء من اللاجئين.

من الواضح إن قرار ترامب كارثة إقليمية استراتيجية. فالكرد السوريين الذين قاتلوا من أجل هزيمة الدولة الإسلامية تم رميهم للذئاب الآن، فقد تخلى البيت الأبيض ليس فقط عن حلفاء عسكريين موثوقين وثابتين، بل تخلى أيضاً عن أي جهد جاد لحراسة مئات الآلاف من سجناء الدولة الإسلامية والذين ترفض الدول الأوروبية إعادتهم أو محاكمتهم أو معالجة تطرفهم.

مثلما حدث في عام 1991، عندما وقفت أوروبا إلى جانب سلوبودان ميلوسوفيتش في عملية تطهيره العرقي ليوغوسلافيا السابقة، بقي الاتحاد الأوروبي مرة أخرى وقتها في موقف المتفرج.

قالت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريديريكا موغريني في وقت سابق من هذا الأسبوع، إنه ” يقلقنا بشدة” من أن الدولة الإسلامية “يمكن أن تفسح لها المجال لالتقاط أنفاسها في داخل تلك المنطقة”.

وكان السؤال المحرج الذي تم توجيهه إلى وزير الخارجية الاسباني؛ الذي عُيِّن بدلاً من فريديريكا موغريني؛ هو: ما الذي سوف تفعلون حيال ما يتم في شرق الفرات، كان جوابه معرباً عن استيائه: “ليس لدينا قوى سحرية”.

يقال بأن الدبلوماسيين البريطانيين أزعجهم كلمة ” إدانة” في البيان بشأن الهجوم التركي.

يبدوا أن القادة الأوروبيين قد نسوا بأن الدرس المستمد من حروب البلقان في التسعينيات هو أن نظام الدول المبني على قوانين لا يدافع عن طريق القوى السحرية بل من خلال القدرة على نشر قوة عسكرية لردع العدوان ومعاقبته.

قال بوريل “لو لم تنسحب القوات الأمريكية، لكان هذا الهجوم مستحيلاً” وأضاف إن انسحاب القوات الأمريكية كان شرطاً لجعل هذا الهجوم ممكناً. ولم يتطرق إلى ما هو جلي للجميع: بأن لم تكن هناك قوات أوروبية مستعدة لتحل محل الأمريكيين المغادرين، ولم تكن هناك إرادة لاستخدامها حتى لو كانت متوفرة.

وبسبب الافتقار إلى الإرادة والقوة القابلة للانتشار بسرعة لملء الفراغ الحاصل في السلطة، فقد تحولت أوروبا إلى حالة المتفرج العاجز. والآن فإن كل من فلاديمير بوتين الروسي وبشار الأسد السوري هم من ملأ هذا الفراغ، حيث وصوفوا أنفسهم بحماة الكرد وضامني الاستقرار الإقليمي.

إن الأضرار التي قد تلحق بالأمن الأوروبي بسبب إحياء محتمل للدولة الإسلامية بعد انسحاب ترامب المتقلب من سوريا بعيدة كل البعد عن الآثار الأكثر مدعاة للقلق لأوروبا. لقد حول ترامب قوة الردع لأمريكا إلى شبكة حماية ضخمة غير مباشرة.

إن كل من يعتمد على ولايات المتحدة من أجل أمنه عليه أن يخدم أجندة ترامب الشخصية (من خلال اختلاق تحقيقات الفساد عبر أبناء منافسيه مثلاً) أو سيبقى وحده دون سند.

ينبغي أن يبعث ذلك قشعريرة في أبدان قادة أوروبا الشرقية. حيث تستطيع روسيا بسهولة تجاوز دول البلطيق. وبولندا، حيث فشلت حكومة القانون والعدالة التي أعيد انتخابها للتو في الحفاظ على الاستعداد العسكري، يجب عليها الآن أن تتساءل عما إذا كان بإمكانها الاعتماد على واشنطن.

حاولت وارسو التملق من خلال دعوة 3500 جندي أمريكي كادوا أن يسمونهم “فورت ترامب” وقد عرضت بولندا -الأكثر فقراً من الولايات المتحدة- دفع بعض التكاليف. ولكن كان هناك ألفي جندي أمريكي يقاتلون بالفعل ضد الدولة الإسلامية في سوريا إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية؛ ويتم سحبهم الآن. فإذا تعقدت الأمور في بولندا، فما الذي يُحتمل أن يفعله ترامب، هل سيُبقي 3500 جندي على أرض البولنديين، أم سيهددهم بسحبهم من أجل المزيد من الابتزاز ضد بولندا.

إن انسحاب ترامب من سوريا هو رسم توضيحي ودّي لعواقب ثلاثة عقود من الانتفاع المجاني لأمن لأوروبا. بعد نهاية الحرب الباردة، فقدت الولايات المتحدة حاجتها الاستراتيجية لحماية أوروبا. قد لا تزال أوروبا قوة اقتصادية عظمى-قادرة على فرض التزامات عالمية حتى على أكبر الشركات-لكنها ليست قوة عسكرية عظمى.

الثروة مفيدة فقط عندما يكون هناك نظام دولي مبني على القوانين التي تدعم حقوق الملكية والتجارة الحرة والمؤسسات الاقتصادية المعتمدة على السوق. أو بعبارة أخرى، تلك الكميات الطائلة من الذهب مفيدة جداً، حتى يأتي الناس الذين يحملون السلاح ويأخذونها منك. وهذا حال أوروبا فما فائدة القوة الاقتصادية إذا كانت لا تمتلك قوة عسكرية موحدة لحل الأزمات الدولية.

الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية عظمى؛ لأنه يمتلك البنية المؤسساتية للعمل معاً. والمفوضية الأوروبية هي من تضع سياسة التجارة، وليس دول الأعضاء بشكل منفرد، ولا يمكن القيام بأية عملية شراء من قبل أي عضو بمفرده. لأنهم لا يتخذون قرارات ذات صلة، بينما الاتحاد الأوروبي ككل كبير جداً؛ فلا يمكن الضغط عليه. هذه الدروس يجب أن تطبق على الدفاع الأوروبي قبل فوات الأوان.

على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يحرز تقدماً- بالتعاون الوثيق الدائم، وصندوق الدفاع الأوروبي، فإن تخلي ترامب عن الكرد يجب أن يكون بمثابة تحذير لها.

بدون سياسات دفاعية مشتركة، والأصول العسكرية المجمعة، والعقيدة العسكرية المشتركة، ستكون الجهة الشرقية للقارة معرضة للخطر. لا يمكن أن يكون هذه مسألة التبادل بمصالح دول البحر المتوسط، والتي تواجه عواقب عدم الاستقرار وفشل الدولة في شمال أفريقيا وشرق الأوسط، مع مصالح دول البلطيق وبولندا، التي تشعر بالقلق بشكل مبرر من العدوان الروسي.

إن أوروبا ستكون قادرة على أخذ زمام المبادرة في الأزمات الدولية؛ لأن لديها سياسة دفاع أوروبية متكاملة، وتعمل نيابة عن كتلة موحدة تضم 500 مليون شخص و15 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كان بإمكان أوروبا نشر قوات لتحل محل القوات الأمريكية في سوريا واستخدام قوتها للتوسط في محادثات السلام. أوروبا بدون هذه القوة هي مجرد أوزة بدينة تنتظر أن يتم نتفها.

الكاتب: غارفان والش

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى