مقالات رأي

هل الإقلیم في جنوب کردستان محرّر؟!.

تراودُ الكثيرين من أبناء شعبنا الكردي في أجزائه الأربعة، وخصوصاً بعد نكسة كركوك، أسئلةٌ عديدة ومشروعة إلى حد كبير … هل يمكن اعتبار جنوب كردستان محرراً…؟! وإن كان كذلك ماذا قدّمت (حكومة الإقليم)  خلال 26 عاماً وإلى أين وصلت….؟! أسئلة كثيرة تطرح نفسها وسنحاول إيجاز ذلك بالوقائع والأحداث وبشكل يختصر الأجوبة عن الحقيقة المؤلمة التي يعيشها الجنوب المغتصب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .

منذ انتفاضة الشعب الكردستاني في آذار سنة ١٩٩١ ونحن نعيش في إقليم کردستان في أزمات متتالية دون حل، بحيث تراكمت وتعاظمت لتصبح حملاً ثقيلاً  وعبئاً يضاف إلى الأعباء الكثيرة على كاهل المواطنين.

في أکتوبر ١٩٩١ ومع انسحاب النظام الفاشي الصدامي من إقلیم کردستان إداریاً، سیاسیاً وأمنیا ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم یكن الإقلیم ذات سیادة وإرادة حرة، ويمكن القول إنه ورغم مرور أكثر من ربع قرن لم تتوصل إلى إرادة وإدارة وطنية حقيقية، وإنما الذي طرأ هو تبدل المحتل الصدامي بمحتلین آخرین وهما النظامان الترکي والإیراني، وهكذا تحول جنوب كردستان إلى جغرافيا تحت وصاية أجندات هاتين الدولتين المحتلتين لشمال وشرق کردستان.

وتأكيدا لهذا المشهد نجد أن أول قرار اتخذته (حكومة الإقليم) تحت قبة البرلمان  فی ٤ اکتوبر ١٩٩٢ کان إعلان الحرب علی الحرکة التحرریة في شمال کردستان، وبهذا تم تحويل بیشمرکة الحزبین الحاکمین الدیمقراطی والوطنی الکردستانی إلى مرتزقة للدولة الترکیة فی حملة السندویش من نفس العام 1992 لتصفیة الحرکة التحررية التي كانت على وشك إعلان جمهورية الحرب في بوطان وبهدينان، ورغم ضراوة الحرب، ومشاركة العديد من القوى الدولية فيها، إلا أنهم لم ینجحوا في النيل من منظومة حزب العمال الكردستاني PKK ، وقد سمّى أبناء شعبنا في جنوب کردستان أبناء هذه الحرب بـ”حرب الخیانة”.

و من جانب آخر تم العمل على تصفیة الحرکة التحرریة فی شرق کردستان من قبل الحزبین الحاکمین لإقلیم کردستان بالتعاون مع الاطلاعات الإیرانیة – جهاز الاستخبارات الإیرانی – الاستخبارات – السیئة الصیت. إذ تمكنت من  إزهاق أرواح أکثر من ٦٠٠ من خیرة أبناء شرق کردستان من المقاتلین والمفكرین والناشطين السیاسیين .

نجحت أیران بالتعاون مع الحزبین الحاکمین فی تصفیة الحرکات السیاسیة والمقاتلة في شرق کردستان وأصبحوا مقعدین ومكبلي الأیادي فی المعسکرات القسریة في إقلیم کردستان دون حراك سیاسي ومیدانی. ناهيك عن الانشقاقات والتفرقة بین الأحزاب فی هذە المجمعات القسریة التي طبعت المرحلة بهذه السمة، هذه الخدمات المقدمة من كلي الحزبين للمحترفين كان مقابل إطالة عمر سلطتهما الحاکمة في إقلیم کردستان .

وبهذا تحول إقلیم کردستان امتدادا للسلطة الحاکمة فی أنقرة وطهران، وبهذا الخصوص لا یخفی على أحد تصریحات أردوغان فی ٢٠١٣ فی آمد، حین قال: أمننا القومی یمر من أربیل (هولیر).

وهكذا قُسّم الإقليم إلى منطقتي نفوذ إيراني – ترکی، فالمناطق التی يسیطر علیها الحزب الدیمقراطي تسمی بالمنطقە الصفراء، وتشمل محافظتي هولیر ودهوك، وهي منطقة نفوذ ترکیا، وأما الثانیة فهي منطقة النفوذ الإیراني وتشمل السلیمانیة وگرمیان. وهذا التقسيم لمناطق النفوذ وتحكيم الحزبين فيهما أديا إلى صراعات عميقة بين الحزبين ولا تزال إلى يومنا، وهناك وثائق عديدة تؤكد بأن تقسیم وتجزئة الإقلیم ما هو إلا اتفاق مفضوح بين النظامين الإیراني والتركي، ولا يزال هذا الوضع القائم على تقسيم الإقليم ساري المفعول سیاسیا واقتصادیا وأمنیا وإداریا وبشکل قوي.

وبحسب ما تم تداوله على وسائل الأعلام وتصريحات بن علي یلدرم رئیس وزراء ترکیا فی ٢٤ أغسطس ٢٠١٦ التي بين فيها أنهم متحالفون مع البارزاني، الذي یسیطر علی مدینة أربیل (هولیر) ودهۆك، ويعملون معا في مسألة تصدیر النفط ومحاربة حزب العمال الكردستانی. وهذا ما يبعث على القلق من ويدفع إلى الخوف للحالة التي وصل إليها الإقليم. لأن مدينة أربیل ستتحول بذلك إلى مرکز للحکومة الأمنیة الترکیة المصغرة، تدار فیها دفة الحکم فی إقلیم کردستان.

فهذه الحکومة التي ستدار من القنصلیة الترکیة فی هولیر، وهي الحکومة الفعلية التي تدير دفة الحكم في المحافظتین التابعتین للحزب الدیمقراطي الکردستاني وفي الوقت لها تأثیر علی السلیمانیة من خلال بعض قادة من الاتحاد الوطني الکردستاني الموالین للحزب الدیمقراطي.

بذلك یمکن رؤية حجم تأثیر الدولة الترکیة علی إقلیم کردستان، عندما يتم تحليل الزیارات المکوکیة للمسؤولين الأتراك والمعسکرات المنتشرة للجیش الترکی والمقرات الدائمة للمیت الترکی فی عموم جغرافیة المنطقة. حین أنهت الشرکة التابعة لأردوغان بناء مطار أربیل، الذي افتتح من قبل أردوغان شخصیا خلافا لکل الأعراف والقوانین والدستور العراقی، حیث کان من المفترض أن یفتتح من قبل رئیس الوزارء العراقي أو رئیس الجمهوریة.

باختصار يمكن القول إن إقلیم کردستان في الجنوب كان ومازال يعاني من التدخل في شؤونه منذ ولادته من رحم الانتفاضة المجیدة في آذار ١٩٩١، ويخشى من استبدال المحتل وهو النظام الصدامي بآخرین من إیران وترکیا، لأنه الكرد في الإقليم سيعيشون تحت الاحتلال والقمع وإرهاب هاتین الدولتین.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى