ترجمات

انتخابات اسطنبول تكشف فشل نظام أردوغان الرئاسي

سونر كاغابتاي من كبار الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب: “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا المعاصرة”.

موالون لأكرم إمام أوغلو يحتفلون في اسطنبول الأحد (ليفتيريس بيرتراكيس/أسوشييتد برس)

أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملات انتخابية لرئاسة البلديات؛ سرعان ما انتشرت على نطاق واسع؛ كالنار في الهشيم، جعلته يكسب صوتاً تلو صوت، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، ففي يوم الأحد ، خسر مرشَّح أردوغان والمختار من قبله لخوض سباق رئاسة بلدية اسطنبول، بن علي يلدرم لصالح منافسه أكرم إمام أوغلو بهزيمة واضحة.

كان الاقتراع في اسطنبول إعادةً لانتخابات 31 آذار/مارس التي هَزم إمام أوغلو فيها يلدرم بفارق صغير 0.2%.

بعد أن تقدم حزب أردوغان؛ حزب العدالة والتنمية بشكوى، اتخذت لجنة الانتخابات في أيار/مايو قراراً يقضي بإلغاء اقتراع اسطنبول بسبب خروقات مزعومة، ودعت إلى إعادة الانتخابات في 23 حزيران/يونيو، ولكن إمام أوغلو لم ينتصر على يلدرم فحسب، بل فعل ذلك بفارق 10%، الشيء الذي صدم أردوغان.

تلك كانت أخباراً سيئة لأردوغان، وخاصة أنّه مسؤول عن ذلك بشكل أو بآخر.

يكمن جذر المشكلة في تحول النظام السياسي لتركيا -بشق الأنفس- بالاستفتاء المُعتَمد في 2017، من نظام برلماني ديمقراطي إلى نظام رئاسي.

النظام الجديد الذي أُطلِق في تموز/يوليو 2018، والذي وضع جميع أجهزة الحكومة تحت سيطرة أردوغان، قد عانى من تداعيات دراماتيكية خلال أقل من عام؛ حيث تسبب في إضعاف المؤسسات التركية -من وزارة الخارجية إلى السلطة القضائية- الذي ترتب عن التحول إلى المركزية المفرطة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالدولة ونقلها إلى مقر أردوغان في أنقرة.

قبل ذلك، كان باستطاعة أردوغان الاعتماد على كادر كبير من المستشارين والوزراء والهيئات الحكومية لاتخاذ قرارات سليمة من شأنها مساعدته في الفوز بالانتخابات وتوجيه تركيا لتجاوز مشكلاتها، إلا أن الرئيس محاط الآن بمجموعة صغيرة من المساعدين الذين يقدمون له بدائل سيئة لمؤسسات تركيا المختصة على مر التاريخ ولخبرائها المختصين.

شبكة أردوغان السابقة المؤلفة من سياسيين مقربين، والذين ساعدوه على الفوز في العديد من الانتخابات، باتوا الآن مهمشين أيضاً لصالح حلقته الضيقة من المقربين.

في عام 1980، نشر دنيس روس مقالاً مميزاً بعنوان: “الحفاظ على التحالف في الاتحاد السوفييتي”، تحدث فيه عن اتخاذ القرار فيما بين مجتمع النخبة؛ وقال بأنه باتت عملية اتخاذ القرار مشوهة داخل  الحدود الضيقة للكرملين. وكثيراً ما كانت القرارات تُتَّخذ، ليس على أساس ما سيكون أفضل للبلد أو للحزب، ولكن بحيث تحقق أفضل خدمة للمصالح الضيقة لزمرة معينة على حساب الآخرين.

هذا الاختلال يمثل تماماً مشكلة أردوغان وتركيا التي يواجهانها منذ تغيير الأنظمة السياسية للدولة الصيف الماضي.

خذ على سبيل المثال، ردة فعل أردوغان على خسارة يلدرم في انتخابات 31 آذار/مارس، القرار العقلاني لأردوغان حينها كان ليكون قبول انتصار إمام أوغلو، حيث أن حزب أردوغان يسيطر مسبقاً على مجلس مدينة إسطنبول، وكان سيكون من السهل عليه أن يُضعف إمام أوغلو من خلال مؤامرات سياسة البلدية، رغم ذلك،  قام أردوغان بالاستعانة بتقارير زمرة من المستشارين بالضغط على المجلس الانتخابي لإجراء اقتراع آخر ممهداً الطريق إلى مذلة يوم الأحد.

يبدو أن قرار أردوغان بنقض نتائج 31 آذار/مارس قد عززت شعبية إمام أوغلو، مُوجدةً ما يشبه “أردوغان جديد”؛ سياسي يمثل الأشخاص المهمشين من قبل النظام.

حملة يلدرم تأرجحت على نحو واسع بين مختلف المواقف السياسية، مشوشةً ومنفرةً للناخبين، على سبيل المثال: قبل موسم الحملة، سعى بعض المستشارين في البلاط إلى تشويه سمعة إمام أوغلو بدعوى دعمه من قبل حزب العمال الكردستاني، وقبل الإدلاء بالأصوات ببضع أيام، قاموا بالإفصاح عن رسالة من قبل زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون؛ عبد الله أوجلان، يطلب فيها من الحزب بعدم الانحياز؛ تصريحٌ فُسِّر على أنه دعم مبطن ليلدرم.

فقدان الاستراتيجية العميقة هذا يمثل مشكلة أيضاً للسياسة الخارجية، على سبيل المثال: يتخذ مستشارو أردوغان زمام المبادرة في مفاوضات إس-400 الحساسة حول دفع عملية شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إلى الأمام، مقوضين بذلك خبرات مختصي الدبلوماسية والسياسة الخارجية الذين من المفترض أن يتولوا أمر هذه القضية الحساسة.

إذا مضت أنقرة قدماً في عملية الشراء هذه، فسوف تقوم الولايات المتحدة بتطبيق عقوبات ضد تركيا، والتي يمكن أن تحدث شرخاً في العلاقات التاريخية التركية الأمريكية، ورغم ذلك فإن بعض مستشاري أردوغان يقللون من أهمية عواقب صفقة إس-400 ويدفعون باتجاه إتمام هذه الصفقة الخطرة مع روسيا.

تركيا كبيرة جداً من الناحية الديمغرافية والاقتصادية، ومعقدة من الناحية السياسية على أن تُحكَم من قصر.

لكي ينجح أردوغان مجدداً في الانتخابات، ولكي تعالج تركيا مشاكلها الوطنية بفاعلية، على أردوغان أن ينعش التفاعل داخل السلطة التنفيذية، وأن يطبق اللامركزية في رسم السياسات بعيداً عن أنقرة، وأن يبحث عن حلول خارج القصر، بهذه الخطوات سيبدو المستقبل شبيهاً بما كان في تركيا قبل استفتاء أردوغان؛ حيث كان النظام البرلماني معتمداً.

الواشنطن بوست | ترجمة: مركز الفرات للدراسات – هوزان هادي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى