دراسات

عُقدة الباغوز

كمعظم القرى السورية المهمّشة التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة؛ لم يكن لقرية الباغوز أية أهمية تذكر، ولم تكن معروفة حتى لدى غالبية السوريين، ولكنها تصدّرت نشرات الأخبار والوكالات والصحف العالمية؛ كونها شكّلت آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية التي تم القضاء عليها من قبل قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي، مما أكسبها شهرة عالمية سريعة.

إن تحرير هذه البقعة الصغيرة- على عكس المواقع الأخرى- شكلت عُقْدَة كبيرة لدى قسد والتحالف الدولي؛ فبالرغم من محاصرة التنظيم فيه وسهولة القضاء عليه، إلا إن عملية إنهائه أخذت الكثير من الوقت، وباتت موضع جدل ونقاش كبيرين، استغلتها جهات سياسية وإعلامية في التشكيك بقدرة قسد والتحالف في حسم المعركة، وإنهاء ما تبقى من فلول داعش.

بالإضافة إلى ما سبق هناك من ادّعى أن معركة الباغوز هي مذبحة بحقّ المسلمين، بدلاً من تسميتها بتحرير المسلمين، كما ظهر التخبط لدى العديد من وسائل الإعلام وضيوفها من المحللين السياسيين والعسكريين، فتارةً ادّعوا بأن معركة الباغوز تحصيل حاصل لصغر حجمها، وتارةً تساءلوا عن سبب تأخّر حسم المعركة فيها، متجاهلين أسباب تأخُر الحسم الرئيسية، وهي: منح الوقت لخروج كامل العوائل والمدنيين، ومنح فرصة لأعضاء التنظيم ممن يرغب في الاستسلام؛ فضلاً عن ضرورة التعامل بحذر مع كميات الأسلحة والمفخخات التي كان يستعملها التنظيم. وكانت الغاية من كل ذلك هي محاولة تشويه سمعة “قسد”، متجاهلين أن تحرير الباغوز كانت بمثابة “عُقْدَة” تحتاج إلى التمهّل في حلها.

لماذا الباغوز

إن اختيار الباغوز لتكون آخر بقعة يحارب فيها التنظيم لم يكن عشوائياً، فهناك العديد من الأسباب التي جعلت منه المعقل الأخير، والخط الدفاعي الحصين له، وهو ما يجهله الكثيرون. وللبحث عن هذه الأسباب وعن أهمية الباغوز لا بد من دراسة ماضي القرية وطبيعتها الجغرافية.

كانت الجغرافيا سبباً رئيسياً لاختيار هذه القرية من قبل التنظيم، وأهم عوامل تحصينه. ولها حِصة في التاريخ أيضاً، على عكس ما تم تداوله بدخولها التاريخ إبان سيطرة داعش عليها، فقد شكلت ملاذاً للفارين والمتمردين منذ عهود قديمة بفضل معالمها الجغرافية.

ولتوضيح أهمية الباغوز تم التركيز على النقاط والمسائل التالية:

الباغوز من الناحية الجغرافية:

تَبعُد هذه القرية حوالي 11٠ كم شرق دير الزور، وتتبع إدارياً لمنطقة البوكمال التي تبعُد عنها بمسافة 2 كم، على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتُمثل الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور في سوريا مع الحدود الإدارية لمحافظة الأنبار في العراق.

وتُقسم إلى “باغوز تحتاني” و”باغوز فوقاني” ثم مزرعة “السفافنة “، وتبلغ مساحتها الكلية 45٠٠ هكتار، أما مساحة المخطط التنظيمي فهي 95٠ هكتار.

نهر دورين: تحدّثت الكثير من الوكالات عن نهر الفرات كمنفذ لعناصر التنظيم إلى الجهات الأخرى، غربي الفرات أو للعراق، لكن ماذا عن “نهر دورين” الذي لا يقل أهمية عن نهر الفرات؟

هذا النهر هو فرع خاص من نهر الفرات يصل إلى الباغوز، وحسب بعض الافتراضات، فقد أمرت بِشقّه “ملكة الباغوز” في الألف الثالث ق.م، كي تمنع مرور الفرات بمملكة الأموريين (ماري حالياً)، وليكون بمثابة الحد الفاصل بين مملكتها والممالك الأخرى، كما استخدم كوسيلة للاقتراب من “جبل الباغوز” الذي تحصن فيه عناصر داعش في أيامه الأخيرة، ليصب بعدها خارج حدود الباغوز، وما زالت بقايا مجراه قائمة حتى الآن أسفل “كهف باغوز” الشهير الذي توارى فيه عناصر التنظيم.

جبل العرسي: وهو الجبل الذي تردد صداه باسم “جبل الباغوز”، ويقابل مجرى نهر دورين المتصل بحواف البادية مع البوكمال، وقد كان هذا الجبل تحصيناً آخر لعناصر التنظيم، وشكل عقبة لدى قوات سورية الديمقراطية، وصعّب الوصول إليهم في البداية.

مغارة التيس: أو “كهوف الباغوز” حسب التسمية الإعلامية لها، عندما تَحصن عناصر التنظيم في الكهوف ضمن التلال الصخرية شرق بلدة “باغوز فوقاني”، وهي تقع أسفل الجبل المُطِل على بلدة الباغوز.  

حسب الروايات المحلية فإن هذه الكهوف لم يلجأ إليها أحد من قبل؛ لِما يرتبط بها من قصص وخرافات، ولاعتقادهم بوجود الجن فيها. وكانت تلك القصص تسبب الذعر لسكان المنطقة؛ ومنعتهم من دخول تلك الكهوف. ولا يُستبعد استغلال داعش خوف الناس من الدخول إليها أو الاقتراب منها لاستخدامها أو اللجوء إليها بعيداً عن الأنظار.

إلا أنها، وحسب شهود دخلوا إليها عام 1958، عبارة عن مدخل على شكل غرفة صغيرة يطبق عليها الظلام بعد عدة أمتار، وتنتهي بساحة تضم عدة ممرات، وباتجاهات مختلفة، تؤدي إلى اللانهاية، أما سقفها وجدرانها فقد تم حفرها ببراعة.

الباغوز تاريخياً:

كانت كهوف الباغوز؛ والمغارة التي تم ذكرها ملجأً للثوار وملاذاً لهم للاختباء من أعين الجنود الفرنسيين، كما أنها بحسب بعض المُعمرين من القرية، كانت مكاناً آمناً يؤمُه “المجاهدون”، بعد تنفيذهم لهجمات ضد الفرنسيين أثناء وجودهم في المنطقة، وكان الجيش الفرنسي يقصفها بالمدفعية، لصعوبة ملاحقتهم فيها.

يؤكد ما سبق أن طبيعة الباغوز شكلت سلسلة مُنظمة ومتتالية كونها سهلت عملية التنقل أو الهروب لأية مجموعة سواءً كانوا من الثوار أو المتمردين أو الارهابيين، فكل جزء من طبيعته الجغرافية يرتبط بالآخر ومُكمل له، ويؤدي بالنهاية إلى مخرج أخير وهو الكهف أو المغارة. كما يمكن إضافة الناحية التاريخية، وهي أن الباغوز كان ملاذاً وملجأً للثوار أو الفارين، وعليه فإن اختيار التنظيم له ليس وليد الصُدفة أو لضرورة ما، بل نتج عن دراية لتاريخه وجغرافيّته، الأمر الذي شكل عقبة أمام قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، وأسهم في تأخير عملية تحريرها.

لعل الكثيرين لم يفكروا بمعنى تسمية الباغوز، فلو تساءل المرء عن أصل تسمية الباغوز، قد يجد أحد الاسباب التي دفعت التنظيم إلى اختيار هذا المكان.

إن إحدى فرضيات تسمية الباغوز أو “بوخاس”، هي أنها مفردة تركية الأصل تعني (المضيق)، ولهذا المعنى دلالة وأهمية تاريخية وجغرافية، حيث يضيق هذا المكان عند بداية البوكمال، وهو يقع بين الجبل ونهر الفرات، ويشكل الطريق الذي يفصل بين الباغوز الفوقاني (قرب الجبل) والباغوز التحتاني (قرب الفرات)، ومن المعروف تاريخياً إن أغلب المعارك قديماً تم اختيار أماكنها في مواقع تطل على ممرات ضيقة، بحيث تُعيق أو تُعرقل حركة التقدم لأي طرف مُعادي؛ بالإضافة إلى أن هذا الموقع كان يسهّل عملية انسحاب المتحصنين وهروبهم؛ كونه يوصل حواف البادية بمجرى النهر وبعدها بهضبة الباغوز الذي يضم الكهوف.

فمعنى “المضيق” للباغوز يعكس حقيقة تَشكُله نظراً لطبيعته الجغرافية، وهي طبيعة “صعبة” نظراً لتحول حركة التنقل بين البر والنهر والجبل عبر المضيق، وطبيعة “سهلة” نظراً لترابط مسارات التنقل دون انقطاع تام، وطبيعة “ساحرة” لجمالية المنظر المتداخل ما بين الصحراء والنهر والجبل.

ومن المعاني الأخرى ﻟلفظة “باخوس”، حسب ما يلفظها أهل المكان، نسبته إلى الإله “باخوس”، وهو “إله الكروم والخمر” عند الرومان، وربما في ذلك إشارة إلى التلال التي تزرع بالعنب وتستعمل للخمر.

كما إن العثور على برجان قائمان فيها من الفترة الرومانية، وواحد آخر يقابلها في مدينة القائم المقابلة لها في العراق، تعطي فرضية استخدامها كنقطة دفاعية خلال تلك الفترة، وتسمية “باخوس” إله الخمر جاءت خلال هذه الفترة.

جميع ما سبق يؤكد أهمية المكان من تضاريس وأنهار، كخط دفاعي مُحصن بطبيعته، ونقطة تواصل عن طريق الربط بين المجاري المائية والجبال والصحراء المفتوحة، وهو ما استخدمه الناس منذ القديم وفي فترات لاحقة، كما إن معنى التسمية جاءت كتأكيد على طبيعته الجغرافية المُعقدة بالنسبة لمن لا يعرفها، والسهلة لمن يعرفها.

باغوز نقطة البداية والنهاية للتنظيم

كان عدد سكان الباغوز حوالي 16 ألف نسمة، ويجمعها مع العشائر العراقية صِلة القرابة، لا يفرق بينهما سوى الأسلاك الشائكة أو السواتر الترابية، وقد أسهمت طبيعة المدينة المشتركة مع العراق في تبادل العديد من المنتجات عن طريق التهريب، إما بممرات برية أو من خلال أنفاق مُجهزة لنقل البضائع، ومن بينها الأسلحة، التي انتعشت حركتها بعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2٠٠4، واستخدم المكان حينها لنقل عناصر تنظيم القاعدة إلى العراق خلال هذه الحرب.

وبعد حوالي 1٠ أعوام استخدم تنظيم داعش المنبثق من تنظيم القاعدة هذه الأنفاق لنقل مقاتليه إلى سوريا، فبعد سيطرته على أجزاء من محافظة الأنبار عام 2٠14، بدأ بنقل الأسلحة والعناصر منها إلى سوريا تمهيداً لانتشاره فيها، وكانت الباغوز إحدى المحطات الأولى التي استخدمها التنظيم وعَمَدَ على تحصينها وتجهيزها عسكرياً حينها، وقد كشفت القوات العراقية حوالي 11 نفقاً  وبعضها بطول 3 كم في قضاء القائم غرب الأنبار على الحدود السورية الشرقية وضمن الإطار المحيط بالباغوز، وأكدوا إن هذه الأنفاق تعود للفترة التي سيطر في التنظيم على أجزاء من محافظة الأنبار بين عامي 2٠14 و 2٠17، وإن شبكة الانفاق هذه هي جزء من مجموعة خنادق وأنفاق قديمة، استخدمها عناصر التنظيم للتسلل وتهريب السلاح بين سوريا والعراق، وخط العودة للعبور إلى العراق عند انسحابه.

وهنا يتضح إن التنظيم هَيّأ المكان من قبل، فالأنفاق في الباغوز ليست بجديدة، إنما كانت مُجهزة من قبل كممر تهريب، وهو ما يؤكد بأن الباغوز وما يحيط بها من أوائل الأماكن التي بدأ فيها داعش حركته في سوريا، واختارها كنقطة بداية ومنطلق لتغلغله فيها، وكانت نقطة نهاية، وممراً للعودة عند هزيمته في العراق.

ومن الأسباب الأخرى، بحسب المعطيات، يبدو أن التنظيم وجد في الباغوز حاضنة شعبية، فخلال اللقاء مع عدد من عناصر التنظيم، تبيّن أن أغلب القياديين في الباغوز كانوا من العراقيين (أغلبهم كانوا سابقاً ضباطاً في نظام البعث العراقي)، وكون المنطقة كانت تربطها مع العراق صلة قرابة، فقد كان من السهل عليهم الولوج إليها دون أية شكوك حولهم منذ البداية، والبدء في دراسة المكان وتخطيطه لتكون نقطة بداية، وربما النهاية احتياطاً؛ ليسهل عليهم العودة للعراق(1).

ما سبق يزيد احتمال اختيار خليفة التنظيم (أبو بكر البغدادي)، وخليته القيادية، هذا المكان، لاستخدامه كمقر رئيسي لإدارة التنظيم طيلة مدة بقائه، وبأنهم انسحبوا منه عند اقتراب هزيمته؛ أي من المحتمل أن الباغوز كانت العاصمة الإدارية والمخفية المُصغرة للخليفة ونوابه، أو على الأقل المقر الرئيسي لإقامتهم.

لماذا تأخرت قسد والتحالف في تحرير الباغوز؟

شَكلت الباغوز المرحلة الأصعب لقوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، وأسباب تأخره في تحرير البقعة الأخيرة هذه، التي يمكن تسميتها بـــ “نقطة البداية والنهاية”، يعود-بالإضافة إلى ما سبق- لأسباب أخرى عديدة، أهمها:

مدنيون عالقون:

من الأسباب الرئيسية التي أخّرت معركة تحرير الباغوز، كانت ضرورة إجلاء المدنيين العالقين فيها، والتي اضطرت فيها قوات سوريا الديمقراطية لإيقاف القتال، وعقد هُدن مع التنظيم لساعات محدودة، تمهيداً لخروج المدنيين أو عائلات التنظيم ممن يرغبون بالخروج والاستسلام، وفتح ممرات آمنة بالتزامن- أحياناً- مع الاشتباكات المركّزة والدقيقة.

لم يكن خروج المدنيين بالمهمة السهلة، فعملية فرز المدنيين الحقيقيين عن المزيفين منهم كانت بحاجة إلى الدقة والتمهّل، وهي ما أخّرت عملية استقبال الخارجين من الباغوز، وهي بدورها أخّرت عملية الحسم فيها. كما أن أعداد المدنيين العالقين هناك كانت مفاجئة لكل المتابعين، ولم تكن متوقعة، فقد خرج منها آلاف العالقين خلال فترة قصيرة، وفي بقعة لم تكن مساحتها تزيد عن مئات الأمتار المربعة.

قياديون مطلوبون

مما لا شك فيه أن العديد من قادة تنظيم الدولة الإسلامية، من فئة المؤسسين والمخططين للعديد من العمليات التي تمت؛ بالإضافة إلى المنفذين لها، كانوا قد تسللوا إلى الباغوز كآخر ملاذ لهم، كما أن الكثير من هؤلاء كانوا من المطلوبين الذين حاولت قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي الوصول إليهم أحياء، وعلى رأس القائمة خليفة التنظيم “أبو بكر البغدادي” ونوابه من الخلية الأساسية، فكان السبيل الرئيسي للوصول إليهم تخفيف حِدّة القصف والولوج برياً إلى المكان، وتكثيف البحث سعياً للوصول إليهم؛ بالإضافة إلى إفساح المجال لاحتمال إجراء مفاوضات قد تفضي إلى استسلام “المطلوبين”، ومنح بعض الوقت لخروج المدنيين، مما دفع الاستخبارات في قوات سورية الديمقراطية للعمل على فرز المقاتلين خصوصاً عند ادعاء البعض منهم بأنهم قدِموا لغرض التجارة أو العمل. فقد كان من بين الشخصيات التي تمّ كشفها وفق المرصد السوري، قيادي في تنظيم الدولة يدعى (أبو يوسف المغربي) الذي خرج ضمن الدفعات الخارجة في فبراير 2٠19، والتي أكدت المصادر بأنّ (المغربي) كان أحد المساعدين المهمّين في حفر الأنفاق، ومسؤولاً عن توظيف الأسرى في حفر هذه الأنفاق، وقد أكدت المصادر إنّ المغربي كان صاحب سُمعة سيئة وسِجِلّه حافل بالانتهاكات والجرائم ضمن مناطق سيطرة التنظيم، كما ظهر في العديد من الأشرطة المصورة؛ بالإضافة إلى نساء عملن كمقاتلات وخرجن مع المدنيين، وكل هذه الأسباب شكّلت عامل مهم للتأخير في حسم المعركة، بُغية التحقيق والوصول إلى العديد من هذه الشخصيات المطلوبة.

أسرى لدى التنظيم

كان لموضوع الأسرى والمعتقلين لدى تنظيم الدولة الإسلامية، اهتماماً خاصاً لدى قوات سوريا الديمقراطية، حيث كانت سبب المُهلة الأخيرة التي منحتها قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لداعش، فالكثير من الأسرى والمعتقلين لدى التنظيم، منذ بداية تأسيسه، قد تم قتلهم، والبعض الآخر تمّ نقلهم مرات عدة، فكانت الباغوز الفرصة الأخيرة لتحرير ما تبقى منهم سواء من المقاتلين أو المدنيين، وكانت النتيجة تحرير العشرات من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في 28 شباط، ممن كانوا في قبضة التنظيم في الباغوز؛ فضلاً عن العديد من الأسرى الإيزيديات وغيرهم من المدنيين، الذين تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من تحريرهم.

كانت هذه المَهَمة عائقاً أضيف إلى الأسباب الأخرى التي أخّرت حسم معركة الباغوز لدى قوات سوريا الديمقراطية، كونها تريثت؛ أملاً في تحرير هؤلاء المدنيين جميعاً. ومن جهة أخرى، فقد اتخذ التنظيم من موضوع الأسرى لديه “ورقة ضغط” للتفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية، مِما اضطروا إلى التزام الحيطة والحذر، حرصاً منهم على سلامة المعتقلين والأسرى لدى التنظيم لحين تحريرهم منهم.

حقول الألغام

يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية خطط من البداية لهذه المرحلة فَعَمَد إلى اتخاذ التدابير الكاملة للحفاظ على وجوده الأخير، لذلك استعدّ بكافة امكانيّاته ومعنويّاته لهذه المعركة، والتي كانت بالنسبة له هي المعركة الأخيرة في شرقي الفرات، واختار هذا المكان ليكون ساحة رئيسية للمعركة، نظراً لجغرافيتها. وكان “حقول الألغام” من التدابير الرئيسية التي اتخذها، فمن خلال المسح الذي أجراه قوات سوريا الديمقراطية، تبين أن داعش سَوَّر المنطقة بــ “حقول ألغام، الأمر الذي صَعّب تقدُم قوات سوريا الديمقراطية، وكان ذلك أحد أسباب تأخير حسم المعركة فيها.

المفخخات

من التدابير الأخرى التي اتخذها التنظيم لتأخير عملية إنهاءه، كان بتجهيز عربات أو نقاط أخرى بمواد مُتفرجة، ليُصعّب عملية التقدم، ويطيل عمر المعركة. الأمر الذي اقتضى على قوات سوريا الديمقراطية بالتباطؤ في التقدم، والتراجع أحياناً خشية تنفيذ التنظيم لهجمات معاكسة باستخدام عربات مفخخة أو انتحاريين مما يعرض مقاتليها (قوات سوريا الديمقراطية) لخطر هذه المفخخات، لذا اقتصر الأمر في البداية على القصف الجوي بشكل رئيسي.

شبكات الأنفاق

بعضها كان مُجهزاً سابقاً بينها وبين العراق وأُعيد تنشيطه، وبعضها الآخر تم تجهيزه حديثاً، وربطها بالشبكة القديمة في المدينة وخارجها، ولأغراض مختلفة، وكانت الغاية منها تحصين مقاتليه، وتسهيل عملية تنقلهم؛ بالإضافة إلى نقل أموالهم ووثائقهم وغيرها إلى جهات أخرى. الأمر الذي استدعى من قوات سوريا الديمقراطية التركيز والهدوء أثناء التقدم، كي لا يقعوا في فخ عمليات القنص من قِبل مسلحي التنظيم المتوارين في هذه الأنفاق. وقد وثَّق المرصد السوري لحقوق الانسان أواخر يناير / شباط 2٠19 خروج 3481٠ شخصاً، من ضمنهم 51٠٠ من عناصر التنظيم، كانوا قد انسحبوا نحو الخنادق والأنفاق التي تم تجهيزها في قرى ومزارع الباغوز.

قتال شرس

تساءل الكثيرون عن سبب شراسة قتال عناصر التنظيم في الباغوز؛ لا سيما أن هؤلاء كانوا يدركون أن المعركة محسومة لصالح قوات سوريا الديمقراطية، وإن التنظيم انتهى لا محالة. فقد رفض المئات من مسلحي التنظيم الاستسلام للتحالف، وخاصة الأجانب منهم، ولم يكن أمامهم أي مَنفذ سوى القتال حتى الموت كانتحاريين، لأن السبيل إلى مناطق أخرى للتنظيم كان مستحيلاً، سواء في الطرف الآخر (العراق) أو الأجزاء الأخرى من سوريا، فجميع المنافذ كانت مغلقة بوجوههم، ولم يكن لديهم من خيار سوى الاستسلام، وهو ما كانوا يرفضونه أملاً بهروبهم، أو القتال حتى الموت، وهو ما استمروا عليه، وكان السبب في شراستهم في القتال.

الباغوز آخر بقعة للتنظيم في شرق الفرات

بانتهاء معركة الباغوز، أصبح بالإمكان القول أن “عُقْدَة” حسم المعركة فيها قد فُكّت، فكل ما سبق ذكره من الأسباب أسهمت في تأخير عملية الحسم؛ لأن الباغوز فعلياً كانت كقلعة مُحصّنة، ومُسَوّرة بسواتر ترابية، وأليات مفخخة، أما العدد الهائل من الناس الذين خرجوا منها كان كفيلاً بالإجابة عن أسباب وعُقْدَة ” التأخير”.

لكن الأهم إنّ ما حدث في الباغوز رسم ملامح نهاية التنظيم الإرهابي “داعش”؛ بالإضافة إلى نهاية حقيقية للمأساة التي تَعَرّض له المدنيون، وخاصة الإيزيدون، من عمليات خطف وذبح واغتصاب، ونهاية للكابوس الذي عاشه كافة السوريون في مختلف المناطق لسنوات عديدة.


المراجع:

(1) مقابلات أجراها مركز الفرات للدراسات مع عدد من عناصر التنظيم ممن جرى اعتقالهم مؤخراً في الباغوز. تاريخ المقابلة 29 / 3 / 2٠19.

الباغوز”.. عروسٌ حائرة في كنف الطبيعة: http://esyria.sy/sites/code/index.php?site=deiralzor&p=stories&category=places&filename=201012181335011

مغارة “التيس”.. شاهدةٌ على أسطورةٍ بوكمالية!!: http://esyria.sy/sites/code/index.php?site=deiralzor&p=stories&category=round&filename=201012280815011

اله وعذارى المعبد والطقوس الماجنة والخنزير، الكتاب المقدس – العهد القديم : سفر المكابيين الثاني، الفصل / الإصحاح السادس:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=559846&r=0

بلدة “الباخوس”.. حكايات النهر والجبل والمغارة: http://esyria.sy/sites/code/index.php?site=deiralzor&p=stories&category=places&filename=201301161110032

أنفاق داعش في الباغوز:

https://diyaruna.com/ar/articles/cnmi_di/features/2019/02/22/feature-01

المرصد السوري لحقوق الانسان:

http://www.syriahr.com/?p=314759

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى